ج1 ب2 ف 4: أنواع الكرامات

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٣ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الرابع :أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم    

أنواع الكرامات:  

  علم الغيب :

     1- ويسميه الصوفية كشفاً ، وهو أبرز ما ادّعاه الصوفية من كرامات ، ويرجع سبب شهرتهم بالكشف إلى أن الصوفي ينتظر أو يحس بالإنكار القلبي عليه فيسبق المنكر محتجاً على إنكاره قبل إعلان المنكر له ، فيشتهر الصوفي بقراءة الخاطر ، وبالغ الصوفية في هذا فادّعوا علم الغيب .

   2- ويتواضع بعضهم فيتحاشى الدعوة في شئ من الخمس التي في آخر سورة لقمان " لأنها من خصائص الحق تعالى " ولكنهم في الوقت نفسه يؤولون دعوى بعض الأولياء في عملها [1] ، مع أن الغيب كل لا يتجزأ وهو مما اختص الله تعالى به ذاته ، ولم يعط الله تعالى العلم ببعض الغيب إلا بعض الرسل مثل يوسف (يوسف 37) ، وعيسى ( آل عمران 49) وأكد القرآن أن خاتم النبيين لا يعلم الغيب .

1-  وإدعاءات الصوفية في هذا المجال يضيق عنها الحصر ، فأبو السعود بن أبي العشائر حدّث بإيضاح أحوال الملكوت والآخرة والمنازل والدرجات ومراتب الرجال من آدم إلى يوم القيامة .. إلخ [2] ، ويقول على وفا ( ما من نطفة توضع في رحم .. إلا وقد أطلعني الله عليها) [3] . وادّعى المتبولي بأنه " لا تنزل قطرة من السماء ولا يطلع نبت من الأرض إلا علمت به ... وهذا أمر أعطيته وأنا طفل [4] " ، والعارف يعلم أحوال أهل الجنة علما لا شك فيه بخروجه عن حجاب بشريته [5] " ، والصوفية يعلمون  السرائر لذا نصحوا المريدين بحفظ قلوبهم معهم [6] . من يؤمن بهذه الخرافات يكفر بالله جل وعلا ورسله وكتبه ، وسبحان من " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور – غافر 19" !! ،  فهو القائل سبحانه  {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا الأنعام59}،.

2-   وفي قصة البدوي تتردد معرفته بالغيب حتى أن هلال مأذنته بعد موته يُنبأ بالغيب [7] وإذا وُلد ولي يبشر آخر أباه بما سيكون من أمره وفتوحه [8] . وعرف الشاذلي  بموته في حميثرة واستعد لذلك [9] ، وكان ابن ماخلاً شرطياً يتنبأ للوالي بسريرة المتهم [10] ، وفي لطائف المنن ومناقب المنوفي وغيرها من كتب الصوفية أخبار لا تنقطع عن الكشف ، " ولولا لسان الشريعة " كما يقول الفرغل " لأخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " [11] ، وكان شعبان المجذوب " يطلع على ما يقع في كل سنة من رؤيته لهلالها " وأعطى مجذوب آخر " التمييز بين الأشقياء والسعداء في الدنيا "[12]، واطلع الخواص على فتوح قلوب الفقراء وكان يخبر بذلك [13] ، بل إنهم ادعوا علم ما في  اللوح المحفوظ وتردد هذا في كتبهم عن الدسوقي والرفاعي والجيلاني [14] وعبد الرحيم القنائي [15] . ويقول الحنفي لو سألتني شيئا لم يكن عندي أجبتك من اللوح المحفوظ [16].      وكان محل كشف الخواص اللوح المحفوظ [17] . خاصة وأن نهاية كشف الولي أن يطلع على ما كتب في اللوح المحفوظ كما يدعي الشعراني [18].

 5 ــ    والشيخ يعلم الخاطر ويمد مريده به ، بل يتفاهمان على أساس الخاطر [19] ، وكان الحنفي يقيم ميعاداً سكوتيا فيلقى بخواطره  في قلوب  أصحابه كل حسب " مشروبه "[20]، " ويتحلى الشيخ  الصادق بعلم يكشف به الحقائق والدقائق ، وإلقاء الملك ، ونفث الشيطان ، والنفث في الروع ، والإلهام ، وخطرات المريد ، ونزعاته وأمراض القلوب وأسرار النفوس " ، ويلاحظ مريده من حين كان في عالم النور قبل وروده وهبوطه  إلى أصلاب الآباء وبطون الأمهات  ، كما يقول الشعراني [21] .

