الصلاة في القرءان الكريم – آدابها ومعاييرها
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – آدابها ومعاييرها - جزء 9

غالب غنيم في الخميس ٠٩ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم – آدابها ومعاييرها - جزء 9

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) الزمر - 36

______________

مقدمه :
هذا هو البحث قبل الأخير في البحث عن الصلوة من القرءان الكريم، وبما أنه البحث التاسع، أظن انه من العبث القول – كما يدّعي كثيرون – بأن الله تعالى لم يفصّل في الكتاب الصلوة بكل أشكالها وأنواعها التي شرحناها في بحث سابق عن أنواع الصلوات!
وفي البحث الأخير سوف اتطرق بتفصيل للصلوة الموقوتة. لكن هنا ساتطرق لما هو من دون الصلوة نفسها، اي ما له علاقة بالصلوة. فإن كان الله تعالى فصّل الأمور التي تتعلق بالصلوة والتي سنراها في هذا البحث، فكيف ننكرتفصيله، سبحانه عما يخرصون، للصلوة الموقوتة ذاتها بقولنا انها أتت تواترا او منقولة من ابائنا وأجدادنا ؟!

______________

آداب الصلوة والأمور المتعلقة بها :

للصلوة آداب تم تبليغنا بها في القرءان الكريم بكل وضوح، وللأسف الشديد، اغلب المسلمين اليوم، أو بدقة أكثر، أغلب من يًسَمَّوْنَ مسلمين، لا يفقهون كثيرا من هذه الآداب!
كا أن هناك أمور تستبق القيام بالصلوة، وأمورا تلحق الصلوة بعد إقامتها، اي أن العملية كلها مترابطة مع بعضها البعض ولا تتوقف عند لحظة "الأداء " فقط، كما يظن أهل التراث حين يقولون بأن " يسقطوا عن أنفسهم الفرض" الذي لا سلطان لهم بهذا القول ولا علم منير.

- الزينة:
فمن أبسطها، أنك حين تريد مقابلة شخص مهمّ ذي مكانة عالية في المجتمع، كوزير مثلا، فأنت تتزين بأفضل ما عندك، وهذا أمر قام تعالى بذكره في القرءان حين قال سبحانه ( يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ وَلَا تُسْرِفُوٓا۟ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) الأعراف – 31

وأظن أنه أصبح من المعلوم لدى كثيرين بأن المسجد في أغلبه هو مكان السجود، وليس فقط ما نسميه اليوم، بالجامع، أما قضية أو مفردة المسجد، فقد فصلها الله تعالى في أكثر من مكان بكونها مكانا أو بنيانا، وما يهمنا هنا، هو الأمر بأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد!
فكما أنت تقابل وزيرا أو ملكا بأحسن ما عندك من ملابس وزينة، فكذلك حين تقوم للصلوة، يجب أن تكون حسن اللباس والزينة وليس متسخا أو برائحة منتنة الا من كان له عذر سنأتي اليه أدناه.

- الصوت:
كذلك طلب الله تعالى أن نتأدب حتى في درجة صوتنا أثناء صلواتنا :
( قُلِ ٱدْعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا۟ ٱلرَّحْمَـٰنَ ۖ أَيًّۭا مَّا تَدْعُوا۟ فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذَ‌ ٰلِكَ سَبِيلًۭا) الإسراء – 110 

وليس كما نجد اليوم الجميع يكادون يصرخون في صلواتهم بالمكبرات وكأنهم يتسابقون فيمن سيعلو صوته على الآخر! فمن أدب الصلوة أن لا نجهر ولا نخافت، بالرغم من ان الله تعالى يخبرنا بأنه يعلم السرّ وما أخفى، ( وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى ) طه – 7 ، فما من داع لأن نجهر بالقول في صلواتنا، فهي أقرب لأن تُسمِعَ نفسك ليس أكثر، وهذا هو ابتغاء بين ذلك سبيلا، أي لا تجعل صلواتك صامتة ولا تُسمعها من حولك بل اسمع نفسك بنفسك، وهو كاف لكَ.

فالجهر هو إعلام الجميع ممن حولك بأمر أو قول ما، كما طلبوا من موسى أن يريهم الله " جهرة" أي على الملأ أجمع، أو كما نادى البعض النبي من خلف جدران بيته فسمعهم جميع من كان بالقرب منهم (
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرْفَعُوٓا۟ أَصْوَ‌ ٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا۟ لَهُۥ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَـٰلُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) الحجرات -2 
فهو أمر قبيح لما فيه من إزعاج لمن حولنا، وهذه من لطائف القرءان الكريم في تعليمنا الأدب اللطيف في القول والنداء والدعاء بل والحديث فكيف بالصلوة ؟!
والجهر من القبح أنه قد يؤدي الى أن يحبط العمل الذي نقوم به، بسبب كونه مزعجا لمن حولنا، ولن أعلق على واقعنا العربيّ المؤلم حاليا، الذي يناقض بكل صراحة هذه الايات وآيات كثيرة مثلها في القرءان الكريم!

