الامازيغية بين المرجعية السلفية و المرجعية الكونية لحقوق الانسان
مقدمة
يسرني غاية السور ان اقدم مقاربتي المتواضعة لهذا الموضوع بصفتي كاتب كتاب الامازيغية و الاسلام من اجل تكذيب ايديولوجية الظهير البربري نهائيا.
ان مناسبة شهر رمضان المبارك هي فرصة ملائمة للحديث بشكل عميق عن الاسلام و اشكالاته المعاصرة من قبيل اشكالية تجديد الفكر الاسلامي لمحاربة جذور الارهاب السلفي و اشكالية تدبير مسالة التعدد ببعده الثقافي و المذهبي داخل الجغرافية الاسلامية الشاسعة و الغنية بتوجهاتها الفكرية و بتعددها الثقافي و اللغوي .
غير ان المرجعية السلفية كما نعرف تقر بالتعدد في الزوجات او الجواري تحت تاويل خطير لايات ملك اليمين لكنها بالمقابل ترفض مجرد حديث و لو بشكل سطحي عن مسالة التعدد ببعدها المذهبي اي بين السنة و الشيعة او ببعدها الثقافي و الحضاري أي بين العرب و الشعوب العجمية المسلمة مثل الاكراد و الامازيغيين الخ من هذه الشعوب المسلمة ..
ان المرجعية السلفية هي مثال سيئ للاسلام اليوم في خضم التطورات السريعة التي يشهدها عالمنا الاسلامي بعد مرور اربع سنوات على موجات الربيع الديمقراطي على بعض دوله الاقليمية مثل مصر و ليبيا و تونس و المغرب الخ حيث ان المرجعية السلفية بمختلف درجاتها الايديولوجية و السياسية لم تستطع استيعاب مطالب الشباب الطامح الى المزيد من الديمقراطية و الفصل بين الدين و الدولة و غيرها من مطالبهم المشروعة ...
اننا نتذكر جميعا كيف كان موقف شيوخ الوهابية المتخلفين من ثورة 25 يناير 2011 بمصر حيث كان موقف سلبي للغاية و رافض لاي تغيير يؤدي الى الدولة المدنية ولو تحت حكم جماعة الاخوان المسلمين القريبة ايديولوجيا من الوهابية فكلهم حسب اعتقادي المتواضع يدعون الى الرجوع الى عصر السلف الصالح كما يقال و تطبيق الشريعة الاسلامية كما هي دون اي اجتهاد على الاطلاق بينما استطاعت الامم المسيحية انشاء الاتحاد الأوروبي بالرغم من اختلاف دوله على المستوى اللغوي و الثقافي و كذا المذهبي..
ان هذه الامم المسيحية نجحت بفضل الاصلاح الديني منذ قرون و بفضل العلمانية كاجتهاد انساني يمكنه الحدوث في اي مجتمع حضاري مهما كانت ديانته او مرجعيته الاخلاقية ..
الدخول الى صلب الموضوع
ان المرجعية السلفية ظلت ارضية جوهرية لجل تيارات الاسلام السياسي المتواجدة في المشرق العربي و المغرب الكبير لكن الغريب ان الحركة الوطنية في مغرب ثلاثينات القرن الماضي بصفتها حركة مشرقية النشاة و الايديولوجية امنت بالمرجعية السلفية غير ان العاقل سيقول ان المغرب عندما استقل عن فرنسا سنة 1956 لم يطبق الشريعة الاسلامية كنظام شامل لمختلف مناحي الحياة كما يقال في خطابنا الديني الرسمي بل ان المغرب منذ استقلاله الشكلي طبق القانون الوضعي الفرنسي على كل مناحي الحياة العامة باستثناء الشان الديني و الاحوال الشخصية بمعنى ان الحركة الوطنية بالنسبة لي لا تتوفر على اية شرعية مهما كانت في الوجود اصلا لان المقاومة الامازيغية انطلقت منذ اكثر من 20 سنة من نشاة هذه الحركة الوطنية المزعومة أي ان المقاومة الامازيغية لم تنطلق ابدا من السلفية كمفهوم دخيل عليها بل انطلقت من ثقافتها الامازيغية الاسلامية بكل تفاصيلها الدقيقة ..