6 ــ وكانت كتب التاريخ كثيراً ما تصف الصوفية بالكشف والعلم بما سيكون [22]. ويروي أبو المحاسن  أن أحدهم في نزاع مع السلطان " جقمق " أعلن في الملأ أن غريمه السلطان سيموت في حادي عشر جمادي الأولى ، وانتظرت العامة النتيجة ، ولكن الشيخ مات قبل ذلك اليوم بعشرة أيام ولم يظهر لكلامه صحة ، وحاول أبو المحاسن مع ذلك تأويل كلام الشيخ ، وأنه كان يقصد نفسه بالموت وأن الجماهير أخطأت في النقل عنه [23] ، مما يتعارض والقصة التي رواها بنفسه الأمر الذي يظهر مدى الاعتقاد في علم الأولياء للغيب .

7       ــ وفي الأمثال الشعبية ما يعزز هذا كقولهم " أنت شيخ ولا حد قالك " [24].

  التصريف:

    1- يقولون إن الولي خرق العادة حين يعطي حرف كن [25] ، أي يقول للشئ كن فيكون ، ويقول الجيلي عن نفسه " وأعطيت حرف كن " [26] ، بل إن الخواص جعل في باطن كل إنسان قوة كن [27] . وفي قصة البدوي مع ركين أنه جعل الشعير قمحاً  بكلمة كن [28] ، وكان الشربيني يقول للعصا التي كانت معه كوني إنساناً فتكون إنساناً ويرسلها تقضي الحوائج ثم تعود كما كانت [29] .

      2- بل ادّعوا أن الولي يتصرف في الموت والحياة ، فالحسن أخو البدوي يميت من تعرض لهما من الأكراد ثم يعيدهم  للحياة ، والبدوي يميت جِمال فاطمة بنت بري السبعة آلاف [30] ، وأحيا على وفا غريقاً عند شاطئ الإسكندرية [31] ، وحين مات الجمل أحياه على وفا إلى ما بعد الحج والرجوع إلى مصر " فمن وصوله إلى باب النصر وقع ميتاً فعلمت أن محيي الموتى أبقاه للخدمة " [32] ، وأحيا المتبولي والد مريده فأخرجه " من القبر " ينفض التراب عن رأسه حين ناداه الشيخ " [33] ، وانتهت كراماتهم مع الأسد ـ أحياناً ـ بإحياء من افترسه الأسد [34].

 

  انتحال صفات الله: من عدم الأكل والشرب والنوم والجماع وغيرها .

     فالبدوي حين نظر عبد المجيد إلى وجهه صُعق [35] ، وكان يظل أربعين يوماً بلا طعام ولا شراب شاخصاً ببصره إلى السماء [36]، ورفض الزواج ولم تفلح معه إغراءات فاطمة بنت بري ، وقال له الرفاعي في المنام " فإن جميع الرجال والأبطال قد نظروا في تاريخ  الرجال فما وجدوا من لا تهيج له روحانية ولا ينظر إلى النساء بشهوة إلا أنت يا فحل الرجال" [37] ، وكان الشيخ خلف – أحد أصحاب البدوي – لا يضع جنبه الأرض ليلاً ولا نهاراً [38] ، وقد سأل الشعراني الخواص عن قوله تعالى " لا تأخذه سنة ولا نوم " هل خلع الله هذه الصفة على أحد من الأولياء فأجاب  نعم ومثّل بعيسى بن نجم الذي ظل بلا نوم سبعة عشرا عاماً [39]، ومكث بعضهم نحو الخمسة شهور[40] ، وآخر سبعة وثلاثين سنة [41] ، وآخر مكث أربعين سنة [42] ، على أن علياً العياشي مكث فترة قياسية حطمت الأرقام السابقة فظل  بلا نوم نحو نيف وسبعين سنة [43] ، وقال اليافعي عن أحد أصحابه " وله إلى تاريخ تأليف هذا الكتاب خمس عشرة سنة لم يضع جنبه الأرض ويمكث أياما عديدة لا يأكل فيها شيئاً [44].