- الحفاظ عليها:
ومن آداب الصلوة أن نحافظ عليها ونجعلها صلوة وسطا، وليس أن نقيمها ثم نتغافل عن الحفاظ عليها، ونعود الى ارتكاب الفحشاء أو المنكر أو البغي :
ومفردة حفظ، وكنت قد تعرضت لها في أحد ابحاثي القديمة، وسأنقلها هنا، كي ننتبه ونميّز أهمية استخدام هذه المفردة في آية اختلف عليها الكثيرون في قوله تعالى (
حَـٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَ‌ ٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ)  البقرة -238
حيث وردت كلمة "حافظون" بدلالة الحفظ "الشخصي" المباشر (
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًۭا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ) يوسف – 12. اي هي مفردة تدل على عدم إضاعة الشيء، كما حدث مع الذين تلوا إبراهيم، فمن بعد ابراهيم حتى عيسى، حدث بعدهم أن أتى قوم أضاعوا الصلوة، وهذا بحدّ ذاته ينقض ويهدم فكرة التواتر في تبليغ الصلوة، بتبليغ الله تعالى لنا أنهم أضاعوها، أي لم يحفظوها، فلم تعد هناك صلوة لهم بل مكاءا وتصدية ( فَخَلَفَ مِنۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ‌ ٰتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ، فالذين هم يحافظون على صلواتهم  ( وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَ‌ ٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون – 9 ، هم المؤمنين حقا، وحين ترتبط مفردة الإيمان بالصلوة، الحديث لا بد أن يكون عن الصلوة الموقوتة، لكونها متعلقة بالفرد والله تعالى معا، وليس بمن حولنا من بشر، فحفظ الشيء يعني عدم إضاعته بشكل شخصيّ، كما تعهد الله تعالى وملائكته بنفسهم أن يحفظوا الذكر، وإضاعة الشيء تعني فقدانه، كما حصل مع يوسف وأخوته، فقدوه ولم يعد معهم، فلم يحافظوا عليه، وكذلك الصلوة، فقدوها من بعد الأنبياء، وكذلك برايي الشخصي اليوم، فقدنا الصلوة، واتبعنا الشهوات ودين الآباء والأجداد، فأصبحت صلواتنا مكاءا وتصدية، لأنها لم تعد تفي بغايتها، أو الهدف المنشود منها، وهو التقوى، فلم تعد تنهانا عن الفحشاء أو المنكر أو البغي.

فكيف نحافظ على الصلوة؟
إن كانت الصلوة تأتي بثمارها، فهي لابدّ أن تنهانا عن أبسط الأشياء، كالمنكر، أي ما ينكره الناس من حولنا من فعل أو قول! فأن أصرخ في وسط الشارع هو منكر، أمر لا يتقبله البشر من حولنا، ينكرونه، فكيف بالسماعات والمكبرات الصوتيه؟ نعم نحن نتقبلها بحكم أننا تربينا في مجتمعات تتقبلها وتعتبر عدم قبولها نوع من الكفر، ولهذا نصمت، فصلواتنا إن نهتنا عن مثل هذه الأشياء، اليس من باب أولى ان تنهانا عن الفحشاء والبغي ؟
فهل نهتنا عن الظلم والاعتداء والنميمة والغيبة ؟
الصلوة بحد ذاتها ليست الهدف، بل هي أداة تربوية للنضوج والإستواء لكي نتقي ونتهذب نفسيا واخلاقيا، وإلا فلا فائدة منها إن كانت هي الغاية بحد ذاتها!
فالحفاظ على الصلوة يكون بأن تؤتي ثمارها فينا بعد أن نقيمها ونذهب الى شؤوننا الخاصة.

- الصلوة الوسط :
من السخافة حسب رايي وفهمي الشخصي، أن نتصور أن الله تعالى يفاضل صلوة عن صلوة!  اي أن نفتري عليه بوصف ألسنتنا الكذب بأنه يقول أن نحافظ على "هذه" الصلوة من دون "تلك" بشكل خاص !

