السينما الامازيغية و دورها الريادي في الحفاظ على اصالتنا العريقة
السينما الامازيغية و دورها الريادي في الحفاظ على اصالتنا العريقة

مهدي مالك في الأربعاء ١٠ - يونيو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

السينما الامازيغية و دورها الريادي في الحفاظ على اصالتنا العريقة

مقدمة مطولة                                  

ان الانسان المعاصر لا يمكنه ان يعيش في اي مجتمع حداثي او محافظ بمعناه الايجابي او السلبي بدون الفن بمختلف روافده و ابعاده من الشعر و الغناء و السينما و المسرح الخ.

 غير ان اغلبية مجتمعاتنا الاسلامية مازالت لم تحسم موقفها بعد من الظاهرة الفنية حيث مازالت تنظر الى الفن نظرات متعددة و متضاربة الى حد بعيد بسبب مرجعياتها الدينية او الفكرية حيث ان التيارات السلفية بمختلف درجاتها تعتبر الفنون بصورة عامة حرام في الدين لكن الواقع يقول اشياء اخرى من قبيل ان السعودية تدعم ماديا قنوات السينما العربية مثل روتنا و ارتي و ام بي سي الخ من هذه القنوات السعودية الخاصة بينما فقهاء بني عبد الوهاب في الداخل السعودي يحرمون الفن باستثناء الغناء الرجالي مثل الفنان محمد عبدو و بعض المسلسلات الفكاهية و المسلسلات التاريخية الخ من هذه الفقرات الفنية التي تبث على القنوات السعودية الرسمية .

اذن لا يوجد اي تحريم عملي لفائدة الفنون على القنوات السعودية سواء  الرسمية منها او الخاصة مما سيعني ان فقهاء بني عبد الوهاب يغردون خارج السياق الحالي بحكم ان الفنون اصبحت ضرورة حضارية للتعارف على تاريخ الديانات و مظاهر الهويات الثقافية للامم الاسلامية عبر السينما التي ترسل مجموعة من الرسائل تهدف الى طرح قضايا الساعة باسلوب راقي يراعي الاذاب العامة  في الحوار و الممارسة السينمائية..

اننا نعتبر مجتمع اسلامي محافظ له عدة قيم اخلاقية بعيدة كل البعد عن قيم السلفيين الاخلاقية ان كانت موجودة اصلا بمعنى علينا عندما نتحدث عن مسالة القيم ان نفرق بين قيمنا الاخلاقية نحن المغاربة  و قيم السلفيين الاخلاقية بغية تفادي خلط الاوراق امام العوام لان الحزب الاغلبي اي حزب العدالة و التنمية و جناحه الدعوي يستغلان جهل المغاربة بتاريخهم الطويل من اجل الاظهار باعتبارهما يمثلان اسلام المغاربة و يخافان على قيمهم الاخلاقية حسب قراءتهما لهذه القيم .

غير ان هذا الكلام ليس دقيقا بالمرة بحكم وجود اختلاف عظيم بين قيمنا و قيم التيارات السلفية ببلادنا حيث نأخذ هنا مثال ملابس المراة في مجتمعنا باعتبارنا نتوفر على ملابس محترمة و مختلفة الاشكال و الجماليات عبر جهات المغرب بينما عند السلفيين ملابس المراة هي اللباس الافغاني او السعودي الخ ..

ان هذه الملابس تحمل معها خلفية اكثر تطرفا من الوهابية نفسها حيث عندما تلبس المراة هذه الملابس تتحول الى كائن يمنع نفسه من الجلوس مع افراد عائلتها من الرجال و النساء بدعوة تحريم الاختلاط بين الجنسيان علما ان هذه العادة لم تكن اصيلة لدى عائلاتنا بل هي عادة دخيلة من الفضائيات السلفية في السعودية و مصر ابان حكم جماعة الاخوان المسلمين بمعنى اننا يجب ان لا نخلط بين قيمنا الاخلاقية و قيم السلف الاخلاقية ان كانت موجودة بالفعل..

مدخل متواضع الى صلب الموضوع                         

لقد شكل ظهور السينما الامازيغية  في مغرب بدايات تسعينات القرن الماضي حدثا تاريخيا بالنظر الى مجموعة من الاسباب و الدوافع حيث منذ تاسيس  التلفزيون المغربي الرسمي سنة 1963 ظل امازيغي المغرب ينتظرون مشاهدة انفسهم  كلغة و كثقافة امازيغية اسلامية على تلفزيونهم الرسمي عقود طويلة حتى خطاب اجدير التاريخي لسنة  2001 بمعنى ان الثقافة الامازيغية كانت قبل سنة 2001 ممنوعة على التلفزيون المغربي نهائيا .

ان السينما الناطقة بالامازيغية كانت انطلاقتها من منطقة سوس اي الجنوب المغربي حيث ان منطقة سوس معروفة بالعلم الشرعي كما يسمى عندنا من خلال المدارس العتيقة و معروفة بفنونها الاصيلة مثل فن احواش اي الرقص الجماعي بين الرجال و النساء وفق الاذاب العامة و بحضور الناس بمختلف اعمارهم بغية الاستماع الى الحوار الشعري بين شعراء اسايس اي الميدان بالعربية ..