    ونلمح مثل ذلك في مدة امتناع الولي عن الطعام والشراب فتراوحت بين أشهر لا تكمل سنة كما في حالة ابن عمر التباعي (ت 702)[45] ، أو يمكث سنين قد تمتد إلى عشرين سنة[46] ، وقد تصل أكثر من عشرين [47] ، بل إلى أربعين سنة [48] ، وقد يجتمع عدم الأكل والشرب مع عدم النوم كما في حالة عيسى بن نجم [49] ، السالف الذكر ، وربما يطلق على أحدهم صائم الدهر [50].

     ويخرج الولي بعد تلك الخلوة وذلك الحرمان يظهر الكرامات والخوارق [51] . ومع  ذلك فهم أبطال المآدب ، ولهم في الشراهة كرامات .

     هذا وقد عدّ السخاوي ( الصوفى ) صاحب كتاب ( تحفة الأحباب ) من جملة كرامات الأولياء " انقلاب الأعيان ، وكذا المشي على الماء ، والكشف عن حال الموتى ، وسماع كلامهم ، وإحياؤهم بإذن الله تعالى ، وطي الأرض لهم ، والكلام على المستقبل والماضي وإخبارهم بالمغيبات ، وإنفاقهم من الغيب ، وإيثارهم على أنفسهم ، وانطلاق البحر لهم ، وغير ذلك من الكرامات التي شوهدت من كثير منهم " ، ونحو ذلك ما قاله ابن عطاء في لطائف المنن [52].

   كرامات ما بعد الموت  :

1-  يمكن أن يدخل تحت هذا الإطار الكرامات السابقة واللاحقة لسهولة ادّعاء المتصوفة لكرامة أشياخهم المتوفين دون تقديم إثبات ، هذا بالإضافة إلى الدافع المالي فيبالغ المنتفعون في أكاذيبهم عن كرامات صاحب الضريح طمعاً في النذور ، وحتى لا تفتر حماسة الناس للولي بعد موته [53] ، وخشية أن يسرق الأضواء  منه ولي آخر على قيد الحياة .

2-  وفي كتاب عبد الصمد عن البدوي نلمح اتجاها واضحاً لإسناد أكثر الكرامات للأولياء المتوفين . فعبد العال  في ضريحه سمَّر شخصاً ، والشيخ وهيب يهدد اللصوص إذا حاولوا نهب الودائع التي يضعها أهالي قريته عند ضريحه ، والشيخ عمر الشناوي الأشعث يخرج من قبره راكباً فرسا ً ليغيث زائريه من قطاع الطرق ، ومثله الشيخ يوسف البرلسي ، وخلف الحبيشي والشيخ عماد الدين وغيرهم [54] ، والهدف من هذا طمأنة القادمين لزيارة الأضرحة وإخافة قُطاع الطرق . بل إن بعض الأولياء كان يذهب إلى ضريح البدوي يجاذبه أطراف الحديث حتى إن البدوي كان يخرج رأسه من الضريح يسأل عن الشعراني إذا تخلف عن حضور مولده [55]، وقال ابن الصائغ " من لم تظهر كرامته بعد وفاته .. فليس بصادق [56].

3-  وكان أبو السعود بن أبي العشائر " كرامته ظاهرة في حياته ثم بعد وفاته "[57] .ومثله عبد الرحيم القنائي وقد ذكرها رواة مناقبه [58] ، ذلك أن الصوفية يعتقدون اعتقاداً جازماً بحياة الولي في قبره متمتعاً بكراماته متحرراً من قيود الدار الأولى . وقد عدّ الشعراني من المنن معرفته بأوقات تواجد الولي المتوفي في قبره [59].

