ملك اليمين : أنواع الاسترقاق : السخرة فى حفر قناة السويس
مقدمة :
1 ـ المملوك العادى ـ فى الأغلب ـ افضل حالا من الحُرّ الذى يتم تسخيره موقتا أو دائما . هذا الحُرّ يتم إكراهه بالتعذيب والارهاب لأن يكون عبدا يعمل مسخرا تحت لهيب السياط . الرقيق العادى ـ يشتريه المالك ، ويعيش معه فى البيت ويعمل عنده فى البيت أو الحقل ، وتنشأ بينهما علاقة شخصية ومعايشة يومية ، لا يكون أغلبها مبالغة فى القسوة . هذا عكس الاسترقاق بالسخرة ، حيث تتم معملة هؤلاء ( الرقيق السخرة / الأحرار ) بأقصى قسوة ممكنة لينسوا أنهم أحرار ، وليذعنوا الى العمل بأقصى ما يستطيعون خوف التعذيب والاعدام بالخازوق أو بالسلخ . والمتحكمون فيهم ليسوا شخصا بل نظام حكم بموظفين ، من الذى يمسك بالسوط الى الحاكم المتسلط . دائرة جهنمية من الظلم .!!
2 ـ ومن اسف أن يتعامى من يهمهم الأمر عن السخرة كأبشع أنواع الاسترقاق ، وأن يركزوا على نوع أخف من الاسترقاق ( العادى ) ملك اليمين ، وأن يتغنوا بإلغاء سطحى له فى اوربا وأمريكا ، بينما توجد أنواع أبشع من الاسترقاق لاتزال موجودة ، منها السخرة التى بها تم حفر قناة السويس . والتى إستمرت عذابا للفلاح المصرى عشر سنوات :( 1859 : 1869 ) .
3 ـ صدرت قوانين السخرة فى حفر قناة السويس قبل عام من فوز لينكولن برئاسة امريكا وتحريم الرق فيها . ومورست السخرة خلال عشر سنوات فى حفر قناة السويس بعد إعلان أمريكا تحريم الاسترقاق. ولم يقل أحد أن تسخير الفلاحين المصريين فى حفر قناة السويس أبشع أنواع الاسترقاق للأحرار . وبدأ تحرير الرق فى اوربا بدءا من عام 1792 ، ولكن ديليسبس الفرنسى المحمل بثقافة الثورة الفرنسية فى المساواة والحرية هو الذى عقد إمتياز حفر قناة السويس وبمقتضاه كان تسخير الأحرار المصريين لمصلحته هو وقومه ، وليس لمصلحة مصر والفلاحين المصريين .
ونعطى بعض النفصيلات :
أولا :
(قناة السويس )من التفكير الى عقد الامتياز
1 ـ بعد فشل حملة نابليون فى مصر أرسل نابليون دبلوماسيا لمصر يرقب أحوالها ويساعد فى إختيار حاكم يكون مواليا لفرنسا. وتعرف هذا الديبلوماسى الفرنسى ( ماثيو ديليسبس ) على الضابط الألبانى ( محمد على ) وقوى طموحه وساعده فى الوصول الى أن يكون واليا على مصر بإرادة شعبية قادها علماء الأزهر . وردّ الوالى محمد على الجميل لابن ماثيو ديليسبس ( فيرناند ) حين قدم لمصر فقيرا يبحث عن عمل ، فعينه محمد على مربيا لابنه ( سعيد ). وتوثقت (الصلة) بين الأمير ( الصغير السمين ) سعيد بن محمد على والمعلم الفرنسى ( الشاب ) فريناند ديليسبس . وبعضهم يتهم ديليسبس بإغواء الطفل سعيد بن محمد على ، فجعله مصابا بالشذوذ الجنسى السلبى ، وعليه ـ لوصحّ هذا الأمر يكون الفلاحون المصريون هم الذين دفعوا الفاتورة .!
