هل هناك حد أدنى من الأعمال والايمان لدخول الجنة ؟

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هذا سؤال جاءنى ، وأُجيب عليه بعون الرحمن جل وعلا وتوفيقه :

أولا : مشكلة الانسان

1 ـ أوجز رب العزة جل وعلا مشكلة الانسان فى قوله جل وعلا : (  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس ) . النفس البشرية المتحكمة فى جسد الانسان قد ألهمها خالقها جل وعلا الفجور والتقوى ، وجعل لها حرية الاختيار فى أن تتزكى فتفلح أو أن تضل فتخيب وتخسر . الله جل وعلا جعل عناصر الهداية متكافئة مع عناصر الغواية . هناك الوحى الالهى ( وهو محفوظ فى الرسالة الخاتمة : القرآن الكريم ) وهناك الوحى الشيطانى ، وقد سمح رب العزة بوجوده واستمراره عبر القرون ، فلكل نبى عدو من شياطين الانس والجن يوحى بعضهم الى بعض غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه ( الأنعام 112 : 116 ) . وهو ماثل أمامنا فى الأسفار المقدسة لأتباع الديانات الأرضية ، من كاثولوكية وبروتستانتية وأرثوذكسية وسنية وشيعية وصوفية وبوذية وزرادشتية ومزدكية ومانوية وبهائية وبابية وسيخية وهندية ..

2 ـ وكل إنسان له حريته المطلقة فى إختيار ما يشاء :( دين الاسلام / القرآن ) أو أى من الأديان الأرضية ومذاهبها ، وحرّم رب العزة جل وعلا الإكراه فى الدين ، ليكون البشر مسئولين عن إختيارهم فى الدين يوم الدين . وجعل للفائزين خلودا فى الجنة وللضالين خلودا فى النار .

3 ـ ومع التساوى بين عناصر الهداية وعناصر الضلال أمام الحرية الانسانية فإن أغلبية البشر يختارون الضلال . ومنهم من يتذكر ويستيقظ من غفلته ويتوب . ومنهم من يقرر من البداية أن يكون متقيا مطيعا لربه جل وعلا . وبهذا سيكون الناس يوم القيامة ثلاثة أزواج : إثنان من اصحاب الجنة ، وفريق من اصحاب النار .

 

ثانيا : فى إستحقاق الجنة لايوجد حدُّ أدنى فى الايمان

1 ـ  فى الاسلام لا توجد فى الايمان منطقة رمادية . لا يوجد توسط ، ليس هنا أبيض واسود ، فبين الأبيض والأسود ظلال ومختلف الألوان . ولكن فى موضوع الايمان فالقضية ( أبيض وغير أبيض ) ، أى إما إيمان خالص نقى 100% ، وإما كفر وشرك . نسبة إيمان قدرها 99% تكون كفرا عقيديا وشركا قلبيا . فما بعد الحق الاسلامى لا يوجد إلا الضلال : (فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ (32) يونس ).

2 ـ معنى ( لا إله إلا الله ) أن يكون الايمان خالصا بالله جل وعلا إلاها لا شريك له . ولا تقديس لغيره .   أى إن شهادة الاسلام واحدة هى ( أشهد أنه لا إله إلا الله ) فقط ، وهى تتضمن الايمان بكل الرسل بلا تفريق بين رسل الله . 

3 ـ إنه الاخلاص فى الدين لرب العزة جل وعلا : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر  ) والاخلاص فى العبادة لرب العزة جل وعلا : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) الزمر ) .

4 ـ فى هذا الايمان المطلق بالله جل وحده إلاها لابد من إجتناب الطاغوت.  وفى كل رسالة إلاهية كانت الدعوة لإجتناب الطاغوت  (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) (36) النحل  ) .

5 ـ والطاغوت هو الوحى الشيطانى وما يترتب عليه ، أى الأحاديث المسماة بالنبوية والقدسية ـ مثلا .  يقول جل وعلا عن المؤمنين المبشرين بالجنة : ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17)الزمر ).