  الطّيّ 

     1- ويقصد به انتقال الولي من مكان لآخر في لمح البصر أو نحوه ، يقول ابن عطاء عنه " أن تطوى لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد " [60] ، وعليه فقد كان المرسي يحضر يومياً من الإسكندرية إلى المقسم حتى يسمع الميعاد ويعود في نفس الوقت للإسكندرية مع شيخه الشاذلي [61] ، " ونقل  البدوي ابن أخيه من جبل أبي قبيس فى مكة إلى طنطا في غمضة عين ، ثم رده  إلى مكانه في غمضة عين أيضاً [62] ، وفي مناقب المنوفي باب عن طي الأرض له مع عدم تحركه [63] "  وكان السيوطي  يصلي العصر في مكة ثم يرجع ، وقد يصطحب معه خادمه بشرط أن يُغمض عينيه ، وكان صوفي من أهل الخطوة يقول في كل يوم زرت سيدي عبد القادر الجيلاني البارحة ، وزرت النبي عليه السلام البارحة ، وزرت أبا الحجاج الأقصري " فقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري  يحتمل أن يكون صادقاً ، فإن الأمر ممكن فإن الدنيا خطوة مؤمن "[64].

    2- على أن هناك طيًا آخر للزمان ، فقد اشتاق بعضهم لأهله في حصن كيفا . فشاور المتبولي وكان ذلك بعد العصر فأدخله الخلوة ، فرأى نفسه داخل بلده والتقى بأهله ، ومكث عندهم يخطب في الجامع ويقرئ الأطفال مدة تسعة أشهر ، ثم  اشتاق للشيخ فأذن له أبواه فخرج إلى موضع خارج البلد ، فإذا هو في خلوة الشيخ وفي نفس الزمان [65] ، وأقام جمال الدين الكردي يخطب في بلاد الأكراد مدة ستة أشهر ثم رجع إلى مصر ، وكل ذلك بعد صلاة العصر [66] .

  التطور:

      وهو على أنواع ، فقد يتطور الولي لتصير له سبع عيون أو يتربع في الهواء [67]، أو يتشكل في صورة أسد أو فيل أو فقير أو أمير أو فلاح أو جندي ويوصف حينئذ بأن " التطور دأبه ليلاً ونهاراً "[68]، وقد يكون للولي أكثر من جسد فيُرى في أكثر من بلد في وقت واحد [69] ، وربما يحلف شخص بالطلاق أنه رآه في عرفات مراراً وهو لم يذهب للحج [70]، وقد ذهب المرسي إلى خمسة ولائم في وقت واحد [71]، وصلى محمد الخضري الجمعة في ثلاثين بلداً في وقت واحد ، يبيت في الليلة الواحدة في عدة بلاد [72].

  في قراءة القرآن:

      اتخذت الكرامات هنا وسيلة للهروب من تلاوة القرآن خاصة وأنها ظهرت في أواخر العصر ، فكان أبو السعود الجارحي يصلي بالقرآن في ركعة أو ركعتين [73] .

     وذكر الشعراني أن أبا العباس الحريثي ذكر أنه قرأ بين المغرب والعشاء خمس ختمات فقال نور الدين المرصفي " الفقير . يعني نفسه " وقع له أنه قرأ في يوم وليلة ثلاثمائة  وستين ألف ختمة كل درجة ألف ختمة [74] " فقال له الشعراني بالحروف يا سيدي ؟ فقال نعم لأن الروح إذا تجردت عن الجسم الكثيف فعلت ذلك ، ويقول " ويقع ذلك للأولياء لشرف قدرهم عند الله فإن أعمار هذه الأمة قصيرة ، فأقدر الله خواص هذه الأمة على ذلك ، ليرجح أحدهم في الأعمال على عُبّاد الأمم السابقة الذين عاشوا نحو الخمسمائة سنة [75].

      ويحكي الشعراني عن نفسه أنه أحرم بصلاة الصبح خلف الإمام الذي افتتح سورة المزمل فسبق لسان الشعراني للقرآن، فقرأه من أول سورة البقرة ولحقه في قراءة الركعة الأولى قبل أن يركع [76] .

  رؤية الله سبحانه  والملائكة والعرش:

   فى خرافاتهم ادّعى الصوفية رؤية الله . يقول المرسي إن له أربعين عاماً ما حجب فيها عن الله طرفة عين [77] ، وكان تاج الدين النخال يتجلى عليه الحق في الخلوة [78] ، وجعل الشعراني من المنن تشريفه برؤية الله تعالى في النوم خمس مرات ، ويقول إن شخصاً ادّعى أنه اجتمع به في سوق الوراقين فأنكر عليه بعض العلماء ويرى الشعراني أن ذلك الإنكار غير صحيح [79]، وقد أطلع الله الشعراني على عدد أصحابه وعرفه بأنسابهم [80] ، وأطلعه على السعداء من البشر والأشقياء منهم .

