حصلت «الحياة» على ملف يحوي استمارات شخصية لأكثر من 600 مقاتل أجنبي تم تهريبهم خلال السنتين الماضيتين من دولهم في السعودية، واليمن، وتونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، ولبنان، والكويت، وسورية، والأردن، وفرنسا، وايرلندا، والسويد واسبانيا عبر الحدود السورية الى العراق للانضمام الى «دولة العراق الإسلامية» المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وتتضمن الاستمارات التي صادرها الجيش الاميركي منذ مدة في غارات عسكرية على مواقع مقاتلي «دولة العراق الإسلامية» في منطقة الأنبار، معلومات تفصيلية تشمل عنوان المقاتل واسمه الكامل ولقبه وأرقام هواتف أقاربه وأصدقائه إضافة الى أرقام هواتف تعود للذي جنده وأسماء الذين تسلموه في سورية والشخص الذي هربه الى العراق، إضافة الى معلومات أخرى عن مهنة المتطوع وخبراته والمهمة التي يريد القيام بها في العراق.
استثمارة لمقاتل سعودي الجنسية
بمجرد وصول «المتطوعين» الى الأراضي السورية يستقبلهم أناس يطلق عليهم في الاستمارات اسم «المنسقين» وهم اكثر من عشرة أشخاص يحملون أسماء حركية هي: «أبو محمد» و«أبو حسين» و «أبو عادل» و«أبو عمر» و«عبدالهادي» و«أبو اسحاق» و«أبو عثمان» و«أبو عبدالملك» و«أبو علي» و«أبو باسل» و«فضل» و«لؤي».
وعندما يصل المتطوعون الى العراق يطلب منهم وصف من التقاهم في سورية، ويذكر عدد من المتطوعين أوصاف «أبو عبدالملك»، ويشيرون الى انه» طويل وقوي وأشقر ومتزوج» و«أبو باسل اسمر وضعيف الجسم» و «فضل متوسط الطول، وحنطي البشرة ويلبس نظارات» أما «لؤي فهو عراقي وقاسي المعاملة» و «أبو محمد شيخ ذو لحية دب فيها الشيب».
وتكشف تلك الاستمارات ان غالبية المتطوعين تم تجنيدهم في بلادهم من اشخاص تعرفوا عليهم في المساجد او الجامعات او أماكن العمل، ومنهم من تم تجنيدهم أثناء فترة الحج في مكة المكرمة او عبر الانترنت.
وتظهر الاستمارات تفاصيل الأساليب القاسية جداً في معاملة المقاتلين الأجانب من مستقبليهم في سورية من اجل إقفال باب العودة عليهم نهائياً لضمان انهم لن يتراجعوا عن مهمتهم. فعند وصوله الى سورية يجرد المتطوع من كل ما يملك وتوضع ممتلكاته الشخصية تحت خانة «التبرع».
ومن الأشياء التي يستولي عليها المنسق كل ما يملك المتطوع من مال، إضافة الى هواتف خليوية ومحابس وخواتم وساعات وآلات حلاقة وآلات تسجيل. ويذكر الطالب الجامعي الجزائري ا. م. (٢٥ سنة) في استمارته الشخصية انه نسق مع شخص في الجزائر اسمه «أبو عاصم» ساعده على السفر من تونس عبر ليبيا الى دمشق جواً. والتقى في سورية «أبو عبدالملك و«أبو علي» و«أبو باسل». وأضاف: «قالوا لي انه لا يسمح بدخول اي شيء الا جوازات السفر».
أما المتطوع السعودي ن. ح. خ. والملقب بـ «أبو عبيدة الفاروق» (٢٥ سنة) من مدينة الرياض والذي دخل العراق في ٢٦ حزيران (يونيو) عام ٢٠٠٧ فيذكر ان المنسق في السعودية «أبو عبدالله» هو الذي سهل له مهمته للوصول الى سورية والاتصال بالوسيط هناك.
