فى مصر : حرب أهلية ممكن .. تقسيم : مستحيل .!!
قال : أخشى من حرب أهلية قادمة فى مصر
قلت : هذا أخشاه أيضا .
قال : وأخشى أن تنقسم مصر وتتجزأ
قلت : هذا مستحيل .
قال : سوريا والعراق مقسمان فعلا وواقعا .
قلت : هذا وضع عادى ومتكرر طوال تاريخ هذه المنطقة .
قال : كيف ؟
قلت : منطقة الرافدين والشام والعراق هى إقليم جغرافى ، وليس سياسيا . الدول التى تقوم فيه دول مؤقتة ، تقوم وتسقط ، وتتغير أوضاعها السياسية . الدول الموجودة الآن تم خلقها بعد الحرب العالمية الأولى ، وتم تقسيم المنطقة الى سوريا والعراق والاردن ثم قيام اسرائيل ، وهذا حمل فى داخله قنابل موقوتة تؤذن الآن بانهيار معظم هذه الدول .
قال : لماذا ؟
قلت : لأن المنطقة فسيفساء عرقية ودينية ومذهبية . فيها العرب والأكراد والكلدان والسريان والترك ( التركمان ) وأجناس وافدة من اواسط آسيا ، ونزوح مستمر من صحراء الجزيرة العربية يحمل معه الخراب والدمار والتخلف البدوى ، ثم فيها مسيحيون من مذاهب شتى ومسلمون شيعة وسنة وبهائيون ، ثم تقسيمات شتى داخل هؤلاء وأولئك . وهى تقسيمات تتحول الآن الى التقاتل ، بما يجعل المنطقة مستنقعا من يغوص فى دمائه لا يخرج منه بسهولة. خذ لبنان مثلا .. فيها كل التنوع ، وكانت هناك صيغة للتعايش ، لم تصمد فإشتعلت حرب أهلية جعلت لبنان مستنقعا من الذبائح لا يزال محفورا فى الذاكرة . يتكرر الوضع الآن بصورة أشمل تأخذ فى التمدد لصالح أطراف محلية وإقليمية ودولية . التنوع هنا نقمة .
قال : هذا التنوع موجود فى اوربا وأمريكا وهو نعمة .
قلت : هو نعمة لو كانت المنطقة تنتظم فى دولة واحدة تسودها الديمقراطية مثل كندا وأمريكا.
قال : وما الذى يمنع قيام ديمقراطية فيها ؟
قلت : هى منطقة قلقة بطبيعتها وجغرافيتها ، فهى محل أطماع القوى المحيطة بها .
قال : تقصد أنها تقع بين دولتين ركيزتين ( مصر) فى الغرب و (إيران ) فى الشرق .
قلت : هذا بالاضافة الى أطماع أوربية عبر البحر المتوسط وقلاقل تأتى من صحراء العرب ، وامل روسى فى الوصول الى المياه الدافئة من البحر الأسود الى البحر المتوسط ، ثم قيام إسرائيل . كل هذا يمنع قيام دولة موحدة ديمقراطية .
قال : هذا الآن .
قلت : وفى الماضى أيضا . وقعت المنطقة تحت إحتلال الفراعنة ، ثم صراع بين القوة الشرقية فى فارس والقوة الغربية فى مصرالفرعونية ، ثم بين (اليونان / الفرس ) ثم بين، ( الفرس / الروم) ، ثم إحتلها ( العرب )، ثم صارت محل تنازع القوى المسيطرة على الخلافة العباسية من القواد الأتراك ( الطولونيون ، الاخشيديون ، الاتراك السلاجقة ، ، ثم (الفاطميون / والقادة الأتراك المسيطرون على الخلافة العباسية ، والصليبيون) ثم ( الأيوبيون والصليبيون ) ثم ( الصليبيون والمماليك ) ثم ( المغول / المماليك ) ثم ( الفرس الصفويون / العثمانيون )،ثم ( فرنسا / انجلترة ، ). ثم إعادة رسم خريطة المنطقة على يد ضابطى المخابرات ( الانجليزى سايكس والفرنسى : بيكو ) فتكونت سوريا والعراق ولبنان ثم الأردن ثم اسرائيل ، وبعد الاستقلال إنقلابات عسكرية ثم صراعات حزبية ( البعث السورى و العراقى ) ( الناصرية والوهابية ) وحاليا : صراع على إعادة تقسيم المنطقة تتدخل فيه قوى دولية : روسيا وأمريكا ، وقوى إقليمية : تركيا وايران والسعودية ، وقوى محلية تتلاعب بها القوى الدولية والاقليمية ( داعش ، النصرة ..الخ ) .