     2- وفى خرافاتهم توثقت علاقة الأولياء بجبريل ، فكان عبد الرحيم القنائي يستشيره فيما يعن من مشكلات مريديه [81] ، خاصة وأن مخاطبة جبريل لا يمنع منه لدى الصوفية عقل ولا نقل على حد قول الدسوقي [82] ، والكلام مع جبريل وغيره من الملائكة من كرامات الأولياء عندهم ، وليست بمستحيلة  ولا منكرة ، وكتب الرقائق مشحونة بحديث الأولياء معهم وقد ذكر بهاء الدين الأخميمي أن ملك الموت أخبره بعمره ، واجتمع آخرون بعزرائيل وأوصى بعضهم – على ميت – منكراً ونكيراً [83]، وكان بعضهم يكلم " الملكين الكرام الكاتبين "[84].

4-  واتخذ الصوفية من العرش مجالاً لكراماتهم حتى أن الدسوقي يقول  " أنا العرش أنا الكرسي أنا اللوح أنا القلم " [85] ، وتواضع باقي الأولياء ، فادّعوا أن أبصارهم تطمح حتى تحيط بالعرش " [86]، وكان الخضري يقول " لا يكمل الرجل عندنا حتى يكون مقامه تحت قوائم العرش " [87] ، واطلع أحدهم على مقام الشاذلي فوجده عند العرش [88] . وسُمى ياقوت بالعرش لأنه كان دائما ينظر للعرش وليس في الأرض سوى جسده [89] ، ويقول المرسي " والله إني لأعرف العرش كما أعرف كفّى هذه [90] " ، وادعى كثير من الأولياء بأنه يعلم أزقة السموات أكثر من علمه بأزقة الأرض [91].

 

  الأسد :

     استغله الصوفية في كراماتهم خاصة وأن السباع كانت تهدد  الحجاج [92] . وقد أغرق سيل بالشام أحد عشر أسدًا [93].والأسد يتصاغر في الكرامات الصوفية حين يفترس من ينقذه الولي ، وربما يحمل عليه الولي الحطب أو يركبه ، أو يلجأ الأسد لبيت الصوفي مستجيراً من جرح [94] .

 الذهــب:

    أدى فقر الصوفية إلى اتخاذهم قلب الأعيان ذهباً ـ جانباً هاماً من كراماتهم تفننوا في حبكها ، مع الحرص على انتهاء الكرامة بأن يعود الذهب إلى حالته الأصلية . وربما يعلن الولي مقدرته على قلب الشئ ذهباً ـ بدون قصد ـ فيتحول ما يشير إليه إشارة  عابرة إلى ذهب ، ومن الأشياء التي حولت ذهباً  الطوب والحطب والهواء والحجر والماء وحتى الباذنجان [95] .

      وتفرد الشاذلي بأن الله أوحى إليه ـ فيما يزعم ـ أن يجعل في بوله ما يشاء يكن ذهباً ، ويبدو أنه كان يتحرج من ذلك فيأمر خادمه أن يبول على الحجر  فيحوله ذهباً [96] ، وكان آخر كلما استنجى بحجر تحول ذهباً [97]

  الطعــام :

      كان كسابقة مجالاً للكرامات ، واحتوت كتب المناقب على الكثير منها ، وهي على أنواع منها إحضار ما لذ وطاب من الطعام من حيث لا يدري أحد [98] ، أو أن الولي يميز الطعام الحلال والحرام حين يكون مدعواً ، واشتهروا بهذا التخصص لأن حياتهم قامت على الأكل من طعام الناس حراماً أو حلالاً ، حتى أن مباراة عقدت بين وليين حضرها الظاهر بيبرس فيما يرويه الصوفية [99] في هذا الشأن .

    وحكيت كرامات على مثال ما روي في خرافات السيرة النبوية من أن الطعام القليل يكفي  جمعاً عظيماً  من الناس ، وبُولغ في ذلك على عادة الصوفية [100] . مع أن ما ورد في السيرة النبوية لا أساس له من الصحة .

