كتب أبو أيوب الكويتي
شرح مبسط في تآكل الأصول الحديدية والتحكم به في صناعة انتاج الغاز والبترول (1)

أبو أيوب الكويتي في الأحد ١٩ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

شرح مبسط في تآكل الأصول الحديدية والتحكم به في صناعة انتاج الغاز والبترول (1)

كتب: سالم قنبر محمد جاسم الحسين . مهندس تحكم تآكل وعضو محترف نشط في معهد التآكل البريطاني

مقدمة:

يعتبر الحديد من أكثر المواد الهندسية شيوعا واستخداما في تطبيقات شتى في حياة الانسان, فمثلا هياكل سفن الشحن العملاقة التي تمخر عباب البحار والمحيطات وتساهم في تطور البشرية والتجارة العالمية مصنوعة من الحديد. أيضا الجسور وشبكات الطرق وناطحات السحاب تستمد قوتها ومتانتها من حديد التسليح. كذلك الصناعات البترولية وهي بيت القصيد من هذا الشرح المبسط تعتمد بالأساس على الحديد في انتاج واستخراج النفط الخام من قيعان البحار والصحراء والبراري وتخزينه في خزانات ضخمة ومن ثم تكريره في المصافي لانتاج مشتقات بترولية شتى تنفع الانسان مثل وقود السيارات ووقود الطائرات وغاز المنازل الذي يستخدم في التدفئة والطهي.

أهمية الحديد في الصناعات البترولية:

لاغنى للصناعات البترولية عن الأصول الحديدية في استخراج النفط الخام بداية من برج الحفر عن طريق الحفر العميق الأفقي أو الرأسي وصولا الى نقله بواسطة الأنابيب الحديدية الى وحدات ازالة الأملاح والماء والرواسب الطينية والغاز المصاحب لانتاج النفط الخام ومن ثم تخزينه في صهاريج أو خزانات التصدير. بمعنى آخر يمكننا القول أن الحديد يصاحب رحلة النفط الخام من المهد وهو المكمن الجيولوجي النفطي في باطن الأرض الى اللحد وهو كافة أشكال الاستهلاك النهائي للمشتقات النفطية.

التآكل وتأثيرة على السلامة العامة :

يعتبر التآكل لهذه الأصول الحديدة مشكلة كبيرة تواجه الصناعات النفطية, فحين يتآكل الحديد سوف يتسرب النفط الخام ويتسبب بمشاكل جمة منها على سبيل المثال تلوث البيئة والحياة الفطرية للمنطقة المحيطة بهذا التسرب النفطي. أيضا بسبب هذا التسرب فان خطر حدوث الحرائق والانفجارات سوف يشكل معضلة في ضمان تطبيق المعايير الدولية في الأمن الصناعي. كذلك ممكن أن يتسبب تسرب الغاز في حدوث وفيات وخسارة في الموارد البشرية والحيوانية التي تتواجد بالقرب من منطقة التسرب, ونعطي لهذا الأمر مثالا.

من المعلوم أن غاز كبريتيد الهيدروجين يصاحب انتاج النفط الخام في بعض الحقول النفطية وأيضا من المعلوم أن هذا الغاز السام أثقل من الهواء ويستقر في المناطق المنخفضة. يمكن ادراك وجود هذا الغاز القاتل بواسطة حاسة الشم لدى الانسان عند التركيزات الخفيفة مثلا 15 جزء من المليون من الاجمالي الكلي لجزيئات الهواء. عند هذا التركيز الخفيف يمكن تمييز هذا الغاز لان رائحته تشبه رائحة البيض الفاسد. لكن عند التراكيز العالية مثلا 100 جزء في المليون وما أعلى فيمكن لهذا الغاز أن يقتل حاسة الشم لدى الانسان ولا يستطيع الانسان ادراكه. المشكلة هنا تكمن في أن استنشاق هذا الغاز بتراكيز عالية يمكن أن يؤدي الى حالات فقدان الوعي والاختناق أو الوفاة وقد حدثت كثيرا حوادث مشابهة في القطاع النفطي وفي مناهيل المجاري أعزكم الله سادتي القراء وذلك بأن هذا الغاز يمكن له أن يحل محل الأكسجين في الرأتين مسببا ضيق في التنفس أو حتى نزيف في الرئة. جدير بالذكر هنا أنه ذا استنشق الانسان تراكيز أعلى من غاز كبريتيد الهيدروجين يمكن أن يتسبب هذا في التهاب الشعب الهوائية مما قد يتسبب في تراكم السوائل في الرئتين وممكن لنقص الأكسجين أن يتسبب بتحول لون الجلد الى اللون الأزرق. [1] 