تفاوت الوسطاء
استقل «أبو عبيدة» سيارة أجرة من الرياض الى دمشق التي قضى فيها ٨ أيام صعبة قبل الدخول الى العراق. ويذكر «أبو عبيدة» «انهم يقفلون علينا الشقة لأسباب أمنية ولا يمكننا الخروج منها الا الى العراق»، ويضيف: «المعاملة من الوسطاء كانت سيئة إذ انهم اخذوا مني كل شيء عنوة» وهو كان بحوزته ٣٥٠ ريالاً سعودياً وعشرة آلاف ليرة سورية. و «أبو عبيدة» ليس الوحيد الذي يعبّر عن استيائه من معاملة الوسطاء في سورية فكل الذين شعروا بمعاملة سيئة في سورية يضعون اللوم على «لؤي» العراقي الذي يأخذ ما يملكون من مال عنوة تحت ذريعة التبرع به «للمجاهدين».
ويطلب من المتطوعين ان يختاروا المهمة التي يريدون القيام بها في العراق. ولا يوجد أمامهم الا خياران أما «استشهادي» او «مقاتل». الجدير ذكره ان معظم المتطوعين من بلاد المغرب العربي يختارون «الاستشهاد» ويختار عدد كبير من الذين يأتون من الجزيرة العربية مهمة «مقاتل».
ويلاحظ ان «التبرعات» التي يجبر المتطوعون على تركها في سورية تراوح بين ٣٠ ليرة سورية ومبالغ ضخمة تصل الى ١٢٤٠٠ دولار أميركي. ويلاحظ أيضاً ان المبالغ الزهيدة تدفع من القادمين من ليبيا والمغرب العربي وسورية أما المتطوعون من الجزيرة العربية فيكون بحوزتهم مبالغ كبيرة تصل الى آلاف الدولارات.
عناوين الأهل
وعلى رغم ان المتطوعين يزودون مستقبليهم في العراق بهواتف عائلاتهم الا ان معظمهم يطلب الاتصال بأصدقائه او بالرجال في عائلاتهم في حال قتلوا. ويوجد بعض الأفراد من المغرب العربي يحملون جنسيات أوروبية مثل السويدية والأسبانية والأرلندية والفرنسية.
القسم الأكبر من المتطوعين هم في العشرينات من العمر لكن هناك بعض الحالات التي تجاوز أصحابها سن الخمسين عاماً ومنهم المتطوع السعودي م.ع.ا.م.ر الملقب بـ «أبو طارق المكي» (٥٦ سنة) الذي دخل العراق في ١٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦ وتبرع بمبلغ ١٢٤٠٠ دولار إضافة الى ساعة يد. واختار «المكي» ان يكون «استشهادياً» في مهمته.
معظم المتطوعين هم طلاب جامعات او معاهد في بلادهم ولكن منهم من يمارس مهناً حرة او يعمل موظفاً في دوائر رسمية مثل السعودي «الاستشهادي» ر.ع.م.ا. الملقب بـ «أبو باسل» من مدينة ينبع. وصل «أبو باسل» الى العراق براً عبر الأردن بتاريخ ١١ آب (أغسطس) ٢٠٠٧. أما الليبي م.ع.م. والملقب بـ «أبو بكر»، (27 سنة) فكان يعمل شرطي مرور في بلده لكنه ترك تلك المهنة ودخل الى العراق بتاريخ ٩ أيار (مايو) ٢٠٠٧ بمهمة «استشهادي».
ويسلك المتطوعون طرقاً مختلفة للوصول الى سورية. فمعظم الذين يأتون من المغرب العربي يمرون عبر مصر ومن ثم سورية. أما الذين يأتون من الجزيرة العربية فيسافرون جواً الى دمشق او براً عبر الأردن. وهناك أفراد قليلون يأتون عبر تركيا.
