جاءنى هذا السؤال من صديق عزيز ، يقول:( ارجو ان اقرأ رأيك فى اﻵية 67 من سورة اﻻنفال).وأقول
أولا : لمحة عن الموضوع فى سورة الانفال
بعد موقعة بدر واجهت المسلمين مشكلة الأسرى والغنائم، ونزل تشريع الغنائم في سورة الأنفال ، وفيه النهي للمسلمين عن أن تكون الغنائم هى غاية القتال بل الدفاع عن النفس ونشر الدعوة. ونتتبع الموضوع بايجاز على النحو الآتى :
1 ـ فى البداية تبدأ سورة الأنفال بقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ).
2 ـ وفي هذا الإطار كان الحديث عن الأسرى في سورة الأنفال الذين اضطرهم المسلمون إلى دفع الفدية اموالا ، فنزل قوله تعالى يلوم النبى محمدا وأصحابه : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .)( الأنفال 67 ـ ) والمعنى أن النبى كان لا يمكن أن يحوز أولئك الأسرى إلا بالحرب ـ بالمفهوم الاسلامى ـ التى لا تبتغى عرض الدنيا ، ولكن المؤمنين حين أسفرت تلك الحرب عن وقوع أسرى أرادوا عرض الدنيا أوالمال بأخذ فدية من الأسرى مقابل إطلاق سراحهم ،ويحذرهم رب العزة إنه لولا عفو الله تعالى لعاقبهم أشد العقاب . ويأمر الله تعالى رسوله أن يقول للأسرى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ) (الأنفال 70 ). وهى لفتة تعاطف أن يأمر الله تعالى النبى محمدا أن يقول لأسرى من الكفار المعتدين إنه سيعوضهم خيرا عن المال المأخوذ منهم ، بل ويغفر لهم إن علم فى قلوبهم خيرا . فماذا إذا منّ عليهم النبى باطلاق سراحهم فقابلوا المعروف بالعدوان ؟ هنا يتكفل الله تعالى بالدفاع عن النبى و المؤمنين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .) ( الأنفال 71 ).
3 ـ ويتضح هنا أن الافتداء بالمال ممنوع ، وهناك أنواع أخرى للافتداء مثل تبادل الأسرى أو تبادل المنافع ، وفى كل الأحوال فالأسير يطلق سراحه مجانا أو بالفدية .
وجدير بالذكر أن قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ) تعرض لعملية تحريف فى المعنى أخرجت الموضوع عن سياقه ، إذ زعموا أن الله تعالى أنّب النبى محمدا لأنه لم يقتل الأسرى ورضى أخذ الفدية منهم . ولو كان هذا صحيحا فلماذ جاءت التشريعات السابقة واللاحقة فى فداء الأسرى ؟ الواضح هنا أن التأنيب نزل للنبى والمؤمنين لأنهم أطلقوا سراح الأسرى مقابل المال ، وهذا خطأ كبير إستلزم اللوم ، لذا قال جل وعلا يأمر النبى أن يقول للأسرى :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ).
ثانيا : حقوق الأسير بعد إطلاق سراحهبإعتباره ( ابن السبيل ) :
1 ـ إن إطلاق سراح الأسرى قد أكّده تشريع تال في التعامل مع الأسرى في المعركة في قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)( محمد 4 ) أى إما أن تمن على الأسير بإطلاق سراحه وإما بالفداء بتبادل للاسرى ، وليس هناك حل ثالث ، أى ليس هناك قتل للأسير .
2 ـ وبعد إطلاق سراحه مجانا أو بالفدية غير المالية فإن تشريعات الإسلام تلاحقه بالرعاية ، إذ يصبح ابن سبيل. ( ابن السبيل ) يعنى الغريب الوافد لبلد مسلم ، كالسائح فى عصرنا ، وكالأسير المُفرج عنه قبل أن يلحق ببلده .( معروف كراهية الوهابيين للسياح والغرباء عموما . ومعروف أيضا قتلهم للأسرى . ). والأسير الذى تم إطلاق سراحه له كل حقوق ابن السبيل المالية فى الرعاية والاحسان اليه مثل الوالدين والأهل والأقارب . يقول تعالى عن الاحسان لابن السبيل أو فى الأسير الذى تم اطلاق سراحه وأصبح ابن سبيل :( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ( النساء 36 )
3 ــ ويجعل له رب العزة جل وعلا حقا أصيلا فى زكاة كل مؤمن (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) ( الاسراء 26 ) ويقول تعالى (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ) ( الروم 38 ).
