كيف غاب عنا مفهوم الضرب على الجيوب 

نهاد حداد في السبت ١٨ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بالرغم من أنني لم أكن أريد أن أقوقع مقالاتي في المسائل التي تخص المرأة فقط إلا أنني وجدت نفسي وبدون أن أتعمد ذلك أعيد التدبر مرارا وتكرارا لنفس الآيات ونفس الأحاديث ( التي تخصها).وأكتشف دوما شيئا جديدا! و كلما  حاولت أن أنتهي من فكرة وجدتني أقلبها من نواح عدة ، فأكتشف أن المصطلح القرآني ليس اعتباطيا البتة ! وأقول هذا ليس من باب تقديس القرآن ، فهو مقدس رغما عن أنفي وأنف أبي ذر الغفاري ، ولكن من باب تدبر موضوعي لاعلاقة له بالعاطفة الدينية !
 لقد جرني حديث أنس بن مالك السالف الذكر في مقالي السابق إلى إعادة النظر في مسألة بنى عليها المسلمون مواقف دينية فيما يخص ما أسموه اللباس الشرعي للمرأة المسلمة. وبالرغم من قناعتي الراسخة بأن المراد بالضرب بالخمر على الجيوب يخص فتحة الصدر ، إلا أن السؤال ظل دوما يراودني ، لماذا قال تعالى : فليضربن بخمرهن عل جيوبهن ! لماذا استعمل الضرب ولم يستعمل الاسدال ، لأنه لوكانت المسألة كما فهمها الفقهاء ، أنه ضمنيا حينما نتحدث عن الخمار فإننا نقصد به غطاء الرأس ويجب إنزال نفس الغطاء على الجيوب ! فلماذا لم يستعمل سبحانه وتعالى مصطلح إسدال الخمر على الجيوب ؟ فلو كان الهدف هو وضع الخمار بالطريقة التي فهمها منها الفقهاء لكان مصطلح الاسدال أولى! ولقال عز وجل : فليسدلن خمرهن على جيوبهن بما أن الخمار موجود على الرأس أصلا .
 ولماذا إذن  قالت عائشة زوج النبي في حديث لها : " : يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ) رواه البخاري ( 4480 ) فهل معنى هذا أن النساء المهاجرات كن يصلين برؤوس عارية ؟ طبعا لا ، لأن المرأة العربية كان أصلا رأسها مغطى كعادة أهل الصحراء بسبب المناخ الجاف والرياح العاتية .
إذن ، ماذا غطين بالمروط التي شققنها وقطعنها؟ أكيد ، كان هناك شيء عارٍليغطى ! فماذا كان ذاك بما أن الشعر كان أصلا مغطى ولم يأمر الشارع بتغطيته ؟ ولم يكن هو المقصود ! فما هي إذن القطعة الجسدية التي غطتها المهاجرات الأول؟ ( طبعا غياب نساء الأنصار من الحديث غريب ، ولكن سنغض الطرف عن ذلك )!
شرح مفسروا الحديث على أنهن تقنعن  ! أي غطين وجوههن ! كيف يقول تعالى فليضربن بخمرهن على جيوبهن فتضرب المهاجرات بخمرهن على وجوههن ؟ كيف يكون الوجه جيبا ؟
وأذَكِّر ، أنا لا أصحح الحديث أو أورده لأعطيه مصداقية ما ! فمصداقيته عندي تاريخية وليست دينية  ومع ذلك فهي مشكوك فيها !
أولا لغياب الأنصاريات من هذا الحديث وقد بايعت بعض الأنصاريات الرسول عليه السلام في مكة حتى قبل أن يهاجر إلى المدينة، فلا يعقل  إذن أن يستثنين من تطبيق هذا الأمر !
 ثانيا ،تحدثت عائشة أم المؤمنين عن المهاجرات الأول اللائي قطعن مروطهن مع العلم أن الرأس كان مغطى ! 
