هجص مالك عن الحسد وعين الحسود .!!
تحت عنوان ( كتاب العين ) نقرأ فى الموطأ رواية يحيى( باب الوضوء من العين ) .
: ( وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ، يَقُولُ اغْتَسَلَ أَبِي سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ بِالْخَرَّارِ فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ قَالَ وَكَانَ سَهْلٌ رَجُلاً أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِلْدِ - قَالَ - فَقَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ عَذْرَاءَ . قَالَ فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُخْبِرَ أَنَّ سَهْلاً وُعِكَ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَائِحٍ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ سَهْلٌ بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِ عَامِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلاَّ بَرَّكْتَ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ " . فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ . ).
( وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّهُ قَالَ رَأَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَغْتَسِلُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخْبَأَةٍ . فَلُبِطَ سَهْلٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ . فَقَالَ " هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا " قَالُوا نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ . قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ " عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَلاَّ بَرَّكْتَ اغْتَسِلْ لَهُ " . فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .)
مفهوم من هذا الهجص أن الأخ الصحابى عامر بن ربيعة كانت عينه تحسد ، أى تفلق الصخر بالتعبير المصرى . وقد نظر بعينه الحاسدة الى الاستاذ سهل بن حنيف حين كان الأخ سهل يغتسل . فأصابته عين الاستاذ عامر فسقط الاستاذ سهل مريضا .ووصل الخبر الى النبى بزعمهم ، فوصف له النبى علاجا هو أن يتوضأ من العين. لم يرد فى الرواية مصطلح ( الحسد )، ولكن نفهم أن مصطلح (العين ) يعنى العين التى تحسد وتصيب المحسود بالضرر . وأن العلاج هو الوضوء.
ولكن بعدها نجد علاجا آخر للمحسود هو (الرقية ) .
( باب الرقية من العين )
حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنَىْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا " مَا لِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ " . فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ تَسْرَعُ إِلَيْهِمَا الْعَيْنُ وَلَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إِلاَّ أَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يُوَافِقُكَ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَىْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ " . ) فالعين الشريرة تسبق القدر الالهى .. يا للهول .!!.
( وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَيْتِ صَبِيٌّ يَبْكِي فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ بِهِ الْعَيْنَ - قَالَ عُرْوَةُ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَلاَ تَسْتَرْقُونَ لَهُ مِنَ الْعَيْنِ " .).
هنا هجص يأمر بالرقية دون ذكر صيغة معينة لها . وبالتالى فلا بأس بالرقية المصرية القائلة :( رقيتك واسترقيتك من عين الحسود واللى ما يصليش على النبى ) ثم بصقة على اليمين وبصقة أخرى على الشمال ..وكله هجص ..!!
ثانيا : الردُّ على هجص الحسد عند مالك :
1 ـ ( مالك ) هنا ينقل خرافات عصره من المعتقدات فى الأرواح الشريرة والأنفس السفلية والأشعة التى تخرج من عين الحاسد فتصيب المحسود .
ومالك لا يفترق عن عوام النساء فى الاعتقاد بالحسد . والنساء بالذات أكثر خلق الله اعتقادا فى الحسد وخوفا من عين الحسود . على أن النساء يتردد على ألسنتهن أن الحسد مذكور فى القرآن الكريم، وبعضهن لا يحفظن من القرآن الكريم إلا سورة الفلق . وهن بهذا يتفوقن على ( مالك ) الذى قلما يستشهد بالقرآن حتى فى معرض التأويل وتحريف المعنى القرآنى .
2 ـ ولكن .. هل صحيح أن الحسد المذكور فى القرآن يعنى قدرة الحاسد بعينه الشريرة على إلحاق الأذى والمرض بالمحسود؟ وما هو معنى الحسد فى القرآن الكريم ؟، وماالمقصود بقوله جل وعلا : ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )؟ .
إن ( الحسد ) فى القرآن الكريم يعنى فقط مجرد الحقد والكراهية فقط ، دون إلحق مرض بالمحسود.
3 ـ ـ وتبدأ القصة بخلق آدم ورفض ابليس السجود له حقدا وحسدا، وقد عبر عن حقده وحسده لآدم فقال عنه يخاطب رب العزة جل وعلا " قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62) سورة الاسراء ).
