هل الانسان أرحم من الله؟
كثير من الأشياء والأحكام وما يقال ومايدور من آراء وتأويلات في هذا الموقع تتصادم مع الدستور القرآني الذي سطره اهل القرآن لأنفسهم وكتبه الدكتور احمد منصور أو هو مؤلفه في الحقيقة ! ولهذا فأنا أكتب مقالي هذا ، ليس من باب التجريح ولا التخطيء بل من باب النقد البناء لا الهدام ، لنكون كقرآنيين متوافقين مع أنفسنا وغير مناقضين مع السلم العالمي والرحمة الربانية التي ندعو لها ونتبجح بها في كل حين وآن !
موضوعي هذا يتعلق بالآية التي تساءل عنها الأخ ben levante وأجابه عليها الدكتور منصور وسأوردها في الفقرة التالية ولكن قبل ذلك أريد أن أذكر بشيء مهم كنت قد أثرته على هذا الموقع ، وهو الدعوة إلى تدبر آيات الحرب قبل آيات السلم وسأعبر عنها الآن بالقول " آيات العنف " !
لم يسعفني الحظ نهائيا ولا الوقت لمحاولة التدبر هاته ولكنني أرجو من العلي القدير أن يمكنني من فعل ذلك مستقبلا .
ماتفعله داعش هو القتل والحرق والصلب والتقطيع والذبح ، فيهب العالم الغربي والإسلامي بأن هذا إرهاب وبأنه ليس دينا وبأن داعش لا تمثل الإسلام ! طيب ! أنا أيضا أقول بأن الإسلام ليس هكذا وبأن هذا يتعارض مع الرحمة الإلاهية !
ولكن حين أقرأ رد الدكتور أحمد منصور على أحد المعلقين في الموقع فأنا أجد رده لا يختلف نها ئيا عما تقوله وتفعله داعش !
فهل أصبح الدكتور منصور داعشيا ؟ أم أن داعش هي الوحيدة التي تمتلك الحقيقة وتطبق الإسلام بحذافره في غفلة منا وغفلة من الزمن ؟
لا بل الدكتور منصور قرآني يطبق القرآن بحذافره ! وكذلك تفعل داعش مع القدرة !
فلداعش أتيحت الفرصة لاقامة خلافة تطبق فيها ماتفهمه من النصوص !
وهذا مازال لم يتح للقرآنيين لتطبيق فكرهم ! هذا ليس اتهاما ولكنه نظرة واقعية ! لنفترض أن المجتمع قد تغير وأعطيت لنا فرصة تطبيق الشريعة المستمدة من القرآن وحده لنطبقها ! ولنستبق الاحداث والتاريخ ونرم بانفسنا في خيال علمي يكون فيه مجتمع توفرت فيه الظروف ليكون الدكتور احمد صبحي منصور إماما وخليفة ، فإنه سيحكم تماما بتقطيع الأوصال تماما كداعش ! ( معذرة دكتور منصور ، فأنت تعرف مقدار ما أكنه لحضرتك من ود واحترام ، ومدى تقديري لحبك للقرآن ، ومقالي هذا ليس للإساءة لسيادتك مطلقا من قريب أو من بعيد ولكن فقط ، لأقول بأن بعض الفهم قد يتعارض مع الرحمة الإلاهية المفترضة بل الأكيدة عند إلاه يصف نفسه بالرحيم ) وأرجو أن يتسع صدركم وصدر القارئ لكلامي حتى أنتهي من موضوعي ، وشكرا على تفهمكم مسبقا ! )
إن الله الذي يعتبر أرحم الراحمين لا يمكن أن يدعو إلى أشياء حين يراها الإنسان بأم عينه يرق حاله وترتعد فرائسه ويتقطع قلبه أسى وإشفاقا ! مع أن الإنسان لا يمكن أن يكون أرحم من خالقه !
فالله هو الرحيم ، وهذه الكلمة هي أبلغ صيغة للرحمة ولا يوجد أبلغ منها لوصف الرحمة نهائيا ! وأنا أنطلق من هذه القناعة لنقاش موضوعي ولا أنطلق منها كفرضية مطلقا ولكنني سأسميها " فرضية "فقط من باب النقاش المنطقي الذي سيلي في المرحلة القادمة من تحليلي !
وكي تتضح الصورة للقارئ ، سأورد سؤال السيد ben levante ثم رد الدكتور منصور عليه ، لن أكتب التعليقين بكل ما جاء فيهما ولكنني سأكتب مايهم موضوعي فقط !
