عام مختلف وتحديات مختلفة وواقع مبشر، هكذا بدأ عام 2015 بذكريات ثورة يناير، ذكريات بين شبابٍ حائر وآخر متلهف وثالث لا يرى النور إلا في باطن المولوتوف، شباب عاد من كهوف الجهل يجر حبال القيد التي أدمته لسنوات، فانشق الشباب وتساءلوا أين ما كان يعدنا به الثوار؟..أين نحن من خريطة العالم؟..ولماذا ظهرت داعش ولونها الأسود؟..وكيف انتهينا ولماذا بدأنا ؟..أين كنا وهؤلاء بيننا لسنوات ولا نعلم عنهم سوى ما أبدوه من خيرٍ كذاب ونفاقٍ شائن.
أمس كنت في معرض القاهرة الدولي للكتاب وهالني ما رأيت، زحام غير عادي وانتظار في طوابير كأنه الخبز ، فإذا كان الفقراء يقفون في طوابير من أجل الطعام فالمثقفون وقفوا في طوابير من أجل القراءة.
مكثت في المعرض من التاسعة والنصف صباحاً حتى أذان العشاء، وهذا وقت طويل بجهد شاق، لكن ذهب الجهد بالتمتع من منظر الرواد الكثيف وحضور الشباب الرائع، وأبديت حضوراً في لقاءات فنية وثقافية كحاجة للنمو المعرفي، لم أمتعض من جولات الشرطة لتأمين الرواد، فمنظرهم وكأننا في كهوف ناهيا وأدغال المطرية، ليس لأن المعرض غير مناسب لهم، بل لأن الشباب القارئ هو حصن الوطن، وكأن الشباب يقولها بملء فيه.."راحت عليكي ياداخلية"..
حضرت ندوة عن الأديب والشاعر الراحل.."خيري شلبي"..وهو من رموز الأدب والشعر المصري والفصاحة الشعبية، وهو مؤلف مسلسل.."الوتد"..الشهير بقصة وسيناريو وحوار من أروع ما يمكن، كذلك حضرت ندوة لرواية الأديبة.."مي خالد".. ثم مروري السريع على ندوة للدكتور .."عمار علي حسن".. وكان المرور الرائع بندوة الأستاذة فاطمة ناعوت ضيفة الشرف.
حتى ختمت جولتي بندوة الفكر والتجديد التي عقدها الدكتور .."محمد صبري الدالي"..رئيس دار الكتب بصحبة الشيخ.."محمد عبدالله نصر"..والأستاذ.."أحمد سالم"..عن الإمام محمد عبده ودوره في التجديد والتنوير.
وصدق من قال ختامها مسك، كانت ندوة رفيعة بها الرأي والرأي الآخر، فالشيخ الثائر محمد عبدالله نصر صاحب رؤية ثورية فريدة ، والأستاذ سالم صاحب رؤية نقدية وفلسفية جيدة، أما الدكتور صبري الدالي كان هو.."محامي الشيطان"..كما يحلو للبعض توصيفه، مفكراً رائعا وعقلاً تاريخياً جيداً وناقداً أمينا، كان هو ممثل الرأي الآخر عن الإمام وموضوعياً جيداً في تصور الشخصية داخل سياقها الزمني، فلم يُفرط في مدح الإمام ولم يغلُ في نقده، فخرجت رؤيته كافية وشافية.
تعجب بعض الحضور حتى جاء وقت الأسئلة
في الحقيقة كانت لدي أسئلة كثيرة لم أختزنها ، وظهرت عليّ بوادرها فترددت في الظهور حيث كان عليّ أن أنطق إسمي، وأنا لم أشأ الظهور كي لا يعرفني أحد، فأحببت معرفة هؤلاء والإمام قبل ظهوري، على أن الشيخ عبدالله نصر له صداقة معي على الفيس بوك وتعرفنا سوياً لكن لم يراني في الندوة، وبعد نهايتها تصافحنا وأخذني بالأحضان بسلوك فطري صادق.
لكن وقبل كل شئ لم تخلُ صورة الشباب في المعرض من ذاكرتي، صورة أمل كبير وأمنية تكاد تتحقق، صورة تُعيد لنا في الأذهان مشروع.."القراءة للجميع"..الرائع، ذلك المشروع الذي تشرفت بحضوره كضيف دائم في مكتبة القرية الكائنة في المدرسة الابتدائية، لي ذكريات مع هذا المشروع لم أنساها، وأتذكر رواية.."سر الجزيرة"..الرائعة وأبطالها الخمسة والصعوبات التي واجهتهم في تلك الجزيرة المعزولة.
صورة ملف عن مستقبل عظيم إذا كان معرض العام القادم أوسع وأرقى، فعلى هذا الحضور الغزير يجب من الآن توسعة المعرض بما يناسب جمهوره الكبير، حتى أن الزائر يكاد لا يجد مكاناً ليستريح فيه من عناء المشي والبحث عن ضالته وبُغية عقله، فكل مكان مزدحم من الجميع رجال ونساء كبار وصغار طلبة وشيوخ..لكن فوق كل ذلك يظل الشباب هم صورة المعرض هذا العام، فكما أن إدارة المعرض اتخذت من شخصية العام هو الإمام .."محمد عبده"..يجب اتخاذ الشباب صورة المعرض لهذا العام .