و ياتي في المقام الثاني فن الروايس  كفن اصيل في هذه الربوع حيث لم يكن غريبا ان تنطلق السينما الامازيغية من هذه الربوع باعتبارها مجالا للفنون التقليدية من الرقص و الغناء و الحكاية الشعبية الخ و بالاضافة الى الفنون العصرية مثل المجموعات الغنائية التي انطلقت في منتصف ستينات القرن الماضي بهدف رفع التهميش المؤسساتي عن الامازيغية بمختلف ابعادها حيث علينا الانتظار الى اوائل التسعينات لمشاهدة اول فيلم ناطق بالامازيغية عبر جهاز الفيديو بحكم ان اعلامنا البصري وقتها لا تعترف بوجودنا كشعب اصلي بمنطقة شمال افريقيا و بوجودنا كشعب مسلم بحكم وجود ايديولوجية الظهير البربري بشكل خطير انذاك على كل مناحي الحياة العامة بدون استثناء..

ان الحديث عن تجربة الفيلم الناطق بالامازيغية يعد حديث طويل حيث ساحاول الاختصار و ساتحدث هنا باعتباري مشاهد مهتم بالفيلم الامازيغي المغربي حيث انطلقت هذه التجربة بفيلم تامغارت ؤورغ اي امراة من الذهب اذ يتحدث ظاهريا عن قصة امراة امازيغية في البادية تزوجت مع رجل مهاجر بالديار الفرنسية حيث يبين هذا الفيلم الصراع الدائم بين التنوير و جهل  فقهاءنا الكرام بحكم ان مجتمعنا مازال يؤمن بالجن الذي ذكره الله في كتابه العزيز القران غير ان مجتمعنا لازال يؤمن بان الجن يستطيع ان يملك الانسان الخ من خرافاتنا الدينية .

ان  فيلم تامغارت ؤورغ قد صور حقيقة مجتمعنا المتدين و المحافظ بمعناه الايجابي و السلبي حيث قد يقول البعض ان الامازيغيين هم من المسلمين لكن مناخ عقد التسعينات على المستوى الرسمي يقول اشياء اخرى من قبيل ان الامازيغيين لا بعد ديني لهم اصلا و هم  احفاد الاستعمار الفرنسي الخ من مبادئ ايديولوجية الظهير البربري التي مازالت تحكم شاننا الديني الان بمعنى ان اول فيلم امازيغي خرج كثورة هادئة في مغرب التسعينات تفاعلا مع عمل الجمعيات الامازيغية الثقافي داخل المغرب و خارجه..

ثم ان فيلم تامغارت ؤورغ كان يجسد رمزيا معانات الامازيغية مع السلطة السياسية و السلطة الدينية من خلال الاتهام الدائم  بالخيانة لوطنها المغرب و لدينها الاسلامي .

ان تجربة الفيلم الامازيغي اعطت العديد من الاشياء من قبيل احياء الاسماء الامازيغية  و احياء ثقافتنا الام من قبيل الحكاية الشعبية ذات وظائف تربوية و اخلاقية .

و بالاضافة الى التطرق الى مشاكل الامازيغيين الاجتماعية سواء في البادية او في المدينة باسلوب راقي يستطيع الانسان ان يشاهد الافلام الامازيغية مع عائلته الصغيرة او الكبيرة حيث ليس معنى كلامي ان الفيلم الامازيغي عليه ان لا يتميز بالجراة..

لكن الجراة المطلوبة الان حسب اعتقادي المتواضع هي التطرق الى مواضيع من قبيل تاريخ المغرب بحكم ان السينما المغربية الناطقة بالدارجة  لم تستطيع الى حد هذه الساعة تقديم افلاما في المستوى حول فترات حاسمة من تاريخنا الطويل قبل الاسلام و بعده باستثناء فيلم حول زينب النفزاوية زوجة يوسف بن تاشفين ملك الدولة المرابطية حيث كانت ذو جمال و عقل سياسي حيث انها ساعدت زوجها الملك او امير المسلمين في تدبير شؤون الحكم و الدولة المرابطية التي خدمت الاسلام اكثر من الدولة الاموية و الدولة الادريسية لكن معهدنا  الملكي للثقافة الامازيغية انكر هذه الحقيقة في رسالته لي منذ شهور حيث رفض طبع كتابي الجديد بسبب هذه المسالة و مسائل اخرى بمعنى ان تاريخنا ظل لعقود طويلة يعلم في المدرسة المغربية حسب رغبات المخزن التقليدي و حركته الوطنية ..

اذن ان الجراة  في التطرق الى تاريخ المغرب في السينما المغربية سواء الناطقة بالامازيغية او بالدارجة تعتبر ذي جدوى لان اغلب المغاربة لا يعرفون الشيء الكثير عن تاريخهم الاجتماعي و السياسي ..

اختم هذا المقال بالقول ان السينما الامازيغية المغربية بدات بدافع نضالي صرف و بدات بتضحيات مجموعة من الناس من قبيل المخرجين و الممثلين حتى اصبحنا نرى مسلسلات امازيغية في المستوى على القناة الامازيغية باسلوب  حداثي مسلسل تلا اتيك اي لها القيمة الذي  بث في رمضان الماضي حيث اتمنى المزيد من العطاء للسينما الامازيغية المغربية ....

المهدي مالك

اجمالي القراءات 8495