منذ ست سنوات في عام 2009 كنت شاهداً على حرب السعودية مع الحوثيين، وقتها كنت عضواً في جماعة الإخوان، وأتابع أخبار الحرب من مواقعهم ومن قناتي الجزيرة والعربية، لم يكن هناك إعلام مؤيد للحوثي حتى ينقل وجهة نظره وأخباره عن الحرب، الإعلام اليمني بالكامل كان تحت سيطرة الدولة ورئيسها علي عبدالله صالح، لم يكن صالح وقتها حليفاً للحوثي بل كان عدواً طلب تدخل المملكة للقضاء عليهم في صعدة.
كانت أجواء مذهبية فرضت تعاطفاً إخوانياً مع العدوان ، مع وجود عدة عقلاء رأوا أن ذلك تحدياً لوحدة وتعايش المسلمين..ورغم ذلك لم يُخفوا دعمهم للسعودية ضد العدوّ الشيعي بالنسبة لهم.
رموز طائفية سعودية كالشيخ ناصر العُمُر والشيخ محمد العريفي ذهبوا إلى ميدان القتال وخطبوا في الجنود.. أن هذه المعركة مقدسة لابد لهم من القضاء على العدوّ الرافضي، استدعوا معها خُطب وفتاوى ابن تيمية في الجهاد وفي الشيعة، استدعوا معها فقه الأئمة الأربعة ورؤيتهم للشيعة بالمُجمل، كان معها الإعلام السعودي والقطري يُشبه ما عليه الآن من أجواء انتفاشية وغرور قوة.. وأخبار مضروبة على شاكلة ، قتلنا الآلاف ولم يعد سوى القليل الهارب في ثغور الجبال.
لم تكن هناك وسيلة إعلامية واحدة للحوثيين للتأكد من صحة هذه الأخبار، إعلام سعودي كاسح ونخبة مثقفة تدعي زوراً إلمامها بالحرب وأبعادها، ظهر أنها مثقفة فعلاً ولكن في شئ واحد وهو.."الكذب"..فالثقافة تفرض عليهم عدم اليقين بدوافع وأساليب خصم دون عرضها على معايير عقلية ومنها.."الشك"..فاستقبلوا كل ما تبثه القنوات على أنه حقيقة مؤكدة وأن القضاء على الحوثيين لم يعد على تحقيقه سوى ساعات قليلة.
طال أمَد الحرب وفي كل يوم أخبار عن قصف سعودي وتوغّل بري في مناطق صعدة وأسر الآلاف من جنود الحوثي حتى ظن المتابع أن الحرب قد انتهت مع أول خبر، ومع توالي الأخبار وطول زمن الحرب حتى تجاوزت الشهر-تقريباً-تسرب الشك في أنفس الأنصار، وأن الذي يحدث على الأرض مخالف لما يُعلنه الساسة والجنرالات من نصر عسكري يومي.
انتهت الحرب فجأة بانسحاب سعودي وقرار أممي بوقف إطلاق النار، ولم يظهر معها من الفائز، لم تحتفل السعودية ولم نرى إعلاماً حوثياً أصلاً كي نرى احتفالهم، ظلت هذه الحرب لغز مجهول في طبيعته ونتائجه، من المُخطئ؟..من المبادر بالعدوان ؟..ما الذي حدث في الحرب؟..ما النتيجة ؟..وهل الأخبار السابقة بقتل الآلاف من الحوثيين وأسر مثلهم كان حقيقياً ؟..ولو كان حقيقياً فلماذا لم نرَ نهاية الحوثي ؟..لماذا ظهرت الجماعة وأنصارها بعد ذلك بشكل مكثف ؟
لقد وقعنا ضحية إعلام كاذب ومضلل عانينا منه في مصر إبان هزيمة67، وهذا معهود مع أي أجواء انتفاشية تعيشها الشعوب، يُصاحب تلك الأجواء عادةً غرور قوة غير مبرر أزعم أن دول الخليج ومصر يعيشونه الآن، كسر هذا الصمت تصريح الإعلامي المصري .."توفيق عكاشة"..عن أن العدوان السعودي على اليمن 2015 هو مجرد .."زعابيب"..سوف يؤدي إلى.."نكسة"..ولم يُخفِ هذا الإعلامي –المعروف بجُرأته في النقد والتوقع- تأييده للحرب باعتبارها ضد عدو قومي للعرب وهو إيران، وهذا يعني عدم رضائه عن سير العمليات أو عن طبيعة الحرب نفسها أن تبدأ وتسير بهذا الشكل.
