هجص الخضر فى مؤلفات ابن حجر العسقلانى ب3 ف 8

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٠ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هجص الخضر فى مؤلفات ابن حجر العسقلانى   ب3  ف 8

كتاب ( الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين )

الباب الثالث  : صناعة اسطورة الخضر فى العصرين المملوكى والعثمانى 

الفصل الثامن :   هجص الخضر فى مؤلفات ابن حجر العسقلانى  ت 852

أولا :

1 ـ فى عصر الإزدهار العلمى نبغ المعتزلة فى الفكر الدينى ونبغ أعلام فى الطب والفلسفة والطبيعيات ، من ابن سينا والفارابى والرازى الطبيب وجابر بن حيان والبيرونى ، ومئات العلماء الحقيقيين الذين لم يكتفوا بترجمة التراث العلمى اليونانى والشرقى بل أضافوا له تنقيحا ، وكان عملهم هوالأساس الذى قامت عليه النهضة الأوربية فيما بعد . ولا يزالون حتى الآن محل تقدير عالمى خصوصا فى الغرب .

فى عصر الازدهار هذا كان لأولئك العلماء الأفذاذ مشاركة فى العلوم الفلسفية والمنطق والشريعة بالاضافة الى تخصصاتهم . وفى المقابل كان يوجد للتخلف أتباع ، أُطلق عليهم لقب ( الحشوية ) لأنهم ـ عجزا منهم عن الاجتهاد العقلى ـ كانوا ( يحشون عقولهم ) بأقاويل ينسبونها للنبى محمد عليه السلام ـ بعد موته بقرون ــ ليحصنوا أقوالهم من النقد . وبهذا السند المصنوع تحولت أقوالهم الى ( دين ) ولكنه دين أرضى يمتلىء إختلافا وخرافة وهجصا .

وأدت الظروف السياسية العباسية الى إنحياز الخلافة العباسية ــ فى عصر ضعفها ـ لأولئك ( الحشوية ) بدءا من عصر الخليفة المتوكل ، وهو بداية العصر العباسى الثانى ، فتبدل إسم ( الحشوية ) الى ( السُّنّة )، وشيئا فشيئا تحولت الحشوية الى دين رسمى للدولة العباسية خصوصا مع ظهور دول التشيع ( الفاطمية والقرامطة ). ودفع الثمن التيار المتفتح العقلى العلمى ووقع أصحابه تحت نير الاضطهاد ، فبدا بالانحسار ثم انتهى وتعرض آخر اعلامه وهو الفقيه القاضى الفيلسوف ابن رشد ت 595  للإضطهاد وحرق مؤلفاته . وبهذا تسيّد السنيون الساحة الفكرية ، وأصبح الأكثر جهلا وتزمتا وتعصبا هو الأكثر نفوذا وتسلطا . ولهذا تسلط الحنابلة على الشارع العباسى على نحو ما شرحناه فى كتاب ( الحنبلية ــ أم الوهابية ـ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) والمنشور مقالاته هنا . وإمتد إضطهاد الحنابلة فأبادوا المعتزلة وحولوا أواخرحياة الطبرى الى جحيم .

2 ـ ولم يقتصر الدور التدميرى للسنيين على نسف وتدمير الجهد العلمى والعقلى للعلماء الأفذاذ بل تعداه الى جعل جهلهم دينا ، فوضعوا أحاديث فى الطب والفلك والعلوم تنضح بالجهل ، ووصل جهلهم الى علم التأريخ فكتبوا فى التاريخ الماضى خرافات ، كانوا يبدأون بها كتب الحوليات ، ويجعلون بعض رواياتهم أحاديث ، كما سبق .

3 ـ المشكلة أن هذا الجهل تحول فى العصر المملوكى الى دين مقدس بتقديس البخارى ، وعقد ميعاد لتلاوته وإستظهاره ليالى رمضان من كل عام  . وفى العصر المملوكى كان إعادة كتابة مؤلفات العصر العباسى ، بعد تدمير المغول لبغداد . وعكف علماء العصر المملوكى على العناية بمؤلفات الحديث وخصوصا البخارى وشرحها ، وكان أبرز من شرحه القاضى الفقيه المؤرخ ابن حجر العسقلانى بلقب ( أمير المؤمنين فى الحديث ) .

أضاع ابن حجر هذا وقته وجهده فى هجص البخارى ، مختلفا بذلك عن رفيقه المؤرخ تقى الدين المقريزى ( ت 845 ) الذى أنفق حياته فى أعمال تاريخية أفضل وأكثر إحتراما .