2 ـ كان فريناند ديليسبس ( 1805 : 1894) من ( السان سيمونيون ) ـ أتباع الفيلسوف الفرنسى ( سان سيمون ) ( 1760 : 1825 ) ، وهم أول من دعا لانشاء قناة السويس . أنشأوا بباريس جمعية لدراسات قناة السويس وقد رأوا فى ولاية محمد على باشا فرصة فى تحقيق هذا المشروع فسافر بعضهم الى مصر للدعوة للمشروع ، وقد رفضه محمد على خشية أن يكون سبيلا لعودة الاحتلال الفرنسى لمصر . ثم جاء ديليسبس وقابل تلميذه القديم الخديوى سعيد باشا ، وأقنعه بمشروع حفر قناة السويس . وحصل منه على فرمان عقد الامتياز الأول و كان مكونا من 12 بنداً أهمها حفر قناة تصل بين البحرين ، و مدة الامتياز 99 عاما من تاريخ فتح القناة.وفي 5 يناير عام 1856 صدر عقد الامتياز الثاني و قانون الشركة الأساسي . وكان من أهم بنوده هو قيام الشركة بكافة أعمال الحفر وأن حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالة الكلية المستخدمة في الحفر.وكان عقد الامتياز مُجحفا بحق مصر ( بإمتياز ) وفيه إستغل ديليسبس ( علاقته ) القديمة وتأثيره على ( سعيد ) فى إرغام (سعيد ) على الموافقة على كل طلباته على حساب مصر والفلاحين المصريين.
ثانيا :
نبذة عن السخرة فى حفر قناة السويس :
1 ـ أهم بنود العقد هو الذي نص على أن يكون عدد العمال المصريين في الشركة 4/5 من مجموع العمال،هذه المادة كانت هي الأساس لنظام السخر الذي وضعه ديلسبس في حفر القناة، في لائحة استصدرها من سعيد باشا وسميت "لائحة استخدام العمال المصريين في أشغال قناة السويس"، وهي اللائحة اتي تسببت في إكراه حوالي ربع مليون مصري كأكبر حشد آدمي في تاريخ الشركة على العمل في حفر القناة، حين كان تعداد سكان مصر وقتها : 4.8 مليون نسمة، في عام 1862.وهكذا أجبر الخديوى سعيد حوالى مليون فلاح مصرى ــ خلال مدة الحفر ــ على ترك بيوتهم وعائلاتهم وحقولهم ليعملوا سخرة فى حفر القناة بوسائل يدوية بدائية ـ بدون ماكينات حفر. مات من المصريين أكثر من 120 ألفا من التعب والجوع والعطش والتعذيب والأوبئة ، ومعظمهم ضاعت جثثهم فى طيات الحفر .
2 ـ أُنشئت مدينة الزقازيق وسط بركة من المياة إشتهرت بسمك الزقزوق. وصارت المدينة الجديدة معسكر إستقبال للفلاحين القادمين من شتى ربوع مصر من اسوان الى الاسكندرية . وفى الزقازيق كان يتم فرز العمال لإختيار الشبان الأقوياء، الذين يرسلون إلى منطقة القناة سيراً على الأقدام في أربعة أيام وهم مقيدين بالحبال يحمل كل منهم قلة ماء وكيس خبز جاف، فيصلون إلى ساحات الحفر منهكي القوى.
3 ـ وكانت عمليات الحفر من المشاهد المثيرة التي يحرص على رؤيتها السائحون الأجانب في هذا العصر. أى صار الفلاحون المصريون وقتها مثار تسلية للسياح الأجانب .
4 ـ ولحاجة ( السُّخرة ) الى الارهاب والتعذيب فقد أنشأت معتقل تعذيب يُرسل إليه من يسيء السلوك، ، وكثر تمرد العمال وهروبهم وأظهر الصعايدة منهم تحدياً سافراً للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالشرطة لإخماد تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم .
5 ـ و أنشأت إدارة طبية ومركزاً لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن صدرت الأوامر بأن تركز هذه الإدارة جهودها فقط في رعاية العمال والموظفين الأجانب. ولذا عصفت الأوبئة والأمراض بآلاف الفلاحين المُسخرين ، وكان أكثر الأمراض انتشاراً بين العمال هي النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمد والاسهال والدوسنتاريا والكبد والجدرىوالسُّل . ثم إنتشر وباء الكوليرا فى صيف عام 1865 فقتل الآلاف منهم الى درجة العجز عن دفن الضحايا ، فكانوا يلقون بهم فى الصحراء . وتلاها ظهور مأساة تعرض العمال خلال الحفر لمادة طينية سائلة كانت تحتوي على فوسفور حارق مما أدى إلى إصابة الآلاف بالأمراض الغامضة التي أدت إلى وفاتهم على الفور.!
5 ـ وإستجابة لأوامر ديليسبس وفي شهر ديسمبر 1861 ذهب سعيد باشا بنفسه إلى منطقة الحفر، وأمر بحشد 20 ألف شاب لزيادة معدلات الحفر، فشهدت بذلك سنوات الحفر الأولى للقناة أكبر عملية حشد للعمال بلغت في عام 1862 ما بين 20 ألف و22 ألف عامل يساقون لساحات الحفر في الشهر الواحد، قادمين من الوجهين القبلي والبحري.
ثالثا :
السخرة فى حفر قناة السويس فى بحث علمى للدكتور عبد العزيز الشناوى ( ت 1986 ).
1 ـ كان الدكتور عبد العزيز الشناوى إستاذا لى فى قسم التاريخ بجامعة الأزهر فى السنة النهائية ، ثم فى الدراسات العليا ( 1973 ، 1974 ). كان عالما باحثا تاريخيا من الطراز الأول ، وتدل على ذلك مؤلفاته فى تاريخ أوربا وتاريخ الدولة العثمانية وتاريخ الأزهر ، وقبلها : رسالته العلمية عن السخرة فى قناة السويس .
2 ـ كان رحمه الله سريع الغضب حاد الخلق لا يسلم أحد من لسانه . وأعتقد أن هذا كان يرجع لسببين : أنه كان عالما وباحثا حقيقيا فى التاريخ وسط أساتذة من الأزهريين غاية فى الجهل ، ولكن كانوا أعلى منه مقاما بإعتبارهم شيوخا أزهريين بينما هو وافد على الأزهر وليس أزهريا صميما ، ثم المأساة التى تعرض لها بسبب رسالته العلمية الرائعة عن السخرة فى حفر قناة السويس ، والتى إعتمد فيها على وثائق هامة جمعها من محفوظات قصر عابدين في 12 عاما بين عامي 1940-1952 من محافظ "المعية السنية" و"دفاتر الوارد والصادر ودفاتر الأقاليم والبرقيات التي كان يتلقاها قصر عابدين، وكذلك الصادرة عنه، والمكاتبات التي تم تبادلها بين الحكومة التركية وولاة مصر من أسرة محمد علي، وهو أمر استلزم جهدا ووقتا كبيرين من الباحث استلزما كل هذه الفترة.صدرت وشاية لأولى الأمر تفيد بأهمية وثائق عثر عليها عبد العزيز الشناوى، فإعتقله صلاح نصر وقام بتعذيبه بنفسه ليقدم هذه الوثائق . ثم أفرجوا عنه بعدها فعاش يحمل داخله إهانة لم ينسها .
