لماذا التساهل في التكفير؟

سامح عسكر في الإثنين ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

إنها لكلمة عظيمة أن يقال على فلان أنه.."كافر"..والأعظم نتائجها على نفس الضحية..هي تعني التكذيب والخسران ودناءة النفس وصفات القبح والجريمة..فكيف يقبل بهذه الأوصاف إنسان؟

البداية عندما اعتقد البشر في الأديان..ولاختلاف صورهم عن الإله وتعاليمه تعددت الصور فتعددت الأديان والمذاهب..ولأن الإنسان أحمق يظن أن إلهه هو إله الآخرين..ظن أن الآخرين يُكذّبون الحق الذي يراه..وأنهم على علمٍ به وبفيوضاته الروحانية..وخيره وجنانه الكثيرة.

صورة الإله في النفس هي صورة .."قيمية"..لا تعلوها أخرى، ولهذه الصورة غلبة وهيمنة على النفس تجعل من الإنسان مراقب دائم لأفعاله، وهذا هو معنى الدين.."المراقبة"..فهي التي تحمله على العبادة والخير والتفكر، في المقابل تحمله أحياناً على الشر والجريمة، والعَجَب أن فعل الشر يكون بكلام مُنمّق وصوت منخفض أحياناً بخلاف ما أشيع عن الشر بصوتٍ عالٍ وسلوك متهور..!

هذا هو الإنسان

لا يرضى بالهزيمة ويعقد على الانتقام ويترصد لأعداءه..فحتى لو كانوا مؤمنين سيُكفّرهم..ليس لأنهم كفار أو جُهّال، ولكن لأنهم أحرجوه وهو يريد الانتقام..

التكفير سلوك عدواني لا علاقة له بالأديان، وألاحظ أن كل من ينشغل به -أو ينعته بخصومه- هو ساقط عقلياً أو أخلاقياً..بحيث يصعب معه الحوار أو الوقوف على مشترك واحد يُهدئ من روعه، فكأنه في مشاجرة لن تنتهي إلا بالتسليم بما يؤمن به أو أذى أعدائه..لا يهمه قول الخصوم.. بل يهمه شفي غليله وأحقاده..فقد غلبَ عليه الهوى ولن يرجع دون انتصارٍ ولو معنوي..

لماذا التساهل في التكفير وقد عرف الإنسان الخير حتى دون إيمان..فهل تعتقد أن الأديان وحدها التي حملت الإنسان على الأخلاق؟

تأمل قول مسكويه لأبي حيان التوحيدي

"للإنسان- بما هو إنسان- أفعال وهِممٌ وسجايا وشِيمٌ قبل ورود الشرع، وله بداية في رأيه، وأوائل في عقله لا يحتاج فيها إلى شرع؛ بل إنما تأتيه الشريعة بتأكيد ما عنده، والتّنبيه عليه، فتُثيرُ ما هو كامِن فيه، وموجود في فطرته، قد أخذه الله- تعالى- عليه، وسطّره فيه من مبدأ الخلق، فكل من له غريزة من العقل، ونصيب من الإنسانية ففيه حركة إلى الفضائل، وشوق إلى المحاسن لا لشيء آخر أكثر من الفضائل والمحاسن التي يقتضيها العقل، وتوجبها الإنسانية"..(الهوامل والشوامل 228 )

هذه الفضائل عند البشر كالعمليات الرياضية..من الذي يختلف في أن حاصل جمع 1+1=2 ؟؟..من الذي يختلف في أن تناول السم يعني الموت؟؟..من الذي يختلف أن الثقيل أثقل من الخفيف والقوي أقوى من الضعيف؟؟..هذه مسلمات عند البشر مسلميهم ومسيحييهم وملحديهم...الجميع من اليابان والهند لأمريكا يؤمن أن الكذب والقتل جريمة والسرقة لا تجوز يعاقب عليها القانون..

إذن ما الفارق؟

الفارق أن الإنسان يتسرع في أحكامه..يُبدي عاطفته دون عقله، وغضبه دون رحمته، وكراهيته دون حُبّه، لذلك فأصل التكفير يعني الكراهية والغضب والجنون..

واجهت سيلاً من الشتائم والتكفير على صفحتي بتويتر من قِبَل السعوديين..والسبب معارضتي الحادة لعاصفة الحزم ونتائجها الوخيمة والعدوانية على شعب اليمن..ومن سلوكياتهم رأيت أشخاصاً مجانين..والغريب أن بهم علمانيون مفترض قيادتهم وريادتهم في مجال الفكر، ولكن عندما تعلو الهوية على العقل يُصبح الإنسان كالبهائم لا عقل لديه ولا عاطفة ولا رؤية ..حتى وإن سمى نفسه سقراط..فهل توجد بهيمة اسمها هيباتيا؟؟؟!

