اسلام بحيري ظاهرة صحية لتجديد الفكر الاسلامي
اسلام بحيري ظاهرة صحية لتجديد الفكر الاسلامي

مهدي مالك في الأربعاء ١٧ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

اسلام بحيري ظاهرة صحية لتجديد الفكر الاسلامي

مقدمة مطولة                                                 

ان تجديد الفكر الاسلامي يكتسي اهمية كبرى بالنسبة لدولنا التواقة للركب في قطار الحداثة و الديمقراطية الحقة بمختلف تجلياتها و مظاهرها حيث لا يمكن باي حال من الاحوال حدوث اية ثورة فكرية او سياسية  جوهرية داخل دولنا الاسلامية  دون تاهيل عميق لفكرنا الاسلامي الذي يراد له الجمود و عدم طرح اسئلة حقيقية للخروج بامتنا الاسلامية من اسباب الرجعية الدينية و السياسية..

ان هذا الرجاء المنشود لن يتحقق الا بتحرير العقل الاسلامي من رواسب الفكر السلفي الماضوي عبر التمييز بين القران الكريم بوصفه كلام الله المقدس و ما يسمى بالتراث السلفي بوصفه اجتهاد بشري قابل للنقاش و النقد و حتى الرفض اذا اقتضى الضرورة لذلك باعتباره اجتهاد بشري مشروط بسياقات ذلك الزمان المختلفة و اقصد هنا العصر العباسي اي منذ 1000 عام بمعنى ان هناك فرق زمني شاسع بين ذلك العصر و اليوم على كافة المستويات و الاصعدة لكن التيارات السلفية ترفض هذا الطرح العقلاني جملة تفصيلا...

حقيقة اننا في المغرب مازلنا نعاني من التاخر العظيم في مجال تجديد الفكر الاسلامي بدون ادنى شك بحكم مجموعة من الاسباب الموضوعية و التاريخية و ربما السياسية حيث عرف المغرب منذ سنوات نقاشا جوهريا حول مضامين مقرر التربية الاسلامية قاده الناشط العلماني احمد عصيد لكنه وجد معارضة شديدة من طرف  التيارات السلفية و من طرف بعض خطباء  الجمعة حيث وصلت هذه المعارضة الشديدة الى حد اتهامه بالكفر و بالعمالة للغرب الكافر بمجرد مطالبته باعادة مراجعة مقرر التربية الاسلامية و رايه حول رسائل النبي الى ملوك زمانه حيث عندما سترسل الى الغرب الان سيعتبرها ارهابا بينما في ذلك الزمان ستعتبر عادية اذا كانت هذه الرسائل موجودة بالفعل و بنفس الصياغة بمعنى نتوفر في المغرب على رموز التنوير امثال الاستاذ احمد عصيد الخ  ...

 ان المغرب منذ استقلاله الشكلي قد همش هويته الاصيلة اي الامازيغية الاسلامية بغية ان يصبح بلدا عربيا بالمفهوم العرقي و بلدا ذا الخطاب الديني يحمل مضمونا سلفيا يتعايش مع الدولة الحديثة التي تركتها فرنسا لكنه يتعارض بشكل كلي مع الامازيغية بكل ابعادها و بصفتها مشروع طبيعي لتحديث الاسلام ببلادنا حيث شرحت  في كتابي الجديد الذي لم يطبع بعد ان الاسلاميين في المغرب لم يقدموا أي شيء لخدمة مشروع تحديث الاسلام ببلادنا باعتبارهم اصلا يريدون بقاء الاسلام في اطاره السلفي ليصبحوا دعاة الى اسلمة الدولة و المجتمع بشكل تدرجي دون ان يشعر احد بهذه السياسة الدخيلة من بلدان الخليج مثل السعودية التي لا تتوفر على أي دستور على الاطلاق بينما قام الرسول الاكرم ص بكتابة اول وثيقة مدنية مستقلة عن الوحي القرآني و المسماة بالصحيفة التي أقرت بحقوق اليهود داخل الدولة الاسلامية باعتبارهم مواطنين لهم دينهم و الحق في ممارسته بحرية تامة الخ من مبادئ الاسلام المتسامح أي ان الصحيفة تعتبر اول وثيقة مدنية في تاريخنا الاسلامي حسب اعتقادي المتواضع.

و شرحت كذلك في كتابي  ان الامازيغيين تاريخيا كانوا لا  يعتبرون المراة مجرد كائن خاضع لرغبات الرجال المتعددة او شيئا جالبا للعار الخ بل يعتبرونها ذات الشان و يحق لها الحكم و السلطان حيث ان مصطلح امغار أي كبير القوم و مؤنثه هي تامغارت أي المراة بمعنى ان اجدادنا قبل الاسلام و بعده كانوا يضعون المراة في مقامات التوقير و الاحترام باعتبارها منبع العفاف و الحنان و الحكمة الخ من هذه الاوصاف الحميدة التي يدعو اليها الدين الاسلامي .

