هجص الخضر فى مؤلفات التاريخ الحولى ب3 ف 7

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٩ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

هجص الخضر فى مؤلفات التاريخ الحولى   ب3  ف 7

كتاب ( الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين )

الباب الثالث  : صناعة اسطورة الخضر فى العصرين المملوكى والعثمانى 

الفصل السابع  :  هجص الخضر فى مؤلفات التاريخ الحولى

مقدمة :

1 ــ بدأ التدوين فى التاريخ مع العصر العباسى الأول ، وإزدهر سريعا فى العصر العباسى الثانى وبلغ أوج التميز فى العصر المملوكى ، بتنوع المادة التاريخية ( تاريخ اشخاص (طبقات ) ومدن وأقاليم وتاريخ الأسرات الحاكمة والتاريخ المحلى والعالمى ..الخ ) وبتنوع فى المناهج ( المنهج الحولى والمنهج الموضوعى ) . المنهج الحولى هو التأريخ حسب الحول أو السنة / حيث يذكر المؤرخ أحداث الأعوام عاما بعد آخر مع اختلاف المكان . أما التاريخ الموضوعى فالمؤرخ يتتبع حادثة ما ( موضوعا ما ) يفصله عن غيره ، يؤرخ له من البداية الى النهاية . وهناك مزج بين المنهج الحولى والموضوعى. كتبنا فى هذا كثيرا ، ونشير اليه هنا فى موضوع هجص الخضر ، ونحن نتتبع هذا الهجص فى كتابات التاريخ الحولى .

2 ــ والطبرى هو عمدة التاريخ الحولى فى ( تاريخ الطبرى ) وسار على منهجه آخرون .وبدأ الطبرى تاريخه بخلق السماوات والأرض وخلق آدم وما حدث لأبناء آدم وقصص الأنبياء و الأمم السابقة والحضارات القديمة من الفراعنة الى الفرس والروم ..الخ حتى تاريخ خاتم النبيين عليهم السلام.. وفى كل ذلك إتبع الطبرى المنهج الموضوعى أى يذكر تاريخ القوم من بدايته الى نهايته ثم يلتفت الى قوم آخرين ، وهكذا. حتى إذا جاء الى التأريخ للنبى محمد عليه السلام إتبع التأريخ بالحول ، يؤرخ عاما بعد عام ، وظل متمسكا بالتاريخ الحولى الى ان أتم تاريخ عصره الى قبيل وفاته . فى التاريخ للسابقين ـ قبل عصره كان الطبرى ينقل عن الآخرين ، ثم إذا وصل الى عصره كان ينقل من واقع المشاهدة شاهدا على العصر . فى التاريخ للسابقين من آدم الى عصر خاتم النبيين عليهم السلام كان الطبرى ينقل الخرافات الشائعة فى عصره ، ومعظمها من إفترءات أهل الكتاب والقصاصين والتى ما لبث أن صيغت أحاديث منسوبة للنبى محمد ، عبر صناعة عنعنة وأسانيد لها يزعم الكذابون أنهم سمعوها من فلان عن فلان الخ ..الى النبى ، بعد موت النبى محمد بقرنين وأكثر . 3 ــ المؤرخون السنيون العاملون بنشر الأحاديث ــ وكلها إفتراءات فى نسبتها للنبى ــ ملأوا تاريخهم بهذه الافتراءات والأباطيل ، وقد جعلوها أحاديث نبوية . هذا بالاضافة الى تخاريف عن خلق السماوات والأرض وخلق آدم ،والله جل وعلا يقول : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51) الكهف  )  صحيح أنهم فى بعض ما يقولون كانوا يعتمدون على بعض آيات قرآنية ، ولكن الأكثر كان إعتمادهم على خرافات يجترءون فيها على غيب الماضى الذى لا يعلمه إلا الله جل وعلا ، والذى كان خاتم النبيين لا يعلم عنه شيئا سوى ما ذكره رب العزة فى القرآن الكريم ، على ما سبق تفصيله .

