لا تقف ما ليس لك به علم
( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) 36 الاسراء
هذا نهي و امر و بيان من الله جل و علا للناس كافه كسائر النواهي و المحرمات مثل الشرك و الفواحش و الخمر و الربا و اكل مال اليتيم ... الى اخره , و لكن الناس تغافلوا عنه و مروا عليه مرور الكرام , و كأن الامر ليس ذو اهميه و لا يعنيهم , أو تجنبوه خوفا من ان ينكشف امرهم .
لا تقف : لا تتبع ولا تسير خلفه
ما ليس لك به علم : ما لا تعلم عنه سيئا أي لا زلت تجهل ان كان حقا ام ضلال , فهي دعوة للاطلاع و المعرفه و التعلم لاثبات حقيقة الامر المتبع , فيجب التحري و البحث حول كل الامور التي نتلقاها بواسطه تلك الحواس من سمع و نظر و مشاعر داخليه في النفس البشرية .
ان هذه الدعوة هي دليل صحي و ايجابي لصالح الفرد و المجتمع , فهي تنمي العقل و الفكر و تصحح الطريق و تكشف الامور , فيستقيم الرأي و تفرز للفرد كل خير , فيتبع ما صلح منه و يترك ما فسد , لأن جودة و خلاصة المعرفه تكن حاضرة جليه , لا تشوبها شائبه , و لا تغلفها خدعة ماكره و لا فكرة فاسده , فهي دعوة لمنطق الحوار و البحث و النقاش .
فتلقي بالباحث لبر الامان و توصله للحق و الصواب , و تدفع عنه شر الضلال و الفساد .
نستنتج من تلك الدعوة الموجه لنا من قبل الخالق جل و علا باستخدام تلك الوسائل المعرفيه انها تنهانا عن اتباع المعلوم او الموروث بدون البحث و التحقق منه , و ذلك في كل الامور و الاحوال , و في كل القضايا عملية كانت او كلاميه في جميع نواحي المعتقدات و المعاملات .
فالآية الكريمة بدأت بالنهي عن الاتباع الاعمى فهذا امر الهي للجميع بدون استثناء , فالبحث عن المعرفه و العلم هو مطلب على الجميع اتباعه كي لا يقع الانسان الذي يسعى لمرضاة الخالق جل و علا في رجس و نجس الافكار الفاسده و المذاهب الوضعيه و الديانات الارضيه , فيصاب بعمى العقل و الادراك و ينحل عن فطرته السليمة , فيتيه في هذه الدنيا بضلاله لعدم استخدامه لتلك الوسائل الموصله للحقيقة بالشكل السليم , و يكون في الآخرة أعمى كونه اتبع ما وجد عليه سلفه دون النظر في صدقه و صلاحه من عدمه .
اذا من الواجب و المفروض عليه ان يعلم قبل العمل و لا يفعل امرا قبل العلم , فالنهي بلا يفيد التحريم , فان سار المرء خلف هواه و خلف ما تواتر او سمع من امور دون البحث و العلم بها وقع في اثمها و ناله العقاب و الجزاء عليها .
يبين الله جل و علا لنا وسائل المعرفه الحسيه و التي يدرك بها الانسان الحقيقه و العلم و هي ( السمع و البصر و الفؤاد ) , فجعل الانسان مسؤولا عنها و تحت سيطرته الكامله , و جعل مسؤولا عن استخدامها و تفعيلها , كي يستقيم سلوكه مهتديا الى الحق و الحقيقة فقال جل و علا ( وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) 78 النحل , أي انه يولد الانسان و يخرج للحياة لا يعلم شيئا و لا يدرك شيئا و لكن الله وهب له تلك الوسائل الحسيه من اجل ان يعلم و يتعلم و يدرك الغايه التي ارادها الخالق سبحانه و التي بها سيستقيم سلوكه قولا و فعلا فيشكر الله جل و علا عبدا خاضعا تائبا لا يشرك به او معه احد , و لا يقدس احدا غيره .
حيث يبدأ الانسان بحثه مستخدما السمع و المشاهدة و الاحساس الداخلي أو الهاجس الذي يدفع بالشخص للنظر في امر ما كي يعلم صوابه من خطئه , و تم تخصيص تلك الوسائل الحسيه الثلاث نظرا لعظمتها و اهميتها في تحصيل العلم , هذا لا يعني ان فقد الانسان احدى تلك الحواس فهو عاجز عن ادراك المعرفه المطلوبه و لكن ترتب عليه مزيدا من الجهد و العناء في تحصيله .
كل ذلك من تلك الامور الثلاثة يؤدي بالانسان الى المراقبة و المحاسبة و الوقوف مع النفس و مساءلتها .
سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا
سبحانك اني كنت من الظالمين