واقع فن الروايس اليوم اية حصيلة و اية افاق؟
مقدمة ضرورية
منذ مدة لم اتطرق لموضوع فن الروايس على موقع اهل القران حيث كنت قد بدات منذ الصيف الماضي في كتابة مقالات متواضعة عن هذا الفن الاصيل قصد التعريف به عالميا عبر هذا الموقع..
غير ان اليد الواحدة لا تصفق ابدا لان التعاون هو شيء بالغ الاهمية بين الباحثين في هذا الفن من اجل تثمينه و الرفع من قيمته الرمزية و السياسية حيث كم من مرة كتبت في صفحتي الفايسبوكية انني احتاج الى معلومات حول رايس ما او موضوع متعلق بفن الروايس مع كامل احترامي للاخوان الباحثين لكن اليد الواحدة لا تصفق كما يقول المثل الامازيغي..
ان فن الروايس ليس مجرد فلكلور نحتاجه للترويج السياحي او للاظهار ان الامازيغيين هم شعب غارق في البدوية اي لا علاقة لهم بالحضارة او حتى السياسية ..
بل هو اي فن الروايس ثقافة اصيلة تتواجد في الجنوب المغربي في الاصل قبل تهاجر الى باقي المناطق المغربية الاخرى بفعل هجرة اهل سوس الى تلك المناطق قصد العمل او الدراسة علما ان مصطلح سوس كان يطلق على المغرب في فترة من الفترات التاريخية..
ان فن الروايس اصبح ذو صيت وطني مع ظهور وسائل التسجيل اوائل القرن الماضي في المغرب و سفر بعض الروايس الى الديار الفرنسية للتسجيل اثناء الاستعمار و بعده اي ان فن الروايس كان سفير للوطنية الحقيقية و للاسلام الامازيغي .........
غير ان دولة الاستقلال لها راي اخر حيث اعطت الاهمية القصوى لفنون المخزن التقليدي و نخبته الفاسية و همشت ثقافة الامازيغيين بجعلها خارج الشرعيات المختلفة منذ الاستقلال الشكلي الى حدود سنة 2001 حيث ان هذه المدة الطويلة كان امازيغي المغرب قد انطلقوا في عملهم الثقافي تحت القمع الشديد لكل ما هو امازيغي الى ابعد الحدود و الدرجات لان ذلك السياق التاريخي لم يكن مرحبا بالامازيغية بكل ابعادها بدون أي استثناء.
ان من الطبيعي جدا ان ينطلق امازيغي المغرب في عملهم الثقافي منذ اواخر ستينات القرن الماضي باعتبارهم ادركوا انذاك ان ثقافتهم الاصيلة توجد في الهامش بما يحمل هذا المصطلح من الابعاد و المعاني بينما ثقافة النخبة الفاسية توجد في قمة مجدها من خلال جعلها سادس ركن من اركان الاسلام و اقصد هنا الموسيقى الاندلسية التي تبث في كل مناسباتنا الدينية على امواج الاذاعة و شاشات التلفزيون الوطني حتى اعتقد اغلب الناس ان الموسيقى الاندلسية هي الموسيقى الدينية الوحيدة في المغرب و من بينهم انا عندما كنت صغيرا باعتباري كنت قد لاحظت ان التلفزيون المغربي كان يبث هذا الطرب الاصيل كما يحول للبعض وصفه بعد اذان المغرب في شهر رمضان أي ان المغاربة تعودوا على الافطار على ايقاعات الموسيقى الاندلسية لعقود طويلة من الزمان تحقيقا لسياسة ايديولوجية الظهير البربري .
ان الثقافة الامازيغية حسب منظور هذه السياسة الخطيرة هي ثقافة جاهلية لا علاقة لها إطلاقا بالاسلام بينما ثقافة هذه النخبة هي ثقافة اسلامية اصيلة ببلادنا دون ادنى شك ...