4 ـ وبين خرافات الماضى التى نقلها الطبرى كان ( هجص ) الخضر . ونستشهد ببعض ما قاله :

أولا : هجص الخضر فى تاريخ الطبرى

( ....وكان دخول يعقوب مصر في سبعين إنسانا من أهله وتقدم إلى يوسف عند وفاته أن يحمل جسده حتى يدفنه بجنب أبيه إسحاق ففعل يوسف ذلك به ، ومضى به حتى دفنه بالشأم ثم انصرف إلى مصر . وأوصى يوسف أن يحمل جسده حتى يدفن إلى جنب آبائه ، فحمل موسى تابوت جسده عند خروجه من مصر معه . وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : ذكر لي والله أعلم أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة قال وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها وأن يعقوب بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه . قال وقبر يوسف كما ذكر لي في صندوق من مرمر في ناحية من النيل في جوف الماء . وقال بعضهم : عاش يوسف بعد موت أبيه ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة . قال وفي التوراة أنه عاش مائة سنة وعشر سنين . وولد ليوسف أفراييم بن يوسف ومنشا بن يوسف ، فولد لإفراييم نون فولد لنون بن إفراييم يوشع بن نون ، وهو فتى موسى . وولد لمنشا موسى بن منشا . وقيل إن موسى بن منشا نبئ قبل موسى بن عمران . ويزعم أهل التوراة أنه الذي طلب الخضرقصة الخضر.  وخبره وخبر موسى وفتاه يوشع عليهم السلام . قال أبو جعفر : كان الخضر ممن كان في أيام أفريدون الملك بن أثفيان في قول عامة أهل الكتاب الأول وقبل موسى بن عمران ، وقيل إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان أيام إبراهيم خليل الرحمن ، وهو الذي قضى له ببئر السبع وهي بئر كان إبراهيم احتفرها لماشيته في صحراء الأردن ، وإن قوما من أهل الأردن ادعوا الأرض التي كان احتفر بها إبراهيم بئره فحاكمهم إبراهيم إلى ذي القرنين، الذي ذكر أن الخضر كان على مقدمته أيام سيره في البلاد ، وإنه بلغ مع ذي القرنين نهر الحياة،  فشرب من مائه وهو لا يعلم ولا يعلم به ذو القرنين ومن معه مخلد ، فهو حي عندهم إلى الآن . وزعم بعضهم أنه من ولد من كان آمن بإبراهيم خليل الرحمن واتبعه على دينه وهاجر معه من أرض بابل حين هاجر إبراهيم منها . وقال اسمه بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. قال وكان أبوه ملكا عظيما . وقال آخرون ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم هو أفريدون بن أثفيان . قال وعلى مقدمته كان الخضر . وقال عبدالله بن شوذب فيه ما حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالحكم المصري قال حدثنا محمد بن المتوكل قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عبدالله بن شوذب قال : الخضر من ولد فارس وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان في كل عام بالموسم . وقال ابن إسحاق فيه ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال : بلغني أنه استخلف الله عز وجل في بني إسرائيل رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص فبعث الله عز وجل لهم الخضر نبيا.  قال : واسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل أورميا بن خلقيا وكان من سبط هارون بن عمران . وبين هذا الملك الذي ذكره ابن إسحاق وبين أفريدون أكثر من ألف عام.  وقول الذي قال إن الخضر كان في أيام أفريدون وذي القرنين الأكبر وقبل موسى بن عمران أشبه بالحق ، إلا أن يكون الأمر كما قاله من قال إنه كان على مقدمة ذي القرنين صاحب إبراهيم فشرب ماء الحياة فلم يبعث في ايام إبراهيم نبيا وبعث أيام ناشية بن أموص، وذلك أن ناشية بن أموص الذي ذكر ابن إسحاق أنه كان ملكا على بني إسرائيل كان في عهد بشتاسب بن لهراسب وبين بشتاسب وبين أفريدون من الدهور والأزمان ما لا يجهله ذو علم بأيام الناس وأخبارهم.  )

 ثانيا : هجص الخضر فى تاريخ ( المنتظم ) لابن الجوزى :

1 ـ نقل ابن الجوزى ت 597 ما أورده الطبرى ت 310 ، وزاد عليه تخريفا وهجصا . يقول مثلا :

