أولا : الاسلوب المجازى والاسلوب العلمى بين اللسان القرآنى واللسان العامّى
1 ــ لتقريب إستعمال المجاز نأتى بأمثلة من الأغانى باللسان العامى أو ( اللغة العامية ) :هناك اسلوب المجاز باستعمال التشبيه كقول عبد الحليم حافظ : ( زى الهوا يا حبيبى ) والاستعارة كقول عبد الحليم حافظ ( عشانك يا قمر ) وقول فايزة أحمد ( يا أُمّا القمر على الباب ) ، والكناية كقول أم كلثوم (ياللى أسّست وهدّيت ) ، و المشاكلة ، كقول فريد الأطرش ( تراعينى قيراط أراعيك قيراطين تشوفنى بعين أشوفك باتنين ).
2 ـ فى اللسان العربى القرآنى فى إستعمال المجاز : التشبيه ، وهو مستعمل فى القرآن الكريم بأنواعه المختلفة وبأروع ما يكون ، منها التشبيه التمثيلى ، كقوله جل وعلا : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة) ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) الرعد )، والاستعارة كقوله جل وعلا (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ) (77) الكهف )، والكناية فى قوله جل وعلا (وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ (10) الاحزاب ) ، والمشاكلة : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الانفال ).
3 ـ الأسلوب العلمى التقريرى يأتى بلا مجاز ، بألفاظ محددة . تخيل موظفا محدود الدخل قبض مرتبه الهزيل ، وكتب يحدد المطلوب منه كالآتى : ( المرتب ألف جنيه . منه المصاريف كالآتى : مائة جنية أيجار ، ومائتا جنيه إفطار ، وثلثمائة جنيه غذاء ، ومثلها عشاء ، ومائتا جنيه رسوم الكهرباء والمجارى و خلافه ، ومائة جنيه مواصلات يعنى المجموع الف ومائتا جنيه .! ولم أتزوج بعد . لا بد من الأدخار ) هذا كله اسلوب علمى تقريرى لا مجال فيه للتشبيه أو الاستعارة أو الكناية أو المشاكلة . لو كتب بعدها ( لا بد من شد الحزام على البطن ) تكون هذه العبارة إستعارة . جئنا بأمثلة واقعية بسيطة لتقريب الموضوع .
4 ـ الاسلوب العلمى التقريرى يأتى فى اللسان العربى القرآنى فى التشريعات ، ومفروض فى صياغة القوانين والتشريعات أن تكون بأسلوب علمى تقريرى محدد ، وهذا عكس الصياغة القانونية فى دول المحمديين ، والتى يتعمد فيها واضعو التشريعات أن تكون الصياغة مطاطة غامضة تحتمل شتى التفسيرات . صياغة التشريعات القرآنية غاية فى الاعجاز فيما يخص الدقة والوضوح بحيث تتفوق على الصياغات القانونية فى الدول المتقدمة . ولنتذكر أن هذا القرآن العظيم قد نزل من أربعة عشر قرنا وقت ظلام العصور الوسطى وبين عرب أميين ، ومع هذا فالقرآن الكريم ــ الذى جعله الله جل وعلا مُيسّرا للذكر ــ لا يزال يُبهرنا بإعجازه وآياته وسهولة فهمه وإمكانية التعمق فى تدبره ــ فى نفس الوقت .
من الاسلوب العلمى التقريرى فى القرآن الكريم ، قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) البقرة )
ثانيا :الأسلوب المجازى فى نعيم الجنة
1 : جاء هذا فى قوله جل وعلا فى الآية 15 من سورة ( محمد ) .فى وصف نعيم الجنة جاء اسلوب التشبيه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) فماء الجنة غير الماء الذى نعرفه ، لا يعتريه التغير ولا يكون آسنا راكدا . وأنهار اللبن فيها لبن لا نعرفه ، هو لبن طازج لا يتغير طعمه مثل اللبن الذى نعرفه والذى سرعان ما يفسد . والخمر التى نعرفها سيئة المذاق بينما خمر الجنة هى لذة للشاربين . والعسل المعروف لنا يمتلىء بالشوائب عكس أنهار العسل المُصفّى فى الجنة ، ثم لهم من كل الثمرات ، مع مغفرة من ربهم سابقة . فى كل هذا جاء الأسلوب المجازى بالتشبيه : (مَثَلُ الْجَنَّةِ ).
