الغطرسة السعودية وحرب فيتنام

سامح عسكر في الثلاثاء ١٦ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في عام 1956 اندلعت حرب فيتنام بين المعسكرين الشيوعي والليبرالي في حرب من أعنف مشاهد الحرب الباردة، استمرت 19 عاما لتكون من أطول حروب التاريخ، ظلت كبقعة سوداء تطارد الولايات المتحدة وحلفائها حتى بعد انتهاء الحرب، وظل العقل الليبرالي يسأل ما الفائدة التي جنوها من حرب العقائد هذه؟..وما الفرق بينها وبين حرب الطوائف إبان شيوع الجهل وسيطرة الكنائس في أوروبا؟..وما مصير من ماتوا دفاعا عن معتقد لم يسود؟..وما الذي أجبر الولايات المتحدة على خوض الحرب دون النظر لأي خيارات أخرى ممكنة؟

في تقديري أن التشابه بين حرب فيتنام وحرب اليمن كثير وسأحصيه كالآتي:

1-أمريكا تدخلت لدعم حكومة الجنوب بغرض السيطرة على الشمال، والسعودية تدخلت لدعم حكومة الجنوب اليمني بغرض السيطرة أيضاً على الشمال.

2- الجنوب الفيتنامي له توجه ليبرالي مؤسسي، الجنوب اليمني له نفس التوجه إضافة لقطاع كبير من اليسار.

3- أمريكا ضربت بكل قواها العسكرية شمال فيتنام محدثة خسائر بشرية جسيمة وهدم شبه كلي للبنى التحتية، وكذلك فعلت السعودية سوى أن السعوديون وحلفائهم لم يستثنوا الجنوب وقصفوا عشرات الآلاف من المنازل إبان سيطرة الحوثيين على الإقليم..

4-الحكومة التي دعمتها أمريكا في الجنوب يرى البعض أنها كانت فاسدة ولم تكن لها شعبية، ونفس الحال في اليمن، حكومة عبدربه منصور ليست لها شعبية ومتهمة بالفساد بدلالتين، الأولى: قيام ثورة سبتمبر ضدها، الثانية أن حلفائها من مقاتلي الجنوب لهم نزعة انفصالية، أي أن دعمهم للحكومة مؤقت ومرهون بتحقيق الانفصال.

لكن مع ذلك توجد اختلافات بين الحربين لا أظن أنها تنفي التشابه الكبير والذي قد يصل لحد التطابق

أول هذه الاختلافات أن أمريكا حاربت بقصد نشر الحرية والليبرالية وكل القيم السائدة في المجتمع الغربي، بينما السعودية تحارب في اليمن بقصد نشر الفكر السلفي بعد ضياع مؤسسته العظمى في صعدة المعروفة.."بدار أهل الحديث"..أي أن نوايا المملكة بالعدوان حضرت بعد شن الحوثيين هجوما كاسحا على السلفية في صعدة وبعد ذلك عمران، حتى أن إعلان الحرب من جانب واحد كان متوقعا ..والحوثيون حسبوا له جيدا بدلالة تمرينهم العسكري الأخير قبل عاصفة الحزم على الحدود بين البلدين.

ثاني هذه الاختلافات أن شمال فيتنام كان حليفا للسوفييت والصينيين، ومنهما كانت تأتي الإمدادات والدعم السياسي والعسكري، بينما شمال اليمن ليس حليفا لأحد ويبدو أنه يخوض معركته وحيدا على عكس ما يُشاع بتحالف شمال اليمن مع إيران، وهذا لم يثبت حتى الآن بدلالة تصريح الخارجية الأمريكي الأخير الذي أقر بأنه لا توجد معلومات مؤكدة عن سيطرة إيران على قرار الحوثيين، ودلالة أخرى أشيعت في اليمن عن طلب إيراني وضغط على الحوثيين لتسليم صنعاء لحكومة الجنوب، وهو ما رفضه الحوثيون بشدة وأصروا على القتال..

ثالث هذه الاختلافات أن حرب اليمن بالنسبة للسعودية أمن قومي باعتبار الجغرافيا وتماس الحدود بين صعدة-معقل الحوثيين-وبين نجران وعسير أقرب محافظتين لهم، بينما حرب فيتنام بالنسبة لأمريكا (أمن عقائدي) وقيمة لنشر الأفكار التحررية الغربية.

رابع هذه الاختلافات أن حرب اليمن أنتجت توسعا لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي يحارب من النزعة الأصولية السنية ونجح في السيطرة على أربع محافظات في الجنوب، وبات يهدد عدن بشكل يومي، وربما هذه النتيجة هي طبيعية وتتفق مع دوافع العدوان على اليمن وهوية المقاتلين المتحالفين مع المملكة الذين يشكل أغلبهم بقايا السلفية البائدة في صعدة وعمران والمتعاطفين معهم من الأصوليين وذوي النزعات الطائفية.

