نتقرب الى الله جل وعلا بوصف صحابة الفتوحات بما يستحقون

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٩ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

كالعادة يعترض علينا بعض الأحبة بما يعتبرونه سبا فى حق الخلفاء ( الراشدين ) ، وكالعادة أيضا يستشهدون بقول الله جل وعلا : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ  ). وأقول :

أولا : ما يقال إعتراضا علينا هو يؤكد وجهة نظرنا فى ذلك التقديس الهائل للخلفاء  (الراشدين )، وأنه صعب جدا التخلص من هذا التقديس الذى استمر حوالى 13 قرنا من الزمان بمجرد بعض مقالات مهما تسلحت تلك المقالات بالأدلة القرآنية والتاريخية من داخل التراث السنى نفسه . ثم إن هنالك دول ونظم حكم ومؤسسات وجامعات وكهنوت يدافع عن هذا الإفك ، ويخوفون من يعترض ، ولا يتورعون عن القتل والزج فى السجون . وحتى من تفتح عقله فلا تزال فيه بعض رواسب تحتاج الى المزيد من الجهد ، ولهذا نعيد الكتابة ..لعل وعسى .!!

ثانيا : دائما يُساء فهم قوله جل وعلا : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الانعام ). يفهمون النهى عن سب الآلهة والبشر الذين يتم تقديسهم . وهذا خطأ .    

 لوكان المقصود هو النهى عن سبّ الآلهة لتناقض هذا مع بقية الآية الكريمة : ( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الانعام )، إذ كيف تسُبُّ أبا بكر وعمر وعثمان وبوذا والمسيح ومحمد فيقومون بسب الله جل وعلا عدوا بغير علم ؟ الواضح أن المقصود بقوله جل وعلا : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ  ) ليست الالهة المعبودة والتى ماتت ولا علم لها بما جاء ومن جاء بعدها، بل المقصود هو النهى عن سب البشر العابدين لتلك ألالهة المقدسين لها ، وعندما تسبُّ أولئك البشر فستأخذهم حمية الجاهلية ويسبون الله جل وعلا .

قوله جل وعلا : ( فَيَسُبُّوا اللَّهَ ) ليس المقصود السّبّ المعروف بين البشر ، بل إنّ السّب هو مجرد قولهم مثلا : إن فلانا ( نور عرش الله : فهل كان عرش الرحمن مظلما الى أن ظهر هذا الشخص ؟ )أو أن فلانا ( هو ولى الله: أى فهم الذين يفرضون فلانا هذا على الله جل وعلا ليكون وليا لله جل وعلا يستحوذ لنفسه على حق رب العزة جل وعلا فى التقديس الواجب له وحده ) أو أن فلانا له نفوذ الشفاعة فى يوم الدين الذى هو ملك لرب العالمين ( أى أنه جل وعلا يصدر أمرا فيتدخل هذا الشخص فيجعل الله جل وعلا يتراجع عن قراره ) . كل مزاعم المشركين إنتقاص من جلال رب العزة جل وعلا ، وهى سبُّ له جل وعلا . والمشركون حين تسبهم فلا بد أن يؤكدوا ـ عنادا ــ مزاعم جاه آلهتهم المعبودة . وهذا الجاه المزعوم هو ( سبُّ ) لرب العزة . هم يمارسونه شيئا عاديا ، ولكن عندما تعظهم بتحقيرهم كاشخاص فهم يندفعون للقول دفاعا عن أهوائهم بما يكون سبّا فى رب العزة ، او بالتعبير القرآنى البليغ : ( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً   بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ، اى يقولون جهلهم . ولأنهم رفضوا الهدى فتركهم رب العزة للشيطان فإستزلهم الشيطان، والنتيجة : ( كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ) وفى النهاية :( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) الانعام ).