2 ـ وتأتى المقارنة فى وصف عذاب النار ، وقد جاء الاسلوب التقريرى فى نفس الآية ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) ، فليس هنا تشبيه أو إستعارة أو كناية أو مشاكلة ، بل تعبير محدد بالخلود فى النار وأن شرابهم من ماء ملتهب يقطع أمعاءهم. ،
3 ـ والآية المحكمة فى نعيم الجنة هى قوله جل وعلا : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة ) ، أى لايمكن لأى نفس بشرية فى هذه الدنيا أن تعلم نعيم الجنة الذى لاتزال حقيقته مخفية عنا لا نستطيع معرفتها ، لذا يأتى الحديث عنها ليس بالاسلوب التقريرى ولكن بالاسلوب المجازى ، بضرب الأمثلة والتشبيه .
4 ــ وكل ما يأتى عن نعيم الجنة يمكن فهمه من خلال هذه الآية المحكمة ، حتى لو جاءت بلا تشبيه . فالايات المتشابهة يأتى تفسيرها بالآية المحكمة . فمن أسلوب المجاز فى وصف نعيم الجنة ما جاء فى الايات المتشابهة عن لباسهم الحرير وحُلى الذهب والفضة واللؤلؤ وشراب الزنجبيل والسلسبيل ، كقوله جل وعلا : ( أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)الكهف )( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) الحج ) ونحو ذلك فى سورة ( الانسان 12 : 22 ) وسورة( ص 50 : 54 ) وسورة ( الرحمن 46 : 76 ) و ( الواقعة 10 : 40،).
ثالثا : الأغلب هو الاسلوب العلمى التقريرى فى وصف العذاب :
1 ــ وفى المقابل فإن ( أغلب ) وصف العذاب يأتى بالاسلوب العلمى التقريرى حيث لاتشبيه ولا إستعارة ولا كناية ولا مشاكلة . ( أهل النار ) أو ( أصحاب النار ) معيشتهم بالنار وخلودهم فى النار وعذابهم بالنار ، وحياتهم بالنار ، وطعامهم بالنار وشرابهم بالنار ولباسهم من نار .( الأغلب ) فى كل هذا أن يأتى بأسلوب تقريرى يصف إستمرارية العذاب الخالد دون خروج أو إمهال أو تخفيف أو موت يستريحون به من العذاب .
2 : يقول جل وعلا عن بداية تقييد وتصفيد كل واحد منهم فى سلسلة : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) الحاقة ). وتوضع الأغلال فى أعناقهم : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) الرعد ).: (وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ )، ويتم ربطهم جميعا معا مقترنين: ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) ابراهيم ) ،
3 : عن لباس أهل النار ثيابا من نار يتم تقطيعها على مقاس كل منهم. يقول جل وعلا بنفس الأسلوب التقريرى : ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ) الحج 19 ). وهذه الثياب الملتهبة مشبعة بالقطران ويعلوها القطران ليستمر الاشتعال ليصل الى الوجوه: ( سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ) ابراهيم 50 )
4 : وعن طعام أهل النار يقول جل وعلا : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) الواقعة )
5 ـ ويشرب أهل النار نوعين من الشراب : الصديد والحميم . يقول جل وعلا عن الصديد :( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ )(17) ابراهيم )، هذا هو الصديد الذى تنتجه أجسادهم المحترقة ، يشربونه باستمرار الحريق و استمرار الصديد . وهم أيضا يشربون ماء الحميم رغم أنوفهم يدخل أفواههم فيقطع أمعاءهم : (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) محمد ) . ماء الحميم هذا يُصبُّ فوق رءوسهم حيث يصهر جلودهم وبطونهم ( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) الحج ) (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70 ) الانعام )(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس )
6 ـ ونتعرف على دورة العذاب ، وهى بأسلوب تقريرى :
6 / 1 : بالسلاسل والأصفاد والأغلال يتم سحبهم فى النار على وجوههم ليذوقوا مسّ سقر : ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) القمر ).ويتم دورانهم داخل جهنم بين القاع حيث يُصبُّ عليهم ماء الحميم ، ثم يتم سحبهم بالسلاسل الى النار حيث يتم سجرهم : ( إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) غافر ). والتسجير هو تحول المادة وما عليها من سائل ملتهب ( الحميم ـ ماء النار فى جهنم ) الى مادة مشتعلة بذاتها .
