المفقودون فى الثورة.. مصير مجهول وأسر حزينة

في الإثنين ٢٨ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

وضعت ثورة 25 يناير أوزارها بعد 18 يوما من المظاهرات والاحتجاجات العريضة، انتهت بإسقاط النظام ورحيل الرئيس السابق حسنى مبارك عن الحكم، ولكنها تركت خلفها عشرات الشهداء الذين تم تكريمهم بدفنهم وتخليد ذكراهم، ومئات المفقودين الذين باتوا لغزا، لا أحد يعرف هل هم على قيد الحياة أم فارقوها؟، هل هم شهداء ستكتب أسماؤهم فى التاريخ بأحرف من نور، أم مازالوا مفقودين يواجهون مصيرا مجهولا، صحيح أن أهالى شهداء الثورة ذرفوا الدموع حزنا على فراق أبنائهم للأبد، لكن هناك أيضا عشرات الأسر التى لا تنام ولا تذوق الطعام بعد اختفاء أولادها فى ظروف غامضة، وأكثر ما يلهب النار المشتعلة بداخل قلوبهم عجزهم عن معرفة مصير أبنائهم فى غياب المساعدة الأمنية لهم.

تلقت لجنة الحريات بنقابة المحامين نحو 350 بلاغا عن مواطنين اختفوا خلال الثورة، وأكد المسئولون عن اللجنة أنهم مازالوا يتلقون البلاغات بشأن المفقودين حتى الآن. 

وكشفت عن أن غالبية المفقودين هم شباب فى الفئة العمرية المتوسطة، وأنهم يتوزعون على مختلف المحافظات، مؤكدة أن مصيرهم ينحصر بين القتل والدفن دون تحديد هويتهم أو الاحتجاز بأماكن غير معلومة.

وفى محاولة من شباب «فيس بوك» لمساعدة الأهالى فى الحصول على أخبار عن هؤلاء المفقودين أنشأوا صفحة تحت اسم «صفحة المفقودين فى ثورة مصر»، وكان من بين المفقودين على تلك الصفحة محمد سعيد على، وأمل إيهاب الدين محمود، وياسمين محمد عبدالعليم، وكذلك باسم ميلاد رزق الذى عاد لأحضان أسرته بعد 9 أيام.


أعباء الأسرة

محمد سعيد على، رغم صغر سنه، الذى لا يتجاوز 16 عاما، فإنه تحمل المسئولية مبكرا بعد ما لمس بقلبه الصغير وعقله البرىء الظروف المادية القاسية التى يمر بها والده العجوز وقصر ذات اليد، فلم يكمل دراسته وطرق ميدان العمل، وحمل على عاتقه مسئولية إطعام والديه وتوفير نقود تساعد أسرته على الأعباء المعيشية الصعبة.

وفى عزبة خير الله فى مصر القديمة تقطن أسرة محمد سعيد على، وبمجرد أن طرقنا الباب فتح لنا شخص فى العقد الرابع من عمره أخبرنا بأنه الدكتور وجيه محمد، أحد جيران الطفل المفقود، سألناه عن والد محمد سعيد على، وطلبنا مقابلته فأجاب بأنه فى حالة صحية سيئة هو ووالدته، ولن يستطيعا التحدث بعد حزنهما وبكائهما الدائم كمدا على غياب ابنهما، واختفائه منذ يوم 28 يناير الشهير بـ«جمعة الغضب»، وأنه يتابع بنفسه الحالة الصحية لهما، ويشرف على تقديم العقاقير والأدوية التى يتناولها كل منهما فى رحلة العلاج من الأمراض التى أصابتهما منذ شهر تقريبا.

وقال الدكتور وجيه إن محمد يعمل بمطعم فى شارع الهرم منذ شهور عدة، ولم يعبأ بالظروف القهرية التى تحتم عليه السهر فى عمله طوال الليل، وفى الساعة التاسعة من مساء يوم الخميس 27 يناير خرج محمد من منزله متوجها كالعادة إلى العمل لكنه لم يعد حتى الآن. 

وأضاف أن الأب والأم المكلومين انتظرا عودة ابنهما الصغير حتى الساعة التاسعة صباحا لكنه لم يحضر فاعتقدا فى بداية الأمر أن هناك ضغوطا فى العمل أخرت حضوره إلى المنزل أو ربما هناك أزمة مرورية عطلته خاصة أن هذا اليوم شهد تعزيزات أمنية هائلة اتخذتها أجهزة وزارة الداخلية وقتها كإجراء مضاد لدعوات «جمعة الغضب» فانتظرا قدومه لساعات أخرى لكنه لم يأت، وهو ما زاد الشك فى احتمالية تعرض ابنيهما لمكروه، وما زاد الموقف تعقيدا أن والد الطفل لا يعرف اسم المطعم الذى كان يعمل فيه ابنه أو حتى رقم تليفونه كحل أخير فى الوصول إلى أى خيط حتى ولو رفيع لمعرفة مكان ابنه. 

وفى هذه الأثناء كان الأب العجوز يتابع أحداث «جمعة الغضب» عبر الإذاعة، وعلم أن هناك حالة تخبط كبيرة تضرب البلد، وانقلبت على أثرها مصر قبل غروب شمس 28 يناير رأسا على عقب، فهرع إلى جميع المستشفيات للبحث عن ابنه لكنه لم يصل إلى إجابة تطمئنه وأن تبرد نار زوجته التى يعتصر قلبها ألما على فلذة كبدها.