فماذا غطين بالمروط المشقوقة إذن حتى كأنهن الغربان في حديث آخر ؟ مع أن المسلمات عُرفن بلبس البياض لا السواد لمخالفة المشركات؟ والسواد في بيئة صحراوية حارة يزيد من شدة الحرارة ولا يليق أبدا ببيئة كتلك ؟ 
في كتاب " عائشة حبيبة النبي" لبست عائشة أم المؤمنين لباسا أصفر ووقفت مع النساء فوق السطح ليلاحظها النبي من بعيد بعد عودته من إحدى المعارك ! فلماذا لم تتشح بالسواد وتلتزم  بذلك اللون الذي جعل المهاجرات الاول يشبهن الغربان بعد ان قطعن مروطهن ؟ 
الحديث هنا يوحي بأن شعور النساء كانت عارية وهذا خطأ !  لأن عادة العرب كانت وضع العمائم وعادة النساء وضع الأخمرة على الرؤوس بسبب البيئة كما هو الحال لحد الآن في المناطق الصحراوية ! فماذا فهمت النساء عندما شققن المروط!
لنعد الى القرآن، فكلماته  دقيقة جدا ولا غبار عليها.  فكيف يجب فهم الضرب بالخمر على الجيوب بما أن الصحابيات قطعن مروطهن للضرب على الجيوب ، فمعنى هذا أنهن لم يسدلن الخمر على الجيوب كما تفعل النساء اليوم ، وإنما اضطررن للبحث عن قطعة أخرى من لباسهن فقطعنها ليحصلن على قماش يغطين به الجيوب !
أرقني مرارا هذا السؤال ، لماذا الضرب وليس الإسدال ولا الإنزال ولا التغطية ، لماذا لم يقل فلينزلن أويسدلن أو يغطين جيوبهن بخمرهن ؟ مع العلم أن مصطلح الإسدال استعملته عائشة رحمهاالله في حديث عن الاحرام في الحج ؟
هو ذا الحديث : قالت عائشة رضي الله عنها: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات؛ فإذا حاذونا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها إلى وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". مع أنني لا أستطيع فعلا تخيل جلباب يُسدل على الوجه إلا ربما على طريقة المغاربة في صنع الجلابيب أو أقنعة رجال الكوكلوكس كلان (kuklux clan ) المثقوبة العينين عندما كانوا يحرقون بيوت السكان السود! 
طبعا حاشى لله أن يكون كلامي هذا تهكما ولكن بين إسدال الخمار وإسدال الجلباب على الوجه ،  أؤكد أنني أضيع في محاولة تخيل الأمر ! وأنا فعلا كلما حاولت التفكير في حديث ما أحاول تخيله وتجسيده في ذهني حتى أفهم المقصود منه! 
 ولكن بعد محاولات عدة للتدبر ، عرفت - وأرجو من الله أن يهديني سواء السبيل - أن استعمال الضرب مقصود ، لأن الضرب هنا يعني الضغط والشد  ! كأن نقول ، ضرب فلان الجرس معناه أنه ضغط عليه ليرن ، أو ضرب الوتد في الأرض ، اي ضغط عليه لكي يدخله  في الأرض ! معنى هذا أن الضرب هنا يتضمن الضغط والشد ! ولكن لماذا الشد ولماذا الضغط ؟
لسبب سوف نستشفه من حديث أنس بن مالك عن إماء عمر : كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ ! 
ومعنى هذا ، أن ثديي المرأة ، في غياب ملابس داخلية لابد أن يضطربا ويتحركا عند كل حركة أو هزة تقوم بها المرأة مهما كانت هذه الحركة بسيطة أو عادية ! وإذا انحنت المرأة، حتى في الصلاة  ، طبعا نتحدث هنا عن المرأة الكاسية التي قد يخرج نهداها من فتحة صدرها خصوصا إذا اتسعت تلك الفتحة بسبب الإرضاع أو فقط بسبب تهوية اللباس نظرا للحر الشديد في شبه جزيرة العرب. لذلك كانت كلمة الضرب هنا هي الأولى ! أي الضغط بالخمار على الجيوب للحد من اضطراب النهدين وتحركهما في غياب حمالات  الصدر ! ( ولربما لو انتبه الفقهاء لهذا لاكتشفوا حمالات الصدر قبل أن يخترعها الغرب ... ) .