و اضيف هنا ان مناقشة قضية المراة ببلادنا العزيزة لا بد من الرجوع الى تاريخنا لاستحضار اسماء للنساء ساهمن في بناء حضارتنا المغربية قبل الاسلام و في العصر الاسلامي مثل زوجة  امير المسلمين يوسف بن تاشفين زنيب النفزوية التي شاركته في حكم الدولة المرابطية التي تستحق البحث و الدراسة من طرفنا كباحثين شباب بغية استخراج مزيدا من المعطيات و الحقائق حول مكانة النساء داخل ذلك المجتمع المرابطي....

ان المراة الامازيغية في مجتمعنا المحافظ بمعناه الايجابي استطاعت الولوج الى عدة ميادين بدون قيود دينية وفق المنهج السلفي كالحقول في البوادي حيث انها تعمل الى جانب الرجال  وفق الاذاب الاسلامية ...

و خصص المرحوم الفقيه امحمد العثماني فصلا كاملا في كتابه الواح جزولة للحديث عن مكانة المراة في المجتمع السوسي حيث يقول رحمه الله ان المراة الجزولية أي الامازيغية هي عماد الاسرة في العمل و الانتاج و هي اكثر حرية من الاوربية و تفضلها بالصيانة و الاخلاق حسب تعبيره انذاك حيث ان هذا القول يحمل العديد من الابعاد و المعاني تكذب خرافات الاسلاميين حول العلمانية الاصيلة و ذلك من خلال نفي وجودها في تاريخنا الاجتماعي اصلا.

و يقول المرحوم ينحصر دورها في الحياة العائلية في السهر على شؤون بيتها الخ و اذا كان الزوج غائبا فان الاشراف الفعلي يكون لها على سائر الشؤون الخارجية  

اذن الذي اريد الوصول اليه هو ان المراة عندنا في المغرب انخرطت بدون قيود دينية في حياة مجتمعها المختلفة كالفن حيث لا يمكن لاحد القول ان احواش بالنسبة للمراة يعتبر حراما في الدين على الاعتبار ان احواش هو مظهرا من مظاهر الفرح و الاحتفال بمناسباتنا العزيزة كالاعياد الدينية حيث يجتمع الناس بعد صلاة العشاء في مكان يسمى باسايس للاستمتاع بالشعر الجميل و الرقص على ايقاعات احواش المتعددة عبر ربوع الجنوب المغربي حيث يحضر فن احواش ضمن مناسباتنا العائلية مثل رجوع الناس من الديار المقدسة بعد اذاء فريضة الحج العظيمة في قلوبنا نحن المسلمين او الزفاف بعاداته المختلفة من دوار الى دوار في منطقة سوس خصوصا و المغرب عموما.. .

و خلاصة القول في مقدمة هذا المقال اننا في المغرب مازلنا بعدين كل البعد عن تيارات الاسلام التنويري كما اسميه مثل القرانيين حيث اعتبر الوحيد من فكر الحركة الامازيغية المغربية و ربما المغاربية الذي ينشر مقالاته في هذا الموقع المبارك حول القضية الامازيغية و حول ارائه المختلفة بشان الاسلام وفق ما تعلمه من قراءة مقالات و كتب الاستاذ احمد صبحي منصور الذي ادرك مبكرا خطورة التيارات السلفية على تقدم المسلمين في سياقهم المعاصر و المختلف عن سياق ما يسمى بالخلافة الاسلامية كنظام لا وجود له في القران الكريم بصريح العبارة...

ظاهرة اسلام بحيري                                                  

اولا قبل كل شيء اعلن  تضامني الكامل مع الاستاذ اسلام بحيري الذي دخل السجن بسبب فكره التنويري لعامة المسلمين داخل مصر و داخل بقية الاقطار الاسلامية باختلاف هوياتها الثقافية او السياسية من طبيعة الحال حيث شاهدت اغلب حلقات برنامجه الشيق مع اسلام بحيري على اليوتوب فشعرت بانسانية هذا الرجل السعي الى تنظيف ديننا الاسلامي من اوساخ تراث السلفيين المتجاوز اصلا بالنسبة لنا كمسلمين علمانيين او حداثيين على الاعتبار ان هذا التراث لا يتماشى مع قيم القران الكريم الكلية مثل حرية الاعتقاد و  تحريم القتل و المساواة بين الجنسيان في التكاليف الشرعية كالصلاة و الصيام الخ من هذه القيم الكلية لكتاب الله العزيز.

