محمد علي باشا والحل العبقري

سامح عسكر في الإثنين ٢٨ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

من ضمن إنجازات محمد علي باشا وتأسيسه لنهضة مصرية ليس فقط صناعته لنهضة فكرية ولا تنموية ولا زراعية صناعية..ولا عسكرية ولا سياسية..

بل شئ آخر تماما غير مذكور إعلاميا..لكنه مدون في كتب التاريخ

محمد علي باشا قضى على أكبر خطر هدد المجتمع المصري من الداخل بعد الغزو/ الفتح العربي في زمن ابن العاص..

قضى على البدو الرُحّل وأنهى مشكلتهم تماما في مصر

كان البدو يسمون وقتها (بالعُربان) وكانت لهم قبائل كثيرة في تخوم محافظات بحري وفي الصعيد، ولم يختلطوا بالمصريين، ونصبوا خيامهم خارج المدن والقرى..وعاشوا حياتهم على (السلب والنهب) إضافة لعمالتهم لصالح أعداء الدولة..فور شعورهم بضعف السلطة ينشطون فورا ويشرعون في هجماتهم على الفلاحين وأصحاب الأملاك..

أًصولهم مختلف عليها هل جاءوا كلهم من الجزيرة العربية أم من المغرب؟..وفي تقديري جاءوا على موجتين، الأولى مع الغزو العربي لمصر في زمن ابن العاص، والثانية مع الغزو الفاطمي لمصر بعده بمئات السنين، ومعلوم أن الفاطميين قدموا إلى مصر من المغرب فاستقدموا معهم بدو الصحراء الكبرى..ومعه ينتسب بدو مصر لعرب شبه الجزيرة والمغرب على حدٍ سواء..

عانى منهم كل من حكم مصر منذ عصر ابن الخطاب حتى الأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانلية..والمماليك بالذات تعرضوا لثورة أعرابية كبيرة جدا في عصر الظاهر بيبرس كادت أن تقضي على دولتهم..يقول الدكتور لويس عوض في كتابه.."تاريخ الفكر المصري الحديث"..ظلت ثورة العربان على المماليك كابوس وهاجس يقلق مضاجع المماليك طيلة حكمهم لمصر".

البدو العربان لم يكونوا وقتها قلة كما يلاحظ البعض الآن..بل كان لديهم جيشا لا يقل عن 20 ألف مقاتل في العادة، ويعتمدون في حياتهم على (التنقل والترحال) بما يعني أن حياتهم لم تكن مستقرة..

كل الحكام الذين سبقوا محمد علي حاربوهم وقتلوا منهم الآلاف..لكن لم يستطيعوا إنهاء مشاكلهم..فقط محمد علي بحيلة ذكية جدا قضى عليهم ..حتى أن هذه الحيلة في تقديري يجب أن تدرس كأحد أعظم الوسائل لحل المشاكل الاجتماعية.

لجأ محمد علي إلى (توطين) العربان، أي تسكينهم بيوت وقرى مصرية لتغيير حياتهم بالكلية، فقد فطن محمد علي أن مشكلة العربان في طريقة حياتهم (وعدم الاستقرار) ورأى أن المنازل التي سيبنيها لهم الآن لا تساوي نقطة في بحر خسائر الدولة في ظل وجودهم كخطر اجتماعي وسياسي بهذا الشكل..

الآن تغير الوضع..فبفضل خطة محمد علي بتوطين البدو تناقصت أعدادهم بشكل كبير..وذهب خطرهم بداية من القرن العشرين الذي يعد زمن أفول نجم العربان في مصر بعدما ظلوا طيلة قرون أصعب رقم في المعادلة السياسية والاجتماعية المصرية.. 

بالمناسبة: لكي تتخيل الوضع المصري في زمن العربان ارجع بذاكرتك إلى فيلم.."30 يوم في السجن"..للفنان فريد شوقي..تذكر قبيلة الشيخ.."النجعاوي"..وجيشه الجرار، هذا كان وضع البدو قديما كما تخيله المؤلف في زمنه، مجموعات من البدو الرحل لا يجمعهم سوى رابطة الدم، ويعيشون على السلب والنهب، ومسلحين بشكل جيد.. ولأن حياتهم تتسم بعدم الاستقرار فقد شكلوا خطر على أي مجتمع يدخلوه..

الآن لم يعد ما كان عليه النجعاوي ولا قبيلته، وإن وجدوا هؤلاء العربان فأعدادهم محدودة جدا بفضل التوطين الذي أسسه محمد علي، الحسنة من وراء ذلك كانت عظيمة..فقد اندمجوا في المجتمع المصري وبمرور الزمن فقدوا هويتهم الصحراوية وصاروا مصريين، أما البقية الذين لم يتوطنوا في عصر محمد علي أو من جاءوا بعده.. ما زالوا يعيشون على الترحال..لكن بنقص أعدادهم ضعفت قوتهم ولم يعودوا يشكلوا أي خطر على الدولة..

أخيرا: مشكلة البدو المصريين ليست محصورة فقط في الأقاليم، غالبا انتهت في بحري وقبلي لكن ما زالت مشتعلة في سيناء، والإرهاب السيناوي علامة على أن ما كان يعاني منه المماليك من غارات البدو على قطعاتهم يتكرر الآن على الجيش المصري، وعليه فالدولة بحاجة إلى خطة لدمج أهالي سيناء في المجتمع المصري، إما بخطط تنموية أو ثقافية واسعة لا تكتفي بمجرد مشاريع وهمية أو صغيرة..بل بحل عبقري لا يقل عن ما وصل إليه إبداع محمد علي في التعامل مع مشكلة عجزوا عن حلها طيلة ألف عام..

المصادر

ندوة عن تاريخ الدولة المصرية الحديثة في عهد محمد علي http://bit.ly/2fkpLf6
مقال حمدي أبو جليل في جريدة الاتحاد الإماراتية http://bit.ly/2gJSQAG
شهادة عرب الطحاوية http://bit.ly/2gsnGx7
مقال حلمي النمنم وزير الثقافة المصري في موقع فاروق http://bit.ly/2fCbmcD
اجمالي القراءات 8196