و قلت في كتابي الجديد صراحة لنفرض مثلا لو لم تظهر ما يسمى بالحركة الوطنية نهائيا في اوائل ثلاثينات القرن الماضي ماذا سيحدث بعد سنة 1956 و الجواب بكل بساطة سيصبح المغرب دولة علمانية بمفهومها الاصيل و ليس بمفهومها الغربي كما هو الحال الان بحكم ان المغرب يطبق القانون الوضعي الفرنسي عوض الشريعة الاسلامية او القانون الوضعي الامازيغي أي العرف الامازيغي بطبيعة الحال .
ان الدولة العلمانية بمفهومها الاصيل اذا كانت منذ سنة 1956 ستكون الامازيغية مشروعا طبيعيا لتحديث الاسلام على مستوى السلطة حيث لن يكون أي ذكر عن العروبة باعتبارها انذاك ستعتبر شيء له وطن اصيل الا و هو الجزيرة العربية و اما اللغة العربية فسوف تبقى لغة محترمة عوض ان تكون لغة مقدسة او لغة اهل الجنة.
ان الامازيغية في اطار هذه الدولة العلمانية ستصبح الهوية الرسمية تماشيا مع تاريخ هذه الارض الغابر و سيكون قانونها الوضعي مصدرا اساسيا للتشريع الى جانب المقاصد الكبرى للشرع الاسلامي و مصدرا اساسيا للديمقراطية المحلية عبر تطوير المؤسسات القبائلية الامازيغية و ادماجها في منظومة الدولة العلمانية و تاهيل الشان الديني و جعله يقدس ثوابت هذه الارض الحقيقية مثل الامازيغية و الاسلام و الملكية من طبيعة الحال حيث حينها لا توجد اية ايديولوجية تحت اسم الظهير البربري لان الحركة الوطنية لم تظهر في اوائل ثلاثينات القرن الماضي اصلا .
اذن ان العاقل سيقول بكل المسؤولية التاريخية عندما خرجت الحركة الوطنية المزعومة الى الوجود لم تكن تهدف الى حماية الاسلام من خلال اقامة شريعته كما يقال و انما كانت تهدف الى تدمير الامازيغيين على كل المستويات و الاصعدة عبر اختراع اكذوبة الظهير البربري التي اصبحت بعد الاستقلال ايديولوجية سجنت الامازيغيين في سجن السلفية العميق بغية غسيل فكرهم من أي انتماء الى هذه الارض...
و بالتالي السيطرة على البلاد من خلال تولي المناصب العليا و انشاء احزاب تنطلق من المشرق او من الغرب و جعل الامازيغية بكل ابعادها حقيرة على ارضها الاصيلة بعدما كانت قبل 1912 تمثل هوية البلاد و عاملا للديمقراطية المحلية و للعلمانية الاصيلة من خلال انظمتها التشريعية التي تحترم المرجعية الكونية لحقوق الانسان حيث لا توجد في اعرافنا الاصيلة عقوبة القتل او قطع الايادي و الأرجل الخ بل توجد عقوبات من اجتهاد الامازيغيين كالنفي من القبيلة لمدة تقدر بين 10 سنوات الى 20 سنة حتى يتعقل او العقوبات بالمال أي الخطية كمصطلح نسمعه في الدارجة او لخطيت في الامازيغية ..