ان ابليس فى غمرة حقده وحسده على آدم طلب من الله تعالى ان يبقيه الى يوم القيامة ليمارس تصفية حساباته مع أبناء آدم ،وقد استجاب الله تعالى له ، فهو يمارس حقده فى غوايتنا واضلالنا، ونستطيع التخلص بسهولة من شروره اذا أستعذنا بالله تعالى من شروره ، وكنا مخلصين فى الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم. والله جل وعلا يعلمنا الأستعاذة بالله من شر ابليس ويوضح صفاته ومكائده فى قوله جل وعلا : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5)). فأبليس هو شر الخلق اذ لا مجال للخير عنده ابدا وابليس هو الذى يتحرك فى الظلام ليكيد لنا وتلك صورة مجازية تعبر عن وسوسته للنفس البشرية وذلك معنى قوله جل وعلا : ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . ) ، وهو الذى ينفث سمومه فى نفوسنا ليلوث الفطرة السليمة فى داخلنا : ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) ." ثم هو ذلك الحاسد الذى اعلن فى غمرة حسده لأبينا آدم ان يسيطر علينا ليهلكنا ،فقوله جل وعلا : ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) " مقصود به ابليس وحده حين قال لله تعالى عن آدم: ( أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً . ). ونحن حين نستعيذ بالله تعالى منه انما نخشى ان نكون من ضحاياه حين توعد ذرية آدم فى ذلك الموقف امام الله تعالى ، حيث كان حاسدا حاقدا . وابليس لا يملك الا الوسوسة والحث على الشر وليس بأمكانه اكثر من ذلك،وكفى بذلك شرا .
4 ــ ويخطىء الذين يعتقدون ان قوله جل وعلا : ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ . ) تعنى الحاسدين من البشر بعيونهم المشعة الشريرة والخطيرة. والسبب ان الآية تخاطب النبى محمدا عليه السلام فى المقام الأول وتقول له السورة : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. )، فهل يعنى ذلك ان يستطيع الحاسد من البشر ان يضر النبى محمدا الى درجة ان يأمره الله تعالى بالاستعاذة بالله منه ؟
5 ــ انهم يعتقدون ان أحد الحساد كاد أن يصيب بعينه النبى محمدا..! . وتلك من الاساطير المضحكة، فالقرآن الكريم ينفى ان يكون باستطاعة أى بشر من الناس ان يتسلط على النبى بضرر يمنعه من اداء الرسالة ، والله جل وعلا يقول له: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة (67) " اذن فالله تعالى كان يعصم رسوله ـ أى يحفظه ـ من الناس الحاسدين والمتآمرين وغيرهم على كثرتهم حتى بلغ الرسالة كاملة ، واذن فقوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام :( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ) لا تعنى البشر ، لأنه عليه السلام محفوظ ـ مقدما ــ من شرور البشر ، ويتعين ان يكون الاستعاذة من ابليس وحده وذريته من الشياطين . يؤكد هذا أن الله جل وعلا يقول للنبى : ( وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98) المؤمنون )، ويقول له ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) الأعراف ). ويقول له أيضا ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) النحل ) . ولم تأت الأوامر بالاستعاذة للنبى الا فيما يتعلق بابليس والشياطين . وذلك يؤكد ان سورة الفلق كلها تتحدث عن ابليس وذريته فقط وانه هنا هو الحاسد الذى نستعيذ بالله تعالى من شره . وأنه لا تتحدث أبدا عن حاسد من البشر .
6 ـ على أن القرآن الكريم يتحدث أيضا عن حاسدين من بنى آدم ولكن لا يأمر بالاستعاذة منهم، ونفهم أن حسدهم مجرد حقد لايستحق سوى الشفقة من المحسود . يقول جل وعلا عن بعض اهل الكتاب فى عصر النبى محمد عليه السلام : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)البقرة ) ولو كان حقدهم يفرز أشعة كما كتب الشيخ محمد متولى الشعراوى فى كتابه ( الحسد ) لاستطاع ذلك الحقد الضارى أن يبيد النبى والمؤمنين،ولما قال جل وعلا للمؤمنين:(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا).
7 ـ وبعضهم يستدل على وجود الحسد المؤذى بالمحسود بما جاء فى سورة يوسف عن قول يعقوب عليه السلام لأبنائه حين ذهبوا الى مصر (َ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ) ( يوسف : 67 ) أى أن النبى يعقوب ـ أو اسرائيل ـ عليه السلام خاف ـ بزعمهم ـ على أبنائه من الحسد ـ وكان عددهم بدون يوسف احدى عشر رجلا ـ فأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة حتى لا تنالهم أعين الحاسدين وأشعتها القاتلةّّ.!!.