وأنا أصدقه القول أن طبيعة الحرب فرضت على السعودية تشكيل تحالف.."مذهبي"..يضم دولاً سنية لحشدها ضد عدوّ شيعي..مما يطعن في أخلاقية هذه الحرب وجدواها في تحقيق الاستقرار..هذا من ناحية، من ناحية أخرى أن الحرب جاءت كرد فعل على تمدد الحوثي في جنوب اليمن ، ومعلوم أن قيام الحروب على أساس ردود الأفعال هو هزيمة في حد ذاته، حيث يُعطي المبادرة للخصم أن يفعل ما يشاء ويقرر ما يشاء مهما كان ضعيفاً.
كتبت مقال سابق بعنوان.."العدوان السعودي على اليمن..إلى أين؟"..وعرضته للحوار على صديق سعودي قال "منطق عجيب ياسامح
يعني عشان عندنا محطات تحليه نترك ايران تبني دوله معاديه لنا على الحدود
لو ان الدوله اليمنيه ونظامها السياسي تطور سلميا واصبح معادي للسعوديه ربما ﻻ-;- مشكله. ولكن النظام السياسي يتطور بقوة السلاح والقهر وقصف سكن الرئيس الشرعي واعضاء حكومته وخطف وقتل المعارضين فهل هذا يسكت عليه. اريد رد على هذه النقطه.
ثانيا الصواريخ التي تصل الى جده صواريخ ضخمه جدا وتحركاتها واطلاقها يحتاج الى خبراء عسكريين وليس عصابه.
الحوثي غير مؤهل للدخول في حرب.
ربما علي عبدالله صالح ومن معه من بقايا الجيش اليمني والقبائل لديهم تدريب وقدرات ولكنها حرب وﻻ-;- يمنعك بعض قدرات عدوك عن اﻻ-;-ستسلام لما يجري حولك. خوفك ليس مبرر على محطات التحليه ولكن ربما يمكن لعلي عبدالله صالح اﻻ-;-ضرار بعدن او ببعض المنشئات السعوديه على الحدود ولكن هذا يحصل في الحروب وليس كافيا لعدم الدخول في حرب مصيريه.
اخيرا أعطينا البديل لهذه الحرب . هل نترك ايران تعربد في اليمن. " انتهى
كان جوابي" صديقي العزيز :قالها ابن الصمة..."نصحوا فاستهانوا بالناصحين حتى عمت البلوي"
السعودية الآن في مرحلة بناء ...كان أولى بها التفرغ لذلك البناء لا الدخول في حرب مع شعب مسلح بهذه السرعة وهذا الأسلوب الذي ينم عن قلة خبرة ..أن تهجم على عدوّ ولديك بنك معين من الأهداف يعني حين زوال هذا البنك -ولم تحقق أهدافك -ستضطر إما إلى توسيعه ليطال أهداف مدنية وإما إلى تطويره ليكون حرب برية..
في الأولى ستظهر كمجرم حرب..وهذا ما تستعد الآن وسائل الإعلام المعادية للسعودية-وهي كثيرة-في العمل عليه، وقتها ستفشل السعودية حتى أمام مواطنيها وربما يُصاب البيت السعودي بالانهيار...