هذا جزء من سؤال السيد ben levante :" لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك جريمة تستحق القصاص (العذاب) بهذا الشكل البشع؟ ( يقصد الحازوق * ) من البديهي أن ضخامة الجريمة تحدد مدى القصاص، لكن هل يمكننا أن نستخدم هذه العلاقة طرديا؟ إذاً سنصل إلى الخازوق وأكثر من الخازوق، وسيصبح الجزاء بشعا مثل الجريمة. هذا التساؤل موجود لدي أيضاً عندما اقرأ الآية (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿المائدة: 33﴾). من البديهي أن تقطيع الايدي والارجل والصلب قصاص بشع، فهل هو معقول كقصاص، وبغض النظر عن الجريمة. شيء يحيرني هنا في الآية، فهي تحتوي (تقريبيا) على مترادفات: يُقَتَّلُوا ،يُصَلَّبُوا،تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ، ثم يأتي المترادف الاخير (أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ). شتان بين تقطيع الارجل أو الايدي والنفي. فما العبرة في ذلك؟ هذا سؤال من جملة اسئلة تأرقني منذ زمن بعيد.
جواب الدكتور منصور بكل بساطة وتلقائية وإيمان عميق بالقرآن الكريم ( أو بالأحرى جزء من الإجابة وأنا أورد هذا الجزء لأنه هو ما يهم موضوعي )
تعليق بواسطة آحمد صبحي منصور في الأربعاء 03 اغسطس 2016 [82670]
شكرا أخى بن ليفانت ، وأقول عن عقوبة ( الحرابة ) والاعدام بالخازوق ...
2 ـ أية 33 من سورة المائدة تتحدث عن دولة إسلامية اساسها السلام وتضمن حياة سكانها الآمنين وتضمن لهم حرية الدين والعدل والكفالة الاجتماعية : ( المثال دول شمال غرب أوربا وكندا الآن ) . ثم تظهر فيها عصابة مثل ( داعش ) .هنا قتل لأفراد كثيرين ، وسلب لأموالهم وهتك لأعراضهم وترويع لهم . الواجب قتالهم . إن تابوا قبل الحرب سقطت عنهم العقوبة . والتوبة تعنى إرجاع المسلوبات ودفع ديات القتلى . إن حاربوا وإنهزموا يتم عقابهم حسب جناية كل منهم . من قتل كثيرين وإغتصب وسلب ( كل الجرائم ) فجزاؤه القتل صلبا . من قتل واحدا فقط فقط يُقتل. من إرتكب كل الجرائم ما عدا القتل تُقطع أطرافه . من إقتصر إجرامه على التخويف والارهاب ومساعدة أولئك المجرمين عقوبته النفى .
هل العقوبة كما تساءل السيد ben levante تستخدم طرديا مع درجة بشاعة الجريمة ، وكما توقع ، فلا عجب في استعمال الحازوق طرديا " شرعا من فضلكم " !
وأنا أتفق معه تماما لأنك حين تشكل كلمة يقتلوا بضم الياء وفتح القاف وشد التاء ( مع أن القرآن لم يكن مشكلا ولا منقطا وهذا ليس موضوعنا الآن ) فإن التقتيل وليس القتل ، ( لأن التقتيل يتضمن القتل البطيء ) يمكن " شرعا " استعمال الحازوق لتنفيذه ، فالقرآن لم يحدد طريقة التقتيل ! ومع ذلك فليس هذا هو بيت القصيد !
ولكن بيت القصيد هو استغلال العلاقة طرديا فعليا من طرف الدكتور منصور في إجابته ! ومع أنه استعمل كلمة القتل وليس التقتيل فسأحتفظ بصياغته ولكنني أقول له ، بأن قطع الأطراف بالنسبة لي أبشع من القتل ، فالقتل أرحم وليس التقتيل طبعا ! ولكن هذا يبقى نسبيا ! ومع ذلك سأترك لمن يقول يأنني أفكر وأحس كأنثى والجميع يعرف بأن الإناث مرهفات الحس إلى غيرها من الأشياء ؟ ولكن هل الأنثى أكثر رحمة من الإله نفسه ؟ طبعا لا ، فرب العزة جل جلاله هو الوحيد الرحمان الرحيم والمقصود بأرحم الراحمين وبصيغة المبالغة الأبلغ في اللغة !
ومع ذلك فقد رق أيضا قلب السيد ben levante ووجد بأن العقوبة تكون أحيانا أبشع من الجريمة في حد ذاتها ( أرجو أن أكون قد فهمت كلامك صح سيد ben ) !