فهذا المفهوم التراثي الذي أظنه بكل استحقاق، لا يمتّ للحق بصلة، فالصلوة صلوة، وكونها موقوتة، فهي لها أهميتها التي سنتعرض لها في البحث القادم، فمن غير المنطقي ولا المعقول، ولا حتى المقبول، ان نقول بان الله تعالى يوصينا بالحفاظ على " تلك" الصلوة أكثر من "تلك"، بل إن مفردة الوسطى تم تفصيلها في القرءان بكونها تدلّ على الإعتدال والوسطيّة وليس العددية أبدا!
( لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَـٰنَ ۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍۢ ۚ ذَ‌ ٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَٱحْفَظُوٓا۟ أَيْمَـٰنَكُمْ ۚ كَذَ‌ ٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة - 89

اليست هذه الاية تفصّل مفردة الوسط بكل بيان ووضوح؟  وهل هي بحاجة لتعليق عليها؟

(
وَكَذَ‌ ٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًۭا ۗ وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌۭ رَّحِيمٌۭ) البقرة – 143

أمة معتدلة تبتغي بين ذلك سبيلا، لا تجهر ولا تخافت، لا تسرف ولا تقتّر فتبخل، وحتى في الصلوة مطلوب منها الاعتدال والوسطية، وكان النبي هو الاستثناء الوحيد من بيننا لكونه نبيا، وحامل رسالة، فبلغنا الله تعالى بأنه كان يقوم ثلثي الليل أو أدنى، وطائفة من الذين اتبعوه، فخفف عنهم، بأن قال لهم أن يقرأوا ما تيسر من القرءان بديلا عن التهجد الطويل لمن يرهق منه!
هذه هو دين الاعتدال والتخفيف والوسطية في الأمور!

ومنه، صلواتنا يجب ان تكون وسطا، لا هي كالدجاج ينقر في الأرض نقرا، فتكون سريعة نؤديها في دقيقة او اثنتين، وليس مطلوبا منا أن نطيلها أيضا! بل الله تعالى حدد لنا فترتها بكل دقّة، أي كم يجب أن نبقى نصلي من الوقت، وهذا آت في البحث الأخير بإذن الله.

- الخشوع:
 الخشوع هو الإستقرار الداخلي والخارجي الذي ينتج عن الوصول لحالة السكون والهدوء نتيجة لشيء ما !
وكما قال أحد السابقين: لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره.

والآيات التي تفصّل مفردة الخشوع في قوله تعالى :

(
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلْأَرْضَ خَـٰشِعَةًۭ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ ٱلَّذِىٓ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰٓ ۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ)فصلت – 39 

(
يَوْمَئِذٍۢ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِىَ لَا عِوَجَ لَهُۥ ۖ وَخَشَعَتِ ٱلْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًۭا) طه – 108  

ومن الطبيعي أن هذه الحالة لن يصل إليها إلا شخص يحافظ على الصلوة والصلوة الوسطى، فان تقيم الصلوة بفترتها التي فصلها الله تعالى في القرءان الكريم، والتي لا تقل عن 30 دقيقة في معدلها، ستصل الى مرحلة التواصل الكامل مع الله تعالى، والى السكون والهدوء القلبي، فيخشع القلب باصطلاءه أمام الله تعالى، ولن يأتيك لا وساوس ولا أفكار غريبة تبعدك عن الصلوة لأنك متوجه كاملا لوجه الله تعالى، وكأنك تراه، ومن هنا ستصل الى الخشوع، وهو حالة تنتابك أثناء وبعد الصلوة، وليس فقط في الصلوة كما يتصور الكثيرون!

لهذا ارتبط الخشوع في القرءان الكريم بكثير من المواقف غير الصلوات،
( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ) الحديد – 16 ، فهنا يخاطب الله تعالى الفئة التي دخلت باب الإيمان منذ فترة وجيزة، وخشوع القلوب ينتج من ذكر الله بكل أشكاله، والذي من ضمنه القرءان الكريم وما فيه من آيات، فتلين الجلود والقلوب.

والخشوع ليس بامر نتدرب عليه بل هو حالة تنتابنا إن أقمنا الصلوة بالفعل بإخلاص ورغبة في التقرب الى الله زلفا وليس بسبب كوننا معتقدين أن عدم القيام بها ذنب وخطأ! فالقضية ليست قضية خوف من عذاب، في الأصل، غير مذكور في القرءان الكريم، بل القضية قضية رغبة شخص في ان يتقرب الى الله درجات أعلى من غيره!