قال : كيف يمكن قراءة ما يجرى الآن فى سوريا والعراق ؟
قلت : الوهابية السعودية خلقت داعش ، وداعش توسعت لأنها السبيل لإعادة رسم خريطة المنطقة ، وتغذت داعش على تناقضات المنطقة وإختلافاتها العرقية والدينية والمذهبية ، وطبيعتها الجغرافية . وتوسعت بسهولة فى المناطق السنية بين سوريا والعراق .
وقلت : على أرض الواقع توجد أنظمة متصارعة ، نظام فى بغداد وآخر فى كردستان العرق ، وداعش بين الموصل والرقة ، ونظام الأسد بين اللاذقية ودمشق ، وروسيا تسعى الى توسيع رقعتها من الكعكة السورية بضرب المنظمات العسكرية فى سوريا دون التركيز على داعش ، وإيران تسعى الى توسع رقعتها فى العراق ، والسعودية تتكلم عن حرب داعش فى سوريا فى الوقت الذى تحارب فيه فى اليمن ، وتركيا تؤيد التركمان فى سوريا لتضم الشمال السورى كما ضمت من قبل إقليم الاسكندرونة .
قال : وماذا عن أمريكا التى حطمت العراق ؟
قلت : جهزته لقمة سائغة لايران . ويتفق مرشحو الرئاسة الأمريكية الآن ـ من ديمقراطيين وجمهوريين ـ على عدم تكرار حماقة جورج بوش الابن وإرسال جيش أمريكى برى للعراق ووريا . أى تركت أمريكا الساحة ترحب بالتدخل الايرانى والروسى ، وتحولت أمريكا الى كومبارس ومعها فرنسا وكندا وهولنده وقطر والامارات . كومبارس يتفننون فى التصريحات واللقاءات .
قال : والرابحون ؟
قلت : أعتقد أنهما روسيا وايران .
قال : وماذا بعد ربحهما ؟
قلت : إذا ربحا سيجرى بينهما صدام فى أواسط آسيا وحول بحيرة قزوين ، وهو صدام قادم تحاول الدولتان تأجيله ، بعد تحييد أمريكا وحلف الناتو وإعادة رسم خريطة الشام والعراق لصالحهما .
قال : وماذا عن هذا الصراع الايرانى الروسى القادم ؟
قلت : معظم دول الكومنولث السوفيتى القريبة من ايران كانت جزءا من الامبراطورية الفارسية ، وهى تتبع إيران ثقافيا ، وبسقوط الاتحاد السوفيتى فهذه الدول تبحث عن هويتها وتاريخها وتنمو فيها بسرعة حركات أصولية سنية وشيعية ، وأنظمة الحكم الموالية لروسيا تركز على مواجهة التطرف السنى الوهابى ، بينما يتمدد إحياء التشيع فيها بلا مقاومة . وفى الوقت المناسب سيتحول التيار الشيعى الى لاعب سياسى بعد تحجيم حركات التطرف الوهابية السنية . وستحاول ايران تحويل بحر قزوين الى بحيرة فارسية كما كان فى العصور القديمة والوسطى . ولن تسمح روسيا بهذا . ولذا فالصراع بينهما قادم وحتمى إذا خرجت ايران منتصرة فى العراق والخليج .
قال : وماذا عن السعودية والخليج ؟
قلت : ستدخل السعودية متحف التاريخ فى هذا القرن ، وستلحقها دول الخليج التى ستبتلعها إيران إن عاجلا أو آجلا .
قال : وماذا عن مصر ؟
قلت : دور مصر القيادى تم تشييع جنازته بهزيمة يونية 1967 ، وتم دفنه مع موت عبد الناصر عام 1970 . وتصارع على وراثة الدور المصرى صدام العراق وقذافى ليبيا وآل سعود ، ثم بعد مقتل صدام والقذافى دخلت فى اللعبة قطر والامارات . هذا مع أنهم جميعا يمثلون دولا مؤقتة ومتحركة يجب أن يقلقوا على وجودهم أصلا بدلا من اللعب مع الكبار . والواقع فإن إعادة رسم خريطة الشام والعراق ستكون على صالحهم . مصر الآن تابعة للخليج ، تتأرجح بين تبعيتها للسعودية والامارات . وهو صغار لا يليق بمصر ، ولكن أوقعه بها حكم العسكر الذى وصل بمصر الى أسفل سافلين .
قال : هل ستصل مصر الى التقسيم كما يحدث فى سوريا والعراق ؟
قلت : مستحيل .
قال : لماذا ؟ وما هو الخلاف بين مصر وسوريا /العراق؟
قلت : لن أُعيد ما قلته عن الشام والعراق كمنطقة جغرافية تتعدد فيها الأعراق والأديان والمذاهب وتتلاعب بها القوى الاقليمية والعالمية وأنها لم يحدث أن توحدت فى دولة مركزية واحدة .