     ولم يتحرج الصوفية عن وصف تهالكهم في حب الطعام ، فكان من كرامات ابن عبد ربه الصوفي  أنه أكل طعام مولد بأكمله ، وأكل مرة لحم بقرة كاملة [101] ، وكان الشيخ دمرداش إذا غلب عليه الحال يأكل الأردب من الفول ، وعمل له الأمير أقبردي الداودار سماطاً فلم يدعُ أحداً من أصحابه ، وأكله بنفسه ، وكان يكفي خمسمائة نفس ، ولم يبق شيئاً ، فقال " لم أشبع" ، فأتوه بكسر يابسة ، وقيل له كيف أكلت ذلك كله ؟ فقال : رأيت شبهات فأحضرت طائفة من الجن فأكلوه  وحميت الفقراء منه [102].

  كرامات تافهة:

      1- أصبح ادعاء الكرامات ميداناً مباحاً أمام كل من هب ودب من مدّعى الصوفية ، هذا بالإضافة إلى أن الكرامات في حد ذاتها تعتبر انعكاساً لحياة المتصوفة أنفسهم ، فعد من كرامات الحنفي أنه " إذا وضع يده على الفرس الحرون لم يعد إلى حرونته " [103] ،  على أن هذا التفكير أنعكس بدوره على نظرة العصر لكرامات المتصوفة أنفسهم ، فنجد  أبا المحاسن يعد من كرامات يحيى الصنافيري المجذوب أنه كان يغطس في الماء البارد في الشتاء وفي شدة الحر يجلس في الشمس عريان مكشوف الرأس ، ومن كراماته أيضاً أن امرأة أتته وقالت يا سيدي إن لي بقرتين سُرِقتا فقال لها  " حطي الفول في المدود وهما يأكلان الفول ، فمضت عنه ، وجعلت الفول في المدود حتى كان الليل أقبلت البقرتان إلى المدود وأكلتا الفول " [104] . وكان  الولي إذا مات في خانقاه مثلاً تشترى ثيابه بأغلى الأثمان ويعلن أن ثمنها قدر ما أخذه من معلوم أي مرتب الخانقاه [105].

    3- لذا كان من المقبول أن يتقبل الرأي العام ادعاءات الصوفية  بالغاً ما بلغت تفاهتها . فكان حسن إبريق العابد إذا وقع الدلو منه في البئر  يأمر الماء أن يرتفع بالدلو ، وقد أُعطى أنساب جميع الحيوانات . وكان حسن الطراوي إذا فقد ماء الوضوء ينزل عليه ولي من السماء في عنقه قربة مملوءة من ماء النيل [106] ويدعى الشعراني أنه كشف عنه الحجاب في عام 923 حتى سمع تسبيح الجمادات والحيوانات من البهائم وغيرها ، ويسمع من تكلم في أطراف مصر وقراها إلى سائر أقاليم الأرض ثم إلى البحر المحيط حتى صار يسمع تسبيح السمك [107] . ووحلت سفينة فقال أحد الأولياء " أربطوها في بيضي بحبل وأنا أنزل وأسحبها ، ففعلوا فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر " [108] ، وكان أحدهم يقسم الأرزاق بين الحيوانات والطيور زمن القحط [109] ، وكان آخر يضرب الأرض برجله فينبع الماء ثم يضربها ثانية فيخرج منها قدحاً يضع فيه الماء [110] ، وكان الشيخ محمد الكناس من أصحاب البدوي يكنس مقام البدوي والجيلي والرفاعي وعدة مقامات في بلاد المغرب وغيرها ويرجع إلى طنطا في ساعة [111] ، وخرج الشيخ البلتاجي من قبره ليعيد حمارة ضائعة ليوسف العجمي [112] ، وكان أبو العباس الحرار حين يستنجي تستحلفه الأحجار بالله ألا يستنجي بها وأخيراً يجد حجراً يقول له إن الله أمرني أن أتطهر بك [113] !!

       4- واخترعت الكرامات الصوفية نوعاً من الأولياء يطيرون في الهواء ، وقد أولم

الشيخ البسطامي وليمة فاخرة لهم فتساقطوا من الهواء وأتوا عليها [114] ، وقد طار المرسي في الهواء ليستوثق من أن خادمه يكذب عليه حين قال له أنه سقى الفرس [115].