3 ـ إن السًبّ المنهى عنه هو سب اشخاص المشركين . لذا فإن التكفير ليس لإشخاص المشركين ولكن للأفعال والأقوال التى تصدر من الأشخاص . والشخص طالما هو حى يسعى فى الأرض فإحتمال توبته قائم ، ولذا يكون التوضيح له بأن هذا القول كفر وذلك الاعتقاد كفر وذلك الفعل كفر . فالكفر حالة تطرأ وقد تتغير الى إيمان خالص ، وقد تستمر مع صاحبها الى موته . والله جل وعلا عبّر عن حالتى الكفر والايمان بقوله جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء )، فالكفر عارض ويقبل الزيادة ، وكذلك الايمان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ). ومن هنا تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى أحسن مع من يريد الهداية : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  ) (125) النحل  ). وليس هذا على حساب الدعوة نفسها ، بل قول الحق كاملا وواضحا وصريحا مع الاعراض عنهم إذا رفضوا الحق تمسكا بالشرك : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (94) الحجر ). وقول الحق كاملا يعنى تجريد تلك المخلوقات من التأليه المزعوم ، ومن سمات هذا التأليه العصمة من الخطأ والتحكم فى مُلك الرحمن جل وعلا وفى اليوم الآخر والقدرة على النفع والضرر وطلب المدد والعون منهم . وكلها صفات الاهية وليست من صفات الأنبياء والمرسلين .

ثالثا :

1 ــ بالنسبة لخاتم المرسلين عليه وعليهم السلام فإيماننا بالرسول هو بما جاء عنه بالقرآن الكريم ، وحبنا له يفرض علينا تبرئته من الأكاذيب التى نسبوها اليه باسم السنة النبوية ، وإيماننا بالرسالة القرآنية ــ التى بلّغها وأوذى فى سبيلها ــ يفرض علينا نبذ تأليهه ، ويفرض علينا الكفر بتلك الشخصية الوهمية الالهية التى صنعوها له فيما يعرف بالسيرة والسنة .

2 ـ بالنسبة للصحابة، فالذى نعرفه مما ذكره رب العزة عمّن كان حول النبى فى مكة والمدينة ( الذين صحبوه فى الزمان والمكان ) أنهم كانوا : كفارا أعداءا له ، ومن كان معه كانوا حالات شتى ، منهم مؤمنون ومنافقون  فى الدرك الأسفل من النار ، ومنهم منافقون أشد نفاقا توعدهم الله جل وعلا بعذاب مرتين فى الدنيا ثم عذاب عظيم فى الآخرة، ومنهم سابقون فى الايمان الخالص والعمل الصالح ، ومنهم من خلط عملا صالحا وآخر سيئا ،ومنهم من أرجا الله جل وعلا أمره إما أن يعذبه وإما أن يتوب عليه .

3 ــ  لم يذكر رب العزة أسماء أشخاص ، ولكن ذكر صفات فقط . ثم بعد موتهم بأكثر من قرنين تمت كتابة تاريخ أولئك الصحابة . والذى نعرفه عنهم تاريخ مكتوب بعدهم . ونحن نحكم عليهم بهذا التاريخ الذى كتبه عنهم من يحبهم و ( يؤمن بهم ) وليس أعداءهم .

4 ــ نحن لم نجلس مع ابى بكر وعمر وعثمان وعلى ..الخ ..ولم نعايشهم . وحتى لو عايشناهم ساعة بساعة فلا يمكن أن نتعرف على سرائرهم ، فالله جل وعلا هو الأعلم بالسرائر وهو الأعلم بايماننا بعضنا من بعض ، والنبى فى حياته لم يكن يعرف أن بين المحيطين به من كان منافقا مرد على النفاق . وعلى فرض أن الطبرى وابن سعد وابن الأثير عاشوا مع الخلفاء ( الراشدين ) وكتبوا عنهم من موقع المعاصرة والمشاهدة فليس ما كتبوه حقيقة مطلقة يجب الايمان بها، بل هو حقيقة تاريخية نسبية ، وليس التاريخ دينا .   

