غسيل مخ
مقدمة :
فى 20 ديسمبر 1993 ، نشرت لى جريدة ( الأحرار ) هذا المقال فى سلسلة ( قال الراوي ) تحت عنوان : (غسيل مــــــــــــــــخ ) . أعيد نشره هنا ليكون حُجة على دولة العسكر المصرية التى لا تتعلم .
غسيل مخ
1 ــ أخطر أنواع غسيل المخ هو ما كان مرتكزاً على تأويل فاسد للدين. وربما تأتي معظم المذابح والثورات والحروب بسبب ذلك التأويل الديني الفاسد، والغريب أن الضحايا يندفعون للقتل والاقتتال في حمية شديدة بسبب جرعة مكثفة من غسيل المخ التي تعرضوا لها والتي جعلت القتل جهاداً واستشهاداً وزعمت لهم أن الطريق للجنة مفروش بجماجم الأبرياء من البشر، وأن زورق المجد الإلهي لا يسبح إلا في أمواج الدماء المتلاطمة .
2 ــ وتنطبق هذه المحن على تاريخ أوربا كما تنطبق على تاريخنا:
في أوربا دارت الحروب والمذابح الدينية المذهبية وحركة الاستكشاف في العالم الجديد واستئصال السكان الوطنيين وسلب مواردهم تحت راية المسيح، وفي تاريخنا وتحت رايات الدين إشتعلت حروب أهلية وثورات متنوعة وقامت دول وسالت الدماء أنهاراً تحت مزاعم دينية مختلفة مثل لافتة الحاكمية للخوارج .
3 ــ قامت الدولة العباسية تحت شعار خدّاع هو ( دعوة الرضي من آل محمد ) إستغلت أحلام المطحونين ومشاعرهم الدينية وآمالهم في التخلص من الظلم الأموى . فانخرط فيها الألوف وأيدها الملايين املاً في مستقيل أفضل تحت قيادة جديدة من آل محمد عليه السلام ، وفي النهاية تكشفت الدعوة عن حكم مستبد يفوق الأمويين ظلماً وقسوة .
4 ــ وظهر ذلك واضحاً فى البداية على يد القائد أبى مسلم الخراساني ، فلم يتم له الأمر إلا بعد أن قتل ألف ألف إنسان صبرا ، أي في تركهم في السجن إلى أن ماتوا بلا طعام ولا شراب، هذا عدا من مات في حروبه من جنوده أو من أعدائه. ثم قتل أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراسانى حتى لا يزاحمه فى السُّلطة ، بل قتل عمه عبد الله بن علي . وعلى أكتاف أبى مسلم الخراسانى وعبد الله بن على العباسى قامت الدولة العباسية . وكوفىء الإثنان بالقتل لأنه صراع على السلطة ، ولكن باستخدام الدين .
5 ــ وبعد أن أقيمت الخلافة العباسية ارتكبوا سنة 132هـ مذبحة في مدينة الموصل، وقام بهذه المذبحة يحيى بن محمد العباسي أخو السفاح الخليفة العباسي، والسبب في ذلك أن امرأة ألقت ماء فوق على بعض الجنود العباسيين ، فظنها الجندي تعمدت ذلك فاقتحم الدار وقتل المرأة وأهلها ، فثار أهل الموصل وقتلوا الجندي ، ففر الجنود العباسيون واستنجدوا بالسفاح أول خليفة عباسي ، فأرسل إليهم أخاه يحيى بن محمد بجيش قدره إثنى عشر ألفاً، فنزل قصر الإمارة فلم يعارضه أهل الموصل ، تمسكا بالبيعة للعباسيين . ودعا يحيى بن محمد القائد العباسى زعماء الموصل للتفاوض ، فجاءوا مطيعين فقتلهم . فثار أهل الموصل وحملوا السلاح فأعطاهم يحيى الأمان، وأمر المنادي فأعلن أن من دخل المسجد فهو آمن ، فهرع الناس إلى المسجد، فأغلقه عليهم الجند ودخلوا المسجد فقتلوا من احتمى بالمسجد . وفي هذه المذبحة قتل يحيى العباسى عشرين ألفا من كبار الناس وأضعاف أضعافهم من العوام . وفي الليل باتت النساء يبكين رجالهن وأبنائهن فأمر (يحيى بن محمد بن على بن عبد الله ابن العباس ) بقتل النساء وأطفالهن قائلا : "إذا كان فاقتلوا النساء والصبيان . " وفعلاً في اليوم التالي إنطلق الجند على النساء والصبيان يقتلونهم خلال ثلاثة أيام .