- الغسل للصلوة – الوضوء لغةً :

قبل أن نأخذ زينتنا هنالك أمور يجب علينا القيام بها عند كل صلوة! وليس مرة واحدة في اليوم! بل عند كل صلوة نقوم بها بكل معنى هذه الكلمات من دقة. وهي أن نجهز أنفسنا للصلوة، بالقيام ببعض الأمور- الحركية – ومنها الغسل، قبل "كل" صلوة، فيجب أن نغسل ايدينا الى المرافق وأوجهنا ونمسح برأسنا أو جزء منه، ونغسل اقدامنا الى الكعبين:

( يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغْسِلُوا۟ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُوا۟ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًۭا فَٱطَّهَّرُوا۟ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا۟ مَآءًۭ فَتَيَمَّمُوا۟ صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍۢ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة - 6

(
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا۟ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُوا۟ مَآءًۭ فَتَيَمَّمُوا۟ صَعِيدًۭا طَيِّبًۭا فَٱمْسَحُوا۟ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) النساء – 43

نلاحظ أولا استخدام الله تعالى لمفردة (
قُمْتُمْ) ولم يستخدم "أقمتم"، وهذه من لطائف القرءان الكريم، للدلالة على بدء الرغبة بالحركة للقيام الى الصلوة الموقوتة، بل ومن كونها موقوتة، فهي زمكانية، لأن المفردة تحتوي على مفهوم الزمان والمكان، فالموقوت يحمل في داخله وقتا وميقاتا، والوقت زمان والميقات مكان كما أتى موسى لميقات ربه، فتعجل زمانيّا وذهب مكانا محددا، لمن يقرا القرءان، وقرا قصص موسى وميقاته!
ثانيا كل هذه الأمور التي نقوم بها قبل أن نصلي هي بذاتها حركات، ومن يستهزيء بالحركات بقوله أنها وثنية المغزى، فهو لا يعلم قوله تعالى (
وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًۭا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) المائدة – 48

فمن يفقه قوله تعالى (
لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةًۭ وَمِنْهَاجًۭا) سيفقه أن هذه هي شرعة القرءان، وليست شرعة كل الناس، ولك أن تتبعها، ولغيرك أن يتبع شرعته، والحمد لله أن الله تعالى لم يقل انه سيعاقب الذين اتبعوا شرعتهم من الملل الأخرى، التي نعلم بها والتي لا نعلم، فما يهمني أنا غالب غنيم كباحث ومتدبر هو أن اجد في الرسالة التي أرسلها الله تعالى إليّ، عبر تبليغ نبيه عليه السلام لها إلينا، أن أجد " الكيفية " و " النوعية " لمناسكي من داخل هذه الرسالة بحد ذاتها، مفصّلة وليس أن أفصلها أنا على هواي بجعلها قلبية كما التسبيح!

وعودة للغسل، ولانعلم السببية من حكم الله تعالى به قبل أن نقوم للصلوة، لكن يمكننا أن نفتري الكذب عليه مدّعين بأن القيام بهذه الأعمال ينشّط الجوارح، وينبه المركز العصبي، وخاصة حسب فهمي الشخصي لمواقيت الصلوة التي تكون في الفجر والعشاء ومن الليل والتي عادة تكون أشد وطئا (
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْـًۭٔا وَأَقْوَمُ قِيلًا) المزمل – 6 ، فنحن نعود من العمل مرهقين، وحين نصحو كذلك نكون في حالة غياب ذهني بسيط من أثر النوم، ونكون بحاجة لتنشيط هذه الأجهزة العصبية من خلال غسل بعض الأطراف بالماء، ولا أظن للنظافة هنا أي دور، فالأمر يمكن الاستغناء عنه في حالات مستثناة، ولهذا، أرى الغاية منه هي تجهيز الجسد، ليصحوا ويتنشط، كما سنتعرض لتجهيز القلب والنفس ايضا بعد قليل، لأننا على وشك القيام بلقاء مع رب الناس وملكهم، فلا بد من أن لا نكون في حالة سكر، أو شرود ذهن أو نعس او كسل ناتجة عن الارهاق والتعب والنوم، وهذا هو فهمي الشخصي للغسل، فالنظافة أتت في آية الزينة  وفي الاغتسال وليس الغسل، فأخذ الزينة لا بد أن يسبقه كوننا غير متسخين!

- التخفيف في الغسل :
وفي حالة انعدام الماء، ليس علينا من حرج بأن لا نغسل بل نبحث عن صعيد طيّب، وهو العطر مثلا، او ما شابهه، فنمسح بوجوهنا وأيدينا منه فقط، وقد قام كثير من المفكرين بتفصيل الصعيد الطيب وأغلبهم خلصوا إلى كونه العطر، فالصعيد ليس التراب كما يدّعون، فالصعيد منه الجرز وهو التراب والغبار، ومنه الزلق ومنه الطيب، ومن يتخذ زينته، لن يتجه للتراب، بل لما هو طيب، ولنتنبه لقوله تعالى (
مِّنْهُ)، فهو شيء ملموس وليس كما قيل لنا، بكونه الغبار أو التراب.