أمل وعدت خطيبها بمعاودة الاتصال به لكن هاتفها مغلق إلى الآن

«خلاص يا هيما.. اقفل دلوقتى وأنا أكلمك بعدين أحسن فيه قلق فى شارع فيصل والعربية واقفة خالص والمرور بطىء»، هذه آخر جملة قالتها أمل إيهاب الدين محمود «19 سنة» لخطيبها إبراهيم على، عبر الهاتف المحمول، وهى تستقل سيارة أجرة لتوصيلها إلى المنزل قبل اختفائها بدقائق معددوة لتختفى ويختفى معها صوتها حتى الآن. 

يقول إبراهيم على، إن خطيبته أمل تدرس بالفرقة الأولى فى المعهد النموذجى للدراسات المتطورة بمنطقة الهرم التابعة لمحافظة الجيزة، وأنها توجهت إلى مقر المعهد صباح يوم الأربعاء 9 فبراير وقبل تخلى الرئيس محمد حسنى مبارك عن القيام بمهام عمله كرئيس للجمهورية بيومين فقط.

وأثناء عودتها للمنزل الكائن بجانب مستشفى الصدر فى منطقة العمرانية غرب بالجيزة استقلت «ميكروباص» وظلت تتحدث معه فى الهاتف المحمول لمدة نصف ساعة حتى وصلت شارع فيصل، وأخبرته بأن الطريق مغلق، والمرور لا يسير على ما يرام بسبب وجود مظاهرات حاشدة مناهضة للنظام، وقالت له إنها ستنهى المكالمة بسبب الأصوات العالية التى تنطلق من حناجر المتظاهرين.

وأضاف إبراهيم أنه انتظر ساعة كاملة حتى تتصل به خطيبته، وتخبره بوصولها إلى المنزل لكن هذا لم يحدث فقرر الاتصال بها ونهرها عن تأخرها فى الاتصال به فأمسك الهاتف وطلبها لكن مع كل محاولة للاتصال كان الهاتف مغلقا فاتصل على الهاتف الأرضى لكن شقيقها أبوالوفا ووالدتها أخبراه بأنها لم ترجع إلى البيت. 

وأشار إلى أنه بعد مرور 24 ساعة على عدم عودة خطيبته إلى منزل الأسرة قام، وشقيقها من الأم، أبوالوفا حسن، بتحرير بلاغ لقسم الهرم يفيد فيه بغياب أمل عن المنزل منذ يوم الأربعاء الموافق التاسع من فبراير 2011 أثناء عودتها من المعهد. 

وأوضح أبوالوفا حسن، شقيق الفتاة، أن والدته تعيش حياة صعبة وعصيبة خوفا على مصير ابنتها التى تواجه المجهول وأنها لا تستطيع التحدث مطلقا قائلا: «ماما ربنا يكون فى عونها وربنا يستر عليها لأنها صامتة ومذهولة منذ اختفاء أختى»، وأشار إلى أنه حرر بلاغا للقوات المسلحة على رقم 19488 وآخر لشرطة النجدة وثالث لقسم شرطة الهرم ولكن حتى الآن ليس هناك جديد.


ياسمين ثورية صغيرة حلمها أن تصبح مذيعة 

فى 9 فبراير، خرجت، ياسمين محمد عبدالعليم عبدالحق، الطالبة بالصف الأول الثانوى من عمارات البنك المركزى بالحى الثالث بمحافظة 6 أكتوبر، حيث تسكن أسرتها، للتوجه بصحبة زميلاتها إلى درس اللغة العربية، ومنذ هذا التاريخ وتحولت «ياسمين»، تلك الزهرة التى تتفتح، إلى لغز يتأرجح ما بين أمل الوصول إليها أحيانا، وما بين صعوبة الاستدلال عن مكانها فى أحيان أخرى، وهو ما أصاب والديها محمد عبدالعليم، وسهير حسن بحالات إعياء شديدة أدت إلى تدهور الحالة الصحية والنفسية لكل منهما.

تقول الأم البائسة سهير حسن بنبرة يغلب عليها الحزن الدفين إن ابنتها ياسمين طلبت منها صباح يوم الأربعاء 9 فبراير أن تنهى درسها وتذهب لميدان التحرير للمشاركة فى الثورة لكنها أسرعت بالرفض مما أحزنها، فلاحظ الأب ذلك فوعدها بأنه سيأخذها معه إلى الميدان بنفسه على أن يكون ذلك يوم الجمعة 11 فبراير، لكنها لم تسمع الكلام.


باسم ميلاد رزق اختفى وعاد لأحضان أسرته بعد 9 أيام من احتجازه

وما يزيد أمل أهالى المفقودين فى الوصول إلى ذويهم، والعثور عليهم أحياء، عودة باسم ميلاد رزق عوض «25 سنة» إلى حضن الأسرة بشارع الخماروية فى منطقة الساحل بمحافظة القاهرة، بعد 9 أيام من اختفائه، حيث قال باسم لـ«الشروق» إن القوات المسلحة ألقت القبض عليه، يوم الأربعاء، 2 فبراير، بعد أن اشتبهت فيه بأنه من مثيرى الشغب على خلفية أحداث «موقعة الجمال والخيول» فى ميدان التحرير، وتم احتجازه فى مكان غير معلوم، ليتم إطلاق سراحه بعدما تبين أنه لا دخل له، وأنه كان يتظاهر بطريقة سلمية.


اختفاء مواطن وسيارته منذ 10 أيام

تكثف مباحث مدينة نصر جهودها فى البحث عن المواطن سعيد عبدالعزيز أبوشادى، الذى اختفى يوم 18 فبراير الحالى.

تلقى قسم شرطة مدينة نصر بلاغا باختفاء أبوشادى فى منطقة سوق السيارات بالحى العاشر، هو وسيارته ماركة كيا سيرانو سوداء، ولا يزال مختفيا حتى الآن.

اجمالي القراءات 3817