في الثانية أنت دخلت عملياً في مستنقع مع شعب لديه أكثر من 50 مليون قطعة سلاح، الشعب اليمني تعداده 25 مليون أكثرهم في الشمال مع الحوثي، ولديهم حلف عسكري مع صالح وعبدالملك لن يزول، كان أولى بالسعودية التفاوض معهم لا تحديهم..لأن ذلك يفرض عليك الإجابة على سؤال واحد..."هل ستقتل الملايين"..؟
لن أناقشك في العلاقة بين قبائل اليمن وقبائل نجران وجازان وعسير..فلا أعلم طبيعتها..والوارد لي ثمة تربيطات وعلاقات ليست بالهينة، قد تتورط السعودية معها -لو تطورت العلاقة بينهم- لعلاقة تحالف..وفي تقديري سيكون ذلك مرحلة متأخرة-لو حدث.
عداءك مع إيران أتفهمه..ولكن ما لا أتفهمه هو حصر صراعك معها بالخيار العسكري، فلا أنت قادر على مواجهتها ولا أنت قادر على إقناع حلفائك بالتمادي في عدوانك على حلفائها ، قلت باكستان وظهر أن باكستان لن تتورط في اليمن، قلت أفريقيا ومصر.. ويستحيل أن ترسل إليك هذه الدول جندياً واحداً لأن هذه المعركة بالنسبة لهم مجهولة...
رهانك الوحيد هو على الضربات الجوية..وهذا رهان قديم لا يمكنه تغيير أنظمة سياسية..فضلاً على أن حدود اليمن مفتوحة براً وبحراً وتكلفة حصارها مكلفة للغاية، قد تضطر إيران معها لتغيير المعادلة بالتحالف مع روسيا متى شاءت، وستعجز عن منعها لأنك غير قادر على اختراق المجتمع اليمني فما بالك بمن جاء "لنجدة" هذا الشعب..
ليس لديك سوى الخيار السياسي ودعم فكرة التقريب بين المسلمين وحصار كل الأبواق الداعية للعنف الطائفي، هذه الحرب ستُغذي داعش، ربما لو كان عدد الدواعش لديك في المملكة الآن 1000 سيُصبحوا عدة آلاف بعد الحرب، والسبب أنك أشعلت ما لديهم من نوازع مذهبية وأفكار طائفية عاشوا عليها، السعودية هي أكثر دول العالَم تغريداً لداعش حسب إحصائية تويتر، يعني ذلك أن المجتمع السعودي من الداخل هشّ..لا هو قبلي صِرف ولا مدني صِرف ولا ديني صِرف..سيتصارعون لو شعروا بضعف السلطة"..انتهى
باختصار: نحن أمام حرب مذهبية صِرفة اعتقدت السعودية معها أنها تمثل أهل السنة مقابل ممثل أهل الشيعة وهو إيران، لكن ليس هكذا بالضبط فهي لا تحارب إيران، ولكن تحارب حليف له مشهور بضعفه وفقره، ربما هي من علامات حرب الفقراء في عالم ما بعد الحداثة، الكل اجتمع على الفقراء، أمريكا لم تُعلن الحرب على أفغانستان إلا بعد افتقاره لأسباب العيش الآمن والبسيط، وكذلك العراق لم تعلن غزوه إلا بعد نفاذ مواده الأولية ودخوله-نتيجة للحصار-في أزمات إنسانية.
كذلك السعودية ارتكبت هذه الجريمة في حق الفقراء وهي تعلم أنها غير قادرة على حرب الأغنياء..لعلها وجهة نظر اشتراكية لا أخفي إعجابي بها..وهي بُعد اجتماعي آخر للحرب يُضاف للبُعد المذهبي الحاضر بقوة الآن في الإعلام وعلى المنابر، وكما قلت أن هذه الأجواء الانتفاشية المذهبية لا تُبشر إلا بسوء الطالع، لا الشباب لديهم قدرة على التواصل والتسامح، ولا الأجيال القادمة ستتخلص من هذا العَفَن الذي نعيشه، وربما يتوارثون أحقادنا ويقعوا ما وقعنا فيه بجهلنا وعنجهيتنا بخوض حروب عبثية يمكن تجنبها بأدنى لحظة صدق مع النفس.