4 ـ ولا أدل على ولع ابن حجر العسقلانى بالهجص من إهتمامه بهجص الخضر . ويبدو هذا الولع فى الآتى :

4 / 1 : أن إبن حجر تفرّد بأن جعل الخضر ضمن الصحابة ، وترجم له فى كتابه ( الإصابة في تمييز الصحابة ). ومع انه نقل عن السابقين ترجمة وتاريخ الصحابة خصوصا ما قام به المؤرخ ابن الأثير فى كتابه ( أُسد الغابة  فى معرفة الصحابة ) وما كتبه من قبل ابن سعد ت 230 فى الطبقات الكبرى ، إلا أنهما ( ابن الأثير وابن سعد ) وغيرهما لم يرتكبا هذه الجريمة الدينية والفكرية التى ارتكبها ابن حجر فى جعل الخضر ضمن الصحابة . ابن الأثير إكتفى فقط بذكر الخضر فى بداية تاريخه ( الكامل ) متابعا للطبرى . أما ابن سعد فلم يكن عصره يعرف ــاصلا ـ هجص الخضر . جاء ابن حجر بعد ابن سعد بأكثر من ستة قرون ليجعل الخضر ضمن الصحابة .

4 / 2 ـ  وقد ذكر ابن حجر لمحة عن اسطورة الخضر وكونه درجة عليا فى مملكة الصوفية الوهمية من القطب وقطب الأقطاب . ذكر هذا فى كتابه ( الدررالكامنة فى أعيان المائة الثامنة ) دون أن ينقده . وقد عرضنا لهذا من قبل .

4 / 3 : ثم أفرد ابن حجر كتابا كاملا ذكر فيه كل ما يعرفه عن الخضر ، وهو كتاب:( الزَّهْرُ النَّضِرُ فِيْ أَخْبَارِ الْخَضِرِ) . لم يأت ابن حجر بجديد فى الهجص ، تابع من سبقه نقلا عنهم ، وحتى تناقض مع نفسه ، فبينما يذكر أن الخضر هو رأس المملكة الصوفية الباطنية (أى  هو إله حى متحكم فى العالم  ) يقول فى كتابه ( الزَّهْرُ النَّضِرُ فِيْ أَخْبَارِ الْخَضِرِ):( والذي تميل إليه النفس من حيث الأدلة القوية خلاف ما يعتقده العوام من استمرار حياته. ) أى ينكر استمرار حياته ..

ثانيا :

عرض سريع للعناوين التى قالها ابن حجر فى هجص الخضر  فى ( الاصابة ..):

أفرد ابن حجر لهجص الخضر عددا من الصفخات فى كتابه (الاصابة فى تمييز الصحابة   ) بما يزيد عن 12 الف كلمة . تحت العناوين التالية :(‏[‏2272‏]‏ الخضر صاحب موسى عليه السلام : ) ( باب نسبه ) ( باب ما ورد في كونه نبيًا ) ( باب ما ورد في تعميره والسبب في ذلك ) ( ذكر من ذهب إلى أن الخضر مات ) ( ذكر الأخبار التي وردت أن الخضر كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعده إلى الآن ) ( باب ما جاء في بقاء الخضر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه )

ثالثا :

عرض سريع للعناوين التى قالها ابن حجر فى هجص الخضر  فى ( الزَّهْرُ النَّضِرُ فِيْ أَخْبَارِ الْخَضِرِ)

ـ يبدو أن كل هذا الكمّ من الهجص الذى أورده ابن حجر عن الخضر لم يكف ، فكرر نفس   الهجص فى كتابه (الزهر النضر في أخبار الخضر) فى 12686 كلمة . كرر فيها ـ تقريبا ـ  نفس ما ذكره فى كتاب ( الاصابة ). وهو ــ تقريبا ـ ما قاله السابقون من البخارى وابن تيمية وابن القيم وابن كثير . أى لم يأت بجديد .!

رابعا :

 أضاع ابن حجر حياته ينقل هجص السابقين سواء فى شرح البخارى أو فى هجص الخضر . كان يمكن أن يجتهد لعصره فيما يفيد وينفع ، وقد فعل ذلك المقريزى فى رسائله الصغيرة والكثيرة ، وفى موسوعاته التاريخية المتعددة من ( المقفى ) الى ( السلوك ) والتى لم يتحرج فيها عن الهجوم على المماليك وظلمهم . ولكن ابن حجر آثر مهادنة الظلم ومعايشته. وبينما إنتقد المقريزى الصوفية فى كتابه ( الخطط ) وانتقد عقائدهم فى رسالته ( تجريد التوحيد المفيد ) فإن ( الفقيه قاضى القضاة الشافعى ابن حجر )آثر مهادنة الصوفية أصحاب النفوذ . وأمضى حياته يجتر هجص البخارى ويشرحه ويجتر هجص الخضر ويكرره .

خامسا :

1 ـ وحتى لا ينتهى هذا المقال بدون إستشهاد ، ننقل بعض هجص ابن حجر فى كتابه ( الزهر النضر فى أخبار الخضر ) .

