ج 2 ف1 : تشريعات الصلاة الصوفية بالأوراد والأحزاب

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٧ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

تشريعات  الصلاة الصوفية بالأوراد والأحزاب 

1-الصلاة تعني الدعاء معنى وقد جسد الصوفية في التوسل بالأولياء معنى الصلاة. والصلاة تعني الركوع والقيام والسجود شكلاً، وقد تعبد الصوفية لأشياخهم بركوع وسجود وقيام ذليل.وفى الصلاة تسبيح وتحميد. ولم ينس الصوفية أن يخترعوا صيغاً مطولة لتمجيد الأشياخ أطلقوا عليها الأوراد والأحزاب والصلوات.وقد قرن الله سبحانه وتعالى بين التسبيح والصلاة ، وجعل تسبيح الطير صلاة له جل وعلا فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) النور ) . والصوفية قرنوا الورد او الحزب بالصلاة، فحزب الشاذلية المنسوب لإبن بشيش معروف بأنه (صلاة ابن بشيش ) وفيه يقول ( وزجُني في بحار الأحدية ، وانشلني من أوحال التوحيد ، واغرقني في بحر عين الوحدة )[1].

2- ومن الطبيعي ان تعكس اوراد أو صلوات الصوفية عقائدهم في الإتحاد بالله  من خلال آيات قرآنية وابتهالات لله تعالى.

فالشاذلي – الصوفي المعتدل – يقول في نهاية حزبه بعد آيات قرآنية كثيرة للتمويه ( اللهم صلني بإسمك العظيم الذى لا يضر معه شيئ في الأرض ولا  في السماء، وهب لي منه سراً لا تضر معه الذنوب شيئاً ، واجعل منه وجهاً تقضى به الحوائج للقلب والعقل والروح والسر والنفس .. وادرج أسمائي تحت أسمائك وصفاتي تحت صفاتك وأفعالي تحت أفعالك .. واغنني حتى تغنى بي ، واحيني حتى تحيى بي ما شئت ومن شئت من عبادك ،واجعلني خزانة الأربعين..)[2].

ويقول تلميذه ابو العباس المرسي في حزبه ( اللهم يا جامع ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية والإخلاص والخشوع والهدية والحياء.. وخصنا منك بالمحبة والإصطفائية والتخصيص والتولية وكن لنا سمعاً وبصراً ولساناً وقلباً وعقلاً ويداً..) إلى أن يقول :(.. ضيق عليّ بقربك واحجبني بحجب عزتك وعز حجبك وكن أنت حجابى حتى لا يقع شيئ منى إلا عليك.. وهب لي حفنة من حفناتك ، ونوراً من أنوارك، وذكراً من أذكارك، وطاعة من طاعات أنبيائك وصحبة لملائكتك.. واجعلني حسنة من حسناتك ورحمة من عبادك.. وارفع الحجاب فبما بيني وبينك ، واجعل مقامي عندك دائما بين يديك ، وناظرا بك إليك ، واسقط البين عني حتى لا يكون بيني وبينك .. يا الله يافتاح يا غفار يا منعم يا هادي يا ناصر يا عزيز هب لي من نور أسمائك ما تحقق به حقائق ذاتك)[3]

3- وأصبح لكل شيخ صوفي ورده الخاص به الذي يتعبد به أتباعه ومريديه ، فكان الإختلاف في الأوراد الصوفية نتيجة طبيعية لإختلاف الأشياخ ، يقول في ذلك أحد باحثي الصوفية (اجتهد كل فيما رآه ، فاختلفوا في الأذكار كإختلاف أهل المذاهب)[4]

ومع ان تلك الإختلافات شكلية مظهرية إلا أن كل فريق حرص على إعلاء ورده وحزبه على حساب الآخرين ، ففي مناقب الوفائية روايات كثيرة تؤكد أن ( من قرأ حزب الوفائية غفر له)[5]. ويقول كاتب الوفائية ( واعلم يا أخي ان أحزابه وتوجهاته وأذكاره وأوراده وآدابه جامعة مانعة )[6].

ومن ناحية أخرى كان الشيخ أبو الحمائل يكره للمريد قراءة حزب الشاذلية وأحزاب غيرهم[7]..

4- واحتلت الأوراد مكانتها كعمود لتدين التصوف يماثل الصلاة في الإسلام .. فيقال عن اعتناق التصوف أن الصوفي يتلقن العهد والأوراد ،فزروق الفاسي ( لقنه  الحضرمي العهود والأوراد وأدخله الخلوة )[8]. تماما كما يتعلم الداخل في الإسلام الصلاة بعد الإقرار بالشهادة.