      وعكست  الكرامات الصراع بين الأولياء ، فقيل عن حبيب المجذوب أنه كان كثير العطب ليست له كرامة إلا  في أذى الناس [116] . ومد أبو عبد الله المكي يده من المغرب فهدم الخلوة على زروق الفاسي في بولاق ، فنجاه الله ببركة أبي العباس الحضرمي [117].

ومع أن القارىء اليوم لهذه الخرافات لا يستطيع منع نفسه من الضحك أو من التعجب إلا إن العصر اللملوكى كان يؤمن بهذه الخرافات ويصدقها ، ولم نجد أحدا من المؤرخين المعاصرين لأولئك الأولياء تندر عليهم ، بل ساد وصف الصوفية فى المصادر التاريخية بلفظ ( المعتقد ) أى الذى يعتقد الناس ولايته وبالتالى كراماته مهما بلغت المبالغة والتفاهة فى سبك تلك الكرامات .

وكانوا مع هذا يزعمون أنهم مسلمون ، يقولون بألسنتهم ( سبحان ربى العظيم ) ..



[1]
- لطائف المنن للشعراني 409، 430.

[2] - الكواكب السيارة 316، 317.

[3] - مناقب الوفائية 43

[4] - الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 337

[5] - درر الخواص 11.

[6] - درر الخواص 81 . قواعد الصوفية جـ1/158 ، الطبقات الكبرى جـ2/ 94، 150

[7] - عبد الصمد الجواهر 76

[8] - شذرات الذهب جـ8/30،31.

[9] - الإلمام مخطوط مجلد 2- 79.

[10] - طبقات الشاذلية 111، 112

[11] - مناقب الفرغل 1 مخطوط .

[12] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/159، 130.

[13] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/130.

[14] - طبقات الشرنوبي 7، 8 .

[15] - مناقب عبد الرحيم 15

[16] - الطبقات الكبرى . 2 / 89 

[17] - الطبقات الكبرى . .2 / 135   

[18] - الجواهر والدرر 195.

[19] - السبكي معيد النعم 158، 159.

[20] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/82.

[21] - لطائف المنن للشعراني 388.

[22] - ذيل الدرر الكامنة  لابن حجر مخطوط ورقة عشرة ، 165.

[23] - حوادث الدهور 107: 108 سنة 855.

[24] - الأمثال الشعبية لتيمور 99 ، الشعب المصري في أمثاله .شعلان ص179

[25] -  الجواهر والدرر 161.

[26] - لطائف المنن 188.

[27] - الجواهر والدرر 122.

[28] - عبد الصمد الجواهر 37، 38.

[29] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/118.

[30] -  عبد الصمد . الجواهر 47. 51 . وكان يصف البدوي في نهاية كتابه بالمحيي المميت . 

[31] - مناقب الوفائية 15، 16 .

[32] - مناقب الوفائية 77، 48

[33] - الطبقات الكبرى جـ2/76.

[34] - الإلمام مجلد 2 لوحة 74 ، بهجة الأسرار مخطوط جـ2/19 : 20.

[35] - عبد الصمد 11، 24.

[36] - عبد الصمد 6، 7 ، 10، 36، النصيحة العلوية للحلبي 23.

[37] - عبد الصمد 17، 49.

[38] - عبد الصمد : 28.

[39] - الجواهر والدرر 140: 143.

[40] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/155

[41] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/161.

[42] - صحبة الأخيار للشعراني 136.

[43] - الطبقات الكبرى جـ2/ 162.

[44] -  روض الرياحين 179.

[45] - النبهاني جامع كرامات الأولياء جـ1/137

- السبكي طبقات الشافعية جـ5/ 3: 7    [46].

[47] - الضوء اللامع جـ1/ 201 ترجمة ابن عرب

[48] - شذرات الذهب جـ7/ 350.

[49] -  تنبيه المغترين 130 وقد ظل على وضوء واحد

[50] - ابن إياس تحقيق محمد مصطفى 1/2- 351، 375 ترجمة شمس الدين التبريزي .

[51] - شذرات الذهب جـ7/350.