ان الامازيغية ليست مجرد لغة او ثقافة محلية بل قيم اصيلة تتناسب مع المرجعية الكونية لحقوق الانسان و لا تتناسب مع المرجعية السلفية على الاطلاق باعتبارنا مسلمين علمانيين منذ قرون خلت نجتهد قصد مسايرة العصر بحكم ان الاسلام ذو تفسيرات مختلفة منذ 14 قرنا غير ان العقل المسلم قد توقف عن الاجتهاد منذ القرون الاولى بعد انتقال النبي الكريم الى الرفيق الاعلى و بعد حدوث الفتنة الكبرى بين المسلمين الخ من هذه الاحداث التي ساهمت على ايقاف العقل المسلم عن الاجتهاد المفيد حتى وصلنا ما وصلنا اليه بسبب تقديس فقه بشري اكثر من كلام رب العالمين في كتابه العزيز ...
و بينما ان اجدادنا الامازيغيين قد ابدعوا انظمة متطورة جدا من خرافات التراث السلفي في تدبير الحياة العامة مثل نظام الكيد و السعايا أي تقاسم الثروة بين الزوجان و مثل نظام مؤسسة اكادير او غيرها حيث قلت في كتابي الجديد ان التاويل الحقيقي لظهير 16 ماي 1930 هو بعيد كل البعد عن اكذوبة الظهير البربري المخترعة من طرف اعيان فاس و الرباط و سلا قصد منع الامازيغيين ان يصبحوا قوة سياسية و ايديولوجية بعد الاستقلال انطلاقا من مرجعيتهم الاصيلة منذ قرون طويلة تحت ظل الاسلام كدين و كاخلاق فقط ليس الا بشهادة تاريخنا الاجتماعي حيث ان ظهير 16 ماي 1930 بكل بساطة جاء لتنظيم شيء اصيل عندنا منذ قرون طويلة الا و هو العرف الامازيغي كقانون وضعي يتناسب مع مقاصد الشريعة الاسلامية الكبرى بشكل دقيق بمعنى ان اجدادنا الامازيغيين لم يكنوا يطبقون الشريعة الاسلامية على الاطلاق بل فضلوا استعمال عقولهم في ابداع تشريعات تحترم البيئة الحضارية و الثقافية و القانونية للامازيغيين دون أي تعارض مع الدين الاسلامي..
لو سلمنا بان الاستعمار الفرنسي اراد تنصير الامازيغيين من خلال اصدار الظهير البربري فأين هي نتائج هذه السياسة الاستعمارية على واقع الامازيغيين الديني و الاجتماعي و الثقافي ما بعد الاستقلال فلا يوجد أي مؤشر مهما كان يدل على تحقيق هذه السياسة الخيالية من قبيل نشر المسيحية في مناطقهم المقصية اصلا من سياسات دولة الاستقلال التنموية و الثقافية و حتى الدينية.
و قلت كذلك في داخل كتابي الجديد اننا سنسافر الى قبائل الاطلس المتوسط بغية التعرف على اعراف هذه المنطقة
تتميز بمقاومتها البطولية للاستعمار بقيادة موحا اوحمو الزياني و تتميز برقصة احيدوس المشهورة على الصعيد الوطني حيث لدي كتاب اعراف قبائل زايان من اصدارات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية القيمة و هو في الاصل كتاب حرره احد الضباط الفرنسيين في عهد الحماية و هذا يعبر عن مدى اهتمام الاجانب عموما و الفرنسيين خصوصا بمعرفة خصوصياتنا الاصيلة من منطلق البحث العلمي الصرف و البعيد كل البعد عن التنصير و فرنسة الامازيغيين الخ من هذه الاكاذيب.
ندخل الى باب القانون العرفي العام بقبائل زايان حيث نجد ان العائلة تسمى هناك بايت اوخام أي اهل الخيمة لان الكاتب اعتبر ان العائلة هي اساس المجتمع الامازيغي حيث تتكون من كل افراد الذين يعيشون تحت الخيمة الواحدة و يخضعون لسلطة رئيس واحد سواء كانوا من نفس الدم او السلالة او الاصل .