رابعا :
عرض لكتاب :( السخرة في حفر قناة السويس ) .تأليف الدكتور عبد العزيز محمد الشناوي ، أستاذ التاريخ الحديث و المعاصر بجامعة الأزهر ، الطبعة الثالثة 1966 ، الناشر منشأة المعارف بالإسكندرية )
1 ـ ( محتويات الكتاب : مقدمة . الفصل الأول : عهد التسلط القنصلي في مصر ، الفصل الثاني : الصديقان يعالجان مشكلة الأيدي العاملة ، الفصل الثالث: البدء في تنفيذ المشروع وتعطيل لائحة العمال ، الفصل الرابع : دعاية الشركة في مصر لجمع العمال وفشلها ، الفصل الخامس : دعاية الشركة في الشام لجمع العمال وفشلها ، الفصل السادس :السخرة المقنعة ، الفصل السابع :السخرة السافرة ، الفصل الثامن :الإسراف في استخدام السخرة، الفصل التاسع : النفاق الإنجيلزي ، الفصل العاشر : الفلاح المصري في مجلس العموم . الفصل الحادي عشر : موت العمال عطشا في ساحات الحفر ، الفصل الثاني عشر : تفشى الأوبئة والأمراض بين العمال في ساحات الحفر ، الفصل الثالث عشر : أجور العمال . الفصل الرابع عشر : جناية سعيد والشركة على الاقتصاد المصري ، الفصل الخامس عشر : الشركة مدينة بحفر القناة لنظام السخرة ).
2 ـ مقطفات من الكتاب لوصف معاناة المصريين المسخرين :
( واحتفظت الشركة لنفسها بحق حجز أجر خمسة عشر يوما من كل عامل كضمان لعدم تركه العمل ، ثم يستمر صرف الأجور له بعد ذلك كاملة . فإذا أنجز كافة الأعمال تناول العامل قيمة المبلغ المحفوظ له بخزانة الشركة . وقد أرادت الشركة بهذا النص معالجة حالة كانت تتوقعها وهى هروب العمال من ساحات الحفر قبل انتهاء المدة المقررة لبقائهم فيها . وسنرى أنها قامت بنفس المحاولة للمرة الثانية في هذه اللائحة حين فرضت المادة الخامسة عقوبات على العمال الذين يحاولون الهرب . ونستخلص من هذا الاهتمام المتعدد في اللائحة لمنع العمال من الهرب حقيقتين الحقيقة الأولى : هي وجود عنصر الإكراه في استخدام المصريين في حفر القناة فهم لا يستطيعون ترك أعمالهم في الحفر ، بل أكثر من ذلك تفرض عليهم حراسة شديدة أثناء سفرهم من قراهم إلى منطقة القناة لمنعهم من الهرب في الطريق ، ثم تفرض عليهم مراقبة دقيقة في ساحات الحفر منعا للتراخي في العمل أو الإخلال بالنظام أو الهرب من منطقة القناة . والحقيقة الثانية هى أن الشركة كانت تشعر من أول الأمر بأن المصريين سينفرون من العمل في حفر القناة بسب تفاهة الأجور وقسوة الظروف التي سيعملون فيها وأنهم لن يجدوا ما يغريهم على المضي في حفر القناة ."ص 38 ، 39 بالكتاب الفصل الثاني )
2 ـ ( " وإزاء هذه الظروف غير المواتية استمرت الشركة تجميع العمال المصريين بوسائلها الخاصة وتزيد من عددهم قدر الاستطاعة ، وكونت لجنة عهدت إليها بالطواف في قرى الوجه البحري والعمل على استمالة العمال المصريين للالتحاق بخدمة الشركة . وضمت هذه اللجنة مستخدما في الشركة يتكلم العربية بطلاقة وهو يوسف فرنوني vernoniومندوبا من قبل المقاول العام كما ضمنت عاملين بارزين من العمال المصريين للمساعدة في تنظيم جمع العمال وإرسالهم إلى منطقة البرزخ ." ص 66 الفصل الثالث ) ( " وهناك فرنسي آخر وهو اوليفيه ريت Olivier ritt كان أحد رؤساء العمل في شركة القناة وأقام في منطقة البرزخ في ذلك الوقت . وقد ذكر في سياق خطاب بعث به من البرزخ في النصف الأول من عام 1861 أن " الحكومة المصرية أرسلت عددا كبيرا من المصريين لحفر ترعة الماء العذب وهم يؤدون أعمالهم على أكمل وجه " وواضح من هذه العبارة أن الحكومة المصرية هى التي تولت جمعهم وإرسالهم وأنهم لم يذهبوا استجابة للإعلانات التي وزعتها الشركة بين المصريين ." ص 111 ، 112 الفصل السادس )