نفس ما حدث من الإخوان والسلفيين وقت معارضتي الحادة للثورة السورية الملعونة..وفضحهم في كل محفل بالحجة والبرهان..عندها تشابهت القلوب ورأيت أن التكفير والنزعة الدينية المتطرفة أصيلة عند الشعب السعودي..وهذا ليس تعميماً ولكنها مصارحة فقد طفح الكيل..جميعهم وهابية وصوفية وعلمانية يؤيدون العدوان على اليمن وقتل شعبها والتشفي فيهم..حتى أن النفس تئن وتشتكي..أليس فيكم رجل رشيد؟؟!

هذا المستوى الهابط من الفكر لم يصلوا له فجأة..لأن مقدمات وشرايين التكفير تجري في عروقهم..! 

إن للشر قُبحاً في نفوس البشر..لكنه يُصبح زينة إذا عقد العزم على الانتقام..فلما العدوان أصلاً..وهل يوجد انتقام دون عدوان؟..وهل يوجد معلول دون علة؟..وماذا كانوا ينتظرون منا بأفعالهم؟..هل يريدون أن نمدحهم ونربت على أكتافهم وهم يقتلون الأطفال والنساء؟..هل يريدون ان نمدحهم وقد جعلوا شعب اليمن أحزاباً وشيعاً تكفر بعضها بعضا؟..هل يريدون أن نمدحهم وهم يدفعون الرشاوى لمرتزقة السنغال والسودان لقتل شعب اليمن؟..هل يريدون أن نمدحهم وهم يدفعون الرشاوى لشراء مواقف مصر والمغرب وفلسطين؟

على ماذا كل ذلك؟

آمنا أن شعب اليمن كفّار مشركون كما تزعمون في إعلامكم..آمنا أنهم شياطين..ألم يقل الله في كتابه.." وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون".. [التوبة : 6]

اعتبروا أن شعب اليمن لا يعلم خطر الحوثي عليه..ألم يناشدكم هذا الشعب عشرات المرات أن تكفوا عدوانكم واستجار بكم أن تهبوه الحياة؟..ماذا كان ردكم؟..لقد تماديتم في القتل والعدوان والإثم والبغي بغير الحق..ثم إذا عقد العزم على التسلح والانتقام منكم على الحدود كذبتم وادعيتم ظلماً أنهم إرهابيون يهددون أمنكم..ولو كان ذلك صحيحاً فاعطوهم الأمان يعطوكم ما تريدون..أم تريدون تجارةً لا نعرفها ؟

إن العدواني الذي تمادى في التكفير لا يرى الله، بل يرى شيطانا تمثل في صورته، لا يفهم كيف يعامل الآخرين..يحسبون كل صيحةٍ عليهم..وما ردهم على شعب ودولة عُمان إلا انعكاساً لهذه الأزمة لديهم..رغم أنهم ضربوا منزل السفير العماني انتقاما من دولته التي فضّلت الحياد على الحرب..يريدون من العُمانيين أن يكونون أشراراً مثلهم..

لقد شرعوا باستخدام سلاحهم المعتاد.."الطائفية"..عجّت مواقعهم وصحفهم الآن بالتحريض على .."الإباضية"..وهو مذهب شعب دولة عُمان المتسامح..بالضبط كما فعلوا مع اليمن..عجّت مواقعهم وصحفهم بالتحريض على.."الشيعة والزيدية"..وهو مذهب نصف الشعب اليمني الشمالي..ولما لا وقد فعلوا نفس الأمر مع بشار الأسد..في استخدام وقح للدين في حشد الشعوب وتجهيز الانتحاريين والقَتلَة..

سأحترمهم في حالة واحدة فقط..وهي أن يفصلوا بين عدوانهم وعن الدين، وقتها أفهم أن لديهم مصالح حقيقية في اليمن يخافون عليها وهذا حقهم..يسهل بعد ذلك التفاوض والوصول إلى حلول، لكن بهذه الطريقة فهم أناس غير محترمون وتكفيرهم دليل على عدوانيتهم التي لو توفرت لشعب ما كانت سبباً في انهياره الأخلاقي ومقدمة لسقوطهم الاجتماعي والسياسي..

اجمالي القراءات 8582