 ( فصل في اسم الخضر : فأما اسم الخضر فقال كعب الأحبار‏:‏ هو الخضر بن عاميل‏.‏ وقال ابن إسحاق‏:‏ اسمه أرمياء وقال أبو جعفر الطبري‏:‏ إن هذا ليس بصحيح لأن أرمياء كان في أيام بخت نصر وبين عهد موسى وبخت نصر زمن طويل‏.‏ وقيل‏:‏ هو الخضر بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح‏.‏وقال بعض أهل الكتاب‏:‏ هو خضرون بن عاميل بن أليفرن بن العيص بن إسحاق وإنه ابن خالة ذي القرنين ووزيره‏.‏ قال الطبري‏:‏ إن الخضر هو الولد الرابع من أولاد آدم‏.‏ فصل لم سمي الخضر:   وقد اختلف العلماء لم سمى الخضرعلى قولين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت والفروة الأرض اليابسة‏.‏ أخبرنا ابن حصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إنما سمى الخضر خضرًا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء ‏"‏‏.‏والثاني‏:‏ إنه كان إذا جلس اخضر ما حوله‏.‏قاله عكرمة‏.‏وقال مجاهد‏:‏ كان إذا صلى اخضر واختلفوا هل كان نبيًا أم لا على قولين ذكرهما ابن الأنباري‏.‏  ذكر لقاء موسى الخضر عليهما السلام: كان سبب طلب موسى الخضر أن موسى سئل من أعلم أهل الأرض فقال‏:‏ أنا قيل له‏:‏ لناعبد هوأعلم منك يعني الخضر‏.‏أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حموية أخبرنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال‏:‏ أخبرني سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فسئل‏:‏ أي الناس أعلم فقال‏:‏ أنا أعلم فعتب اللّه عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه‏:‏ أن عبدًا من عبادي عند مجمع البحرين قال‏:‏ يا رب كيف لي به قيل له‏:‏ أحمل حوتًا فتجعله في مكتل فإذا فقدته فهو ثَمَّ‏.‏ فانطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وحملا حوتًا في مكتل حتى كانا عند الصخرة ووضعا رؤوسهما فناما فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر وكان لموسى ولفتاه عجبًا فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه‏:‏ ‏"‏ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ‏"‏‏.‏ولم يجد موسى من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به فقال له فتاه‏:‏ ‏"‏ رأيْتَ إِذْ أوَيْنَا إِلَى الصَخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوت ‏"‏ قال موسى‏:‏ ‏"‏ ذلك مَا كنا نَبْغِي فَارتدَا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ‏"‏ حتى انتهيا إلىِ الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب - أو قال بثوبيه - فسلم موسى عليه فقال الخضر‏:‏ وأنى بأرضك السلام فقال‏:‏ أنا موسى فقال‏:‏ موسى بني إسرائيل قال‏:‏ نعم ‏"‏ هَلْ أتَّبُعِكَ عَلَى أنْ تُعلَمِنِي ممَا عُلَمتَ رُشْدًا ‏"‏ فقال‏:‏ ‏"‏ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ‏"‏ يا موسى إني على علم من علم اللهّ علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه اللهّ لا أعلمه قال‏:‏ ‏"‏ سَتَجدنِي إِنْ شَاءَ الله صَابِرًا وَلا أعْصِي لَكَ أمْرًا ‏"‏‏.‏ فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليسِ لهما سفينة فمرت بهما سفينة فكلماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغي نوْلٍ‏.فجاء عصفور فوقع على  حرف فنقر نقرة ونقرتين من البحر فقال الخضر‏:‏ يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم اللّه إلا كنقرة هذا العصفور في البحر فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه فقال موسى‏:‏ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها قال‏:‏ ‏"‏ ألم أقُلْ إِنكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ لاَ تؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت ‏"‏‏.‏وكان الأولى من موسى نسيانًا‏.