3 ـ ( " وتجلى مرة أخرى اهتمام سعيد بتقديم عمليات الحفر على حساب مصالح الشعب المصري ، ولجأ إلى العنف لكبح جماح العمال الثائرين ، فأمر باتخاذ " تدابير حازمة جدا " وأرسل في الحال سفينة بحرية سريعة إلى الوجه القبلي تأخذ من كل مديرية مشايخ البلاد ، وجعل كل شيخ منهم مسئولا عن العمال الذين يفدون من ناحيته ، فيراقب إنتاج العمال في ساحات الحفر أثناء النهار ويحول دون هربهم أثناء الليل . ووضع سعيد ضباط البوليس في خدمة الشركة من يناير 1862 فأمر بأن يصحب عمال السخرة في سفرهم أحد ضباط البوليس من المديرية التي يفد منها الفوج . وكانت مهمة الضابط ويطلق عليه معاون البوليس ، وتنتهي في الزقازيق بتسليم الأنفار إلى مندوب الشركة ." ص 135 بالكتاب الفصل السابع )
4 ـ ( " وأخذ إسماعيل حمدي يقوم بجولات تفتيشية متكررة أثناء النهار ، فكان يركب حصانا ويتبعه ضابطان على جواديهما ثم عدد من الجنود على ظهور الخيل . وكان يحرص على أن يثير موكبه الرعب في نفوس العمال . وكان لا يتحدث إليهم إلا وهو على ظهر جواده . لاحظ في احدي جولاته تقصيرا في عمل اثنين من رؤساء العمال ، فأمر بتنزيلهما فورا إلى رتبة " نفر" من أنفار السخرة ، وحمل كل منهما الفأس والقفة ، وهبطا إلى قاع القناة ينزعان الرمال ويملآن القفف ليصعدا بها إلى جسر القناة لتفريغها ثم يهبطان مرة أخرى وهكذا . وقد علق أحد الفرنسيين على هذا الحادث فوصف إسماعيل حمدي بالعدل والشدة . وقد انعكست شدة إسماعيل حمدي على المشايخ من رؤساء العمال خوفا من أن ينزل عليهم غضب " البك " . فكان " الشيخ " يقسو على العمال الذين تحت إمرته إذا لاح له أن تقصيرا بدا منهم . وقد أراد إسماعيل حمدي أن تكون عقوبة الضرب علنية وأن يشهد عذاب العمال طائفة منهم . فكانت عقوبة الجلد أو الضرب تتم في الحي العربي في عتبة الجسر ، فتفرش على الأرض قطعة كبيرة من جلد البقر ، ويجلس عليها العامل " المذنب" وينهال الشيخ عليه ضربا بالكرباج أو العصا . ويتهكم أحد الفرنسيين على هذا الأسلوب في توقيع العقوبات ، وقد شاهده بنفسه ، فيطلق على قطعة جلد البقر أنها محل العدالة العربية themis arabe le lit de justice de la وفى هذا القول مجانبة للحق والواقع ." ص 137،138 بالكتاب الفصل السابع )
5 ـ ( " وكان هناك قلة من العمال يستسلمون لقضاء الله وقدره ، لا يبرحون ساحات الحفر يحدوهم الأمل في وصول القافلة التي تحمل ماء الشرب . وكان يطول انتظارهم ويلفظون أنفاسهم قبل أن تدركهم قافلة الجمال . أما العمال الذين قدرت لهم النجاة فقد قاسوا كثيرا من جراء هذه المشكلة . إذا كان بعضهم يشرب من آبار يميل ماؤها للملوحة ..." تلك الفقرة ص 233 بالكتاب الفصل الحادي عشر )