أخيرا ممكن للتسرب النفطي أن يتسبب بخسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة للقطاع النفطي وذلك بسبب الأعطاب التي سوف تتأثر بها الأصول الحديدية أضف الى ذلك تكلفة تصليح هذه المنشآت المتآكلة أو حتى استبدالها بشراء أصول حديدية جديدة باهضة الثمن وأيضا ممكن أن يستبب التسرب النفطي في تعطيل خطة سير الانتاج للالتزام بتعهدات الشركات المنتجة للنفط لتلبية حاجة المستهلكين والمشترين لهذا النفط الخام في الاطار الزمني المتفق عليه بسبب تأخر اعادة وحدات الانتاج النفطي الى مسارها الطبيعي بسبب التعطل في الانتاج لاصلاح التسرب النفطي. 

 

ماهو التآكل؟

التآكل ببساطة شديدة جدا هو تفاعل كهروكيميائي ينتج عن تفاعل المادة الحديدية للأصول ((كأنبوب حديدي على سبيل المثال يستخدم لنقل النفط)) مع الوسط المحيط بها سواء أكان هذا الوسط هو التربة المدفون بها هذا الأنبوب أو حتى الهواء الرطب ممى يعمل على تآكل هذا الأنبوب وتدهوره وخسارته لسماكة جداره من الداخل ان كان هذا التآكل داخليا أو من الخارج ان كان هذا التآكل خارجيا ,جدير بالذكر هنا أنه يمكن للتآكل أن يكون داخليا وخارجيا في نفس الوقت.

لحدوث هذا التفاعل الكهروكيميائي لابد من توفر أربعة شروط أساسية. الشرط الأول هو وجود أنود أو مصعد للألكترونات وهو ذو سالبية كهربائية عالية. الشرط الثاني هو وجود كاثود أو مهبط للألكترونات وهو ذو سالبية كهربائية منخفضة مقارنة بالأنود. من المهم لفت نظر القارئ الكريم بأنه ممكن لقطعة المعدن الواحدة أن تحتوي على العديد من الأنودات والكاثودات متناهية الصغر. الشرط الثالث هو وجود وسط الكتروليتي غني بالأيونات أو الشوارد مثل الماء الغني بالأملاح المصاحب لاستخراج النفط الخام كما أسلفنا سابقا في قسم (أهمية الحديد في الصناعات البترولية). الشرط الرابع والأخير هو وجود مسار فلزي يربط مابين الأنود والكاثود وهو نفسه جسم الأنبوب المعدني وذلك كما هو معلوم أن الالكترونات "تكره السباحة" أي أن الالكترونات لا تنتقل أو لاتسبح في الوسط الأيوني أو الالكتروليتي أو الماء الغني بالاملاح وانما الالكترونات تنتقل على سطح الاجسام المعدنية (راجع الرابطة الفلزية). لاحظ هنا سيدي القارء اننا نتكلم عن التآكل البارد أما التآكل الساخن فلايحتاج وجود ماء أو وسط الكتروليتي غني بالاملاح ويحدث هذا التآكل الساخن في الأفران الصناعية وفي المداخن ولن نتطرق في شرحنا هذا اليه. 