وتظهر المعلومات الواردة في الاستمارات ان إضافة الى المنسق في البلد الأم والمنسق في سورية يوجد شخص او أشخاص آخرون يتولونهم بعد ان يعبروا الحدود السورية - العراقية. وهناك اسمان لمهربين يذكران دائماً في الاستمارات هما «أبو حمد» و «أبو عمر». ومن الواضح ان «أبو حمد» يقوم بمعظم مهمّات التهريب لأن الجميع راضٍ عن خدماته. أما «أبو عمر» فيشتكي عدد من المتطوعين منه. ويذكر الجزائري ع.ش الملقب بـ «أبو طلحة (٢٣ سنة) من ان «أبو عمر يشتم ويكفر» من دون ذكر الأسباب.
الجنسيات
القسم الأكبر من المقاتلين الأجانب الذين وردت أسماؤهم في الاستمارات هم من السعودية (٢٤٦ مقاتلاً) وليبيا (١١٥) وسورية (٥٦) واليمن (٤٧) والجزائر (٤٥) والمغرب (٣٦) والأردن (١١) وتونس (١١) ولبنان (8) واسبانيا (٢) وارلندا (٢) وفرنسا (3 من أصول مغاربية) والسويد (متطوع واحد) وبلجيكا (متطوع واحد).
اللافت للنظر ان القسم الأكبر من المتطوعين يأتون من مدن مختلفة في بلادهم باستثناء الأردنيين الذين جاءت غالبيتهم من منطقة الزرقاء مسقط رأس زعيم «القاعدة» السابق في العراق أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل بغارة أميركية على مخبئه.
وجدير ذكره انه إضافة الى المنسقين الثابتين في الدول التي يتم فيها التجنيد هناك منسقون متحركون يسهلون سفر المتطوعين مثل «بشار محمد د.» في ارلندا و «أبو علاء» العراقي في مصر و«أشرف» في مكة أثناء مواسم الحج، و«سراج» في ليبيا و«شعيب» و«أيمن التونسي» في لبنان.
•
والدة مقاتل لبناني في العراق: ابني اتصل بي قبل شهرين
بيروت الحياة
«الحياة» حاولت الاتصال بعدد من اهالي الأشخاص الذين تضمن الملف استمارات بأسمائهم، وتمكنت من اجراء مقابلات مع اهل شاب لبناني وشابين سعوديين ثبت ان أرقام الهاتف التي زودوا بها «القاعدة» كانت صحيحة وهنا نص المقابلات:
تسحب صورة ابنها العشريني من محفظة يدها السوداء وترسم ابتسامة شوق على وجهها وتقول «هذا هو ابني. لقد اتصل بي منذ شهرين وقال لي انه في السعودية. اعتقد بأن ما يقال عن انه في العراق كلام غير صحيح، فابني لا يخفي عني اي شيء. انا وهو اصدقاء»، وتعيد صورة الشاب الملتحي الى مكانها. انها احدى والدات المقاتلين اللبنانيين في العراق. فاستمارة باسم ابنها موجودة بين ملف الاستمارات التي حصلت عليه «الحياة». هو شاب في نهاية العشرينات من عمره، ولد في احدى مناطق بيروت وترعرع فيها. تقول والدته انه كان هادئاً، مسالماً لكنه تبنى الفكر السلفي منذ ان دخل الى احد المعاهد الدينية في لبنان. بعد اربع سنوات من الدراسة في المعهد انتقل الى الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة في السعودية. وتقول السيدة اللبنانية «اصبح ابني امام مسجد لكنه اراد متابعة دراساته الاسلامية ليصبح قاضي شرع».
تؤكد السيدة ان لا علاقة لابنها بأي نشاطات حزبية او عسكرية في لبنان وهو على قناعة ان الجهاد ضد «الاحتلال الاميركي في العراق واجب كل مسلم. من لم يستطع الجهاد بالسلاح فعليه ان يجاهد بالكلمة او المال وأنا لا اعتقد بأن ابني موجود في العراق ليحارب».
