عرض مقدمة ابن خلدون: ب6:(ف11: 12)التصوف وتفسير الاحلام

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٥ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

 تابع  الباب السادس في ثقافة العمران في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه ومايعرض في ذلك كله من الأحوال وفيه مقدمة ولواحق

                                      الفصل الحادي عشر

                                  علم  التصوف

بداية التصوف

    يرى إبن خلدون أن التصوف علم شرعي مستحدث ، وبدايته تكمن في انقطاع الصحابة والسلف للعبادة مع الزهد ، فلما غرق الناس في القرن الثاني في متاع  الدنيا أطلق على الزهاد إسم الصوفية.أى أنه لا يفرّق بين الزهد والتصوف.

اشتقاق التصوف

    ويخالف إبن خلدون القشيري الذي يرى أن التصوف ليس مشتقا من اللغة العربية بينما يرى إبن خلدون أنه مشتق من الصوف الذي يدل على الزهد.

إختصاص التصوف بالإدراك الوجداني أو الحال

    ويقسم إبن خلدون المدركات إلى عقلية في العلوم والمعارف ، ووجدانية في أحوال الفرح والحزن  والقبض والبسط . وقد اختص الصوفية بالمدركات أو الأحوال الوجدانية ، والمريد في مجاهدته ينشأ له عن كل مجاهدة حال ، فيكون صاحب حال .

بين الأحوال والمقامات

    والأحوال التي تعرض للمريد قد تكون عن عبادة فترسخ وتصير مقاما للمريد وقد لا تكون عن عبادة كالأحوال النفسية المتغيرة .

نهاية الترقي إلى التوحيد

    ولايزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد أو المعرفة ، وذلك على أساس الطاعة والإخلاص القائمين على الإيمان . وإذا وقع تقصير في الوصول فمرجعه إلى النفس ، ولذلك يجب على المريد أن يحاسب نفسه .ويستعمل ابن خلدون مصطلح التوحيد دون تحديد معناه عند الصوفية ، مما يوحى بأنه نفس ( التوحيد ) الذى يقول به ( أهل السنة ).

الذوق أساس التصوف

    والمريد يحاسب نفسه بالذوق – أو الوجدان ، وبالذوق أيضا يمكنه الوصول ويتعرف على نتائج المجاهدة ,إذا كانت مثمرة أم لا .

إصلاحات الصوفية وتدوينها

    وللصوفية آداب خاصة ومصطلحات خاصة تختلف عن الفقهاء والمتكلمين، وهي تدور حول المجاهدة للنفس ومحاسبتها والذوق والمواجيد ، وفي عصر تدوين العلوم كتب الصوفية في التصوف كالقشيري والسهروردي والغزالي وأصبح التصوف علما بعد أن كان طريقة عبادة .

الكشف ( علم الغيب ) والكرامة

 ويتابع ابن خلدون الصوفية فى أنه ينتج عن المجاهدة بالخلوة والذكر كشف حجاب الحس والإطلاع على الغيب أن  الروح تقوى بالمجاهدة فتكشف لها العلوم اللدنية والفتح الإلهي حيث تقارب أفق الملائكة . ويقترن بالكشف التصرف في الكون – أو الكرامات . و يقول إن العظماء منهم لايهتمون بما يتجلى لهم من كشف أو ما يعرض لهم من كرامات ، ويرى إبن خلدون أن الصحابة كانت لهم كرامات ولم يهتموا بها أيضا ، ويؤكد أن الكشف ( علم الغيب ) يستلزم الإستقامة . وقد اهتم متأخرو الصوفية بالكلام عن الكشف وعما ظهر لهم من غيوب علوية وسفلية ، وبعضهم أنكر عليهم ، والبعض الآخر سلم لهم بما يقولون .