6 ـ و بإجتناب الأحاديث الشيطانية ( الطاغوت ) لا يبقى فى الدين الحق إلا أحسن القول ، أى القرآن الكريم ، يقول جل وعلا بعد الآية السابقة من سورة الزمر : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18)الزمر ). فأحسن القول هو حديث رب العزة فى القرآن الكريم ـ يقول جل وعلا  فى نفس السورة : (  اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)  الزمر ) .

7 ـ ولأنها قضية لا تعرف التوسط ، فإن من لا يدخل الجنة ليس له إلا النار ، ولا يوجد مكان وسط بين الجنة والنار .

من يموت مشركا لن يدخل الجنة : (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة )( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) الزمر ) (  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً (48)(  إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (116) النساء  ) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد  ) .

 

ثالثا : ليس عسيرا إخلاص الدين للخالق جل وعلا

1 ـ لا يوجد توسط أو حد أدنى فى الايمان الذى يستوجبه دخول الجنة . ولكن هذا الايمان برب العزة جل وعلا وحده ليس أمرا عُسرا . ليس صعبا على الإطلاق .

2 ـ بالعقل المجرد عن الهوى يدرك أى إنسان أنه من العبث تقديس البشر والحجر . وأى عقل مجرد عن الهوى يسخر من الخرافات المُلتصقة بتقديس البشر والحجر . أى ليست هناك معضلة على الاطلاق فى أن تنبذ (الطاغوت ) .

3 ـ ومن السهل أن تعى أن كل البشر المقدسين هم مثلك يأكلون ويتغوطون ويخرج منهم ريح وضراط ، ويصابون بالامساك والاسهال ، ولهم عورة وبطونهم فيها أمعاء غليظة وأمعاء دقيقة ، ويمارسون الجنس ويتلذذون به مثلك ، ويموتون وتصير أجسادهم جيفة مثل من سبقهم ومثل من سيأتى بعدهم .

4 ـ  ومن السهل أن يعى الانسان أن تلك القبور المقدسة هى صناعة بشرية مبنية من طوب وحجر ورخام وحديد وقماش وستائر وزخارف لا تختلف عن أى بناء ، وأن من كان يبنيها كان يقف فوقها بقدمية ، فكيف يتبرك بما كانت تقف عليه أقدام العمال و ( الصنايعية ) ؟.

5 ـ ليس عسيرا الايمان بالخالق فاطر السماوات والأرض وحده إلاها . ولكن البشر بالهوى يعاندون العقل والحق . لذا لا يستحقون الشفقة حين يخلدون فى النار .!

 

رابعا : يوجد التوسط فى العمل الصالح :

1 ـ أصحاب الجنة هم الذين ’منوا وعملوا الصالحات . وبينما لا يوجد حد وسط فى الايمان فإنه يوجد توسط فى العمل الصالح . ولذلك فأصحاب الجنة درجتان : السابقون المقربون ، وأصحاب اليمين .  

2 ـ وجميعهم كانوا فى الدنيا متقين لأن الجنة لا يدخلها إلا من كان تقيا . يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً )63 مريم ) . والمتقون ينطبق عليهم قول رب العزة جل وعلا : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف  ).

3 ـ من مظاهر التفاوت فى العمل الصالح أنه فى حال تعرض الدولة الاسلامية الى إعتداء يستوجب القتال فإن التقاعس عن الجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالنفس والمال يعنى الحرمان من الجنة ، يقول جل وعلا للمؤمنين فى المدينة وكانوا فى حالة خروب دفاعية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)  البقرة ) و (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران  ) (  قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) التوبة  ).

4 ــ فى الأحوال العادية يكون دخول الجنة لمن آمن وعمل صالحا : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) الرعد ).

