رسالة ( أخرى ) من شاب مسلم ..شاذ جنسيا ( الجزء الاخير : علاج هذا الشاب )
أولا : نتعرف على هذا الشاب :
1 ـ هو ( شاب ) لا يزال فى مقابل العمر ، لم يقع ـ بعدُ ـ فى الزنا ، وقع مرة فى الشذوذ السلبى ثم لم يكررها ، ثم وقع فى ( الاستمناء ) وأدمنه ، ومع ذلك فلديه قابلية للتوبة ، وهو يحسُّ بالخطأ ويرجو العلاج . التوبة فى مثل حالته ممكنة وواردة ـ عكس ذلك الذى أفنى عمره فى الضلال والظلم ، من الصعب علييه أن يتوب فقد إسودّ (قلبه / نفسه / فؤاده ) . فالكبائر بتواليها والادمان عليها تجعل صاحبها كما قال جل وعلا : (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين ) ، تتالى وتوالى الصدأ على القلب فإسودّ ، وفى نهاية العمر لا يوجد متسع لتنظيف هذا القلب الأسود . تستلزم التوبة وقتا يتم فيه إرجاع الحقوق والاعتراف بالذنب وتكثيف الأعمال الصالحة كى تغطى الأعمال السيئة ، وكى تمحوها ، وكى تجعل القلب الأسود أكثر بياضا . من حُسن حظ هذا الشاب أن صحا ضميره مبكرا وبدأ يبحث عن الهداية .
2 ـ هو ( شاب ) ميسور ماليا ، ربما ينتمى للشريحة العليا من الطبقة المتوسطة ، فله حجرة يخلو فيها بنفسه حيث لا يعكّر صفوه أحد . وأبوه مشغول عنه ، وهو لديه وقت من الفراغ . والصحة والفراغ من أهم النعم الدنيوية التى يُساء إستغلالهما . لو كان فقيرا لازدحمت به وبأخوته حجرة نوم واحدة ، ولكانت لقمة العيش تؤرقه وتجعله يقضى وقته فى الكدح بحيث لا يجد متسعا لأن يُصاب بالاكتئاب . الاكتئاب لا يصيب الفقراء الكادحين المهمومين بالبقاء على قيد الحياة . الاكتئاب يصيب المترفين والاغنياء الميسورين الذين لا تشكل لهم ضرورات الحياة مشكلة . ابناء الطبقة الوسطى يطمعون فى المزيد من كماليات الكماليات ، وعندما لا يحصلون عليها يلحقهم الاكتئاب. المترفون يصيبهم الاكتئاب من الزهق ومن الضجر ومن إنعدام الأمل ، فكل آمالهم محققة ، ولا يوجد شىء يتمنونه ، ولا يوجد شىء له مذاق أو طعم ، وحيث لا أمل ولا هدف فالإكتئاب هو سيد الموقف ، وقد يصل بالمترف الناعم الى الانتحار .
3 ، هذا الشاب الميسور الحال الذى لم يقع فى الزنا ـ حتى الآن ـ وقع فى (اللمم ) ، أى الاستمناء . وهو من السيئات الصغائر . الشاب الفقير يمارس الاستمناء ليفرغ المشحون فى خصيتيه تفريجا على نفسه ـ هذا لو كان قد أشبع معدته من الطعام . هذا الشاب الميسور تحول الاستمناء عنده الى إدمان .
4 ـ وقلنا إن الشيطان يدخل للإنسان من ناحية ضعفه ، ومما يهواه ، إذا كان يحب النبى جعله الشيطان يتطرف فى حب النبى فيتحول الحب الى تقديس وتأليه ، وإذا كان يحب الصلاة جعله يبالغ فى الصلاة الى أن يجعلها هدفا ، ثم يُقنعه أنه طالما يُصلى فلا عليه بعدها إن وقع فى الكبائر . وإن كان يحب ثروته جعله الشيطان يتطرف فى هذا الحب الى درجة الكفر ، مثل صاحب الجنتين فى سورة الكهف ( 32 : 43 ).