غير ان السلفيين اخترعوا دينا اخرا غير ديننا الاسلامي حسب راي القرانيين و راي الاستاذ اسلام بحيري باعتباري مجرد انسان في مرحلة التعليم لدى هذه المصادر المتنورة حيث ان شيوخ السلفية الحاليين يرفضون اي نقد عقلاني لتراثهم البشري لكن في نظرهم يعتبرونه تراثا يحمل طابع القداسة المطلقة حتى اذا خالف مع النصوص القرانية او مع العقل البشري في اي زمان كان.

 ان الاستاذ اسلام بحيري حاول بصفته باحث اسلامي ان ينور العقل الاسلامي عبر التمييز بين القران الكريم و كتب التراث السلفي عموما دون ان اذكر الاسماء تفاديا للتكفير و الاخراج من الملة الاسلامية كسلاح يستعمله هؤلاء القوم لقتل اي تنوير ياتي من داخل الدائرة الاسلامية لان تاريخنا الاسلامي نفسه عرف صراعا عميقا بين النزعة السلفية و النزعة العقلانية حيث اتساءل من هو ابن رشد و الجاحد الخ.

ان هذه الكتب السلفية حسب راي الاستاذ اسلام بحيري و راي الاستاذ احمد صبحي منصور هي سبب كل ما نراه الان من القتل و التكفير و احتقار المراة على امتداد عالمنا الاسلامي حيث ان جماعات الاسلام الوهابي كما اسميها مثل داعش و القاعدة الخ تطبق مضامين هذه الكتب حرفيا على ارض الواقع المعاصر بذريعة احياء الخلافة الاسلامية المزعومة لكنها  موجودة في كتبهم الرجعية لان الدعوة الوهابية باعتبارها  النسخة الاصلية للسلفية هي تحث على قتل كل مسلم ذو عقيدة مخالفة لها مثل الشيعة الخ من هذه الطوائف المسلمة غير ان الوهابية تعد الفرقة الناجية و غيرها على الظلال المبين حتى الاخوان المسلمين..

 ان داخل الفكر السلفي نفسه يوجد خلافات سياسية عميقة بين من يعتبر الديمقراطية حرام بالاطلاق و من يعتبرها وسيلة فقط للوصول الى الحكم و تطبيق خلافتهم الخيالية في اخر الزمان كما تقول كتبهم المقدسة التي اخذت على انها الاسلام الحقيقي من طرف الغرب كمجتمعات بشرية حيث يجب ان نحاكم هذه الكتب و ليس ديننا الاسلامي و رسولنا الاكرم الذي كان على الخلق العظيم كما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بينما في كتبهم يوجد كوارث حقيقية منعت المسلمين من التفاعل الايجابي مع مستجدات هذا العالم منذ قرون الى الان لان العالم يتغير في الدقيقة الواحدة في حين ظل فكرنا الديني الرسمي في اغلب دولنا يحمل طابع السلف الغير صالح بالنسبة لعصرنا الراهن و بالنسبة لطموحتنا المشروعة تحت قيادتنا الرشيدة للملك محمد السادس من طبيعة الحال..

ان مسيرة التنوير لن تتوقف بسجن الاستاذ اسلام بحيري بل عليها ان تستمر حسب سياق  كل بلد على حدة بحكم اختلاف هذه السياقات فمثلا في المغرب تناضل الحركة الامازيغية من اجل تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية على ارض الواقع المؤسساتي و الديني  حيث انني كتبت منذ عامان كتابي الجديد الذي مازال لم يطبع بعد كما اشرت في مقدمة هذا المقال حيث يحمل عنوان الامازيغية و الاسلام من اجل تكذيب ايديولوجية الظهير البربري نهائيا لان هذه الايديولوجية تستمد شرعيتها الخيالية من الحركة الوطنية المغربية ابان ثلاثينات القرن الماضي..

 ان هذه الحركة اسست على الفكر السلفي الدخيل من المشرق و اخترعت اكذوبة الظهير البربري لمحاربة الامازيغيين دينيا و سياسيا بعد استقلال المغرب باستعمال السلفية و ترسيخها في شاننا الديني الرسمي للاظهار ان الامازيغية كلغة و كثقافة و كعادات ليس لها اية علاقة بالاسلام اطلاقا لان اجدادنا الكرام كانوا قوما يتحاكمون الى اعرافا جاهلية حسب كذب السلفيين المغاربة .

اقترحت في كتابي الجديد مبادئ عامة لتاهيل حقلنا الديني كالتالي على الحركة الامازيغية ان تدرك جوهرية و حتمية  اعادة تاهيل الحقل الديني كمشروع  له اهميته الكبرى بعد ترسيم الامازيغية حيث يجب على هويتنا الاسلامية ان تتصالح مع هوية الارض الامازيغية بحكم ان السلطة ابان الاستقلال قامت بتاطير نخبتنا الدينية و جعلها تعيش في جزيرة بعيدة للغاية عن مفهوم التقدم و عن مفهوم الحضارة الانسانية بعلومها المفيدة مثل علم التاريخ و علم الاجتماع و علم الفن الخ بمعنى ان نخبتنا الدينية لا تخرج عن اطارها السلفي الدخيل علينا.