 

خامسا  :الجنة متاحة للتائبين وهم أصحاب اليمين

1 ـ  ولأن الانسان غير معصوم من الخطأ فإن رب العزة يجعل الجنة متاحة لمن يجتنب الكبائر ، ويكفّر رب العزة عن سيئاته الصغائر ، يقول جل وعلا : (  إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31) النساء ) .

2 ـ وفى كل الأحوال فهو جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وما جعل علينا فى الدين من حرج ، وقد جعل التخفيف وقبول الأعذار أساسا فى تأدية العبادات . ثم بعد ذلك فالتوبة متاحة لكل إنسان مهما إرتكب من ذنوب ، بشرط أن تكون توبة مخلصة يتبعها تكثير من عمل الصالحات حتى تغطى الصالحات ما سبقها من كبائر .

3 ـ ويدعو جل وعلا عُصاة البشر للتوبة يقول جل وعلا  لهم : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام  ) ( وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) الاعراف  ) ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )

كما أنه جل وعلا يدعو عموم المؤمنين للتوبة لينجو من جهنم ، يقول جل وعلا  : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم )

4 ـ وفى نفس الوقت فإنه جل وعلا لا يؤاخذ على الخطا والنسيان ويعفو عن المضطر والواقع تحت الإكراه . وهو جل وعلا يؤاخذ على التعمد ــ  فقط  ـ فى ارتكاب المعصية ، يقول جل وعلا : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)  الاحزاب ).

5 ـ  ومهما بلغت كثرة الذنوب فمن الممكن التوبة منها ، والله جل وعلا يقول (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) الزمر ).  فالغفران مُتاحُّ يوم القيامة لمن تاب فى الدنيا توبة صادقة ، والمغفور له يوم الحساب يدخل الجنة .

6 ـ يشمل هذا الغفران :

6 / 1 : من كافرا معتديا ثم تاب مخلصا : (  قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ  )   (38) الانفال )

6 / 2 : من قام بتعذيب المؤمنين ثم تاب توبة نصوحا : (  إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) البروج ).

6 / 3 : ، ويشمل الكافر عقيديا بالله جل وعلا ثم تاب : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)  المائدة ). يعنى إن تابوا غفر الله جل وعلا لهم .

6 / 4 : من يرتكب الكفر والزنا والقتل ، يقول جل وعلا عن مصيرهم إن لم يتوبوا : (  وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان )

6 / 5 : الذين يكتمون الحق القرآنى ثم يتوبون : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة ) أما من يموت بلا توبة كافرا فمصيره اللعنة والخلود فى النار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة ).

 

رابعا : دور الصدقات فى تكفير السيئات والغفران ودخول الجنة

1 ـ عن السابقين من الصحابة قال جل وعلا : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة  ). ثم قال بعدها عن بعضهم ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) التوبة ). الصدقة هنا مقترنة بالتوبة الصادقة .

2 ـ أصحاب اليمين (الأقل درجة فى الجنة ) هم التائبون من الكبائر من الذنوب ، والذين كفّروا عنها بتصحيح الايمان وكثرة الأعمال الصالحة . وأهمها تقديم الصدقات والجهاد فى سبيل الله جل وعلا بالمال .  

فى ذلك يقول جل وعلا :  (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة ). فالصدقة تكفّر من السيئات .

3 ـ  ويقول جل وعلا داعيا للصدقة التى يمكن بها غفران الذنوب : ( وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور ).

4 ــ بل إنه جل وعلا يصف الصدقة بأنها (قرض ) لرب العزة جل وعلا ، وهذا تعبير هائل.!!. وأنها سبيل للغفران وأنها الخير لمن يتصدق . جاء هذا فى قوله جل وعلا :  (  إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن )

 

أخيرا :

1 ـ ليس صعبا تطبيق قول رب العزة جل وعلا : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد )

2 ـ ليس صعبا أن تقرر دخول الجنة وان تكون من أصحابها . فقط عليك أن تؤمن إيمانا مخلصا برب العزة لا إله سواه ، وأن تعمل صالحا ..

اجمالي القراءات 10516