لكن ان الواقع التاريخي و الاجتماعي يقول اننا نتوفر على ثقافة امازيغية اسلامية لكن في طابعها العلماني المغربي كما شرحته في كتابي الجديد مطولا بينما ثقافة هؤلاء القوم هي دخيلة علينا كسكان المغرب الاصليين حيث توجد هذه الثقافة المحترمة تاريخيا في محو الرباط سلا فاس بفعل هجرة المسلمين من الاندلس اثر سقوط غرناطة سنة 1492 مما يعني ان ثقافة الامازيغيين كانت تشمل جل المناطق المغربية و في حين ظلت ثقافة النخبة المعروفة تتمركز في بلاد المخزن الى عهد الاستقلال ثم اصبحت ثقافة هذه النخبة الفاسية الثقافة الرسمية للدولة المغربية بعد سنة 1956 بفضل ايديولوجية الظهير البربري كسياسة عقبرية في مجالات وسائل الاعلام العمومية و تزوير تاريخ المغربي على طول الخط و
سلفية الخطاب الديني الرسمي الخ من هذه الاسباب المعروفة لدينا .
و بالتالي فاصبحت ثقافة الامازيغيين منذ الاستقلال الشكلي تعاني من جميع اساليب الاحتقار و القمع بتحويلها من ثقافة اصلية لهذه الارض الى مشروع استعماري كما تدعيه الحركة الوطنية المزعومة ..
الدخول الى صلب الموضوع
انطلاقا من هذه المعطيات يظهر لنا ان فن الروايس كاحد الفنون الامازيغية الاصيلة تعرض لمختلف اساليب الاحتقار و التهميش من خلال تحويله من ثقافة اصيلة قائمة الذات الى مجرد واجهة للفلكلور الشعبي بمفهومه القدحي بغية اظهار الامازيغيين على انهم ناس أميين لا علاقة بهم بالحضارة و بالثقافة كما قلت في بداية هذا المقال حيث ينبغي علينا كباحثين جدد تقديم فن الروايس باعتباره ثقافة اصيلة قائمة الذات تفوق ثقافة الطرب الاندلسي ألف مرة بحكم ان فن الروايس اصلا يتوفر على كل مقومات الاصالة المغربية ببعدها الاسلامي و ببعدها الثقافي و ببعدها الاجتماعي حيث في سنة 1980 كان المناضلين الامازيغيين يتحدثون عن مفهوم الثقافة الشعبية البسيط للغاية بالمقابل ثقافة السلطة و نخبتها الفاسية.
و بينما الان فالامر مختلف جذريا حيث علينا ان نتحدث عن ثقافة الامازيغيين بوصفها صلب هويتنا الوطنية كما جاء في خطاب 9 مارس 2011 التاريخي بمعنى علينا تجاوز خطاب الثقافة الشعبية نهائيا الى خطاب الجمع بين الامازيغية و الاسلام و الاصالة المغربية حسب اعتقادي المتواضع .
ان الحديث عن واقع فن الروايس الراهن على مختلف المستويات و الاصعدة هو حديث طويل بالنظر الى كثرة المشاكل التي يعاني منها اغلب الروايس كما شاهدناه في حلقة من برنامج مبعوث خاص الذي قدمه الاستاذ و الصديق عبد الله بوشطارت حول واقع الفن الامازيغي عموما بجهة سوس في سنة 2014 حيث ان من الملاحظ غياب أي اهتمام من طرف الدولة عبر وزارتا الثقافة و الاتصال بفن الروايس نهائيا من خلال حل المشاكل الاجتماعية و الصحية لاغلب الروايس حيث تطرق هذا البرنامج انذاك الى حالة المرحوم الحاج احمد امنتاك الغني عن التعريف باعتباره واحد من جيل الرواد الذين عاشوا عهد الاستعمار و قاوموا من اجل الاستقلال لكنهم وجدوا انفسهم بعد سنة 1956 في الهوامش بعيدا عن التكريم و الاعتراف بجميلهم حيث قال وقتها الحاج احمد امنتاك صراحة ان المخزن بمعنى وزارة الثقافة لا يسال عنا نهائيا و للاشارة ان الحاج احمد امنتاك توفي في نونبر الماضي ..