إلا إننا نفهم من النسق القرآنى فى سورة يوسف أن يعقوب عليه السلام كان يخشى على أولاده من مضايقات كان يمكن أن يتعرضوا لها عند الحدود المصرية فى أطراف سيناء. وطبقا لما جاء فى الآية الكريمة فقد كانت هناك ( بوابات ) ( أبواب ) عند دخول مصر ــ أو بتعبير عصرنا ـ منافذ للعبور على الحدود. وهذا مذكور فى نفس الآية (َ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ). أى كانت هناك (معابر ) حدودية على الجانب المصرى ــ فقط ــ عليها حُرّاس يحمون الحدود المصرية ، ويقوم أولئك الحراس بتفتيش ومراقبة القادمين من البدو الى مصر . وفيما بعد حين التقى يوسف بوالديه وإخوته قال يشكر الله جل وعلا : (ُ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ ) يوسف 100) أى كانوا قادمين من البدو والصحراء. ومن الطبيعى أن تكون هناك احتياطات أمنية وحربية على الحدود المصرية الصحراوية الشرقية ، خصوصا وقت المجاعة التى ضربت المنطقة ، وكانت مصر مكدسة بالقمح والخير ، تُشجع الطامعين والجوعى . لذا كان لا بد من الحرص . وبالتالى فإن من دواعى الاشتباه وجود أخوة غرباء متشابهى الملامح فى صف واحد فى بوابة واحدة يتفرس فيهم الحراس الشكاكون بطبيعة مهنتهم . وأيضا فمن دواعى الحذر أن يدخل الأبناء الاحدى عشر الحدود المصرية من أبواب متفرقة . ودخل الأبناء من أبواب متفرقة كما أمر أبوهم وقال الله تعالى فى القرآن (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 68 ). أى إن هذا الحذر لن يغير شيئا من القدر الحتمى المرسوم سلفا. فالله جل وعلا قد أوحى من قبل للنبى يعقوب عليه السلام بما سيحدث لابنه يوسف من اخوته ، وهذا هو العلم الذى أعلمه الله تعالى به وجاءت الاشارة اليه فى سورة يوسف فى أكثر من موضع ( 5 ، 6 ، 18 ، 83 ، 86 ـ ، 94 ، 96 ) إلا أن عاطفة الأبوة عنده أذهبت عينيه من الحزن وجعلته يشفق على أبنائه من دخول الحدود المصرية .
من ناحية أخرى فان التقدم الهائل الذى كانت تعيش فيه مصر فى تلك الفترة كان يجعلها فى حذر من مجىء البدو اليها. وبعض ملامح هذا الترف والحضارة تظهر بين ثنايا سورة يوسف فيما يخص قصر العزيز ـ ولم يكن هو الملك بل أحد خدمه . إقرأ قوله تعالى عن امرأة العزيز ومحاولتها مع يوسف ( خادمها حينئذ )( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) يهمنا هنا أنها أغلقت الباب ـ آسف ـ بل أحكمت اغلاق الأبواب :( وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ ) ، أى ان لديها فى جناحها الخاص أكثر من حجرة وأكثر من باب ، وأن لكل باب منها أقفالا مزدوجة تستطيع بها من الداخل قفل الأبواب وإحكام قفلها. ولكن المفاجأة أن زوجها كانت لديه مفاتيح يفتح بها نفس الأبواب من الخارج . قد يبدو هذا عاديا فى عصرنا، ولكننا نتكلم هنا عن عصر يوسف أثناء الدولة الوسطى فى التاريخ الفرعونى. أى أنه فى الوقت الذى كان معظم البشر لم يهبطوا بعد من فوق الأشجار كانت إمرأة العزيز تقيم حفل استقبال للنساء المترفات فى المدينة فى قصرها العامر لتفتح معهن حفلة للثرثرة تنتهى بأن تريهن جمال يوسف. وفى وقت انشغالهن بالثرثرة والنميمة وآخر أخبار الاشاعات وهن متكئات على الأرائك يدخل عليهن يوسف فتتوقف الألسنة ويخيم الصمت ثم يصرخن جميعا (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يوسف 31 ) . )
من الطبيعى أنّ دولة بهذا القدر من الحضارة والرفاهية لا بد أن تحمى نفسها من الشرق حيث يوجد البدو، أى لابد أن تكون لمصر أبوابا على حدودها. و لا بد ان يشتهر الحراس على هذه الأبواب باليقظة والغلظة. ومن هنا خاف النبى يعقوب على أبنائه الاحدى عشر. لم يخش من الحسد ولكن من حراس الحدود .
أخيرا
ونرجع الى موضوع الحسد لنقول إن ابليس استطاع أن يتلاعب بنا ، اقنعنا أنه ليس هو المقصود بسورة الفلق وأنه ليس الحاسد وجعلنا نعتقد فى خرافات الارواح الشريرة والانفس السفلية والحاسد ذى العين السحرية المدورة.. ويبدو انه قد أحكم سيطرته على الاغلبية منا لأنه مهما قيل من أدلة قرآنية وعلمية فسيظل شيوخ الهجص وأتباعهم من النسوة والرجال يسيرون على دين ( مالك ) يعتقدون فى الحسد وأبو (عيون جريئة ) .!!. ويرددون المثل المصرى الشائع ( عين الحسود فيها عود ) ، أو كما قال المنلوجست المصرى الرائع الراحل محمود شكوكو : ( عين الحسود فيها عود .. وكمنجة ).!