لذلك وانطلاقا من رحمة الله وتعارضا مع فهم الدكتور ، فأنا أقول بأن العقوبة لاتكون طردية مع درجة بشاعة الجريمة ، وإنما اختيارية ( طبعا اختيارية بالنسبة لمن سيحكم وليس للمحكوم عليه ) وهنا تأتي رحمة الخالق ، وهي أن هناك اختيار في آخر المطاف بين كل هذه الطرق ! بل إن أرحمها هي النفي ، وهذا ملائم لرحمته ، أو كأقصى حد في القصاص ، القتل الرحيم !
ولكن رحم الله جمال البنا والذي أذكر دائما تلقائيته وابتسامته في الحديث عن سماحة الدين ، واسكنه الله فسيح جناته ، أذكر أنه قال يوما ما ، القرآن يُفهم من القرآن وبالقرآن !
لذلك ، فإنني سأُذكر هنا بهاذه الآية من سورة الرحمان " وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ ، علماء البلاغة يسمون سؤالا كهذا سؤالا استنكاريا ، لأن الإجابة عليه تكون حتما بنعم !
طبعا جزاء الإحسان هو الإحسان !
ولنتدبر الآن الآية التي أوردها السيد ben : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿المائدة: 33﴾
هذه الآية لم تأت على صيغة التساؤل ولكن على صيغة تقريرية قد توحي بأن الجزاء هو فعلا ما جاء في الآية ، وهي الصلب والتقتيل وقطع الأطراف إلى غير ذلك ، ولكن إيمانا مني برحمة الله فأنا أقول بأن الصيغة التقريرية هنا هي صيغة تهديد فقط وليس تقريرا لحكم ! بمعنى ، أن من يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا ، يستحق الصلب أو التقتيل أو التقطيع أو النفي جزاء له على فعلته ! ولكن الحكم في ذلك يبقى معلقا وليس مفروضا ، ولم يأت بصيغة الأحكام التي جاءت في القرآن على صيغة الأمر : " والزانية والزاني فاجلدوهما أو السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما إلى غير ذلك ، وإنما قال : بأن الجزاء هو هذا : الصلب والقتل والتقطيع والنفي ! فإما أن يختار الحاكم بين هاته الأحكام كلها وإما أن يحكم بحكم آخر مخالفا لهذا كله !
وهذا ماتتضمنه كلمة" إنما جزاؤهم "، لأننا يمكن أن نفهمها تماما كما نفهم في العامية كلاما كهذا " دا انت تستاهل الشنق على الفعلة المهببة بتاعتك دي ! وطبعا من يقول هذا الكلام لا يستطيع الشنق وليس بيديه أن يشنق ولكنه فقط يبين بشاعة الجريمة التي ارتكبها مخاطبه وبأنها تستحق أقسى العقوبات دون الوصول إلى تلك العقوبة ذاتها ! وإنما للتهويل من الجريمةوالتلويح باستحقاق أقسى عقاب عليها ! ولكنه لايمكن اعتباره حكما نافذا بأي شكل من الأشكال أو قابلا للتنفيذ بأي حال من الأحوال ! هذا إذا أردنا مراعاة رحمة الله ورأفته بخلقه ! أما إذا أردنا أن نمارس التقتيل والقطع والصلب ، فهذا ماتمارسه داعش لأنها ترى بأن باقي العالم يحارب الله ورسوله ، فتطبق حد الحرابة ! ومع ذلك فالمسلمون عبر العالم يستنكرون ذلك ، ونحن ضمنهم والعالم أجمع يجد بأن ذلك شيء وحشي وإجرامي ! ومع ذلك فهذا ما نجده في قرآننا ، وليس لدينا الخيار ، فإما أن نفهم النصوص بحرفيتها كما تفهمها داعش وحين ذاك يجب علينا أن نبايع البغدادي وان نقول آمين لداعش ، أو أن نؤمن برحمة الله وعدالته ونختار ما يلائم إنسانيتنا ورحمة إلاهنا وسلمية دستورناالقرآني ونترك الحكم الأقسى للخالق في الآخرة ونطبق الحد الإنساني الأدنى في القصاص ! ولأن طبيعتنا الإنسانية رحيمة ، فهي ترفض الرجم والصلب والتقطيع ، مع أننا لسنا أرحم من الخالق ! فما بالك بالخالق ؟ فمابالك بأرحم الراحمين الرؤوف الذي وسعت رحمته كل شيء ! كل شيء !