قال : ولكنها توجد فيها أقدم مدن العالم ( القدس ، دمشق ، عمّان وحلب والبصرة والكوفة وبغداد والموصل والموانى على البحرالمتوسط ) وكانت دمشق عاصمة للامبراطوية الأموية كما كانت بغداد عاصمة للأمبراطورية العباسية ، وقامت دول مؤقتة فى حلب وغيرها .
قلت : برغم هذا فلم تتوحد ( الشام والعراق معا ) . معظم تلك المدن كانت عواصم أو ولايات فى إطار الامبراطوريات الأموية والعباسية والعثمانية ، أى لم يحدث أن توحد الشام والعراق فى دولة مركزية واحدة برغم ما فيه من مدائن هى أقدم المدائن فى العالم . أظن أن هذا ينهض دليلا كافيا على كون المنطقة فُتات متجزىء مثل مزرعة لأنواع مختلفة من النباتات ، لا يمكن أن تتوحد فى نبات واحد أو دولة واحدة . أى سهل جدا أن تتقسم كل حين ويُعاد تقسيمها كل حين ، وهذا عكس مصر .
قال : بالتفصيل : ما الذى تنفرد وتتميز به مصر عما حولها ؟
قلت : مصر البلد الوحيد الذى كان موجودا ومزدهرا قبل القرآن الكريم بعشرات القرون ، وذكرها القرآن الكريم ، ولا يزال موجودا بنفس خصائصه المُشار اليها فى القرآن الكريم ، وشرحنا هذا فى كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ).
قال : أريد إجابة تاريخية
قلت : بدأت الحضارة فى مصر حول ضفاف النيل قرونا طويلة قبل معرفة الكتابة ، تدل على هذا الآثار المكتشفة حديثا فى مناطق المعادى وحلوان . وبدأ التاريخ المصرى المكتوب منذ توحيد مينا / نارمر للصعيد والدلتا فى دولة مصرية واحدة . من وقتها وحتى الان ـ ومصر أقدم دولة مركزية فى العالم .
قال : مالذى جعلها متميزة عن الجنوب حيث النيل ، وعن الشرق والغرب والشمال ؟
قلت : جغرافيا تتميز بنيل يمتد بلا تفرع سوى فى الدلتا قبيل المصب ، وتحيطها الصحراء والبحران الأحمر والمتوسط ، ويلتقى بها العالم القديم من أوربا وأفريقيا وآسيا . وهى كتلة سكانية واحدة لا بد لها من حكم مركزى يسيطر على النيل والسكان الذين يعيشون على ضفافه .
قال : هذا يجعلها مطمعا للقوى الخارجية .!
قلت : حدث . مصر عرفت أول إستعمار فى العالم ( الهكسوس ) ولكن أقامت أول امبراطورية فى العالم فى عهد تحتمس الثالث الى الرعامسة . وعرفت كل التقلبات فى تاريخها ؛ تعاقب عليها أسرات حاكمة مصرية فرعونية ووافدة ، من البطالمة الى المماليك وأسرة محمد على . إمتد ملكها الى ضواحى بغداد فى خلافة المستنصر الفاطمى ، وإمتد ملكها فى العصر المملوكى الى شمال العراق ، وكان الحجاز تابعا لها من عصر الدولة الطولونية حتى سيطرة ابن سعود على مكة عام 1924 . وصلت الى القمة ثم الى الحضيض . إحتلها الفرس والآشوريون واسكندر الأكبر ، ثم الرومان ، ثم العرب ثم العثمانيون ثم الفرنسيون ثم الانجليز . كانت تتعرض كل حوالى 30 عاما الى مجاعة بسبب نقصان النيل أو فيضان النيل ، وينتج عن المجاعة وباء ، أو يأتيها الوباء وافدا من الشرق أو من الغرب ، وكان معتادا أن تفقد مئات الالوف وربما الملايين من سكانها فى هذه المجاعات والأوبئة ، ولكن تعود الى الازدهار .
قال : هل تسبب هذا فى تقسيم مصر ؟
قلت : فى كل ما مرت به مصر من غزوات وحروب وإحتلالات ومجاعات فلم تتقسّم أبدا .
قال : يعنى أن الحرب الأهلية لو قامت فلن تتسبب فى تقسيم مصر ؟
قلت : الآن قد تدخل مصر ــ بحمق وخسّة العسكر من أبنائها ــ الى أتون حرب أهلية يتقاتل فيها أبناؤها ، ولكن مهما بلغت أوزار تلك الحرب فلن تكون بشىء بالمقارنة للشدة العظمى فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر الذى حكم مصر حوالى 60 عاما ( 1036 : 1094 ميلادية ) ، ولم يسقط حكمه برغم سبع سنين متصلة من المجاعات والحروب التى وصلت الى الريف المصرى، والتى أكل الناس فيها بعضهم من الجوع .( 1065 : 1071 ميلادية ).
قال : ماذا تعنى ؟
قلت : فى مصر : حرب أهلية ممكن .. تقسيم : مستحيل .