لماذا يميل الحديد الى التآكل ولماذا هو ليس مستقرا كالذهب؟

كما ذكرنا سابقا يعتبر الحديد عنصر أساس في حياة الانسان نظرا لما يتمتع به هذا العنصر من صفات ميكانيكية مرغوبة. فمثلا الحديد له صلابة وصلادة ممتازة وبأس شديد ويتحمل الشد والضغط العاليين كذلك ثمنه و انتاجه يتعبر رخيص نسبيا مقارنة ببعض العناصر الكيميائية الأخرى نظرا لتوفره في القشرة الأرضية. الا أن الحديد الذي تراه حولك في مكتبك وفي ورشتك وفي كل مكان لايوجد في الطبيعة على صورته الفلزية ليمكن استخدامه مباشرة بواسطة الانسان فهو على العكس يوجد على صورة اكاسيد في الطبيعة. 

سبحان من علم الانسان مالم يعلم فالانسان لكي يستخلص الحديد من أكاسيده يحتاج لبذل شغل على صورة طاقة حرارية تمنح لهذه الأكاسيد لتنصهر في الأفران المخصصة لانتاج الحديد ليستقر الحديد في القاع ويطفو الخبث المصاحب لانتاج الحديد على الوجه ومن ثم يمكن أيضا في أفران خاصة اضافة عناصر سبائكية أخرى للحديد للحصول على سبائك حديدية جديدة مقاومة للبري وللاجهاد وللصدمات وللتآكل البارد والحار مثل الكروم والزنك ..الخ ويمكن التحكم بنسبة الكربون والشوائب الأخرى للحصول على السبيكة الحديدية المرغوبة.

بعد هذه المقدمة الهامة نعود للاجابة على السؤال, فالذهب موجود ومستقر في الطبيعة في حالته الفلزية التي نعرفها ولايحتاج الانسان مجهودا كبيرا لتنقيته مقارنة بالحديد والالمونيوم. لذلك يميل الحديد من بعد انتاجه في مصنع الصلب للعودة الى حالته المستقرة في الطبيعة ألا وهي على صورة أكاسيد ومعلوم أن الحديد في صورة الأكاسيد لايمكن الانتفاع به في التطبيقات الهندسية التي تكلمنا عنها في المقدمة الرئيسية.

لذلك ان توافرت الشروط الأربعة التي ناقشناها في قسم (ماهو التآكل؟) ونذكر بها هنا (الأنود والكاثود والوسط الالكتروليتي والمسار الفلزي) فان الحديد سوف يميل الى العودة الى حالته المستقرة في الطبيعة أو بمعنى آخر يميل الى التآكل وذلك بتفاعل الحديد مع الوسط المحيط به تفاعلا كهروكيميائيا يصاحبه تفاعلات أكسدة واختزال. لذلك للتحكم في التآكل يتوجب علينا كسر ضلع أو أكثر من مربع الشروط الأربعة اللازمة لحدوث التآكل الكهروكيميائي البارد. لكن ماهي سبل ووسائل التحكم في التآكل المتاحة؟ هذا ماسوف نجاوبة في المقال القادم باذن الله تعالى

 

الخلاصة:

يعتبر الحديد بمثابة الجندي المجهول الذي يدخل على حياة الانسان البهجة ولا ينتبه الى دوره الهام فلولا الحديد ماوصلت الينا البضائع مثل السيارات ومواد البناء و الأجهزة الالكترونية والمواشي والحبوب من البلاد والقارات البعيدة. لولا الحديد ماشهدت البلاد نهضة عمرانية ولا امتلكت بنية تحتية يعول عليها في تسهيل أمور الانسان. لولا الحديد ماوصل غاز التدفئة والطهي الى البيوت. لولا رب العزة ماكان هناك حديد ولا حياة كريمة للانسان وتدبر معي قول المولى عز وجل :

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ

ودائما وأبدا صدق الله العظيم

 

المرجع: [1] http://www.atsdr.cdc.gov/mmg/mmg.asp?id=385&tid=67

اجمالي القراءات 10284