عقائد التصوف

  1- مذهب التجلي ورأي إبن خلدون فيه    

    وكلامهم في الكشف والغيب أتاح لهم التعبير عن عقائدهم ، ومنها مذهب التجلي . وهو أن الوجود صدر عن الفاعل وفق ترتيب معين بطريقة التجلي.  وأول مراتب التجلي تجلي الذات على نفسه الذي يتضمن الكمال ، وفيه تفصيل الحقائق وعالم المعاني والحضرة الكمالية والحقيقة المحمدية  وحقائق الصفات واللوح والقلم والأنبياء والرسل والكاملين من أهل الملة المحمدية ، ويصدر عنها بالتجلي حقائق أخرى في الحضرة البهائية وعنها العرش ثم الكرسي ثم الأفلاك ثم عالم العناصر ثم عالم التركيب ، وهذا في عالم الرتق فإذا تجلت فهي في عالم الفتق . ويرى إبن خلدون أنه كلام غامض لايقدر عليه أهل النظر والبحث ، وربما ينكره ظاهر الشرع .

مذهب الوحدة المطلقة 

   ويقول إبن خلدون أنه أغرب من مذهب التجلي ، وهو أن الوجود بتفصيلاته يعتبر وحدة واحدة مع الذات الألهية التي إنبثت منها كل أنواع الوجود ، فالكل واحد وهو نفس الذات الإلهية ، وهي حقيقة عندهم بسيطة ، ولكن الإدراك العقلي يتيه عنها لأنه يستغرق في التفصيلات .

 رأي إبن خلدون في الوحدة

    ويرى إبن خلدون أن هذا الرأي ساقط ، ويقول أن محققي الصوفية المتأخرين رأوا أن عقيدة وحدة الوجود قد تعرض للمريد عند الكشف في البداية ، وذلك مقام الجمع ، ولكن يترقى إلى أن يصل إلى التمييز بين الموجودات ، وهو مقام الفرق . أي مقام العارف المحقق ، ويقول إبن خلدون أن متأخري الصوفية من أصحاب وحدة الوجود ذهبوا إلى الحلول والإتحاد وكتبوا في ذلك ، كما فعل الهروي وإبن عربي وإبن سبعين وإبن الفارض والعفيف التلمساني .

 تأثر صوفية الوحدة بالشيعة

   ويرى إبن خلدون أنهم تأثروا بالشيعة ، ويجمعهم القول بالحلول وإلاهية الأئمة والقطب والأبدال والنقباء ، واتخاذ علي بن أبي طالب إماما دون بقية الصحابة والكلام في الفاطمي المنتظر .وقال أن الفقهاء تم ندبهم للرد على أولئك الصوفية .

 بين  الصوفية والفقهاء

    وفي البداية فإن إبن خلدون يرى أن الفقهاء لا يشاركون الصوفية  في أحوالهم ومقاماتهم وأذواقهم . لذلك أنكر بعض الفقهاء على كلام الصوفية في الكشف والغيبيات .

رد إبن خلدون على الصوفية

    وقام إبن خلدون بالرد على الصوفية في أربعة مواضيع:

كلامهم في المجاهدات والأذواق ومحاسبة النفس ، ويراهم على الحق .

كلامهم في كشف الغيوب من الصفات والعرش والكرسي وترتيب الأكوان ، يقول أنه أمر صحيح .

 ودافع إبن خلدون عن كرامات الصوفية ، وعاب على الأشاعرة إنكارهم للكرامات وقال أنها لا تلتبس بالمعجزات النبوية لأنها ليس فيها التحدي ، كما أن الكرامات وقعت للصحابة والسلف .

4- شطحات الصوفية : ودافع عنها إبن خلدون طالما تصدر عند حالة الغيبة وقال أنه كلام وجداني متشابه يستحق التأويل ، أما إذا صدرت شطحات في حالة يقظة كما قال الحلاج فيستحق القتل .