وفي نفس السياق جاءت " ولايضربن بأرجلهن فيعلم ما يخفين من زينتهن" ! فتحرك المرأة والضرب بالأرجل بشدة قد يظهر رجليها لأن الجلابيب المفتوحة قد تكشف عن السيقان !
 فالزينة هنا ليست حليا ولا خلاخل وإنما حركات الجسد من أرداف وأثداء وغيرها والتي تثير الغرائز عندما تتحرك!  إذ لا معنى لتفسير الزينة هنا بالحلي والخلاخل فهي أشياء خارجية لا علاقة لها ببدن المرأة . وهي معروضة في الأسواق وليست مما يثيرالغرائز ! إذ لا معنى لإخفاء الحلي أو المجوهرات لكي لا يراها الرجال ! فأنا فعلا لا أرى كيف يمكن أن يكون الحلي شيئا محرما رؤيته لأنه لو كانت كذلك لكانت الحلي والمجوهرات حرام سواء لبسها أو عرضهافي الأسواق على مرأى الناس !
 ولما جاءت الآية التي بعدها تؤكد : وآن لايبدين زينتهن إلا لبعولتهن ..." لو كانت الزينة هي الحلي ! فهل في الحلي شيء يثير غرائز الصغار أو الشيوخ أو غير ذوي الإربة في النساء ! إذ لم يقل غير ذوي الاربة في الزينة أو في الحلي . 
لهذا فنحن نرى بأن استعمال مصطلح الضرب جاء للأمر بالشد على شيء متحرك أو مضطرب حتى لا يرتخي الخمار فتظهر الزينة المحرمة  من فتحة الصدر ! وهي الاثداء المضطربة التي تحدث عنها أنس بن مالك في حديثه !
لكن للأسف ! تعود الإنسان المسلم والعربي خصوصا أن يتقبل الأشياء دون أن يفكر ! وتعود على تقديس الأشخاص ! وأصبحت الصحابيات والصحابة هي الفزاعة التي يخيف بها الكهنوت خلق الله، وعوض الاهتداء بآرائهم حين صحتها ورفضها حين تكون خاطئة ! أصبحت المرأة تنكمش عندما يخرجون لها حديثا فتحس بأنها مقصرة تجاه ربها !
ولأن غريزة الإنسان والمرأة خصوصا هي التجمل ، والتزين فقد تأقلمت ووجدت حلولا تلائم غريزتها وتطيب بها خاطر الفقهاء فكثرت محلات الاخمرة والموضة حيث وجد التجار ضالتهم ووجدت النساء فرصة التأنق الشرعي ! مع أن الكثيرات غير مقتنعات بالحجاب . ولكنهن يضعنه رياء أو خوفا أو قناعا لإظهار العفة . مع أن الخرقة التي تضعها النساء  على رؤوسهن لم تغير سلوكهن ! فمازالت المومس مومسا بحجاب ! والزانية زانية بحجاب والمنافقة منافقة بحجاب والسارقة سارقة بحجاب ! 
معنى هذا أن الهدف الذي نزلت من أجله آية الضرب بالخمر وهي الحفاظ على العفة والأخلاق لم تطبق ، وإنما أصبحت قناعا لإظهار الحشمة وبقيت السلوكات لم يتغير فيها شيء نهائيا! فالخمار لم يغير السلوك وإنما أصبح رمزا لإسلام المظاهر تماما كما تكاثرت المساجد وفضائيات الفتاوى والكهنوت ! ومع ذلك مازالت نفس أعداد النساء في السجون بل زادت ! ومازالت دور الدعارة تستقبل زبناءها كما كانت في السابق ! ومازالت الزوجة تتعامل بخبث مع أم زوجها بل إن قطع صلة الرحم أصبحت أضعاف المرات أكثر من ذي قبل . وكلما زادت مظاهرالتدين كلما نقص الاهتمام بالجوهر ! وكلما ضعف الإيمان وكثرت المعاصي! وانكب الانسان على اختزال الدين في أركانه الخمسة التي اختزل فيها الفقهاء الإسلام متغافلين عن العدل والإحسان والبر والتقوى والورع والتكافل الاجتماعي و..... وكل مايجعل من الدين دينا لارياء! 
اجمالي القراءات 17742