وإذا كانت الصلاة قد فرضت على المسلمين كتابا موقوتا خمس صلوات في اليوم والليلة ‘ قإن الأوراد وزعت توزيعا زمنيا يختلف بإختلاف الأشياخ والطرق .. فوضعت أوراد لكل يوم من أيام الأسبوع كما فعل الخفاجى حين تكلم عن مفاتيح الأوراد لكل يوم من أيام الأسبوع[9]، وألف السيوطى فى الأوراد كتاب( عمل اليوم والليلة)[10]. وزع فيه الأوراد على الأيام والليالى لكل الأسبوع .. واشتهر هذا الكتاب للسيوطى وشاع أن (من قرأ الأوراد الواردة فى عمل اليوم والليلة للسيوطى فليس للجن ولا للإنس عليه سبيل)[11].. وألف غير السيوطى فى الأوراد ، مثل ابن داود الذى (عمل فى الأوراد مجلداً ضخماًً)[12]..

وهذا التشريع وذلك الإختلاف فى الأوراد وتوزيعها وصيغها يذكرنا بالقول السابق عن الأوراد والصوفية من أنهم(اختلفوا فى الأذكار كإختلاف إهل المذاهب ) أى كإختلاف الفقهاء في أمور خاصة بالصلاة ، أي أن لهم دينا أرضيا يعكس إختلافاتهم ومذاهبهم ، كما حدث فى الدين السّنى ومذاهبه وإختلافاته ، وكما فى دين التشيع من طوائف وإختلافات ، ودائما فإن المشركين فى شقاق ، يقول جل وعلا: ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج ). ولكن بينما يقوم دين التصوف على الاختلاف ويعترف به ويتسامح فيه ، ويتفرّق الى طرق صوفية متنوعة لكل منها أورادها وأحزابها وشيوخها، فإن دين السّنة يتأسس على التعصب فى داخله بين المذاهب ، وفى خارجه ضد الأديان الأرضية الأخرى سواء كانت محمدية أو مسيحية .

6- وفي مجتمع يتدين بالتصوف فالمنتظر أن يردد الأوراد آناء الليل وأطراف النهار في الوقت الذي  يهمل فيه الصلاة الإسلامية. فكان من علامات التدين أن يوصف الشخص بالأوراد ، فالشيخ الفقيه ضياء الدين الشافعي ( ت780) ( له تهجد وأوراد ، لم يقطع ورده ولا ليلة موته)[13]. وابن سلطان (ت853) ( كان مديما للتلاوة والتسبيح والذكر والأوراد)[14]. وقيل في آخر  ( كان يداوم على  التهجد والأوراد)[15]. ووصف المقريزي  بكثرة الأوراد والتهجد [16]. ومثله ابن ظهير 817 ( كان كثير العبادة والأوراد)[17]..

وقال المقريزي عن ابن العديم الحنفي   (كان ذا دين وتعبد وأوراد )[18]. . وابن داود الذى ألف في الأوراد مجلداً ضخماً مات بعد فراغه من قراءة أوراد الجمعة [19]. وممن وصف بالعبادة والأوراد ابن جماعة [20]. وسراج الدين القرمي [21]. وظافر الفيومي [22]. وآخرون كالبلالي [23]. والنعماني[24]. وقيل في القاضي بدر الدين البغدادي( كان له أوراد هائلة)[25].

ولم تتخلف النساء عن التعبد بالأوراد مثل أخت نجم الدين بن صهري وكان لها أوراد وتسبيح [26].

وأغرم بالأوراد طائفة من المماليك مثل الأمير جانم الذي أحب الفقراء وكان كثير العبادة والأوراد [27]. وكانت للسلطان قايتباي ( أذكار وأوراد جليلة تتلى في الجوامع[28]. ووصف الغوري بالرأي والتدبير مع الذكر والورد[29].

السبحة

1- كانت المظهر العملى للتدين السطحى وآلة للأذكار الصوفية والعبادة عامة فى العصر المملوكى .

2- والسبحة دخيلة على الأديان فلم يرد لها ذكر فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا فى القرآن ،ولكن نشرها المتصوفة بين المسلمين كإعانة للتعبد فصارت من الأصول المرعية عندهم يستعملونها فى حلقات الذكر ويحفظها شيخ السبحة وخادم السبحة فى صندوق خاص[30].فذكر أن المنصور لاجين رتب شيخاً للسبحة فى الجامع الطولونى [31].