‏ فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده فقال ‏"‏ فَانْطَلَقَا حَتى إِذَا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أهْلَهَا فَأبَواْ أنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أنْ يَنْقَض ‏"‏ قال الخضر بيده ‏"‏ فَأقَامَه ‏"‏ فقال له موسى‏:‏ ‏"‏ لَوْ شِئْتَ لاتَخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرًا ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ‏"‏‏.‏قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يرحم اللّه موسى لوددنا لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما ‏"‏‏.‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏ فصل في اختلاف العلماء في حياة الخضر وموته : وقد زعم قوم أن الخضر حيّ إلى الآن واحتجوا بأحاديث لا تثبت وحكايات عن أقوام سليمي الصدور ويقول أحدهم‏:‏ لقيت الخضر‏.‏ فأما الأحاديث فمنها ما يروى عن أهل الكتاب أن الخضر كان مع ذي القرنين وأنه سبق إلى العين التي قصدها ذو القرنين لما وصف له أن من شرب منها خلد في الدنيا فشرب منها فأعطي الخلد لذلك‏.‏ ومنها ما أخبرنا به علي بن أبي عمر الدباس قال‏:‏ أخبرنا علي بن الحسين بن أيوب قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن شاذان قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكى قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق بن خريم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن زيد قال‏:‏ حدثنا عمرو بن عاصم قال‏:‏ حدثنا الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ لا أعلمه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل منهما على رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه ما شاء اللّه لا يسوق الخير إلا اللّه بسم اللّه ما شاء اللّه لايصرف السوء إِلا اللّه ما شاء اللّه ماكان من نعمة فمن الله ما شاء اللّه لا حول ولا قوة إلا باللّه ‏"‏‏.‏ومنها ما روي عن الحسن البصري أنه قال‏:‏ وكل إلياس بالفيافي ووكل الخضر بالبحور وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى وأنهما يجتمعان في كل موسم في كل عام‏.‏ومنها ما أخبرنا به إسحاق بن ابراهيم الختلي قال‏:‏ حدثني عثمان بن سعيد الأنطاكي قال‏:‏ حدثنا علي بن الهيثم المصيصي عن عبد الحميد بن بحر عن سلام الطويل عن داود بن يحيى مولى عون الطفاوي عن رجل كان مرابطًا في بيت المقدس وبعسقلان قال‏:‏ بينا أنا أسير في وادي الأردن إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائم يصلي فإذا سحابة تظله من الشمس فوقع في قلبي إنه إلياس النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فسلمت عليه فانفتل من صلاته فرد عليّ السلام فقلت‏:‏ من أنت رحمك الله فلم يرد عليّ شيئًا فأعدت القول مرتين فقال‏:‏ أنا إلياس النبي فأخذتني رعدة شديدة خشيت على عقلي أن يذهب فقلت له‏:‏ إن رأيت رحمك الله أن تدعو لي أن يذهب عني ما أجد حتى أفهم حديثك فدعا لي بثمان دعوات فقال‏:‏ يا بريا رحيم يا حي يا قيوم يا حنّان يا منّان‏.‏ فذهب عني ما كنت أجد فقلت‏:‏ إلى من بعثت قال‏:‏ إلى أهل بعلبك قلت‏:‏ فهل يوحى إليك اليوم فقال‏:‏ منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا‏.‏قلت‏:‏ فكم من الأنبياء في الحياة قال‏:‏ أربعة أنا والخضر في الأرض وإدريس وعيسى في السماء قلت‏:‏ فهل تلتقي أنت والخضر قال‏:‏ نعم في كل عام بعرفات قلت‏:‏ فما حديثكما قال‏:‏ يأخذ من شعري وأخذ من شعره قلت‏:‏ فكم الأبدال قال‏:‏ هم ستون رجلًا خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطىء الفرات ورجلان بالمصيصة ورجلان بأنطاكية وسبعة في سائر الأمصار تسقون بهم الغيث وبهم ينصرون على عدوهم وبهم يقيم اللّه أمر الدنيا حتى إذا أراد أن يهلك الدنيا أماتهم جميعًا‏.‏وقد روي أنه كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم وروا من حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم.  إثبات حياة الخضر‏.‏ومن حديث أنس أن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الخضر وقال‏:‏ ادع لرسول اللهّ‏.