هل للمرأة الحق أن تطلب الزواج من رجل؟
عزمت بسم الله،
المجتمع ( الإسلامي ) يرفض رفضا قاطعا أن تبادر المرأة أو البنت في طلب الرجل إلى الزواج، و حتى والديها لن يعرضوا بنتهم للزواج لرجل، حتى لو رأوه مناسبا أو أهلا لبنتهم.
فهل الأنثى في المجتمع الإسلامي تعتبر من الممتلكات المنقولة؟؟؟ ولا يحق لها أن تُظهر شعورها ( ولا شعرها..) إذا رأت في رجل ما تتمنى أن تحظى به في حياتها وترجو السكون والمودة والرحمة معه...
إن واقع المجتمع الإسلامي يرى أن الأنثى لا تستحق أن تختار بنفسها من ترى فيه فارس أحلامها، وقد قال الشاعر الحكيم معروف الرصافي ما يلي:
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم ** إذ أكرهوك على الزواج بأشْيَبا
طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا ** بفضول هاتيك المطامع أشعبا
أفكوكب نَحْس يُقارن في الورى ** من سعد أخبية الغواني كوكبا
فإذا رفَضْتِ فما عليك برفضه ** عارٌ وأن هاج الوليّ وأغضبا
أن الكريمة في الزواج لحُرّةٌ ** والحرّ يأبى أن يعيش مذبذبا
قلب الفتاة أجلّ من أن يُشترَى ** بالمال لكن بالمحبّة ُيجتَبَي
أتُباع أفئدة النساء كأنها ** بعض المتاع وهنّ في عهد الصبا
هذا لعمر اللّه يأبى مثله ** مَن عاش ذا شرفٍ وكان مُهَذَّبا
بيت الزواج إذا بَنَوْه مجدّداً ** بالمال لا بالحبّ عاد ُمخرَّبا
يا مَن يساوِم في المُهُور ُمغالياً ** ويميل في أمر الزواج إلى الحبا
أقصِر فكم من حرّة مذ اُنزلت ** في منزل الرجل الغني بها نبا
أن الزواج محبّةٌ فإذا جرى ** بسوى المحبّة كان شيئاً متعبا
لا مهر للحسناء إلا حبُّها ** فبحبّها كان القران ُمحَبَّبا
خير النساء أقلّها لخطيبها ** مهراً وأكثرها إليه تحبُّبا
وإذا الزواج جرى بغير تعارف ** وتحابب فالخير أن نترهّبا
هو عندنا َرميُ الشِباك بلُجَّةٍ ** أتُصيب أخبَثَ أم تصادف أطيبا
وما قاله الشاعر الحكيم هو واقع المسلمين إلى اليوم وربما تعقَّد أكثر وتراجع عما كان فيه في الماضي والأخذ بما شرع الله تعالى في الكتاب المبين ( القرءان العظيم).
إن في قصص القرءان العظيم لعبرة لأولي الألباب، فقد ذكر لنا مثلا في بنت شعيب عليه السلام، التي طلبت من والدها أن يستجير موسى عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، لما رأت فيه الرجل المناسب لها، فقد عرض النبي شعيب بنتيه على موسى عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، لينكح إحداهن ولم يكن يعلم عنه شيئا، إلا أن عمله الذي قام به من سقي الماشية ومساعدة بنتيه في السقي، تبين له أنه إنسان متخلق يستحق نكاح إحدى ابنتيه، وربما قد لاحظ أن إحدى ابنتيه قد تأثرت به، خاصة لما بادرت فتطلب من والدها أن يستأجره ليكون قريبا منهم لما شاهدت فيه من قوة وأمان. قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26). القصص.
لم يتردد شعيب على موافقة بنته التي طلبت منه أن يستأجره، لأنه فهم منها أنها قد وقع في قلبها، وتمنت أن يكون شريك حياتها. قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ..(27).القصص.
نلاحظ أن شعيب عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، عرض عليه بنتيه. (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) ولم يفرض عليه التي طلبت منه أن يستأجره، ليعطي الفرصة لموسى كذلك ليبدي رأيه ويختار منهن واحدة..