فى حالة هذا الشاب فإن الشيطان زيّن له الادمان فى العادة السرية ، وحيث لديه الفراغ والصحة ، ولا يجد من أهله من يراقبه وينصحه ويرعاه ، فقد مرت عليه سنوات فتفاقمت حالته الى أسفل . إن العادة السرية اساسها التخيل وأحلام اليقظة ، بدأ يتخيل نفسه مع إمرأة ، ثم اصابه الملل من تخيل نفسه مع إمرأة ، وهو يريد تجديدا يزيد فى النشوة والانتصاب ، فأخذه خياله الشيطانى لأن يتخيل نفسه إمرأة ..وتغلب عليه هذا الشعور فوقع فى المزيد ، من ممارسة الشذوذ السلبى ، الى الشذوذ مع الحيوانات ، ومع النجاسات . هنا وقع فى إمتهان نفسه ، كما وقع فى خلط وإضطراب نفسى ، فقد سيطرت عليه خيالاته طالما هو يسارع بتحقيق ما يطرأ على خياله . وحيث أنه لا تزال فيه لمحات تطهر ونقاء فقد وقع فى صراع أمرضه ، وهذا الصراع الذى أمرضه جعله يبحث عن العلاج . وفى بحثه عن العلاج تلفت حوله فوجد الشيوخ السلفيين ، ثم تعرف الينا . ونقول له العلاج القرآنى .
ثانيا : العلاج القرآنى :
1 ـ المصارحة مع النفس : يقول جل وعلا : ( بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة ). بداية العلاج المصارحة مع النفس . وكل إنسان يستطيع مواجهة نفسه ، وهو بصير بعيوبه ومزاياه. قد يُرائى وينافق ويكذيب ويتظاهر بما ليس فيه ـ خداعا للناس وخداها للذات . ولكن الاصلاح / العلاج يستلزم مواجهة صريحة مع الذات . إجلس أمام المرآة وتكلم مع نفسك . لا أقصد مرآة الحائط ، بل مرآة نفسك . إقفز الى غياهب نفسك وتجول فى دهاليزها طلبا للإصلاح / العلاج .
2 ـ التصميم : هذه المصارحة تستلزم تصميما وعزيمةماضية على العلاج / الاصلاح. لا بد أن تصاحبك حتى ينتهى علاجك ، وبعد أن ينتهى العلاج .
3 ـ الضمير : هذا التصميم يعنى أنك علوت ورفعت نفسك فوق نفسك ، أى تكون لديك ما يسمى بالأنا العليا أو ( الضمير ) الذى يمنعك من الوقوع فى الخطأ ، وإذا وقعت فى خطأ أخذ يلهبك بسياط الندم . هذا الضمير هو الذى يجعلك قادرا على تحقيق شيئين :
3 / 1 : ( القدرة على الاستغناء ) : فكل شىء يمكن أن تستغنى عنه طالما لا تزال قادرا على التنفس . تستغنى عن السيجارة وعن العلاقات المريبة وعن اى شخص وعن أى شىء . هذه القدرة على الاستغناء تجعلك حُرّا فعلا ، فلا يوجد إدمان لعادة أو تقليد أو لمراضاة الناس . وهذه القدرة على الاستغناء تجعلك أقوى الناس ، فليست فى داخلك نقطة ضعف يمكن أن يستغلها المستبد الشرقى أو المنتج الغربى . أنت فوقهم جميعا وأقوى منهم جميعا
3 / 2 : ( هذا لا يليق ) ، يعنى أن هناك أشياء ( لا يليق بك ) أن تفعلها حتى لو فعلها معظم البشر . هذا هو ( إحترام الذات ). ليس هذا غرورا وليس هذا تكبرا ، بل هو إرتفاع بالنفس أخلاقيا فوق مستوى الآخرين ، ومثلا ، فإذا اساء اليك أحد فلا يليق بك أن تكون مثله . ولا ينبغى لمثلك أن يتعامل مع الناس بالعدل بل بالاحسان والغفران ، أن تتعامل مع الناس ليس بما يفعلون معك بل بمستوى النُّبل عندك .