6 ــ وكان في عسكر يحيى أربعة آلاف من الزنوج قاموا باغتصاب الأبكار والنساء الجميلات .
7 ــ وفي اليوم الرابع ركب يحيى بجنوده يتجول في المدينة وبين يديه الحراب والسيوف مصلتة ، فاعترضته امرأة واخذت بعنان دابته ، فاراد أصحابه قتلها ، فنهاهم فقالت له المرأة : ألست من بني هاشم؟ ألست من بني عم رسول الله أما تأنف للعربيات المسلمات أن يغتصبهن الزنوج؟ .! . فلم يستطع أن يرد عليها وبعث معها من أبلغها دارها في أمان . فلما كان اليوم التالي نادى في الجند الزنوج للاجتماع لأخذ العطاء"المرتب" فلما اجتمعوا أمر بهم فقتلوا عن آخرهم.
8 ــ وفي نفس الوقت كان عم الخليفة السفاح وهو"عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس" يستأصل ذرية الأمويين في الشام ويستصفي أموالهم. ولم يكتف بذلك بل أمر بنبش قبور الخلفاء الأمويين فنبشوا قبر معاوية ، فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء، ونبشوا قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاماً كالرماد ، ونبشوا قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا فيه جمجمة . وكانوا يجدون في قبور الخلفاء الآخرين عضوا أو قطعة من العظام إلا أنهم وجدوا جثة هشام بن عبد الملك صحيحة لم يبلى منها إلا أرنبة أنفه، فقام عبد الله بن على بصلب الجثة وضربها بالسياط ثم حرقها وذراها في الريح.. وقدم إلى عبد الله بن على العباسى تسعون رجلا من بني أمية مستأمنين فأعطاهم الأمان ودعاهم للطعام ، فدخل عليه شاعر اسمه سديف وأنشده شعرا يذكره بما فعله الأمويون بالهاشميين في ملكهم السابق، فأمر عبد الله بضرب ضيوفه الأمويين، فضربوهم ثم بسط عليهم السجاد، وجلس وأصدقاؤه فوقهم يأكلون وهو يسمعون أنين المضروبين إلى أن ماتوا.
9 ــ وأدت تلك المذابح وغيرها إلى أن أفاق بعض الغيورين على دينهم من مخدر الدعوة العباسية وأدركوا أنهم انخدعوا في أصحابها، ولم يكن أمامهم إلا إعلان الثورة ومحاربة الدولة التي ساعدوا في إنشائها، وذلك ما قام به ابن شيخ المهري حين خرج على الدولة العباسية وقال: ما على هذا اتبعنا آل محمد نسفك الدماء ونعمل بغير الحق وتبعه أكثر من ثلاثين ألفا ، واستطاع مسلم الخراساني هزيمته وقتله وذلك سنة 133 هـ.
10 ــ أما المثقفون الذين لا حول لهم ولا قوة فقد أفاقوا من غسيل المخ عندما وجدوا الخليفة الثاني أبوجعفر المنصور يستكمل المسيرة الدموية لأخيه السفاح ولكن يضفي عليها مسحة تشريعية مزيفة عن طريق عملائه من الفقهاء وذلك باختراع ما يسمى بحدّ الردة وحد الرجم ومن يرفض التعاون معه من الفقهاء كان يضطهده مثل ما حدث مع ضحاياه أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وغيرهم . ولذلك ظهر في عصره حركة البكائين حيث انخرط الزهاد المثقفون في بكاء مستمر،اعتبروه من معالم الدين، وكان في الحقيقة مرضاً نفسيا يعبر عن خيبة الأمل في الحكم الذي بدأ بغسيل مخ، ثم أفاقوا منه على قهر شديد.
11 ـ وتمسحا بالدين قام ابن إسحاق بكتابة السيرة النبوية ، وهو أول من كتبها بناء على أمر الخليفة المهدى العباسى ، ورسم ابن اسحاق فى سيرته صورة مزيفة للنبى عليه السلام ، هى أشبه ما تكون بالخليفة العباسى أبى جعفر المنصور ، سفّاك الدماء المشهور بالاغتيالات وقتل الأسرى ونكث العهود .
12 ــ ومن عجب أن حكومتنا الرشيدة قامت بتأجير جهازها الإعلامي لشيوخ التطرف الذين غسلوا مخ الشباب واستيقظت الحكومة بعد فوات الآوان لتجد الشباب وقد تحول من رصيد للبناء إلى معول للتخريب وسفك الدماء.