3- ويدل على قيمة السبحة عند المتصوفة أن أحدهم إنتقص بأنه "لا أخذ فى يده مسبحة ولا طلس مرقعة "[32]. وجعل من آدابهم "إكرام اليد اليمنى إكراماً للقرآن العظيم وكتب الأوراد والمسبحة التى يسبحون عليها "[33].

4- ولعبت السبحة دوراً فى أساطير الصوفية وأقاصيصهم فرويت قصة عن إنسان صوفى بيده سبحة طويلة ولا شيخ له فقال عنه على وفا هذه سبحة الشيطان [34]، ووهب الحنفى مسبحته لوالدة مريده ابن كتيله حين كانت صبيه ذات ست سنوات [35]،. ولعبت السبحة دوراً هاماً فى الفوائد الصوفية حيث يوجبون تكرار اللفظ آلاف المرات ويحذرون فى الوقت نفسه من الزيادة والنقص " فإنه يبطل السر، والحيلة فى معرفة ضبط ذلك أن تأخذ سبحة عدتها 129 فتقرأ الإسم عليها 129 فيحصل المقصود [36].

5- وتستعمل السبحة عند الصوفية بمعنى الورد ففى مناقب الحنفى ".. فلما فرغ  من السبحة .. " " كنت يوما بين يدي سيدي مع الفقراء والسبحة تدار بين يديه والجماعة محدقون به " [37].

6- وأصبحت السبحة منتشرة بين الناس في العصر المملوكي كشعيرة دينية مظهرية يقول ابن الحاج  "بعضهم يعلق السبحة في عنقه ، وبعضهم يتخذ السبحة في يده كإتخاذ المرأة السوار في يدها ، ويلازمها وهو مع ذلك يتحدث مع الناس في مسائل العلم وغيرها ، ويرفع يده ويحركها في ذراعه ، وبعضهم يمسكها في يده ظاهرة للناس ينقلها واحدة واحدة كأنه يعد ما يذكر عليها ،وهو يتكلم مع الناس في القيل والقال وما جرى لفلان وما جرى على فلان" [38]، وفي طاعون سنة 833 إستسلم الناس للموت وتابوا وأنابوا " وصار غالب الشباب في يد كل واحد منهم سبحة وليس له دأب إلا التوجه للمصلاة " [39].



[1]
شرح صلاة ابن بشيش مخطوط 225: 226.

[2]حزب الشاذلى .في لطائف المنن لابن عطاء262: 266.

[3]متفرقات من حزب المرسى في لطائف المنن لابن عطاء 253، 254 ، 255 ،   256، 257، 258.

[4]طبقات الشاذلية :6.

[5]مناقب الوفائية من 17: 19 مخطوط.

[6]مناقب الوفائية 114: 115 .

[7]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/1.

[8]طبقات الشاذلية 124: 125.

[9]النفحات الأحمدية 171.

[10]مخطوط بالدار ضمن مجموعة رقم 72 تيمورية رقم 6.

[11]لواقح الأنوار للشعرانى 116.

[12]التبر المسبوك 401 .

[13]ذيل ابن العراقى. مخطوط 211.

[14]التبر المسبوك 288.

[15]التبر المسبوك 24 .

[16]حوادث الدهور جـ1 /138.

[17]عقد الجمان مخطوط مصور لوحة 398.

[18]المقفى .مخطوط جـ2/45.

[19]اليبر المسبوك 402.

[20]الوافى بالوفيات جـ2/18.

[21]شذرات الذهب جـ7/85.

[22]الضوء اللامع جـ4/14.

[23]شذرات الذهب جـ7/147.

[24]التبر المسبوك 228.

[25]حوادث الدهور جـ2/354.

[26]تاريخ الجزرى مخطوط جـ2/266.

[27]حوادث الدهور جـ3/403.

[28]تاريخ ابن إياس جـ2/298 ط.بولاق.

[29]وثيقة الغورى ص3 نشر عبد اللطيف.

[30]محمد فهمى عبد اللطيف يوميات الأخبار العدد 7643 السنة 25 بتاريخ 15 /12/1976.

[31]تاريخ ابن الفرات جـ8/229، الدرر الكامنة جـ1/198.

[32]إنباء الغمر جـ2/215.

[33]صحبة الأخيار 109.

[34]مناقب الوفائية 90، 91.

[35]مناقب الحنفى 427.

[36]الدميرى حياة الحيوان جـ1/36.

[37]مناقب الحنفى 478، 522.

[38]المدخل جـ2/ 207.

[39]النجوم الزاهرة جـ14/341، 342.

اجمالي القراءات 13415