4 ــ وهذه الحقوق المالية نزلت التوصية بها عامة فى سورتى الاسراء و الروم فى مكة ، ثم جاء التفصيل والتوضيح فى السور المدنية حيث أصبح لابن السبيل حقوق في أموال المسلمين في الزكاة الرسمية: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. ) (التوبة60) ، والصدقة التطوعية : (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ .) ( 2البقرة ) ، وفي غنائم الحرب: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) (الأنفال 41) ، وفي الفئ أى إيرادات بيت المال : (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (الحشر7 ) 15 )
5 ــ أى طالما أن الأسير يسير في بلاد المسلمين فهو ابن سبيل تحوطه الرعاية والإحسان ، ومطلوب من المسلمين إكرامه وإطعامه من أفضل الطعام وبدون أن يتكلف كلمة شكر: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا . ) ( الانسان89 : ) .
أخيرا :
هذه التشريعات الخاصة بالأسير هى فقرة من منظومة تشريعية متكاملة تجسّد مبادىء الشريعة الاسلامية العليا من العدل والسلام والرحمة والاحسان وحفظ حقوق الانسان فى الحياة والمال والعرض، بغض النظر عن جدينه وجنسه وعنصره . وقد عرضنا لها بالتفصيل فى مقالات منشورة هنا ، ثم تم جمعها فى كتاب منشور بموقعنا ( أهل القرآن ). ولن نعيد ما كتبناه ، ولكن لمجرد التذكير نقول
1 ــ أنه يكفى فى إطلاق سراح الأسير المقاتل فى جيش العدو المعتدى على المسلمين ، إنه إذا إستجار بالمسلمين وقت القتال فيجب على المسلمين حمايته وحقن دمه وإسماعه آيات من القرآن ، ثم توصيله الى أهله ومأمنه ، يقول جل وعلا : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة ).
2 ــ أن الحرب فى تشريع الاسلام هى للدفاع فقط ، وأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين ، وأن رد الدفاعى يكون بمثله دون تجاوز : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) ) (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة )..
3 ــ أن الاسلام هو دين السلام والأمان وأن من أسماء رب العزة ( السلام ) و ( المؤمن ) وأن من أهم إسمائه ( الرحيم ) ، وأن البسملة الاسلامية هى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وأن تحية الاسلام هى ( السلام عليكم ) وأن الله جل وعلا أرسل رسوله خاتم النبيين بالقرآن رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) وليس لارهاب العالمين ، وان المسلم فى التعامل مع البشر هو المسالم بغض النظر عن عقيدته وأن المؤمن هو المأمون الجانب بغض النظر عن دينه ، ولهذا فإن الجندى فى جيش العدو فى أرض المعركة إذا قال ( السلام عليكم ) فيجب حقن دمه (النساء 94 )
4 ـ وأن الكافر والمشرك فى تشريع الاسلام من حيث السلوك هو الذى يقاتل المسالمين معتديا يزعم أن ذلك فى سبيل الله جل وعلا ، وأن هذا ينطبق على فتوحات الصحابة وغزوات الوهابيين السعوديين ، وهو ما تقوم به القاعدة وداعش تطبيقا للشريعة السنية التى يقوم دواعش الأزهر على تدريسها و الدفاع عنها
5 ـ ولقد تم إتخاذ القرآن مهجورا لدى المحمديين . ومبكرا تم طمس تشريع القرآن ، بمزاعم ( النسخ ) بمعنى الحذف ، وبالأحاديث المفتراة و بتغيير معانى ألفاظ القرآن فيما يعرف بالتفسير ، وتم الطعن والتشكيك فى القرآن فيما يعرف بعلوم القرآن ، وكل ذلك لتسويغ ردة وكفر صحابة الفتوحات من أبى بكر وعمر وعثمان ومن تبعهم من الأمويين والعباسيين الذين أقاموا أمبراطوريات فاتحة غازية معتدية إستبدادية تتناغم مع ثقافة العصور الوسطى بقدر ما تتناقض مع تشريعات الاسلام القرآنية . وبالبترودولار أصبحت الوهابية ممثلا لتشريعات الاسلام ، وتعرض أهل القرآن للإضطهاد بسبب دعوتهم السلمية الاصلاحية الى الاحتكام الى القرآن الكريم فيما ترتكبه الوهابية.
ولقد أفرزت الوهابية السعودية تنظيمات ارهابية ليس أولها الاخوان المسلمون ولن يكون آخرها داعش التى تجدد أحط ما فى تاريخ المسلمين من مذابح وسلب ونهب وسبى ، ولكن مهما فعلت داعش فلن تتفوق على السعوديين الوهابيين فيما ارتكبوه فى إنشاء وتوطيد الدولة السعودية الأولى والثالثة . مهما فعلت داعش فلن تكون سوى فقرة من محور الشّر فى العالم ، وهو المملكة العربية السعودية ، أو ( المملكة السدومية العمورية ) نسبة الى سدوم وعمورة ..( قوم لوط ).