تفاديا لثورة الجياع ( 2 من 2 )
قال : من وجهة نظر إسلامية إصلاحية : كيف يمكن إنقاذ مصر من ثورة جياع قادمة وحرب أهلية قد لا تُبقى ولا تذر ؟
قلت : الاصلاح يحتاج الى قوة
قال : كيف ؟
قلت : تذكر ما حصل معى .. كوفئت على دعوتى الاسلامية الاصلاحية باضطهاد وسجن ومحاولات قتل و تشويه للسُّمعة لا يزال سائدا حتى الآن . لو كانت الحركة الاصلاحية معها القوة ما حدث هذا .
قال : هل لديك دليل من سيرة النبى عليه السلام ؟
قلت : نعم .. لو ذهب النبى لاجئا الى المدينة بلا قوة تسنده لتعرض للطرد منها . تذكر أن المنافقين كانوا من قبل سادة المدينة والمتحكمين فيها ، وتذكر أنهم كانوا يتمنون طرد النبى من المدينة ، وقال قائلهم : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون ). الذى منعهم هو خوفهم من القوة التى كانت الى جانب النبى ، وقد وصف رب العزة هذا الخوف فى أنفس المنافقين فقال جل وعلا عنهم : ( وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) التوبة ) .
قال : وكيف تحول ميزان القوة فى المدينة الى جانب النبى ؟
قلت : كان النبى مستضعفا فى مكة بلا قوة فلم تنجح فيها حركته الاصلاحية ، إختلف الوضع فى المدينة . لم يهاجر الى المدينة إلا بعد أن إستتب له الأمر فيها وإنتشر فيها الاسلام وأصبحت له فيها القوة ، واصبح الملأ القديم ( منافقين ). تحولت القوة الى النبى ، وبتطبيق القيم الاسلامية نجح النبى فى تأسيس الدولة الاسلامية. هنا تعانق الاصلاح مع القوة .
قال : هل ترى تناقضا فى الحالة المصرية ؟
قلت : نعم . القوة مركزة فى الجيش وتتبعه قوة الأمن وأجهزة الدولة الأمنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية والاعلامية والدينية . إحتكار كامل للقوة يستخدمه الجيش ضد أى دعوة للإصلاح الدينى أو السياسى أوالتعليمى أوالاقتصادى.
قال : إذن فكيف الحل ؟
قلت : كما حدث فى عهد النبى عليه السلام ، بتحول القوة الى جانب الاصلاح .
قال : كيف ؟
قلت : الوعى هو السبيل . وهذا هو المستفاد من القرآن الكريم .
قال : إشرح لى لوسمحت .
قلت : من سيرة النبى نعلم أن الوعى إنتشر بين أهل المدينة بالاسلام ، هو وعى بالحقوق ، والذى يعنى كرامة الانسان بحيث لا يركع ولا يخضع لمخلوق ، والذى يعنى الحرية والمساواة والعدل . وبهذا الوعى فإن الملأ الذى كان متحكما فقد القواعد الفكرية لتحكمه ، وبعد أن كان الخنوع أساس تعامل الأغلبية مع الملأ المتحكم فى يثرب فإن الأغلبية شعرت بحقوقها ، وبهذا الوعى قاموا بتغيير أنفسهم ، والله جل وعلا لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من خضوع وخنوع وسلبية وسكون،أو( ثقافة العبيد ) . وبتغيير ما بالنفوس فإن الأجساد التى تسيطر عليها النفوس تنهض بالوعى تسترد حقوقها . هذا ما حدث فى المدينة فى عهد النبى ودولته الاسلامية .
قال : تعنى أن الأغلبية من سكان المدينة تم تقويتها فتغير الوضع ؟
قلت : نعم . وهذا معنى قوله جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ). فالله جل وعلا أنزل الرسالات السماوية والأنبياء بهدف أن يقوم الناس بالقسط ، والناس هنا هم أغلبية المجتمع التى تعانى من الظلم وتفتقر الى القسط ، وعليهم أن ( يقوموا ) معا فى إقامة أو تأسيس القسط والعدل .
قال : مفهوم العدل يحتاج تحديدا .