‏وإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وابن عمر أثبتوا وجوده وإنه رآه عمر بن عبد العزيز ورواه مسلمة ورباح بن عبيدة كلاهما عن عمر بن عبد العزيز‏.‏قالوا‏:‏ ورآه إبراهيم التيمي وإبراهيم بن أدهم وأحمد بن حنبل‏.‏وكل هذه الأحاديث لا تثبت والحديث الذي ذكرناه عن ابن عباس فيه الحسن بن زيد قال العقيلي‏:‏ هو مجهول‏.‏وفي الحديث الثاني السلام بن الطويل قال يحيى‏:‏ ليس بشيء‏.‏وقال البخاري والرازي والنسائي والدارقطني‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏وقال ابن حيان‏:‏ يروي الموضوعات كأنه المعتمد لها‏.‏قال‏:‏ وعبد الحميد بن بحر لا يحل الاحتجاج به بحال وداود مجهول والرجل المرابط لا يدرى من هو‏.‏وقد روى مسلمة بن مصقلة إنه رأى إلياس وجرى له معه نحو ما سبق‏.‏وربما ظهر الشيطان لشخص فكلمه وربما قال بعض المتهمين لبعض أنا الخضر وأعجب الأشياء أن يصدق القائل أنا الخضر وليس لنا فيه علامة نعرفه بها وقد جمعت كتابًا سميته عجالة المنتظر بشرح حال الخضر وذكرت فيه هذه الأحاديث والحكايات ونظائرها وبينت خطأها فلم أر الإطالة بذلك ها هنا‏.‏قال أبو الحسين بن المنادي ونقلته من خطه‏.‏عن تعمير الخضر وهل هو باق في الدنيا أم لا فإذا أكثر المغفلين مغرورون بأنه باق من أجل ما قد روي وساق بعض ما قد ذكرنا ثم قال‏:‏ أما حديث أنس فواه بالوضاع وأما خبر ابن عباس فضعيف بالحسن بن رزين وأما قول الحسين فمأخوذ عن غير أهل ملتنا مربوط بقول بعضهم أن الخضر شرب من العين التي قصدها ذوي القرنين موصول بما قيل إنه الرجل الذي يقتله الدجال والمسند من ذلك إلى أهل الذمة فساقط لعدم ثقتهم‏.‏وخبر مسلمة فكلا شيء وخبر رياح كالرياح ثم مد اللّه على السري وضمرة عفى الله عنهما‏.‏وأين كان الخضر عن تبشيرأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالخلافة‏.‏وهذه الأخبار واهية الصدور والأعجاز لا تخلو في حالها من أحد أمرين‏:‏ إما أن تكون أدخلت من حديث بعض الرواة المتأخرين استغفالًا‏.‏وإما أن يكون القوم عرفوا حالها فرووها على وجه التعجب فنسبت إليهم على سبيل التحقيق‏.‏قال‏:‏ والتخليد لا يكون لبشر لقول اللهّ عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون ‏"‏‏.‏وأهل الحديث يتفقون على أن حديث أنس منكر الإسناد سقيم المتن بين فيه أثر الصنعة وأن الخضر لم يراسل نبينا ولم يلقه ولم يكن ممن عرض عليه ليلة الإسراء ولم يدركه ذكر في عهده بالبقاء ولو انه كان في عدد الأحياء حينئذ لما وسعه التخلف عن لقاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم والهجرة إليهً‏.‏قال‏:‏ وما أعجب إغراء أهل الضعف بذكر الخضر وإلياس والمعنى منهم بذلك المنتسبون إلى رؤية الأبدال ومشاهدة الآيات‏.‏قال‏:‏ وقد أخبرني بعض أصحابنا أن إبراهيم الحربي بن إسحاق سئل عن تعمير الخضر فأنكر ذلك وقال‏:‏ هو متقادم الموت‏.‏قال وروجع غيره في تعميره وأن طائفة من أهل زماننا يرونه ويروون عنه نقال‏:‏ من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لم ينتصف منه وما ألقى ذكر هذا بين الناس ألا الشيطان‏.‏قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ هذا هامة بن الهيم وزريب بن برثملا معمران قيل‏:‏ ومن صحح لهما وجادة حتى يكون لهما تعمير ولو أنهما معروفان لكان سبيلهما في التخليد سبيل سائر البشر بل هذان حديثان دسا إلى مغفلين فرووهما بلا تفقد ولا تمييز‏.‏..فأما بقاء الدجال الأعور فليس ذلك بالطويل لأنه ولد بالمدينة في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم يحيا إلى نزول المسيح عيسى فيقتله‏.‏قال‏:‏ فقد صح لما بينا أن الخضر عبد من عباد اللّه نصب لموسى لأمر أراده اللّه وقد مضى لسبيله فليعرف ذلك وإن سمع من جاهل خلاف ذلك فلا يمارين لأن المراء في ذلك نقص زادنا اللّه وإياكم فهمًا‏.‏هذا آخر كلام أبي الحسين المنادي ومن خطه نقلته‏.‏وقد روى أبو بكر النقاش‏:‏ أن محمد بن اسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء فقال‏:‏ كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ‏"‏‏.‏)