ان النخبة الدينية لم تستطع استيعاب اهداف خطة اعادة تاهيل الحقل الديني التي حدثت بعد احداث 16 ماي 2003 مباشرة حيث انها لم تستطع ان تضيف التغيير المنشود  من طرف الحركة الامازيغية و غيرها من الحركات الحقوقية و المدنية  .

ان هذا التغيير المنشود لا يهدف ابدا الى ابعاد الدين الاسلامي عن الحياة  العامة او الى إلغاءه بصفة نهائية لان المغرب هو  بلد مسلم منذ 14 قرن من الاجتهاد و مراعاة الخصوصية الامازيغية بكل ابعادها الثقافية و العلمانية و المؤسساتية حيث يحكم هذه البلاد الملك باعتباره امير المؤمنين حسب الوثيقة الدستورية الحالية و هو الضامن لوحدتها الثرابية ...

 و انما يهدف هذا التغيير المنشود الى اعادة تاهيل الحقل الديني بشكل شمولي على ضوء خطاب 9 مارس التاريخي خصوصا و على ضوء الوثيقة الدستورية الحالية عموما لان الفاعل الامازيغي لا يريد اطلاقا ان يسمع ان إمام او عالم دين او امين عام لحزب اسلامي معين يعتبر ان الامازيغية  هي مشروع استعماري تنصيري او ان يمارس سياسة التحريم ضد كل ما هو امازيغي باسم الدين الحنيف.

اذن على الدولة الان اكثر من وقت مضى ان تعي مسؤوليتها التاريخية تجاه اعادة تاهيل الحقل الديني من خلال المقترحات التالية.

 اولا تكوين  جيل جديد و واعي من  العلماء و ائمة المساجد على الاعتزاز بحضارة بلادهم العريقة لمئات  القرون و الاعتزاز بحضارتهم الاسلامية التي تركها اجدادنا الأفاضل لنا من اجل ان نتركها بدورنا لابناءنا و احفادنا بعد عمر طويل ان شاء الله  ..

ان هذا التكوين حسب رايي المتواضع عليه ان ياخذ بعين الاعتبار ما وصلت اليه الانسانية جمعاء من التقدم و التطور عوض ان نبقى سجناء للقراءة السلفية للدين الاسلامي ...

ثانيا على هذا التاهيل ان ياخذ بعين الاعتبار ان الامازيغية اصبحت لغة رسمية بمعنى انها تدخل ضمن ثوابت الدولة المغربية و ضمن شرعيتها الدينية حيث من المفروض ان تدرج مادة اللغة الامازيغية في التعليم الاصيل بحروفها العريقة تيفيناغ ليعرف الجيل الجديد من الفقهاء و العلماء الامازيغية لغة و ثقافة و انتماء الى هذه الارض العزيزة ..

ثالثا ادماج موضوع العرف الامازيغي  ضمن مقرر التربية الاسلامية و ضمن سياسات وزارة الاوقاف و الشؤون الاسلامية التكوينية و الاعلامية و الخارجية لتعلم الدول الاسلامية ان العرف الامازيغي لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الاسلامية ..

رابعا اعطاء الاهمية للتراث الامازيغي الاسلامي المادي مثل المعمار الديني المنتشر في بلادنا طولا و عرضا  و حذف مصطلحات من قبيل الحضارة العربية الاسلامية او الحضارة الاندلسية الاسلامية و وضع في مكانها مصطلحات مثل الحضارة الامازيغية الاسلامية باعتبارها صلب الهوية الوطنية .

خامسا اعطاء الاهمية للفنون الامازيغية الاسلامية مثل فن احواش و فن الروايس الخ من هذه الفنون عبر ادماج شعرها الديني الغزير في مقرر التربية الاسلامية و التعريف بهذه الفنون عبر وسائل الاعلام السمعية و البصرية ...

سادسا  تجريم أي تداول لخرافة الظهير البربري في الفضاء الديني او العمومي..

سابعا تحديث الخطاب الديني ..

و خلاصة القول ان تجديد الخطاب الديني يكتسي اهمية قصوى في زمن الارهاب التي وجد شرعيته في كتب التراث السلفي و وجد دعما ماليا و ايديولوجيا من بعض الدول الاقليمية بمعنى ان التنوير يجب ان يستمر حسب سياق كل بلد على حدة  ....

المهدي مالك        

 

 

 

 

اجمالي القراءات 15178