سلام عليكم سلام، تحية من قلب مفعم بالمودة، طبتم وطابت مساعيكم، صباحكم سعيد، ومساؤكم عيد، وكل عام وأنتم أعزة في رخاء تنعمون.
أما بعد، فإن كاتب الصفحة التي بين أيديكم كان هنا ثم غادر لأسباب مخبأة هناك، وفي الحديث الصحيح : من قرأ حصد، ومن بحث وجد، ومن قلد أو عنعن ألحق بأمة القردة.
والآن اسمحوا لي ـ يا سادتي ـ بعرض قصة المخبأ عسى قارئا يستفيد، أو ينصح العائد من بعيد .
قصتي يا إخوتي أني خرجت ذات ليلة مقمرة فأتيت قلعة (أهل القرآن) من بابها، ورحت أتحسس غزل نسائها ونقش كتابها، فألفيتهم دعاة سلام وتنوير، ينثرون الحكمة نثرا، وربما أرسلوها كالأمثال نظما وشعرا، سخاءا وعفة لا يسألون الناس أجرا ولا شكرا، أسوتهم ثلة من الأولين والنعمة المهداة طه، أما المرشد ـ عندهم ـ فنجوم التنزيل دون سواها، ولقد أحببتهم حبا لولا الملامة لقلت لا يضاهى.
هذا، وقد صحبتهم دهرا أرقم الورق كما يرقمون وأقرأ لهم ـ منكبا ـ وهم لا يشعرون، وكان من أمري وأمرهم ما كان، ثم ألم بي ضعف وذهان، فغبت عنهم لفترة وجيزة، ثم عدت فعاودني الداء، وجاء رأس الطب فتحسس فقدر فشخص وثرثر طويلا، ثم لخص فخربش وصفة تقول: مكتئب فحسب، ويبدوا أنه أوحى بعد ذلك لبعض أهلي أن شفاء الكآبة في قطع الوصال وترك الكتابة، وأجمعوا على إسكاتي فسكت..
جرح غائر، وطب حائر، ومال طائر لوخز وأقراص خبز (حشف وسوء كيلة). وجاء إمام المدرسة فقال للأستاذ المصاب: أبشر فزت بعطلة طويلة العمر مدفوعة الأجر، فكان الرد: بل عزلة وغربة على ضعف وشيبة، قسما لو أن مسا كمسي ألم برأس قبيلة بني عبس لمالوا جميعا لبخع النفس.. وشاع هذا القيل بين الناس وانتشر فطلعت علي جنية ترفل في قمصان من نسج الخيال، قالت : نما إلى سمعي أنك رميت عبوسا واقترفت غموسا، وأخذت تعظني مشفقة خائفة، قلت: مهلا يا أخت عبلة، مهلا يا جنيتي الهبلة، يمينا لو كان خطبا مفردا لتحفظت ممسكا عن كل قسم، ولكنها خطوب كُثر صلبة جلاميد، وملمات كالغرابيب شداد عنترية سود.
قالت: ملعونة غربة المحب،ألا بعدا لها كما بعدت غبراء وثمود.
.
الجزائر يوم : س ـ 01 ـ 2017