6 / 2 : ويحتل ماء الحميم الدور الهام فى دورة العذاب من أعلى الى أسفل يقول جل وعلا : ( خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان ) ، أى يلقى فى قعر الجحيم حيث يُصب فوق راسه ماء الحميم الملتهب مثل وقود للنار ، ثم يطوف رغم أنفه فى جهنم لتصعقه نارها بفعل الحميم الذى يغطى وجهه وجسده ، ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) الرحمن ) . ويقول جل وعلا : ( ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ (68) الصافات ). وبعد أن يأكل طعامه ـ وهو من النار ـ من شجر الزقوم يشرب عليه ماء الحميم ، يشربه مثل البهائم ، ويسقى من هذا الحميم فتتقطع أمعاؤه ، يقول جل وعلا : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) ) الواقعة )
6 / 3 : بسبب أهمية الدور الذى يلعبه ماء الحميم فى العذاب تأتى الاشارة اليه بالتخصيص ، كقوله جل وعلا : (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) ص ) ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) الواقعة ) (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) الواقعة ) ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً (24) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) النبأ )
6 / 4: : وفى دورة العذاب من قعر الجحيم الى أعلاها وحوافها يحاولون الفرار فتلاحقهم ملائكة العذاب بمقامع من حديد. يقول جل وعلا : ( وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج ) ( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة ).
7 ـ وفى كل ذلك يتقلّبون فى النار بوجوههم يلومون أنفسهم : ( وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) ابراهيم ) ، وهم فى تقلب وجوههم بالنار يندمون على عصيانهم : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) الاحزاب ) . وتلفح وجوههم النار : ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) المؤمنون )، ولا يستطيعون كفّ النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم : ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) الانبياء ) ، فقد تحولت أجسادهم بفعل ماء الحميم الى ما يشبه المغناطيس الذى يجذب اليه النار ، يحاولون دفعها بلا فائدة .
8 ـ : وعن استمرارية العذاب وهم تتقطع أمعاؤهم وتأكل النار جلودهم فتتبدل جلود غيرها ليذوقوا العذاب الخالد يقول جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ )(56) النساء ) ، فليس فى جهنم راحة بالموت ولا حياة بمعنى الحياة ( إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (74) طه ) (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (13) الأعلى )، يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17 ) ابراهيم ) , لا موت يكون راحة من العذاب ولا تخفيف من العذاب : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)) فاطر ) بل يدعو ربه أن يموت ليستريح ـ دون فائدة : (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) الزخرف ) .
رابعا : أحيانا يأتى المجاز لتوضيح بعض مفردات العذاب
1 ـ : ويأتى ـ قليلا ـ اسلوب المجاز فى سياق وصف العذاب للتوضيح كقوله جل وعلا ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) الكهف ) هنا وصف ماء الحميم بالتشبيه أنه كالمهل ، والمهل هو السائل الملتهب الذى يخرج من البراكين. وفى الآية إستعارة بوصف جهنم بأنه أحاط بهم سرادقها .
2 ــ ويقول جل وعلا فى وصف شرر النار :( إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) المرسلات )
3 ــ وفى وصف شجرة الزقوم وثمرها يقول جل وعلا :( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات ) .ويوصف طعامها بأنه كالمهل الذى يغلى فى البطون كغلى الحميم : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) الدخان ) .
أخيرا : لنتذكر الآتى :
1 ـ للبشر تمام الحرية فى الايمان او الكفر ، وبالتالى يترتب على حريتهم مصيرهم فى الجنة أو النار : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف )
2 ـ وبالتالى فإن رب العزة جل وعلا لايظلم أحدا . يقول جل وعلا : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف )( وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108) آل عمران)( (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء ) ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) الانفال و ( (182) آل عمران ) ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (10) الحج ) ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت )
3 ـ ماذا لو : شكرت ربك جل وعلا وآمنت به وحده إلاها لا شريك له ؟ إن رب العزة فى غنى عن تعذيبك : (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147) النساء ).
ودائما : صدق الله العظيم .