و هناك مشكل القرصنة الخطير و المهدد للفن الامازيغي خصوصا و الفن المغربي عموما حيث ان اغلب الروايس يشتكون كثيرا من هذا المرض الخبيث في لقاءاتهم الاذاعية او التلفزيونية بغرض اسماع صوتهم للجهات المسؤولة قصد محاربة ظاهرة القرصنة و هناك مشكل حقوق المؤلفين و الحقوق المجاورة حيث صرح الرايس مولاي حماد احيحي انه لم يتوصل بحقوقه مدة طويلة و يعيش على احسان الناس اليه بمعنى ان الفنان الامازيغي عموما لازال يعاني من المشاكل الكثيرة بالرغم من اننا نعيش في ظل دستور يقر برسمية الامازيغية لكن مع ايقاف التنفيذ منذ خمس سنوات من الانتظار حتى وصلنا الى النفق المسدود مع حكومتنا .
انني اعتقد شخصيا ان فن الروايس يستحق ان يجلس على عرش الفنون المغربية الاصيلة عوض ان يجلس في الهامش الان حيث اين معاهد خاصة تدرس فن الروايس لابناءنا و بناتنا في اطار تطبيق الجهوية المقدمة حيث يوجد معهد يتيم في مدينة تيزنيت يحمل اسم الحاج بلعيد الى حد الان .
و اين تكريم فن الروايس في حياتنا العامة من خلال اطلاق اسماءهم على مؤسساتنا الثقافية و شوارع على الصعيد الوطني و الجهوي حيث نسمع اسماء غريبة عن ثقافتنا الامازيغية تطلق على مؤسساتنا الثقافية داخل مدينة اكادير نفسها مثل مركب جمال الدرة الثقافي كاننا شعب مكتوب عليه تقديس القضية الفلسطينية الى ابد .
اننا نعاني من هذا التأخر الفظيع في كل هذه المجالات الرمزية حيث يجب تجاوز هذا التاخر بتنظيم قطاع فن الروايس عبر تاسيس جمعيات مدنية حقيقية و خاصة بهذا الفن الاصيل على غرار جمعيات الطرب الاندلسي منذ عقود من الزمان لان من الضروري وجود هذه الجمعيات الفاعلة لتاطير الروايس انفسهم على كل المستويات بحكم انني لاحظت ان اغلب الروايس لا يحسنون الكلام امام الكاميرا خصوصا ربما بسبب عامل السن او الامية بجميع انواعها و من مهامها كذلك هي التوحيد بين الروايس بغية تحقيق المصلحة العامة مع الاشارة ان من الضروري ان يشارك الروايس في حفلات سفارات المغرب في الخارج عوض ان يبقوا واجهة للاستعراض الفلكلوري في التدشينات الرسمية ..
و من جهة اخرى يجب اقامة مهرجان وطني لفن الروايس بحكم ان الروايس انفسهم يعيشون في مختلف المدن المغربية و بحكم ان ثقافة فن الروايس تتوفر على كل مقومات الاصالة المغربية ببعدها الاسلامي و الثقافي كما قلت سالفا حيث ان قصائدهم الدينية تعد بالمئات و بينها القصائد الحجازية حيث يجب احصاءها منذ عهد الحاج بلعيد و ربما قبله الى الان حتى يعرف عامة الناس مدى اهتمام الفنون الامازيغية عموما بالدين الاسلامي بغية تحطيم احتكار الشرعية الدينية من طرف اصحاب اللطيف و اسقاط ايديولوجية الظهير البربري نهائيا..
و خلاصة القول ان هذه هي مجرد افكار متواضعة تنطلق من غيرتي على فن الروايس باعتباري باحث متواضع في هذا الميدان منذ سنوات عديدة ..
المهدي مالك