5 ــ نحن نحن لم نجلس مع ابى بكر وعمر وعثمان وعلى ..الخ ..ولم نعايشهم ولم نعرفهم معرفة شخصية . نحن نعرف عنهم من خلال المكتوب عليهم ونتعامل مع الروايات التاريخية التى كتبها ابن سعد والطبرى والمسعودى وابن الأثير عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وطلحة وسعد وخالد وعمرو ..الخ . لا شأن لنا على الاطلاق بالغيب الالهى عنهم ـ وهو حقائق لا نعلمها ـ ولكن لنا شأن مع تاريخهم  المكتوب والذى هو المصدر الوحيد المتاح لنا عنهم .

بالضبط كما نقول عن البخارى : لا شأن لنا بالمدعو ابن برزدويه المجوسى الذى إشتهر باسم البخارى ، لم نره ولم نعايشه ،ولا يهمنا ذلك . الذى يهمنا هو ( كتاب البخارى ) ، هى ملىء بالطعن فى رب العزة والرسول عليه السلام وفى الاسلام العظيم ــ ثم يؤمن به اكثر من بليون من المحمديين .وواجبنا توضيح الحق ، ولا نفرض رأينا على احد .

  6 ـ  أن تقديس المحمديين للصحابة قد تكرس عبر القرون ، وهو أيضا صناعة عادية فى الأديان الأرضية ، والتى يتحول فيها بعض التاريخ البشرى الى دين ، ويتحول فيها بعض أبطال التاريخ الى آلهة مقدسة ، وكل ما تفعله تلك الشخصيات من جرائم يجرى تقديسها . وهذا بالضبط ما يحدث لأبى بكر وعمر وعثمان بالذات . بحث تاريخهم علميا كشخصيات تاريخية ـ بمنهج البحث العلمى ـ ليس سبّا لهم .

أبو بكر وعمر وعثمان إرتكبوا جرائم حرب فى تلك الفتوحات وجعلوها جهادا إسلاميا ، ليس سبا لهم ان نحتكم الى رب العزة فى القرآن الكريم لنتعرف على حقيقة الموضوع . وفى الاحتكام الى رب العزة فى القرآن الكريم نجدهم أعداء لرب العزة ، لأنه إما أن يكون عملهم هو الاسلام فلا بأس بما فعلوه ويكون رب العزة ظالما يأمر بالبغى والعدوان ، وإما أن يكون عملهم مناقضا لدين رب العزة الذى يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى والعدوان . وحينئذ فالمؤمن الحق عليه أن ينصر رب العزة ضد أولئك ( الخلفاء ) ولا يمكن ان يكون ما يقوله سبّا فى حق أولئك الخلفاء بل هو توصيف عادل لما فعلوه من ظلم وعدوان .  وبالتالى فإن من يؤازر أولئك الخلفاء الفاسقين الحقراء المجرمين يكون عدوا لرب العالمين . لا يمكن إنكار الحق الواضح الساطع لمن لديه بصيرة .

7 ــ لم يقل رب العزة فى كتابه الكريم ( إن السابقين الأولين هم ابو بكر وعمر وعثمان وعلى .. ) ولم يقل جل وعلا فى القرآن الكريم (إن العشرة المبشرين بالجنة هم فلان وفلان ) أو أنه جل وعلا قد رضى عن فلان وعلان .. هذا كله قاله شياطين الإنس بالافتراء والكذب على رب العزة جل وعلا . هذا الافتراء هو أساس كل دين أرضى . هذا الافتراء يصفه رب العزة بأنه ( رجس ) .هذا ( الرجس ) ليس سبّا ، بل هو توصيف أمين وعادل لأكاذيب سامة تعتدى على جلال الله جل وعلا . حين يؤمن البعض بها فواجب الداعية للحق أن يؤكد وصفها بأنها ( رجس ) تناقض الطُّهر الذى هو ( لا إله إلا الله ) .

8 ــ وحين يتهمنا بعض المحمديين بالكفر بقدسية الخلفاء ( الراشدين ) ويثور علينا لأننا نصفهم بالخلفاء الفاسقين فنحن نقول لهم : (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود )

اجمالي القراءات 13768