قلت : العدل أربعة أنواع فيما يخص علاقات البشر : العدل السياسى بالديمقراطية المباشرة بحيث لا يعلو فرد أو مجموعة على الأغلبية ، والعدل القضائى بحيث لا يعلو فرد أو مجموعة على القانون ، والعدل الاجتماعى الذى يكفل رعاية المحتاجين ، والعدل الدينى ، أى الحرية الدينية المطلقة ، فكلنا مختلفون فى العقائد والأفكار، وليست الخلافات الفكرية والدينية محلا للتقاضى ، لأن القاضى هو نفسه صاحب رأى ، وهو إما أن يكون موافقا للمتهم فى الرأى وإما أن يكون مخالفا له ، وفى الحالتين فلن يكون محايدا . كلنا خصوم فى العقائد والأفكار ، وليس من العدل أن تكون خصما وحكما على خصومك الآخرين فى مجال الرأى والدين ، بل يجب ترك الحكم فى الدين الى يوم الدين لرب العالمين ، فيما يخص حق الله جل وعلا فى العقيدة وفى العبادة وفى الدعوة . لكل فرد حريته الدينية ، وكل فرد سيأتى يوم القيامة أمام الله جل وعلا فردا ليحاسبه ربه . أما حقوق المجتمع وأفراده فهى مجال الحماية والمؤاخذة والعقاب لمن ينتهكها. والمتهم بإنتهاكها ( مطلوب للعدالة ). المهم هو الاتفاق على إقامة العدل للجميع ، وبدون شعارات دينية .
قال : وإذا لم يتحقق القسط فماذا يكون الوضع ؟
قلت : كما أنزل الله جل وعلا الرسالات السماوية فقد أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس . وعلميا فإن ( الحديد ) منزل من أعماق الفضاء . وبدون العدل تحدث القلاقل والفتن والحروب .
قال : بعضهم يتاجر بأحلام المستضعفين فى العدل فيحمل لواء العدل وينجح فى الوصول للحكم على حساب الملأ الظالم ، ثم إذا وصل الى الحكم أصبح مستبدا ظالما أعتى من الظالمين السابقين . كيف التعامل معه ؟
قلت : لذا أقول إنه يجب التأكيد على الوعى ، بالوعى تنمحى عبادة الأبطال وتقديس الحكام وثقافة الاستعباد ، وبهذا الوعى لا يستطيع حاكم أن يخدع الناس ، بل يكون الناس حُرّاسا لحقوقهم ، وتكون الحكومة فى خوف من الشعب وليس الشعب الذى يخاف الحكومة .
قال : كلام رائع .. فكيف يصل الوعى للجماهير حتى تقف دفاعا عن حقوقها ؟
قلت : الوعى موجود فى مصر ، ولكن لم يصل الى الدرجة التى تجعل الناس فى إختيار بين الموت قهرا والموت إصطداما بالجيش الذى يرفع أسلحته يوجهها للشعب الأعزل . ولكنها مسألة وقت حين يصل الضيق بالجماهير الى الاصطدام . ولهذا يجب تقوية الوعى بمعرفة وتحديد قوة الخصم الذى يتحكم فى السلطة والثروة .
قال : الخصم هو الجيش الذى يحكم مصر من عام 1952 . ويركب مؤسسات الدولة والشعب .
قلت : اقصد : من يتحكم فى الجيش نفسه . الجيش و ( الشرطة ) هرم سلطوى ، يقف على قمته الجنرالات ، وهم اساس الفساد ، وهم أقلية فى حدود خمسين ألفا . ثم الرتب الوسطى ، وهم أكثر عددا ، ثم الأغلبية التى تأتمر بالأوامر وهم الجنود وصف الضباط ، وهم ينتمون الى الأغلبية الساحقة المقهورة . وعندما يصلها الوعى سيتغير الأمر . وعاجلا أو آجلا سيصلها الوعى .
قال : وعندما يصلها الوعى ستحدث الاقتتال وتندلع شرارة الحرب الأهلية .!
قلت : ولهذا يجب أن يصل الوعى بخطورة الوضع الى الجنرالات فى الجيش والشرطة والى أعوانهم من رجال الدين ورجال الاعلام ورجال القضاء ورجال الأعمال ..
قال : هم مثقفون متعلمون ولا ينقصهم الوعى .
قلت : بل ينقصهم الوعى بالخطر المحدق بهم . هذا الوضع مستحيل إستمراره ، ولا بد من تغييره ، وهناك طريقان فقط للتغيير : إصلاح سلمى أو حرب أهلية تبدأ بثورة جياع .
قال : كيف يقتنعون بأن مصلحتهم فى الاصلاح السلمى ، وهم مفسدون ولا يمكن ان يتم الاصلاح إلا بإزالتهم من السلطة ؟
قلت : هم فى قلق على المستقبل ، بل على الغد القادم القريب ، وهم فى فزع من هذا المستقبل وتطاردهم أشباح ضحاياهم ، وضحايهم بالملايين ، خصوصا ونحن فى عصر سقوط الأنظمة فى الشرق الأوسط ، وفى مصر سقط مبارك وجاء بعده ثلاثة رؤساء فى اربع سنوات ، وواضح ان الرئيس الحالى ـ لن يكمل رئاسته ، فقد حمله الشعب للسلطة فكان أسوأ من سابقيه خلال عامين فقط من حكمه ، وبسبب الرعب الذى يعيش فيه فهو يدور فى حلقات متصاعدة من الظلم والخوف ، وقد يتخلص منه الجيش ويأتى برئيس جديد أكثر فشلا وأكثر دموية ، لأنه لا خير مطلقا من الملأ الذى ربّاه مبارك خلال ثلاثين عاما ، من جنرالات فى الجيش والشرطة وأعوان فى السلطة ، هم متفوقون فى الفساد وفى الفشل .
قال : كيف يمكن تأمينهم على مستقبلهم ؟
قلت : بالوصول الى إتفاق معهم بالخروج الآمن من السلطة دون متابعتهم قضائيا وجنائيا . حدث هذا فى جنوب أفريقيا .
قال : وماذا عن البلايين التى سرقوها ؟
قلت : إعادة الجزء الأكبر منها لخزينة الدولة ، وتأمينهم على حياتهم مقابل إعتزالهم الحكم والحياة العامة . المستبدون الذين نهبوا أموال شعوبهم وهربوها للخارج ضاعت عليهم بلايينهم . وهؤلاء مصيرهم أن تضيع بلايينهم مع حياتهم وحياة أبنائهم . ولكن بالاتفاق مع المترفين من الجنرالات وأعوانهم يمكن أن يبقوا على قيد الحياة مع أولادهم وذريتهم وما يكفيهم من أموال ، وتتولى السلطة حكومة مؤقتة تؤسس إصلاحا تشريعيا ، تقيم به دولة ديمقراطية حقوقية . وبهذا تتجنب مصر حربا أهلية باهظة التكاليف من الأموال ومن الدماء ، وسيكون أول ضحاياه الملأ من العسكر وأتباعهم وأولادهم .
قال : ومن الذى يقوم بحمل هذه الرسالة : ( الخروج الآمن ) الى جنرالات العسكر ؟
قلت : كتبنا هنا من قبل ندعو الى خروج آمن لمبارك ونظامه . لم يستجب لنا أحد ، ولكن ترددت الدعوة فيما بعد وتم طرحها علنا ، ولكن مبارك المشهور بغبائه وتردده أضاع الفرصة فتعرض للعزل والاهانة ، ولو كان قد خرج آمنا بكرامته لأمكن لمصر أن توفر دماء آلاف من اشرف أبنائها، والبلايين من أموالها.
قال : وهل سيقبل الجنرالات هذا العرض ؟
قلت : جنرالات مبارك أجبروه على التنحى ثم حكموا بأنفسهم ، ثم قدموا الاخوان للحكم ـ ظاهريا ـ ليفضحوهم ـ ثم عزلوهم فى السجون وعادوا للحكم ، وأعادوا نظام مبارك بصورة أكثر فسادا وفشلا . وثق بهم الشعب كراهية فى الاخوان . وهم غدروا بالشعب . وإن لم يسارعوا بالخروج الأمن فإن مصيرهم بشع .
قال : ماذا تتوقع ؟ هل سيقبلون أم سيرفضون ؟
قلت : لننتظر .. ونتمنى الخير لمصر التى ورد ذكرها فى القرآن اربع مرات ، منها مرة مقرونة بالأمن على لسان النبى يوسف عليه السلام : ( وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) يوسف )
قال : ودائما : صدق الله العظيم.