2 ــ يقول فى مقدمته : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ .           الحمد لله المنفرد بالبقاء والدوام وعلى من خصه بمزيد التفضيل والسيادة مزيد الصلاة والسلام وأنزل عليه في الكتاب المكنون:{  وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون}وعلى آله وصحبه الذين كانوا يأمرون بالخير ويأتمرون صلاة وسلاما دائمين إلى يوم يبعثون .

أما  بعد! . فقد تكرر السوال - قديما وحديثا- عن الخضر -صاحب موسى- هل هو نبي أو ولي

 وهل عمر إلى أن أدرك بعثة النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاش بعده أو مات قبل ذلك

أو هو حي باق وعن كثير من أخباره . وكنت جمعت في ذلك مما صنف فيه بخصوصه من القدماء أبو الحسين بن المنادي ، ومن المتأخرين أبو الفرج بن الجوزي ، وأضفت إليهما أشياء ظفرت بها بطول التتبع . ثم لما التزمت في كتابي "الإصابة في تمييز الصحابة" أن أذكر كل ما جاء في خبر من الأخبار أنه لقي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لزم ذكرى للخضر - عليه السلام- لأنه من شرط الإصابة وإن لم يرد في خبر ثابت أنه من جملة الصحابة ، وقد أفردته الآن ليقف كل سائل عنه على كل ما كنت قرأته وسمعته وجعلته أبوابا ، والله أسأل النفع به إنه قريب مجيب. باب نسبه :   قيل هو ابن آدم من صلبه وهذا قول رواه الدار قطني في الافراد من طريق رواد بن الجراح عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس -رضي الله عنهما-

ورواد ضعيف ومقاتل مترك ، والضحاك لم يسمع من ابن عباس -رضي الله عنهما- ، القول الثاني  إنه ابن قابيل بن آدم ذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين قال حدثنا مشيختنا منهم أبو عبيدة فذكره وهذا معضل وحكى صاحب هذه المقالة أن اسمه خضرون وهو الخضر

 القول الثالث  جاء عن وهب بن منبه أنه بليا بن ملكان بن فالغ ، بن شالخ بن عامر بن أرفخشذ بن سام بن نوح ، وبهذا قال ابن قتيبة وحكاه النووي وزاد وقيل كلمان بدل ملكان . القول الرابع  جاء عن اسماعيل بن أبي أويس إنه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد ، وقيل اسمه عامر حكاه أبو الخطاب بن دحية عن ابن حبيب البغدادي،  القول الخامس   هو ابن عمائيل بن النور بن العيص بن إسحاق حكاه ابن قتيبة أيضا وكذا سمى أباه عمائيل مقاتل , القول السادس  أنه من سبط هارون أخي موسى روى عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو بعيد .. وأعجب منه قول ابن إسحاق أنه أرميا بن خلقيا وقد رد ذلك أبو جعفر بن جرير . القول السابع  إنه ابن بنت فرعون حكاه محمد بن أيوب عن ابن لهيعة وقيل ابن فرعون لصلبه حكاه النقاش . القول الثامن  إنه اليسع حكى عن مقاتل أيضا وهو بعيد أيضا . القول التاسع  أنه من ولد فارس جاء ذلك عن ابن شوذب أخرجه الطبري بسند جيد من رواية ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب . القول العاشر  إنه من ولد بعض من كان آمن بإبراهيم وهاجر معه من أرض بابل حكاه ابن جرير في تأريخه وقيل كان أبوه فارسيا وأمه رومية . وثبت في الصحيحين أن سبب تسميته الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء

هذا لفظ أحمد من رواية ابن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة - رضي الله - عنه و الفروة الأرض اليابسة ...الخ ).

أخيرا :

1 ـ إستمر العصر المملوكى من القرن 13 الى القرن 16  يجتر هجص السنة والتصوف ، وبعد بداية العصر المملوكى بقرن تقريبا بدأت أوربا نهضتها بترجمة الحركة العلمية التى قام بها أفذاذ العلماء فى العصر العباسى المُشار اليهم . وبينما بدأت أوربا بالنهوض كان المسلمون يدخلون فى التخلف السنى يحسبونه دينا . وبينما كان علماء أوربا ينشطون فى ترجمة كتب ابن سينا والفارابى وابن الهيثم والبيرونى وابن رشد ..الخ كان ابن حجر وغيره منشغلا بتكرار ماقاله البخارى وما إفتراه عن ابن عباس والسدى ووهب بن منبه وقتادة ومسرور ..

2 ـ وقد يكون هذا عارا فى العصر المملوكى .. فماذا عن اليوم ، وقد عاد تقديس هجص البخارى أشدّ ما يكون ، وبه أصبح الاسلام متهما بالتخلف والتزمت والتعصب والارهاب ؟

3 ــ أليس منكم رجل رشيد ؟  

اجمالي القراءات 8465