[52] - تحفة الأحباب 349 . لطائف المنن 35.

[53] - عاشور البدوي 163.

[54] - عبد الصمد الجواهر 25: 35 ، 70، 71.

[55] - عبد الصمد 33، 67، 68.

[56] - الكواكب السيارة 287.

[57] - تحفة الأحباب 474.

[58] - مناقب عبد الرحيم مخطوط 22 وما بعدها .

[59] - لطائف المنن 194.

[60] - لطائف المنن 35.

[61] - تعطير الأنفاس 246.

[62] - عبد الصمد الجواهر 58، 61.

[63] - مناقب  المنوفي مخطوط 41: 46

[64] - شذرات الذهب جـ8/54، الطبقات الصغرى للشعراني 30، 31، 44.

[65] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/75.

[66] - الجواهر والدرر 164.

[67] - الغزي الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة جـ1/198 ترجمة الشيخ الغمري .

[68] - الغزي نفس المرجع جـ1/213 ترجمة سويدان المجذوب . شذرات الذهب جـ7/350 ترجمة حسين الصوفي .

[69] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/94 ترجمة محمد الخضر .

[70] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/149 ترجمة نور الدين الشوفي .

[71] - الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 262.

[72] - أخبار القرن العاشر مخطوط ورقة 57.

[73] - شذرات الذهب جـ8/166 ،167.

[74] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/112.

[75] - البحر المورود 267، 268.

[76] - لطائف المنن 294.

[77] - تعطير الأنفاس 220،221.

[78] - طبقات الشاذلية 118.

[79] - لطائف المنن 382.

[80] - لطائف المنن 393، 352.

[81] - مناقب عبد الرحيم ، مخطوط ، ورقة 10، 11.

[82] - حسن شمه ، مسرة العينين ، مخطوط ، ورقة 8.

[83] - لطائف المنن 403: 404.

[84] - لواقح الأنوار 335، والطبقات الكبرى للمناوي – مخطوط ورقة 106.

[85] - حسن شمه مسرة العينين مخطوط ورقة 10

[86] - الجواهر والدرر 166.

[87] - أخبار القرن العاشر 63.

[88] - لطائف المنن ابن عطاء 44

[89] - عيون الأخيار جـ2/442 ، الطبقات الكبرى للمناوي مخطوط 333.

[90] - تعطير الأنفاس مخطوط 273.

[91] - طبقات الشاذلية 118 ترجمة تاج الدين النخال . أخبار القرن العاشر 175 ترجمة ابن عنان .

[92] - السلوك 3/2/888.

[93] - تاريخ ابن الفرات 8/154 حوادث سنة 692.

[94] - الكواكب السيارة 206: 208 ، بهجة الأسرار 2/19 ، حياة الحيوان للدميري 2/15: 16.

[95] -  روض الرياحين 197 ، الكواكب السيارة 318 – مناقب الحنفي 217: 221، المدخل لابن الحاج جـ2 /174، 175.

[96] - تعطير الأنفاس 31، 49.

[97] - المدخل لابن الحاج جـ2/175.

[98] - تعطير الأنفاس 55، 56، 223، 224 ، 263 ـ 264.

[99] - الكواكب السيارة 106، 107، 131، تحفة الأحباب 247، تعطير الأنفاس 230

[100] - لطائف المنن 190، 490.

[101] - شذرات الذهب جـ7/323.

[102] - الغزي الكواكب السائرة جـ1/193.

[103] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/88

[104] - المنهل الصافي جـ5 /481.

[105] - أنباء الغمر جـ3/384-385.

[106] - الطبقات الكبرى للمناوي 386.

[107] - لطائف المنن 230

[108] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/78.

[109] - بهجة الأسرار للشطنوفي جـ2/28

[110] - الإلمام مجلد 2 / 76.

[111] - الطبقات الصغرى للمناوي مخطوط ورقة 265.

[112] - الطبقات الكبرى للمناوي 284.

[113] - الطبقات الكبرى للمناوي 264.

[114] - مناقب الحنفي  389.

[115] - تعطير الأنفاس 241.

[116] -  الطبقات الكبرى للمناوي 385.

[117] - طبقات الشاذلية 120.

اجمالي القراءات 17805