فكانت الموافقة بين الطرفين على أن يأجره ثماني حجج أو يتم عشرا، فتزوج موسى من إحدى بنات شعيب عليهما السلام، فلما قضى الأجل رحل بأهله...
وما قام به شعيب عليه وعلى جميع الأنبياء السلام مع بنته، في نظري يبرأ ذمة الوالد من التفرد قي اختيار زوج لابنته، حيث إذا لم يحصل التوافق بينهما لا قدر الله تعالى، فيمكن أن تلوم البنت والدها على الاختيار الغير الموفق، بينما إذا اختارت البنت بنفسها من تراه مناسبا لها ولم تدخل فيه المصالح المادية وغيرها، فإن البنت تتحمل وحدها نتيجة اختيارها...
ولنا أيضا في رسول الله محمد عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، أيضا عبرة في الموضوع فقد وهبت امرأة نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ...(50) الأحزاب.
وفي لهو الحديث كذلك نجد مثالا على طلب خديجة بنت خويلد من والدها تزويجها بمحمد بن عبد الله. فقد تزوج خديجة بعد أن استأجرته واستأمنته على مالها، فطلبت من والدها أن يزوجها بمحمد بن عبد الله . جاء في مسند أحمد هذه القصة:
2705 - حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِى عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا يَحْسَبُ حَمَّادٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ وَكَانَ أَبُوهَا يَرْغَبُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَصَنَعَتْ طَعَامًا وَشَرَابًا فَدَعَتْ أَبَاهَا وَزُمَرًا مِنْ قُرَيْشٍ فَطَعِمُوا وَشَرِبُوا حَتَّى ثَمِلُوا فَقَالَتْ خَدِيجَةُ لِأَبِيهَا إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَخْطُبُنِي فَزَوِّجْنِي إِيَّاهُ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ فَخَلَعَتْهُ وَأَلْبَسَتْهُ حُلَّةً وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ بِالْآبَاءِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ سُكْرُهُ نَظَرَ فَإِذَا هُوَ مُخَلَّقٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ فَقَالَ مَا شَأْنِي مَا هَذَا قَالَتْ زَوَّجْتَنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَنَا أُزَوِّجُ يَتِيمَ أَبِي طَالِبٍ لَا لَعَمْرِي فَقَالَتْ خَدِيجَةُ أَمَا تَسْتَحِي تُرِيدُ أَنْ تُسَفِّهَ نَفْسَكَ عِنْدَ قُرَيْشٍ تُخْبِرُ النَّاسَ أَنَّكَ كُنْتَ سَكْرَانَ فَلَمْ تَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيمَا يَحْسَبُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ.
مسند أحمد - (ج 6 / ص 237) المكتبة الشاملة.
حسب دين الله تعالى وشرعه لا فرق بين أن يتقدم الرجل إلى امرأة بغرض النكاح، أو تتقدم المرأة بطلب إلى رجل رغبة في النكاح، إذا توافقا وقدم الرجل الصداق ووفر جميع شروط ديمومة الزواج وساد بينهما روح المحبة والسكينة والرحمة.
لكن لا كما يريد البخاري المشجع للفاحشة والرزيلة حيث جاء في كتابه:
4725 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَا كُنَّا فِي جَيْشٍ فَأَتَانَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ لَيَالٍ فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا...
صحيح البخاري - (ج 16 / ص 74) المكتبة الشاملة.
للعلم فإني لم أجد هذه الرواية في مسلم ولا في غيره من كتب الحديث، وقد تفرد بها البخاري والله أعلم قصده من ذلك...
قال رسول الله عن الروح عن ربه:فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ(79).البقرة.
وأقول إن الدكتور عبد المهدي المقدس لكتاب البخاري يعتبر شريكا في نشر الرزيلة لأنه عصم كتاب البخاري من الخطأ...
والسلام على من اتبع هدى الله تعالى فلا يضل ولا يشقى.