( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٣٠ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ــ أزعجنى ما قرأته فى الفيس من هجوم شخص ملحد على القرآن باسلوب هابط يتهم رب العزة جل وعلا بالتناقض ، واستشهد بقوله جل وعلا : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) النور ) وقال إنها تتناقض مع قوله جل وعلا : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12) التحريم ).

2 ــ هو يفهم خطأ أن آية سورة النور تتحدث عن الزواج ، وأن الخبيثين من الرجال يتزوجون من الخبيثات من النساء ، وأن الطيبين من الرجال يتزوجون الطيبات من النساء . وهذا فهم عقيم للآية ، وسبق أن وقع فى نفس الخطأ بعض المفسراتية دون أن يعرف تناقض هذا الفهم مع قصص القرآن الكريم فى الاشارة الى زوجة لوط وزوجة نوح . قمت بالرد بإختصار وفق المساحة المتاحة ، وشعرت بالتقصير فقررت كتابة هذا المقال ، راجيا التوفيق من رب العزة جل وعلا :

أولا : فى السياق المحلى للآية :

آية ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) تتحدث عن (اعمال ) وليس عن الأزواج .:

1 ـ فى كتاب ( القرآن وكفى ) ناقشت أكذوبة البخارى فى زعمه أن آيات سورة النور عن حديث الإفك لا شأن لها بالسيدة عائشة بل بجماعة المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات من سكان المدينة ، حيث نقرأ الآيات فى سورة ( النور ) وهى من أوائل ما نزل فى المدينة ، وتتحدث عن بداية إستقرار المهاجرين والمهاجرات فى المدينة ، وأن هناك من الأنصار من كان كريما معهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وان هناك من اهل المدينة منافقين ، إستغلوا العلاقات البريئة فى مساعدة الأنصار للمهاجرين بنشر إشاعات عن علاقة محرمة بين هذا الأنصارى وهذه المهاجرة ، وذلك المهاجر وتلك الأنصارية . ونزلت الآيات ، وفيها يقول جل وعلا عن عصابة نشر الإفك : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)).  ولأنه أمر عام يخص المؤمنين والمؤمنات فقد قال جل وعلا يلومهم (  لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)) ،  ثم قال جل وعلا عن مروجى الاشاعات السّامّة : ( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ (13)) ، ثم يهدد جل وعلا المؤمنين ويعظهم :( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)). ثم يعطى رب العزة جل وعلا حكما بأن من يحبون إشاعة الفاحشة بين المؤمنين ينتظرهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة  ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) ) وتتوالى الآيات فى الوعظ ، الى أن يقول جل وعلا عن الأعمال السيئة لمروجى الاشاعات الظالمة الكاذبة التى تطعن شرف المحصنات العفيفات :  ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)) أى هم ملعونون ينتظرهم عذاب أليم فى الآخرة ، ثم يقول جل وعلا عن أعمالهم الخبيثة التى تلائمهم : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ) وفى المقابل فالأعمال الطيبة تصدر من الطيبين ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) وأولئك الطيبون أبرياء من تلك الاتهامات الظالمة ، ولهم مغفرة يوم القيامة وأجر عظيم :( أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) النور )، أى هى أعمال ، الصالحون يعملون أعمالا صالحة والخبيثون يعملون اعمالا خبيثة ، اة كما قال جل وعلا ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً (84) الاسراء )

2 ـ إذن هى إتهامات ظالمة أشاعها عصبة من المنافقين والمنافقات ، وتداولها المؤمنون والمؤمنات مصدقين لها دون تمحيص . وهذه الاتهامات الظالمة هى أعمال خبيثة لا تصدر إلا من الخبيثين والخبيثات ، ولا يصح للمؤمنين والمؤمنات أن تصدر عنهم هذه الخبائث ، بل أن يكونوا من الطيبين والطيبات الذين تصدر عنهم الأعمال الطيبة .

3 ـ السياق المحلى فى سورة النور فى قوله جل وعلا : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) يؤكد هذا ، فالآية جاءت تعقيبا وتذييلا لحادث الإفك الذى اشاعه عصبة من المنافقين والمنافقات وتداوله المؤمنون والمؤمنات فاستحقوا اللوم والتهديد . ثم بعدها يأتى تشريع للمؤمنين بالاستئذان وغض البصر للمؤمنين والمؤمنات .

ثانيا : فى السياق العام فى القرآن الكريم :

 آية ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) تتحدث عن (اعمال ) وليس عن الأزواج ،  والسياق العام لهذا الموضوع يقطع بأنه لا علاقة لقوله جل وعلا : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) بالزواج .

1 ـ وصف الخبيث والطيب هو للعمل وليس للشخص . هذا هو أساس فى التشريع القرآنى ، فالانسان يرتكب الخبيث ويمكن أن يتوب توبة صالحة فيعمل الطيبات التى تغطى على أعماله الخبيثة ، فيبدل الله جل وعلا سيئاته حسنات : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) الشعراء )  . وإذا مات على عمله الخبيث تحول عمله الى عذاب له يوم القيامة .

2 ـ ومن هنا فالانسان مجبول على حريته فى الطاعة أو المعصية ، وهى مشيئته وتلك أيضا مسئوليته ، ولهذا شاءت إمرأة نوح أن تخون زوجها ، وكذلك زوجة لوط ، بينما إختارت زوجة فرعون أن تؤمن .

3 ـ القول السخيف بأن الزوج الخبيث للزوجة الخبيثة والزوج الطيب للزوجة الطيبة يتناقض مع الحياة الواقعية ، ويتناقض أيضا مع تشريعات الاسلام فى الطلاق . فالطلاق والانفصال والشقاق بين الزوجين يعنى تفاوتا بينهما فى الاخلاق ، وأن أحدهما يرتكب الخبيث من الأعمال ويظلم الطرف الآخر الذى يعمل الصالحات الطيبات  .

4 ــ يكفى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) التغابن ). ( الذين آمنوا ) رجالا ونساءا ، ( من أزواجكم ) ، اى رجالا ونساءا . أى يعيش ( زوج ) مع ( زوجة ) وهى عدو له ، وتعيش ( زوجة ) مع ( زوج ) لها وهو عدو لها . أى هناك عمل خبيث من واحد منهما ، والله جل وعلا يجعل العلاج بالعمل الطيب ، وهو العفو والصفح مع الحذر .

أخيرا :

يقول جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)   فصلت )، أى ومن الممكن لأى كافر بالقرآن أن يطعن فيه كما يشاء ، والله جل وعلا أعلم بمن يلحد فى آياته وهم أحرار فيما يعملون وسيتحملون نتيجة عملهم . ويبقى القرآن الكريم محفوظا لا عوج فيه ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، لا ينال منه تلاعب أئمة السنيين والشيعة والصوفيين ، ولا يؤثر فيه طعن الملحدين الكارهين لرب العالمين ، يقول جل وعلا  : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت  ).

ودائما : صدق الله العظيم ..!! 

اجمالي القراءات 12014