تصمت قليلاً ثم تشير بكل قناعة: «هناك حرب على اصحاب الفكر السلفي. ابني لم يتعرض لأي مخلوق، ولكنه كان يؤمن بحق المسلمين بالجهاد ضد المحتل».
عندما اتصل بها منذ شهرين طمأنها انه في السعودية وبخير لكنه لم يعطها رقم هاتفه بل قال «سوف اتصل بك عند الحاجة». ولم يتصل بعد.
اتصلت اجهزة الامن اللبنانية بها وبعائلتها لمعرفة اخبار ابنها. «قلت لهم كل المعلومات الموجودة لدي. اكدوا لي انه لم يقم بأعمال مخالفة للقانون في لبنان لكن اسمه ورد في تحقيقات اجروها مع اشخاص يدرسون معه في السعودية وقالوا انه كان يشجع على الجهاد. ومنذ اسبوع عاودوا الاتصال بي وقالوا انهم وجدو رقم هاتف منزلنا على ورقة كتب اسمه عليها».
منذ شهرين لم يتصل بها. هي الآن قلقة عليه اكثر من اي وقت مضى، وتقول «أتمنى ان لا يكون حصل له اي مكروه ولكن أفضّل ان يقضي شهيداً على ان يقع في ايدي أجهزة الأمن لأنهم سيعذبونه اشد تعذيب».
... وغائبان سعوديان
الرياض - ناصر الحقباني الحياة
طرح خروج مراد الحسني (20 سنة) وورد اسمه في ملف مقاتلي «دولة العراق الاسلامية»، والذي قتل في العراق في حزيران (يونيو) الماضي تساؤلات عن طريقة خروجه ووصوله إلى هناك، عابراً دولاً عدة من دون جواز سفر أو وثائق ثبوتية، وعلى رغم أن خلايا تنظيم «القاعدة» توفر المساعدة للشبان السعوديين المغرر بهم في الخروج إلى العراق ولبنان، من أجل ما يسمونه «الجهاد في الخارج»، إلا أن خروج مراد يظل لغزاً يبحث عن حل.
والد مراد عبيدالله الحسني أوضح لـ «الحياة»، «أن ابني صغير بالسن، ولا يحق له السفر أو إصدار جواز سفر إلا بمعرفتي في ذلك الوقت، وذهلت من الاتصال الذي استقبلته من العراق ويفيد بوجوده هناك».
وقال الحسني: «أبلغني مراد بالسفر إلى أحد المتنزهات في جبال الطائف (غرب المملكة)، وحاولت الاطمئنان عليه في اليوم الثاني ولم أستطع، ما دعاني إلى الاستفسار عنه في المستشفيات الحكومية وأقسام الشرط الأمنية».
وأشار والد مراد إلى أنه لم يلحظ أياً من علامات التشدد على ابنه، لاسيما أنه قريب منه، واستطاعت خلايا الفئة الضالة ان تضلل أفكاره بسهولة كونه صغيراً بالسن، وأبلغنا الجهات الأمنية عما حدث، وبعد شهر ونصف الشهر من اختفائه، وردنا اتصال من شخص مجهول ينقل لنا نبأ وفاته.
ولفت إلى أن أسرته قدمت تسهيلات لمساعدة مراد في حياته، منها مساعدته في الزواج صيف هذا العام، وقال عبيدالله الحسني: «عقد مراد قرانه وغادر إلى العراق وتوفي هناك».
وفي السياق ذاته، أكد شقيق فهد العتيبي الغائب أيضاً في العراق، أن أسرته قلقة جداً عليه، وقال عبدالله خلف العتيبي لـ «الحياة»: «إن الأسرة تعيش أزمة بعد خروج فهد (25 سنة) إلى العراق، وأن لا معلومات عنه في الوقت الحالي».
_____________________________________________________________________