لكن كما قلت هذه اختلافات لا تؤثر في الطابع العسكري والسياسي للحرب، هنا امبريالية أمريكية للهيمنة ونشر قيم خاصة، وهنا امبريالية سعودية للهيمنة ونشر قيم خاصة، وأن التباينات بين هذه القيم ربما لا تشفع للمعتدين أن ينظروا في التاريخ ،ويعتبروا من حروب مماثلة في العصر الحديث باءت كلها بالفشل، فما من دولة تعتدي على أخرى بغرض نشر قيمها الخاصة أو يكون لعدوانها سبب ديني إلا وتفشل وتصبح هذه الحرب نقمة وتتوسع بحيث لا يمكن لأحد السيطرة على مجرياتها.

حرب فيتنام شكلت أحد أكبر خسائر الجيش الأمريكي في تاريخه، حيث بلغت الخسائر حوالي 58 ألف عسكري وأضعافهم من الجرحى ، علاوة على نصف مليون قتيل من حلفائهم في فيتنام، بينما حرب اليمن حتى الآن لا تستطيع تقدير خسائرها بشكل دقيق لحرص الآلة الإعلامية السعودية على (الكتمان) وفي المقابل ضعف الآلة الإعلامية اليمنية ساهم ذلك كله في فقد المعلومة.

لكن ولأن هذه حرب وطبيعة الخصوم دينية فسيكون الكيد هو الغائب الحاضر، والشخصنة والكذب هو الحل ، فالحوثيون يقولون أن ضحايا السعودية من العسكريين بلغت 2000 جندي في إحصائية منذ 3 أشهر لم تُحدّث بعد، بينما يقول السعوديون أنهم قتلوا 20 ألف مقاتل حوثي حتى الآن، لكن تقديرات الأمم المتحدة وضعت ضحايا الحرب بالمجمل حوالي 9 آلاف قتيل أكثرهم مدنيون، بينما مصادر الشمال تقول أن نحو 30 ألف قتيل هما خسائر الحرب حتى الآن أغلبهم مدنيون، وهذا يعني أن الأرقام التي قدمها الطرفان غير دقيقة، لكن ربما يشفع لرواية الحوثي أن أميرا سعوديا يكتب في موقع تويتر تحت إسم .."مجتهد"..ويتابعه حوالي مليون ونصف المليون متابع أقر رواية الحوثي وشهد أن ضحايا السعودية من الجنود ربما يكون أكبر بكثير..

أمريكا التي تدخلت في إيران وأمريكا الجنوبية والوسطى وشرق أوروبا وجنوب شرق آسيا وأشعلت الحروب من أجل نشر القيم الأمريكية فعلت ذلك عن غطرسة وغرور قوة لم تتخلص منه إلى الآن، لكن هذه أمريكا صاحبة أقوى جيش في العالم وثانى أكبر مالك للسلاح النووي وأكبر اقتصاد وأهم سياسة في العالم، فلو كانت بهذا الشكل لما لا تتغطرس وهي تعلن تدخلها كل مرة تحت عناوين أخلاقية ودعم الحريات، وفي الأخير الإنسان منا يتوق للحرية..

لكن السعودية ماذا تملك من القيم كي تتغطرس وتتدخل في اليمن والآن في سوريا؟.. ماذا تملك من الاقتصاد والقوى الصناعية والثقافية كي تتدخل؟..ما نوعية حلفائها ومبادئهم؟..ما هوية نظامها السياسي واتفاقه مع الحداثة والتطور؟..ما قوة شعبها في الحوار والتواصل مع شعوب العالم؟..ما القيم التي يملكها الشعب كي يشعر بجرائم جيشه في اليمن مثلا كي يشعر بها في سوريا أو في عقر داره؟

الشواهد تقول أن غطرسة أمريكا -رغم بعدها عن أي منطق أخلاقي -إلا أنها اكتسبت الشرعية من قوة أمريكا نفسها، وهذا يفسر بقاء أمريكا منذ الحرب العالمية قطبا عالميا لا يمكن تجاوزه، أما غطرسة السعودية فتعني قوة زائفة، بلد لا يملك ثقافة ولا حضارة ولا قيم حداثية ولا شعب متحضر ويريد أن ينشر مبادئه بالقوة العسكرية وبنفس أـسلوب الأمريكان، هذا عندي قمة الغباء ويسارع بإشعال الكراهية ضد هذه الدولة وكل ما يمثلها من نظام وشعب ودين، ولكم في الهجوم العنيف على الإسلام عبرة ياأولي الألباب.

اجمالي القراءات 8139