مسوغات دمار قوم لوط واستحقاقهم لهذا التدميير
تحدثنا في الموضوع السابق عن زواج المثليين ما بين الرفض والقبول،وقلنا أنه زواج يعقد بين شخصين من نفس الجنس، أو من نفس الهوية الجنسية .. تم تأييده من دول كثيرة في العالم ، وكانت أمريكا آخر من أيدته حيث أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة يوم الجمعة 26يونيو/تموز (2015 ) حكماً وُصف هناك بالتاريخي يقضي بـ"منح الحق للشواذ جنسياً بالزواج في كافة الولايات المتحدة"، وهو الحكم الذي وصفه أوباما بأنه "انتصار لأمريكا وانتصار للحب" .فبينما رفضته شخصيات مسيحية رفضا قاطعا، وافقت عليه كنائس أمريكية ورحب به الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومشاهير كُثر، في حين اعتبره سياسيون نوعا من الشر المستطير يهدد بزوال أمريكا.
... وعندما يذكر المثليون يذكر قوم لوط كأشهر من اتصف بهذا في التاريخ ، و قد تحدث القرآن الكريم عن عقاب قوم لوط وتدميرهم تدميرا شاملا ، وجاء تفصيل هذا التدميير في سورتي الحجر 74، هود 83: (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)الحجر
وجاء في سورة هود أيضا : () فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)هود
في الوقت الذي ذكرت آيات سورة ( النساء 16) صورة مخففة لمن يرتكب هذه الفعلة حيث
قال.:تعالى ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16 )النساء
السؤال هنا: لم كان التدمييرالشامل من حظي به قوم لوط فقط ؟!! بينما ذكرت آيات سورة النساءعقابا مخففا كالإمساك في البيوت للنساء ، والأذى لمن ياتيها من الذكور ...هل هناك خصوصية لقوم لوط جعلتهم هم وحدهم من يدمر بهذا الشكل ، وبتلك الهيئة ؟ هذا هو موضوعنا اليوم ، وحتى نقف على أسباب ذلك ، لابد من مراجعة قصة لوط بقراءة متأنية مع قومه ، لنقف على مبررات تدميرهم ..
1ـ وأول فارق يبدو واضحا أن الله سبحانه هو من أراد تدميير قوم لوط بيما أوكلت الآيات تنفيذ إمساك النساء ، أو أذى الذكور للأولياء في المجتمع ... معا لنقرأ الآيات 28 : 29 من سورة العنكبوت لتحكي لنا عن أسباب استحقاق قوم لوط للتدميير .: جاء في الآيات توصيف صادق لحالة قوم لوط على لسانه (نبي الله لوط ) ، وكان هذا الوصف لحالة قد تفردوا فيها دون أحد من العالمين : (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (28)
وما هي تلك الفاحشة ؟ يذكرها صراحة : ( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ ) ،وهل هذا فقط كل ما يقومون به ؟ لا بل : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ) ، وماذا بعد ( وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ )...
بم أجابه قومه ؟ كان جوابهم : بكل تحدي وسفور هكذا : (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (29)العنكبوت
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (29)العنكبوت
أما في سورة الحجر فقد لمحنا من خلال آياتها بعض مشاهد العنف ، والترويع الذي كان يمارس على لوط ومن معه مع وجود أحداث ،ومشاهد لم تذكر في سورة العنكبوت مثل مجيء القوم وقت زيارة الرسل له ، وطلبه منهم لوط برفق أن يتقوا الله ، وألا يسببوا له الفضيحة أمام ضيوفه ، بل وقدم لهم حلا مناسبا ، ولكن هل أطاعوه ؟ دعنا نعرف :
بداية من استبشار قوم لوط (أهل المدينة ) بمن جاءه ، فما السبب في استبشارهم هذا ؟: (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) ) الإجابة تحملها الآية التالية : (قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) ، بل يطلب منهم بلغة مهذبة أن يتقوا الله ولا يخزوه ، فماذا كان يريد هؤلاء القوم من لوط ، ومن معه من الضيوف ؟!!
لكنهم وبكل كبر واستعلاء عليه : (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنْ الْعَالَمِينَ) وهنا بيت القصيد ، حجروا عليه ومنعوا اتصاله بالخارج أو بغيرهم .. ربما لأن القوم يخشون قوته إذا ما اتصل بخارجهم ..
ثم يقدم لحلا آخر فيقول لهم : (قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) حل يعيدهم إلى طبيعتهم وفطرتهم التي خلقهم الله عليها ..
وما أجمل في سورتي الحجر والعنكبوت يأتي تفصيلا له اكثر في سورة هود مثل رد القوم على لوط وإقرارهم برغبتهم الشاذة ،وعدم استجابتهم لاقتراحه ، وعرضه لبناته ..ثم اعتراف لوط بأنه لا يملك القوة، ولم ولن يسمحوا له بالذهاب بعيدا عنهم نقرأ :
) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80هود
وبعد هذه هي تفاصيل القصة استقيناها من خلال قراءة خاصة في سور : (العنكبوت والحجر وهود) وقد وصلنا إلى ما تم ممارسته على لوط ومن حوله من المؤمنين من إجبار وترويع قد بدا واضحا (وهذا في نظري ويعد وجهة نظر خاصة بي ) ، وهو ما سبب دمارا شاملا لهم ، بينما نرى عقابا مخففا لنفس الفعلة في سورة النساء 16 ، وذلك العقاب من المجتمع أو من المحيطين ( الأسرة الأهل ـ الأولياء ) يتمثل في إمساك النساء في البيوت او الأذى للذكور،وذلك لما يحدثه من خلل في المجتمع ، وضرر وتبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، وتضييع لمعنى السكن ، والمودة ، والرحمة : كما جاء في وصف الزواج الطبيعي :
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)الروم
ودائما صدق الله العظيم