ثالثا : هجص الخضر فى تاريخ الكامل لابن الأثير

قام ابن الأثير ت 630 بإختصار روايات الطبرى فى تاريخه ( الكامل ). وكان أقل نقلا للهجص من الطبرى وابن الجوزى . ننقل بعض هجصه عن الخضر :

( .قصة الخضر وخبره مع موسىJ

قال أهل الكتاب: إن موسى صاحب الخضر هو موسى بن منشى بن يوسف بن يعقوب، والحديث الصحيح عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم، أن موسى صاحب الخضر هو موسى بن عمران على ما نذكره، وكان الخضر ممّن كان في أيام أفريدون الملك ابن اثغيان في قول علماء أهل الكتاب الأول قبل موسى بن عمران، وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكب الذي كان في أيام إبراهيم الخليل، وإنه بلغ مع ذي القرنين نهر الحياة فرشب من مائه ولا يعلم ذو القرنين ومن معه، فخلّد وهو حيّ عندهم إلى الآن، وزعم بعضهم: أنّه كان من ولد من آمن مع إبراهيم وهاجر معه، واسمه يليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وكان أبوه ملكاً عظيماً، وقال آخرون: ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم أفريدون بن اثغيان، وعلى مقدمته كان الخضر . .
قال عبد الله بن شوذب: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني اسرائيل يلتقيان كلّ عام بالموسم، وقال ابن اسحاق: استخلف الله على بني اسرائيل رجلاً منهم يقال له ناشية بن أموص، فبعث الله لهم الخضر معه نبيّاً، قال: واسم الخضر فيما يقول بنو اسرائيل إرميا بن حلقيا، وكان من سبط هارون بن عمران، وبين هذا الملك وبين أفرويدون أكثر من ألف عام.
وقول من قال إن الخضر كان في أيّام أفريدون وذي القرنين الأكبر قبل موسى بن عمران أشبه للحديث الصحيح أنّ موسى بن عمران أمره الله بطلب الخضر، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان أعلم الخلق بالكائن من الأمور، فيحتمل أني كون الخضر على مقدمة ذي القرنين قبل موسى، وأنه شرب من ماء الحياة فطال عمره، ولم يرسل في أيّام ابراهيم، وبعث في أيام ناشية بن أموص، وكان ناشية هذا في أيّام بشتاسب بن لهراسب، والحديث ما رواه أبيّ بن كعب عن النبي، صلى الله عليه وسلم .
قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: إنّ نوفا يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى بن عمران، قال: كذب عدوّ الله، حذّثني أبيّ بن كعب عن النبيّ، صلى الله عليه وسلم، قال: إن موسى قام في بني اسرائيل خطيباً فقيل له: أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب الله عليه حين لم يردّ العلم إليه، فقال: يا ربّ هل هناك أعلم مني؟ قال: بلى، عبد لي بمجمع البحرين، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتاً فتجعله في مكتل فحيث تفقده فهو هناك، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثمّ قال لفتاه: إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا الصخرة وذلك الماء، وهو ماء الحياة، فمن شرب منه خلد ولا يقاربه شيد ميت إلاّ حيي، فمسّ الحوت منه فحيي، وكان موسى راقداً، واضطرب الحوت في المكتل فخرج في البحر، فأمسك الله عنه جرية الماء فصار مثل الطاق، فصار للحوت سرباً، وكان لهما عجباً، ثم انطلقا...الخ )

اجمالي القراءات 8324