4 ـ ( المشيئة البشرية ) : كل ذلك تجمعه كلمة واحدة ( المشيئة البشرية فى الاصلاح الفردى والاصلاح العام ). 4 / 1 : هناك مشيئة إلاهية ، وهى تتنوع ، ومنها مشيئة الخلق ، فمشيئة الخالق جل وعلا هى التى خلقت كل فردمتميزا عن الآخر ، فبمشيئة الرحمن جاء تركيبك الجسدى فى الصورة التى شاءها لك الرحمن جل وعلا :(فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) الانفطار). وبمشيئته جل وعلا كان تصويرنا فى الأرحام : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6))آل عمران ) . وبمشيئته جل وعلا يقول للشىء كن فيكون : ( كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) آل عمران ).
4 / 2 : وهناك مشيئة بشرية خارج حتميات الميلاد والوفاة والرزق والمصائب . أنت لا خيار لك فى كونك أسود أو أبيض أو طويلا أو قصيرا ، ولكنك لك المشيئة المطلقة فى أن تدخل الجنة إذا شئت الايمان الصادق وعملت العمل الصالح . ستدخل الجنة لأن الله جل وعلا وعد من يؤمن إيمانا صادقا ويعمل عملا صالحا بدخول الجنة ، وهو جل وعلا لا يخلف الوعد ولا يخلف الميعاد . وتخيل شخصا أسود اللون يتمنى لو كان أشقر . هو لا يستطيع أن يغيّر هذا فى جسده الدنيوى المؤقت فى هذه الدنيا ، ولكنه إذا شاء فيستطيع أن يعيش بوجه أبيض فى الجنة خالدا مخلدا ، يقول جل وعلا عن نوعى الناس يوم القيامة : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران ).
4 / 3 : مشيئة البشر هى الحاكمة فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وتأتى مشيئة الرحمن تالية ومؤكدة لمشيئة الفرد بهذا أو ذاك .
عن مشيئة البشر فى الهداية يقول جل وعلا : (فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ ) ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (19) المزمل ) ،
وعن مشيئة البشر فى هذا أو ذاك يقول جل وعلا : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (29) الكهف ).
عن مجىء مشيئة الرحمن تعزز مشيئة البشر فى الهداية يقول جل وعلا : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) الانسان ) (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير ), أى بمجرد أن يشاء الفرد الهداية تأتى مشيئة الرحمن له بالهداية . وهنا نفهم قوله جل وعلا : ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) البقرة )، أى من يشاء الهداية يهديه الله جل وعلا الى صراط مستقيم . ونفس الحال فيمن يشاء الضلال يشاء رب العزة جل وعلا الضلال الذى إختاره لنفسه. يقول جل وعلا عن الحالتين : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر )، أى من يشاء الضلال يضله الله جل وعلا ، ومن يشاء الهداية يهديه الله جل وعلا ، ويقول جل وعلا أيضا : (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) (76) مريم )
5 ـ بهذه المشيئة البشرية الحاكمة يتحكم الفرد فى نفسه . لقد خلق الله جل وعلا لنفس البشرية وألهمها الفجور والتقوى ، وجعل للفرد على نفسه إمكانية التحكم فى نفسه بأن يزكيها إذا شاء فيفلح ، أو أن يطيع هواه وغرائزه إذا أراد فيخسر ، يقول جل وعلا : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس ).
المفلح هو صاحب المشيئة القوية فى الاصلاح . هو الذى ينهى نفسه عن الهوى فيكون من أهل الجنة : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ( 41 ) النازعات ).
6 ـ بهذه المشيئة البشرية الحاكمة يستيقظ ( الضمير ) ولا يخجل الفرد من الاعتراف بخطئه على رءوس الأشهاد ، وهذا ما فعلته إمرأة مصرية إرستقراطية ، هى إمرأة العزيز التى إعترفت أمام الملك والحاشية بأنها هى التى راودت يوسف عن نفسه ، وأنه كان عفيفا صادقا : (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف ).
أخيرا :
المطلوب من هذا الشاب : وهو فى بداية الطريق ـ أن يعالج نفسه بنفسه بمشيئة حديدية مؤمنة . ولكى تتأسس هذه المشيئة علي توبة حقيقية وإيمان صادق عليه أن يستعين بالصبر والصلاة ، يقول جل وعلا (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة ).