القاموس القرآنى ( ذنب )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠١ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى ( ذنب )

أولا : بين ( ذنب ) و ( عصى / إثم )

1 ـ مصطلح ( ذنب ) يأتى مشابها لمصطلحى ( عصى ) و ( إثم ) . وقد يأتى بمعى عموم الذنب كقوله جل وعلا :  ( فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ (39) الرحمن ) ، اى حين تقوم الساعة فلا مجال للمساءلة عن أى ذنب ، ومنه أيضا قول الله جل وعلا : ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير ). وقد يأتى بمعنى الذنب الكبير ( الكبائر ) فى قوله جل وعلا : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) يوسف ). ما فعلوه بيوسف عليه السلام ذنب هائل ومن الكبائر بلا شك . وقول موسى عليه السلام عن قتله الرجل المصرى : ( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) الشعراء) . والمجرم صاحب السطوة والمال ــ مثل قارون فى قومه ــ لا يجرؤ أحد على مساءلته عما يرتكبه من جرائم وكبائر ،يقول جل وعلا : ( وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ (78) القصص )

2 ـ ولكن يتميز مصطلح  (الذنب ) عن مصطلحى ( عصى ) و(إثم ) بإرتباطه أكثر بالعقوبة والاستغفار.

ثانيا : الاستغفار من الذنب

1 ـ الاستغفار من الذنب يستوجب فى البداية الاعتراف به ندما وعلنا إذا كان الذنب ظلما لأحد الناس أو فى حق المجتمع . ولهذا فإن أُخوة يوسف إعترفوا بذنبهم فيما فعلوه من قبل بأخيهم الطفل يوسف ، إعترفوا أولا لأخيهم يوسف علنا فى حضرته وهو (عزيز مصر ) : (  قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) يوسف )، ثم إعترفوا لأبيهم طالبين منه أن يستغفر لهم : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) يوسف ). وقبلهم إعترفت إمرأة العزيز بذنبها أمام الملك وحاشيته والنسوة المترفات : (  قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) يوسف ).

2 ــ  فى شريعة الاسلام يجب الاحتكام الى رب العزة فى أى إختلاف أو تنازع . جاء هذا فى آيتين مكيتين   ، يقول جل وعلا : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً  )(114) الانعام)  (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى ).  الاحتكام الى الله جل وعلا يعنى الاحتكام الى كتابه الكريم ، أو الى الرسول ، أى الرسالة التى ينطق بها ويطبقها الرسول محمد عليه السلام . وفى دولة الرسول الاسلامية المدنية فى ( المدينة ) تكرر الأمر بالاحتكام للرسول ــ أو الرسالة القرآنية ــ فى التنازع ، جاء هذا فى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء ). يعنى إن كانوا فعلا يؤمنون بالله جل وعلا واليوم الاخر فعليهم الاحتكام الى الله ورسوله . والرسول هو محمد رسول الله وقت أن كان حيا ، وبعد موته فالرسول الباقى محفوظا الى قيام الساعة هو ( الرسالة ) أو القرآن الكريم . ولكن إعتاد المنافقون إرتكاب جرائم ضد المجتمع والدولة ، منها أنهم كانوا يرفضون الإحتكام الى نظام الدولة القضائى الذى يمثله الرسول نفسه ، ويرغبون الاحتكام الى الطاغوت الكافر ،أى تراث الجاهلية ، وهم مأمورون بالكفر به، يقول جل وعلا  فى الآية التالية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61 )النساء  ). ضمن هذا العصيان أنهم كانوا أيضا يقعون فى ذنوب فى حق الدولة والمجتمع ، وكانوا مأمورين بالاعتراف بها امام الرسول توبة علنية ، وبعدها يستغفر لهم الرسول ،  يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64) النساء ). هذا هو دليل الايمان والتسليم ، يقول جل وعلا فى الاية التالية : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) النساء ). وكان المنافقون يرفضون هذا إستكبارا . يقول جل وعلا : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) المنافقون ) وكان النبى يستغفر لهم بدون حضورهم فقال جل وعلا : ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) المنافقون ). أى طالما لا يحضرون تائبين علنا يستغفرون الله أمام الرسول فلا مجال لأن يغفر الله جل وعلا لهم حتى لو إستغفر لهم الرسول فى غيابهم  . يؤكد هذا قوله جل وعلا فى أولئك المنافقين : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) التوبة ) ، فهم فاسقون وليسوا تائبين .

ويختلف الحال مع المؤمنين الذين إعترفوا بذنوبهم أمام الرسول، يقول جل وعلا عنهم : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) التوبة )، هنا إحتمال أن يقبل الله جل وعلا توبتهم ـ إذا كانت صادقة مخلصة ، وأوجب الله جل وعلا عليهم أن يقدموا صدقة تطهرهم ، وأوجب على النبى أن يستغفر لهم ( أو أن يصلى عليهم ) أى أن يطلب لهم الرحمة ، يقول جل وعلا : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة ). ومن هنا يقول جل وعلا للنبى محمد عليه السلام أن يعلم أنه لا إله إلا الله وأن يستغفر لذنبه وللمؤمنين والمؤمنات : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ ) 19 محمد ). فهو عليه السلام بشر يخطىء وعليه أن يستغفر لذنبه ، أما الذى لا يخطىء فهو وحده رب العزة الذى لا إله إلا هو .

2 ـ هذا عن الاستغفار العلنى والتوبة العلنية التى تُسقط العقوبة  . أما التوبة القلبية التى ينجو بها المؤمن المتقى من عذاب الآخرة فهى تعامل بين المؤمن المتقى وربه جل وعلا ، يقول جل وعلا  عن بعض صفات المتقين المستغفرين لذنوبهم :( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) 135 آل عمران )

ثالثا : من ( غفران بعض الذنوب  ) الى  (غفران كل الذنوب )

1 ـ يأتى غفران بعض الذنوب فى دعوة الرسل لأقوامهم : ( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ  )(10) ابراهيم )، وفى دعوة نوح لقومه قال لهم: ( يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ  ) 4 نوح )، وفى دعوة ( الجن ) المؤمنين لقومهم : ( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ  )(31) الاحقاف ). هنا الداعى يكلم قومه العُصاة ، وهو لا يضمن توبتهم ولا يملك لهم من الله شيئا ، ولا يستطيع أن يضمن أن يغفر الله جل وعلا لهم ( جميعا ) ( جميع ) ذنوبهم . لذا يتحدث عن غفران بعض ذنوبهم .

2 ـ يختلف الحال مع دعاء المؤمنين لأنفسهم وهم يطلبون من ربهم جل وعلا غفران كل الذنوب ، فى دعاء المؤمنين لأنفسهم يقولون : ( رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) آل عمران ) (   رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا )(147) آل عمران )( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) آل عمران ).

3 ـ نفس الحال حين يتحدث رب العزة جل وعلا عن غفران كل الذنوب ، وهو هنا صاحب الشأن وحده ، يقول رب العزة  للنبى محمد عليه السلام :( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) (2) ( الفتح ). ويقول للعصاة يدعوهم الى التوبة الصادقة وهم احياء : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) 53 ) الزمر )، ويقول للمؤمنين : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) آل عمران )، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(71) الاحزاب ).

رابعا :  الغفران يوم الحساب هو تغطية الذنوب وإبطال مفعولها لآنها أدوات تعذيب فى النار تها

1 ـ وهذا الغفران موعده يوم الحساب ، ويترتب عليه محو الذنوب ودخول الجنة ، يقول جل وعلا عن الجنة وأهلها : ( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) 15 محمد )، ويقول جل وعلا للمؤمنين   :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصف )، وسيقال لأهل الجنة :( نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) 32 فصلت )

 2 ـ ( غفران ) الذنب ، يعنى تغطيته يوم الحساب . عند البعث يرى الناس كل أعمالهم الصالحة والسيئة : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ). وكل منهم يقرأ أى يرى كتاب أعماله الشخصى يحوى تاريخه الحقيقى فى حياته الدنيا من أعمال صالحة أو سيئة : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء )، وكل مجتمع يكون لهم كتاب أعمالهم الجماعى الذى يتم منه نسخ كتاب أعمال فردى لكل فرد من هذا المجتمع ، وتجثو كل أمة أو كل مجتمع تنتظر موعد حسابها : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)  الجاثية )  وينظر المجرمون بحسرة الى كتاب أعمالهم الجماعى الذى أحصى كل شىء : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف  ). وعند الحساب يكون ( الغفران ) بتغطية الذنوب ، أى إلغاء تأثيرها وإبطال مفعولها . فأهل النار يتم تعذيبهم بذنوبهم ، تكون ذنوبهم نارا تلتهم أجسادهم ، وتكون أجسادهم التى لا تبلى وقودا للنار ، فيستمر إشتعالها ذاتيا بهم ، بلا تخفيف وبلا إمهال أو إرجاء وبلا خروج من النار . ينجو من هذا الجحيم الأزلى الخالد من يغفر الله جل وعلا ذنوبه يوم الحساب وحين يوضع عمل الفرد فى الميزان . وبهذا الغفران وتغطية الذنوب لا يبقى له إلا عمله ( الصالح ) فيكون ( صالحا ) لدخول الجنة ، ويتم تنعيمه فى الجنة بعمله الصالح .

3 ــ عن التعذيب بالذنوب يقول جل وعلا : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ) (49)المائدة ) ،(وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ) (18) المائدة ) .

4 ــ وهناك ذنوب سلبية ، ليس بالاعتداء بل بالمنع ، أى بالبخل وكنز الذهب والفضة ومنع الانفاق فى سبيل رب العزة جل وعلا ، واشهر من يفعل ذلك أرباب الديانات الأرضية الذين يجمعون المال السُّحت من الناس  ويكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها فى سبيل الله جل وعلا . يتحول هذا الى نار، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة ) ،  ونفس الحال مع من يبخل : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران  )

5 ــ وعن التعذيب بالذنوب فى النار يقال لأهل النار وهم على وشك دخولها  : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) الاحقاف ) (هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور) (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) التوبة ) (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل) (إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39)الصافات )، وهم النار يقول عنهم رب العزة جل وعلا : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) فاطر ) ويطلبون الخروج وسط إصطراخهم يرجون فرصة ليعملوا فيها صالحا غير الذنوب التى يتم تعذيبهم بها ، يقول جل وعلا : ( وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر). وعن رفض إعتذارهم يقال لهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7)التحريم )

اجمالي القراءات 8081