دفاع إبن خلدون عن التصوف

    وبذلك انتهى إبن خلدون إلى أن سلف الصوفية هم أعلام الله ولم يكن لهم حرص على كشف الغيوب ، بل اهتموا بالإتباع والإقتداء ، ومنعوا أتباعهم من الإهتمام بالكشف والخوض فيه ، وقال" وهكذا ينبغي أن يكون حال المريد ".

                                          الفصل الثاني عشر

                                              في علم تعبير الرؤيا

بدايته

    علم تعبير الرؤيا علم شرعي مستحدث بعد أن تحولت العلوم إلى صناعة وحرفة ، أما الرؤية نفسها فقد كانت موجودة من قبل ، ولكن لم يصل إلينا تفسير الأحلام سوي عن يوسف في القرآن وعن النبي محمد وأبي بكر في الأحاديث .

الرؤيا والغيب

    والرؤيا إحدى مدارك الغيب واستشهد إبن خلدون بحديث " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ، وأنه " لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له " . وكانت الرؤيا أولى ارهاصات النبوة للنبي محمد فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح .

كيف تحدث الرؤيا

    ويعلل إبن خلدون صلة الرؤيا بالغيب بتفسير العصور الوسطى ، وهو أن الروح القلبي المنبعث في جهاز القلب داخل الجسد الإنساني ينتشر في الشرايين مع الدم في سائر البدن فإذا أحس بالملل من الجسد رجع إلى القلب فيدخل الجسد إلى النوم ، وفي النوم يتخفف من أعباء الجسد ويستقبل المدركات من عالم الغيب ويحفظها في الحافظة .

     ويضيف تفسيرا آخر وهو أن النفس تجرد من نفسها صورا نفسية عقلية عن طريق تجريد المحسوس ليكون معقولا وخيالا ، وتلقي النفس بهذه المعقولات والخيالات إلى الحس المشترك فيراه النائم كأنه محسوس .

أنواع الرؤى

    ويرى إبن خلدون طبقا لبعض الأحاديث أن هناك ثلاثة أنواع للرؤى (1) رؤيا من الله وهي الصريحة التي لا تحتاج إلى تأويل بسبب وضوحها أو قربها من الأشياء  المدركة ، (2) رؤيا من الشيطان ، وهي أضغاث الأحلام ، وهي صور من الخيال في حالة النوم ولكن مأخوذة من صور الخيال التي أودعها الخيال في الحافظة منذ اليقظة ، (3) رؤيا من الملك وهي صادقة ولكن تحتاج إلى تفسير ، وهي أيضا صورة من الخيال في حالة النوم ولكنها مأخوذة من الروح العقلي المدرك ، وليس من الحافظة المتأثرة بأحوال اليقظة . قوانين تعبير أو تأويل الرؤيا

    يرى إبن خلدون أن الروح العقلي يدرك الأشياء في النوم ويلقيه في الخيال في صورة مناسبة لذلك الشئ ، وحين يحكيه النائم لمن يفسر الأحلام ينظر في قوة التشبيه وبالقرائن الأخرى عن حال صاحب الحلم ، كمن يرى البحر وتأويله بالسلطان أو الغيظ أو الهم العظيم .. والقرينة هي التي تحدد المراد ، وهو ما يعرف بقوانين تعبير الرؤيا .

علاقة الرؤيا بالإدراك الشخصي

    ومن الطبيعي أن الإدراك الحسي يؤثر في  استقبال الأحلام ، فالأعمى لايرى في المنام إلا الذي يتناسب مع طبيعة مدركاته ، وكذلك الأصم .

أشهر المؤلفين في  تفسير الأحلام

     وقد تنقل علم تعبير الرؤيا بين  السلف وأشهرهم محمد بن سيرين الذي كتب قوانين تفسير الأحلام ، ثم الكرماني وكثيرون . وأشهرهم في المغرب في عصر إبن خلدون  ، أبوطالب القيرواني والسالمي .

اجمالي القراءات 18387