أولا : موجز عنه :
أبوه زياد ابن أبيه . مولود عام 39 . وأمه كانت مجوسية واسمها ( مرجانة ) وكان يُنسب اليها تحقيرا . وقد أرسله أبوه الى معاوية ، تقول الرواية عن ابن عساكر: ( أن معاوية كتب إلى زياد: أن أوفد إليَّابنك، فلما قدم عليه لم يسأله معاوية عن شيء إلا نفذ منه، حتى سأله عن الشعر فلميعرف منه شيئاً، فقال له: ما منعك من تعلم الشعر؟، فقال: يا أمير المؤمنين إني كرهت أن أجمع في صدري مع كلام الرحمنكلام الشيطان.)
ولاه معاوية على البصرة عام 55 . فلما تولى يزيد الخلافة جمع له بين البصرة والكوفة. وقد تزوج ( هند بنت أسماء بن خارجة ) وبعد مقتله تزوجها من حكم العراق بعده ، فقيل لها : من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك؟، فقالت: ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساءهيبة الحجاج بن يوسف، ووددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد واشتفي منحديثه والنظر إليه .
وقالوا : ( وقد كانت في ابن زياد جرأة وإقدام ومبادرة إلى ما لا يجوز، وما لاحاجة له به ... ومن جرأته إقدامه على الأمربإحضار الحسين إلى بين يديه وإن قتل دون ذلك، وكان الواجب عليه أن يجيبه إلى سؤالهالذي سأله فيما طلب من ذهابه إلى يزيد أو إلى مكة أو إلى أحد الثغور.فلما أشار عليه شمر بن ذي الجوشن بأن الحزم أن يحضر عندك وأنت تسيرهبعد ذلك إلى حيث شئت من هذه الخصال أو غيرها، فوافق شمراً على ما أشار به من إحضارهبين يديه فأبى الحسين أن يحضر عنده ليقضي فيه بما يراه ابن مرجانة.وقد تعس وخاب وخسر، فليس لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيحضر بين يدي ابن مرجانة الخبيث. ).
وقالوا إنه بموت يزيد بن معاوية ( بايع الناس فى المصرين ( الكوفة والبصرة ) لعبيدالله حتى يجتمع الناس على إمام، ثم خرجوا عليه فأخرجوه من بين أظهرهم، فسار إلىالشام فاجتمع بمروان، وحَسُنَ لمروان أن يتولى الخلافة ويدعو إلى نفسه ففعل ذلك، ثم انطلق عبيد الله إلى الضحاك بن قيس فما زال به حتى أخرجه من دمشقإلى مرج راهط.ثم خدع ابن زياد ( الضحاك بن قيس ) وحَسّنَ له أن دعا إلى بيعة نفسه وخلع ابن الزبير ففعل، فانحلنظامه ووقع ما وقع بمرج راهط، من قتل الضحاك وخلق معه هنالك. وأرسل مروان ( ابن زياد ) إلى العراق في جيش فالتقى هو جيش التوابين مع سليمان بن صرد فكسرهم،واستمر قاصداً الكوفة في ذلك الجيش، فتعوق في الطريق بسبب من كان يمانعه من أهلالجزيرة من الأعداء الذين هم من جهة ابن الزبير. ثم اتفق خروج ابن الأشتر إليه في سبعة آلاف، وكان مع ابن زياد أضعافذلك، ولكن ظفر به ابن الأشتر فقتله شر قتلة على شاطئ نهر الخازر قريباً من الموصلبخمس مراحل.) .
هذا موجز حياة ابن زياد . ويقول ابن سعد عن يوم مقتل ابن زياد : ( وكان ذلك يوم عاشوراء. وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين، ثم بعث ابن الأشتر برأسه إلىالمختار ومعه رأس الحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع وجماعة من رؤساء أصحابهم،فسر بذلك المختار)
ثانيا : ابن زياد ورأس الحسين ونساء الحسين
1 ـ تقول الرواية : ( ولما قتل الحسين أرسلرأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي . ) وفى رواية أخرى : ( وقيل: بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعثوعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس، فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديهوهو ينكت بقضيب بين ثنيته ساعة، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال: أعل هذاالقضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا إله غره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلى اللهعليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشرالعرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركمويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعداً لمن يرضى بالذل! ) .
2 ـ بعدها بيومين سار عمر بن سعد بن أبى وقاص إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان، وعلي بنالحسين مريض، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهن،وصاحت زينب أخته: يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء! هذا الحسين بالعراء، مرملبالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كل عدووصديق.فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بهاإماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثاً وهي لا تكلمه،فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة. فقال لها ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكموقتلكم وأكذب أحدوثتكم! فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيراً،لا كما تقول أنت، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. فقال: فكيف رأيت صنع الله بأهلبيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمونعنده. فغضب ابن زياد وقال: قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت وقال : لعمري لقد كان أبوك شجاعاً! فقالت: ما للمرأة والشجاعة! ولما نظر ابنزياد إلى علي بن الحسين قال: ما اسمك؟؛ قال: علي بن الحسين. قال: أولم يقتل اللهعلي بن الحسين؟ فسكت. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: كان لي أخ يقال له أيضاً عليٌّفقتله الناس. فقال: إن الله قتله. فسكت عليٌّ. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: {الله يتوفى الأنفس حينموتها} الزمر: 42،{وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذنالله} آل عمران: 145. قال: أنت والله منهم. ثم قال لرجل: ويحك! انظر هذا هلأدرك؟ إني لأحسبه رجلاً. قال: فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال: نعم قد أدرك. قال: اقتله. فقال علي: من توكل بهذه النسوة؟ وتعلقت به زينب فقالت: يا ابن زيادحسبك منا، أما رويت من دمائنا، وهل أبقيت منا أحداً! واعتنقته وقالت: أسألك باللهإن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه! وقال له علي: يا ابن زياد إن كانت بينكوبينهن قرابة فابعث معهن رجلاً تقياً يصحبهن بصحبة الإسلام. فنظر إليها ساعة ثمقال: عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه، دعوا الغلامينطلق مع نسائه.
ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابنالكذاب الحسين بن علي وشيعته.فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الوالبي،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابنمرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلونأبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟ فقال: علي به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: يا مبرور! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمربصلبه في المسجد، فصلب، رحمه الله.وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به فيالكوفة، وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام على خشبة في قول، والصحيح أن أول راس حملفي الإسلام رأس عمرو بن الحمق. ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحربن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة معه، وارسل معه النساءوالصبيان، وفيهم علي بن الحسين، قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته، وحملهم علىالأقتاب، فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام، فدخل زحر بن قيس علىيزيد، فقال: ما وراءك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره، ورد عليناالحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أنينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم مع شروقالشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوايهربون إلى غير وزر، ويلوذون بالإكام والحفر، كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله ماكان إلا جزر جزور، أو نومة قائل، حتى أتينا على آخرهم! فهاتيك أجسادهم مجردة،وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبانوالرخم . فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتلالحسين، لعن الله ابن سمية! أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين! ولم يصله بشيءٍ.) .
تدمع العينان عند قراءة هذا . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .!!
ثالثا : مقتل ابن زياد سنة سبعوستين:
1 ـ استولى المختار بن عبيدة الثقفى على العراق ، وقد إنضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بآلاف من الشيعة ، وقد بعث المختار بابن الأشتر فتحارب مع ابن زياد الذى كان على رأس جيش يريد إستعادة العراق للأمويين .
2 ـ تقول الرواية : ( ولما سار إبراهيم بن الأشتر من الكوفة أسرع السير ليلقوا بنزياد قبل أن يدخل أرض العراق، وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،.. فسار إبراهيم وخلف أرض العراق وأوغل في أرضالموصل.. فنزل بقرية بارشيا. وأقبل ابن زياد إليه حتى نزل قريباًمنهم على شاطئ الخازر. ) .
3 ــ وكان عمير بن الحباب السلمي من قادة جيش ابن زياد ، ومن أقرب أعوانه . ولكنه كان حاقدا على الأمويين بسبب قتلهم الضحاك بن قيس ( زعيم قبائل مُضر ) فى موقعة مرج راهط . وكان معظم جنود الأمويين من قبائل كلب . وإلتقى عمير بن الحباب سرا مع ابراهيم بن الأشتر ( وكلاهما من قبائل مُضر ) ، واتفقا على أن ينهزم عمير بقومه تاركا جيش ابن زياد ، ونصح عمير ( ابن الأشتر ) بالطريقة المثلى لهزيمة ابن زياد .
4 ــ وبعد صلاة الفجر عبّأ ابن الأشتر قواته وحمّس جنوده بتذكيرهم بمقتل الحسين وآله ، بينما عبّأ ابن زياد جيشه ، ( وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني، وعلى ميسرته عمير بنالحباب السلمي، وعلى الخيل شر حيل بن ذي الكلاع الحميري. ) واصطدم الجيشان ، ولكن عمير بن الحباب خجل من الفرار ، وكان ابن الأشتر ينتظر فرار عمير ، تقول الرواية : ( وحملتميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب، كما زعم،فقاتلهم عمير قتالاً شديداً وأنف من الفرار. ) وإختدم القتال حتى صاروا يقتتلون بالسيوف والعُمُد ، وانتهى الأمر بفرار عمير فعلا ، حتى قيل إن قتاله فى الأول كان تعذيرا . تقول الرواية : ( فتطاعنوا ثم صاروا إلى السيوف والعمد فاضطربوا بهاملياً، وكان صوت الضرب بالحديد كصوت القصارين ... واشتد القتال فانهزم أصحاب ابن زياد وقتل من الفريقين قتلىكثيرة.وقيل: إن عمير بن الحباب أول من انهزم، وإنما كان قتاله أولاًتعذيراً. ).
5 ــ وقتل ابراهيم بن الأشتر ( عبيد الله بن زياد ) دون أن يعرفه . تقول الرواية : ( فلما انهزموا قال إبراهيم: إني قد قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئنهر الخازر فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك .. فالتمسوهفإذا هو ابن زياد قتيلاً بضربة إبراهيم فقد قدّته بنصفين وسقط، كما ذكر إبراهيم،فاخذ رأسه وأحرقت جثته.) ( وحمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكونيوهو يظنه عبيد الله بن زياد، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، فنادى التغلبي: اقتلونيوابن الزاني فقتلوا الحصين . )
6 ــ وفى رواية أخرى ( وقيل: إن الذي قتل ابن زياد شريك بن جدير، وكان هذا شريكشهد صفين مع علي وأصيبت عينه، فلما انقضت أيام علي لحق شريك ببيت المقدس فأقام به،فلما قتل الحسين عاهد الله تعالى إن ظهر من يطلب بدمه ليقتلن ابن زياد أو ليموتندونه. فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر،فلما التقوا حمل على خيل الشام يهتكها صفاً صفاً مع أصحابه من ربيعة حتى وصلوا إلىابن زياد وثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد، فانفرجت عن الناس وهما قتيلان شريكوابن زياد. والأول أصح. )
7 ــ ( ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم،فكان من غرق أكثر ممن قتل، وأصابوا عسكرهم وفيه من كل شيء.وأرسل إبراهيمالبشارة إلى المختار وهو بالمدائن .. وأقام إبراهيمبالموصل، وأنفذ رأس عبيد الله بن زياد إلى المختار ومعه رؤوس قواده، فألقيت فيالقصر. ) .