لن أخلع رداء سربلنيه الله

خالد منتصر في الجمعة ٠٤ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

«ما كنت لأخلع رداء سربلنيه الله» جملة قالها الخليفة ذوالنورين عثمان بن عفان، رضى الله عنه، في وجه معارضيه، أعتبرها أخطر جملة قيلت في فترة الفتنة الكبرى، مفهومها ودلالتها هي التي غيرت تاريخ المسلمين وجعلته منذ تلك اللحظة ساحة معركة لمذاهب متقاتلة متطاحنة، كل مذهب يدعى أنه الفرقة الناجية، والباقى الذي يتجاوز أحياناً السبعين فرقة في بعض المصادر السنية هو من الفرق الضالة! المفهوم خطير، وقد تسبب في تعطيل وإعاقة التفاعلات السياسية الإيجابية المثمرة التي من المفروض أن تدفع وترتقى بالمجتمع الإسلامى. المعنى هو أن الحكم رداء ربانى وتكليف إلهى، وأى محاولة اعتراض هي بالضرورة اعتراض على الإله نفسه الذي كلف والذى ألبس والذى جعل الحاكم وكيله وظله على الأرض، واعترض بقى على ربنا!! سيصرخ بها المؤيد والمتحمس والمنافق والمستفيد والوريث والقريب، بداية شق عصا الأمة وتجانسها، جملة هي حجر أساس تأليه الحاكم الذي لا يُسأل عما يفعل ولا يُحاسب عما يقترف، جملة قالتها قامة رفيعة لها أسبقية وأفضلية ومكانة.هذه المكانة لم يختلف عليها أحد على المستوى الإنسانى، ولكن عندما دخلت السياسة وأصبح على المحك، عندما صارت الشخصية والقامة تحاسب سياسياً تم الخلط بين المكانة الدينية والإنجاز السياسى، وهنا كانت المشكلة وبدأت الفتنة، السياسة مصالح، وأحياناً يتغلب فيها الهوى الشخصى والضعف الإنسانى، خاصة عندما يفتقر الحكم للنظام المؤسسى المنضبط القائم على الكفاءة والمواطنة وليس على العشائرية والمجاملة، انقسم المسلمون إلى عدة فرق، منها من كان يتخيل بصدق أنه يخدم الدين، ومنها من كان يتاجر بالقضية وبالقميص الغارق في الدم من أجل مكاسب سياسية وملك عضوض، سالت الدماء في الجمل وصفين، صرخ البعض: طلحة أحق. لا علىٌّ أحق. لا معاوية هو الذي سيأخذ بالثأر، العدنانيون أم الكنعانيون، المهاجرون أحق أم الأنصار؟! طفت على السطح خلافات قديمة لم تكن قد حُسمت، وانفتحت جراح لم تكن قد اندملت بل أُغلقت على صديد، تقاتل المسلمون وفيهم الصحابة والمبشرون الذين واجهوا بعضهم البعض ورفعوا السيوف في وجوه رفاق الجهاد وإخوة الماضى المشرق الذي لم تمر عليه سوى سنوات قليلة. نظرية الحكم الرداء وعبارة السربلة الإلهية التي خلطت الدين بالسياسة كانت أول عصا توضع في تروس العجلة الإسلامية وتجعل قطار تاريخنا يخرج عن القضبان وتنفصل عرباته إلى لافتات متناحرة ومذاهب متشاحنة يتربص كل منها بالآخر، جملة كانت عابرة ولكنها عبرت السنين والقرون والقارات لتستقر كالرصاصة في قلب وكبد وعقل الأمة، ويموت في سبيلها عشرات الآلاف من المسلمين ما بين مفخخ ومفجر ومبتور ومبقور وغارق ومارق ومشوى على طريقة داعش، أو مذبوح على سنة البغدادى والزرقاوى والظواهرى!!.

اجمالي القراءات 10450