ومن هنا نفقه أن القضية ليست إنقاص في الصلوة، اي عدم الغسل، فلو كان الغسل جزءا من الصلوة لما كان لنا أن نصلي بدون ماء، لكن الأمر كله في الآداب العامة والتجهيزات السابقة على ميقات ربنا معنا!


- الإغتسال :
وهو حالة خاصة، تتم في حالة كون الانسان ذاهب الذهن بسبب خمر أو حالة نفسية، أي سكرانا، وحالة جُنُبا، أي متسخا تماما، وليس كما قيل لنا في التراث، فحالة الاتساخ التام يتصف بها الانسان كذلك في السفر، اي عابر السبيل، الذي يمر في طريق ما، وجاء ميقات الصلوة، فمطلوب منه الاغتسال وليس الغسل، وهنا من البديهي، أن الأمر يمسّ النظافة الجسدية تماما وليس كما الغسل – الوضوء – المنبّه للجوارح، فالآية (
وَإِن كُنتُمْ جُنُبًۭا فَٱطَّهَّرُوا۟) تم تفصيلها بحمد الله في قوله تعالى (وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا۟) ، ومنه، وبكل بساطة، نفقه أن الجنب في اغلبه يكون عابر السبيل (أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ)، وهذا أمر طبيعي، فعابر السبيل كل جسده يكون متعرّقا وقد تكون له رائحة، وليس دائما عنده القدرة أو الامكانية على الاغتسال، فتم اسثناؤه، لكون حالته خاصة، ولن يستطيع دوما الاغتسال، كما أنه يكن من الذين يعملون في عمل يتسخون منه ويتعرّقون مثل العمل في النظافة والسمك والحدادة مثلا.

أذا الاغتسال مطلوب لمن هوفي حالة ذهاب الذهن بسبب الخمر أو بسبب حالة نفسية،  والجُنُب المقيم في بيته ومكان عمله، وهم كثر، فما أكثر الوظائف التي تجعلنا نتسخ، فوجب علينا الاغتسال منها وليس الغسل قبل أن نقوم للصلوة.

- التسبيح:
وكما قلنا أعلاه بأن نقوم بتجهيز الجسد، فمن الجميل تجهيز النفس أيضا بالتسبيح قبل بدء الصلوة ومن بعدها، لكي نبدا في تجهيز النفس للدخول الى لقاء خالقها، وفي القرءان الكريم، لا وجود لوقت محدد لتسبيح، فهو ممكن في كل وقت، وقمنا بتفصيله سابقا، وتبيان الفرق بينه وبين الصلوة الموقوتة، بكونه عمل قلبي، يمكننا القيام به في كل مكان وزمان أثناء العمل أو غيره، ولكن الله تعالى بلطف أمرنا أن نسبحه من قبل الصلوة ومن بعدها أيضا:

(
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ * وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَٰرَ ٱلسُّجُودِ) ق –
39:40
(
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآئِ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ) طه – 130

ومن المعلوم أن أدبار السجود هو بعد الانتهاء من الصلوة الموقوتة  التي تنتهي بالسجود.

 


الخلاصه:
- في حالة وجود الماء فالغسل هو المطلوب إلا إن كان من الغسل حرج كالمريض.
- التخفيف في الغسل مسموح في حالة انعدام الماء فقط.

- في حالة الجُنُب عابر السبيل فليس شرطا عليه الاغتسال بل يغسل إن وجد ماءا وإلا التخفيف مسموح.
- في حالتي السكر والجُنُب المقيم فالاغتسال هو المطلوب.

- فإن حدث ان غسلنا أو اغتسلنا وقبل ان نصلي، فعلنا أو وقعنا في أحد هذه الحالات فيجب إعادة الغسل  (أَوْ جَآءَ أَحَدٌۭ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ) إن كان هنالك ماء.


______________

خلاصه :
إن كان كل هذا يجب أن نقوم به قبل وأثناء وبعد إقامة الصلوة، وأغلب هذه الأمور – حركات – للذين يكرهون هذه المفردة، فكيف يدّعون أنه لا حركات في الصلوة ذاتها ؟! فجعلوا من التسبيح صلوة !!!

إنتهى.

والله المستعان

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 15570