الأخلاق أولا ثم العبادة
لا تصح العبادة إلا بتمام الأخلاق وذلك حسب التسلسل الزمنى للوحى
مقدمة: خلق الله تعالى الأنفس قبل الأجساد ، بدليل أن الجسد خلق من التراب ويعود إلى التراب أما النفس عند الموت ترجع إلى مكانها التى جائت منه. " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ " (سورة غافر 40:67
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " (سورة طه 20:55"
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) (سورة الفجر 27 - 89:28"
معنى الأخلاق وأهميتها:
ويمكننا تعريف الأخلاق بأنها: مجموعة من المعاني والصفات المستقرة في النفس، وفي ضوئها، وميزانها يحسن الفعل في نظر الإنسان أو يقبح، ومن ثم يقدم عليه أو يحجم عنه.
ولهذا كان المنهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم، وتيسير سُبُل الحياة الطيبة لهم - أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها، وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها، ولهذا أكد الإسلام على إصلاح النفوس، وبيَّن أن تغيُّر أحوال الناس من سعادةٍ وشقاء، ويسرٍ وعسر، ورخاءٍ وضيق، وطمأنينةٍ وقلق، وعز وذل، كل ذلك ونحوه تبع لتغيُّر ما بأنفسهم من معان وصفات قال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " ( سورة الرعد: 11
لقد كثرت الآيات القرآنيَّة المتعلقة بموضوع الأخلاق، أمرًا بالجيد منها، ومدحًا للمتصفين بها، ومع المدح الثواب، ونهيًا عن الرديئ منها، وذم المتصفين بها، ومع الذم العقاب، وسوف نستعرض بعض منها خلال الفقرات القادمة .
فطرة الله :
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله :" فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " (سورة الروم 30:30
هذا الدين القيَّم لا يتعارض مع الفطرة بل يكملها.
أودع الله فى هذه الفطرة الحواس والقوى المدركة لتتعرف على الفجور حين تفجر وحين تتقى ، معنى ذلك أن ألأنفس طُبع فيها الأخلاق السليمة التى إرتضاها الله لها. أخلاق إنسانية حميدة حتى يمكن أن تتعامل مع المعطيات التى ستكلف بها فى المستقبل . وأن هذه الفطرة تظل سليمة إلى أن تتعرض إلى عوامل خاصة مثل طريقة التربية المنزلية أو عوامل خارجية مثل تأثير المجتمع المحيط بها.
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)" الشمس 7- 91:8"
ثم أشهد هذه الأنفس على وحدانية الله.
" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " (سورة الأَعراف 172
ثم خلق الله سبحانه أجساد لهذه الأنفس فكان أول البشر من نفس وجسد هو آدم عليه السلام ثم أتبعه بزوجه، وحين عصى آدم ربه فقال:
"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " سورة البقرة 38
***من هنا بدأ هذا الإنسان يتعامل مع هذا الهُدى الذى يتضمن أخلاقيات الدين الحنيف قبل الدخول فى إفعل ولا تفعل.
إن من أَجَلّ الغايات التي تريد الرسالة الإسلاميَّة تحقيقها: تلك الغايةَ الإنسانيَّة السامية وهي أن يكون للإنسان خُلقٌ كريم، وسُلوكٌ نظيف يليق بكرامة الإنسان.
وفي النص القرآني نجد أن كلمة (خُلُق) قد وردت مرتين:
الأولى: في رد قوم هود عليه السلام عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا والتطاول بالعمران، وأن يعبدوا الله فذلك أقوم وافضل لهم . فأجابوه وفق ما جاء في الآية الكريمة " إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ " (26:137) الشعراء
الثانية : " وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ " (سورة القلم 68:4"
فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق , فمن ذلك قوله تعالى:" وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" البقرة237
فانظر ما في هذه الآية من الحض على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل.
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق والأمر بأن تعامل من عصى الله فيك بأن تطيع الله فيه. وقال تعالى:
" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا " سورة النساء 36
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" سورة النساء 58
" وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" الأنعام: 152
"..وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة..". البقرة/83
تحذير:
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (البقرة 284
أخلاقيات القرءآن انبعثت كلها من لا إله إلا اللــه والايمان بما أنزل على الرسول عليه السلام هو الحق وتبدأ هذه الأخلاقيات بخلق عظيم شاملا لغيره من الأخلاقيات:
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ " (الرعد 20) لم تحدد الآية أى نوع من العهد... فيدخل فيها الآتى:
1- ميثاق الفطرة: " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " سورة الأعراف 172
2- ويدخل فيها ميثاق المؤمنين: " وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " سورة المائدة 7
3- و كل ما أمر الله به ان يوصل: " وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.... " سورة الرعد 21
" بهذا التعميم " ما " معناها أن يدخل فيها كل ما أمر اللــه به ان يوصل ... يدخل فيها صلة الفرد بربه، صلة الوالدين، صلة أولوا القربى، والأخوة بين المؤمنين، والوفاء بالعهد والصدق والأمانة.. كل هذا يدخل فى ما أمر اللــه به ان يوصل.
إنما كثير منا - إلا من رحم ربه – يقول لا إله إلا اللــه بلسانه وقلبه غافل عن مقتضياتها وسلوكه مضاد لما توجبه عليه لا إله إلا اللــه.
وقال تعالى: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.." سورة الحجرات12
وأيضا: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"سورة الأعراف199
قال تعالى: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" سورة المائدة: 2
هذه بعض الآيات القرآنية العظيمة الهادية والداعية إلى التخلُّق بكل خلقٍ نبيل، وأدبٍ كامل؛ والقرآن مملوء بعشرات الآيات في هذا الجانب الأخلاقي لمن تتبَّع واستقرأ ذلك بدقة.
عباد الله ....
" إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون". النحل 90
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ماتصنعون.
والتأسي بهذا النبي الكريم، والصبر على أذى من آذى، والصفح عنه، وبسط الوجه له، والإحسان إليه، ودفع السيئة بالحسنة، فإن ذلك من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ( وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "سورة فصلت 34- 35
صدق الله العظيم ...