تسند رئيس الخيمة للشخص الاكثر تاهيلا للقيام بشؤون العائلة و تمثيلها و ذلك بفعل كبر سنه و حكمته و في حال عدم شخص ذكر قادر على اداء هذه المسؤولية قد تسند هذه الاخيرة للمراة بشرط انجابها للاطفال .
ان من الخطا الشائع ان نعتبر ان الديمقراطية المحلية جاءت مع الدولة العصرية التي تركها الاستعمار الفرنسي بعد الاستقلال فان الامازيغيين عرفوا معنى الديمقراطية المحلية قبل سنة 1912 بقرون طويلة حيث من خلال كتاب اعراف قبائل زايان سنجد العديد من الانظمة و المؤسسات المحلية تسير شؤون الناس وفق قوانين عرفية لا تتعارض مع مقاصد الشريعة الاسلامية من طبيعة الحال حيث تتمثل اختصاصات الجماعة على سبيل المثال في سياسة في اعلان الحرب و طلب السلم من خلال ارسال مندوبيين الى القبائل المجاورة لتسوية الخلافات التي تنشا بين افرادها بطرق ودية .
و من بين اختصاصاتها هي ابرام عقود الزواج و الطلاق و تعديل العرف في حال الاقتضاء و صيانة المساجد و تنظيم الحج و المداومة على امن البلد و استقبال الضيوف الخ من هذه الاختصاصات الدالة ان الامازيغيين كانوا يعيشون في اجواء مدنية و علمانية .....
و امام هذه المعطيات الموضوعية و التاريخية فان مازق اسلامي المغرب ذوي المرجعية السلفية سيتعمق بالنظر الى ظهور زيف ايديولوجية الظهير البربري على طول الخط بفضل وعي النخبة الامازيغية منذ 15 سنة الاخيرة بحكم ان قبل سنة 2000 كانت الحركة الامازيغية لا تستطيع مجرد القول ان الظهير البربري هو اكبر اكذوبة سياسية في المغرب المعاصر لكن مع اعتراف السلطة بالامازيغية في خطاب العرش لسنة 2001 اصبحت الحركة الامازيغية عازمة على فضح هذه الاكذوبة او هذه الايديولوجية كما اسميها من خلال اصدار الكتب حيث ارجوا ان يكون كتابي الجديد انطلاقة حقيقية للحركة الامازيغية طبعا بعد صدوره انشاء الله.
انني اؤمن بان ايديولوجية الظهير البربري تشكل اكبر العراقيل امام تفعيل ترسيم الامازيغية لان اصحاب هذه الايديولوجية لا يرغبون ان تكون الامازيغية لها شرعية دينية على ارضها الاصلية كي منع أي تنافس مع تيارات الاسلام السياسي و كذا النخبة الدينية الرسمية التي لازالت تعامل مع هذه الهوية الاصلية باعتبارها نعرة جاهلية ما انزل الله بها من سلطان و باعتبارها لا تتوفر على بعد ديني مهما كان بكل السهولة بدون أي خجل من تاريخ الامازيغيين الاسلامي العظيم .
ان العلمانية هي ثابت تاريخي لمجتمعنا المغربي قبل دخول الجيوش الاستعمارية سنة 1912 بينما ان ايديولوجية الاسلاميين تعتبر ان العلمانية هي مشروع غربي جاءت مع الحملات الاستعمارية لعالمنا الاسلامي عموما و للمغرب خصوصا حيث علينا ان نساهم في تنوير العقول بالفكر المتحرر من اية قيود سلفية لنتقدم في مسار التحديث الشاق و المصيري بالنسبة للحركة الامازيغية التي عليها الان ان تدخل معركة مصيرية مع نخبتنا الدينية بهدف تجديد فكرهم الديني و تغيير نظريتهم حول هوية المغرب الثقافية و التاريخية لان هذه النظرية تختزل هويتنا في العروبة العرقية و الاسلام حسب القراءة السلفية .
المهدي مالك