6 ــ ( " وقد نشر كبير أطباء الشركة الإحصائية التالية عن عدد العمال المصريين وإصابتهم ووفياتهم ، وذلك في تقريره بتاريخ أول يوليو 1864 :
الشهر عدد العمال عدد المرضى عدد الوفيات |
|||
يناير 1864 فبراير مارس ابريل مايو
المجموع |
10,907 11,420 10،563 6,022 8,868
47,780 |
470 237 315 321 200
1,480 |
24 45 41 38 26
174 |
ص 266 بالكتاب الفصل الثاني عشر )
7 ـ ( " انتشار الأوبئة بين العمال في ساحات الحفر :
تجمعت على العمال المصريين الكوارث من كل نوع وصوب . فإلى جانب أهوال أزمة ماء الشرب ومجانية العمل والإرهاق فيه والضرب بالكرباج والزج بهم في السجن جاءت الأوبئة فعصفت بالعمال في غير هوادة أو شفقة . وكان من بين هذه الأوبئة حسب ترتيب ظهورها : التيفود والتيفوس والجدري والكوليرا والحمى الراجعة . وكانت بعض الأوبئة تختفي لتعود مرة أخرى بعد سنة أو سنتين أكثر عنفا وأشد فتكا من المرة السابقة ." ) ( ص 266 بالكتاب الفصل الثاني عشر )
8 ـ " وقد أعترف فوزان بك مدير عام أشغال حفر القناة بضآلة أجور عمال السخرة ، وأنها لم تف بنفقات طعامهم ، كما قرر أن ضآلة تلك الأجور كانت السبب الرئيسي الذي حمل الفلاحين على الهرب من ساحات الحفر . ولكنه يبرر مركز الشركة فيقول إنه كان في مقدور الفلاح لو كانت لديه الخبرة والمران الكافيان أن يزيد إنتاجه فيحفر في اليوم الواحد أجزاء من الأرض أكبر من الأجزاء التي كان يحفرها الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أجره . وهذا القول دفاع هزيل عن الشركة من جانب مدير عام الأشغال فيها . فالفلاح المصري كان يبذل جهدا لا يستطيع أن يبذله فيه غيره من العمال الأجانب ، وكان إنتاجه في العمل يفوق إنتاج أي فرد آخر . وقد أجمع كل من شاهد المصريين وهم يحفرون القناة على نشاطهم وحميتهم وصبرهم على تحمل المتاعب . ويضاف إلى ذلك أنهم كانوا يعملون في جو قاري عنيف . وقد قرر أحد الزوار الفرنسيين عقب عودته من ساحات الحفر أن المصرين كانوا " يحفرون القناة من شروق الشمس إلى غروبها ، وكثيرا ما كانوا يواصلون العمل إلى وقت متأخر من الليل في الليالي القمرية " . فلا يمكن مطالبة الفلاحين بأن يعملوا فوق طاقتهم البشرية وقد تجاوزوها فعلا وسقط كثير منهم صرعى من الإعياء . " ص 290 من الكتاب الفصل الثالث عشر )
9 ـ ( " في أحيان كثيرة كانت الشركة تمتنع تماما عن دفع أجور نقدية للعمال وتكتفي بتقديم (الجراية )وتوزيع ماء الشرب عليهم . نخرج مما سبق بحقيقة لا مراء فيها وهى أن الشركة لم تكن تدفع دائما الأجور للعمال المصريين . وسواء كان هذا التوقف عن الدفع ناجما عن امتناع صريح منها أو ناتجا عن تحايل منها بطريقة أو أخرى فقد تراكمت عليها ديون كبيرة لهم بلغت أربعة ملايين وخمسمائة ألف فرنك أي ما يوازي مائة وثلاثة وسبعين ألف ومائتين وخمسين جنيها مصريا ، وقد حاولت الشركة التهرب من دفع هذا المبلغ ولم تسدده إلا بحكم ملزم لها لم يكن قابلا للاستئناف . وكان تسديدها للمبلغ بطريق غير مباشر وهو الخصم من قيمة التعويض الذي فرضه الإمبراطور نابليون الثالث على مصر في مقابل إلغاء السخرة في حفر القناة ." ) ص 296 بالكتاب الفصل الثالث عشر ).
أخيرا :
من قال إن الاسترقاق قد إنتهى من العالم ؟ !!