ج1 ب2 ف 3 : أسماء وصفات إلهية للولي الصوفي

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٣ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثالث :ملامح تأليه الولى الصوفى فى العصر المملوكى                        

  أسماء وصفات إلهية للولي الصوفي:

1- يقول الغزالي (إن سالك الطريق إلى الله تعالى قبل أن يقطع الطريق) يعني أن الصوفي في بدايته (تصير الأسماء التسعة والتسعون أوصافاً له)[1]. أي يوصف بأسماء الله الحسنى . وأسماء الله تعالى الحسنى اختص بها نفسه فهي أسماء وصفات إلهية لا تطلق ـــــ في دين الإسلام ــــ إلا على الله تعالى . أما في عقيدة الاتحاد الصوفية فالصوفي فى بدايته يتمتع بأسماء وصفات إلهية يشارك فيها الله تعالى( قبل أن يقطع الطريق)، وبعدها يكون الاتحاد الكامل في اعتقادهم.

2- وصار عادة الصوفية أن تبدأ ترجمة الصوفي بذكر (أسمائه الحسنى) فيقال عن الشيخ أبى السعود أنه( القطب الغوث الفرد الجامع )[2]. ويقول ابن عطاء في مقدمة لطائف المنن ( أما بعد : فإني قصدت في هذا الكتاب أن أذكر فيه جملة فضائل سيدنا ومولانا الإمام قطب العارفين، علم المهتدين، حجة الصوفية، مرشد السالكين، منقذ الهالكين، الجامع من علم الأسماء والحروف والدوائر، المتكلم بنور بصيرته،الكامل في السرائر، كهف الموقنين ونخبة الواصلين، مظهر شموس المعارف بعد غروبها، ومبدي أسرار اللطائف بعد غروبها، الواصل إلى الله ، والموصل إليه، أبى العباس المرسي)..

3- أ ) والشعراني ترجم في طبقاته لأعلام الصحابة وجعلهم ضمن  الصوفية، إلا أنه اقتصر في وصفهم على الصفات الإنسانية الجميلة ، فيقول مثلاً عن أبي بكر ( اسمه عبد الله بن أبي قحافة .. ومناقبه أكثر من أن تحصى وكان يقول كذا .. ) [3]. ويقول في ترجمة عمر ( واتفقوا على أنه أول من سمى أمير المؤمنين وأجمعوا على كثرة علمه ووفور عقله وفهمه وزهده .. ) [4] .

   ب) بينما خلع على أشياخه الصوفية كل ما يحلو له من الصفات الإلهية ، خاصة إذا كانوا له معاصرين فيقول في ترجمة أبي الفضل الأحمدي ( .. ومنهم أخي وصاحبي سيدي الشيخ أبو الفضل الأحمدي رضي الله عنه صاحب الكشوفات الربانية والاتفاقات السماوية والمواهب اللدنية ، سمعت الهواتف ( أى الوحى ) تقول في الأسحار ما صحبت مثل الشيخ أبي الفضل ولا تصحب مثله . كان رحمة الله عليه من أكابر الأولياء ، وما رأيت أعرف منه بطريق الله عز وجل ولا بأحوال الدنيا والآخرة ، له نفوذ البصر في كل شئ  ، لو أخذ يتكلم في أفراد الوجود لضاقت الدفاتر ، صحبته رضي الله عنه نحو خمسة عشرة سنة . ووقع بيني وبينه اتحاد ) [5]. والاتحاد صفة إلاهية عندهم ، ويقول في ترجمة محمد الجاولي ( ومنه الشيخ الإمام الكامل الراسخ الأمين على الأسرار ، العارف بالله تعالى ، الوارث الرباني ، النوراني الفرقاني العياني ...إلخ ) [6].

   ج) وترجم الشعرانى لأشياخ الطرق السابقين. وهم وإن ماتوا إلا أن أتباعهم والاعتقاد فيهم يملأ عصر الشعراني ، فقال في ترجمة عبد الرحيم القنائي ( هو من أجلاء مشايخ مصر المشهورين وعظماء العارفين، صاحب الكرامات الخارقة والأنفاس الصادقة ، له المحل الأرفع من مراتب القرب والمنهل العزب من مناهل الوصل ، وهو أحد ممن جمع الله له بين علمي الشريعة والحقيقة ، وأتاه مفتاحاً من علم السر المصون وكنزاً من معرفة الكتاب والحكمة .. ) [7]. ويقول في ترجمة الدسوقي (.. كان صاحب كرامات ظاهرة ،ومقامات فاخرة ، ومآثر ظاهرة ، وبصائر باهرة ، وأحوال خارقة ، وأنفاس صادقة ، وهمم عالية ، ورتب سنية ، ومناظر بهية ، وإشارات نورانية ، ونفحات روحانية ، وأسرار ملكوتية ، ومحاضرات قدسية, له المعراج الأعلى في المعارف , والمنهاج الأسمى في الحقائق , والطور الأرفع في المعالي, والقدم الراسخ في أحوال النهايات , واليد البيضاء في علوم الموارد , والباع الطويل في التصريف الناقد , والكشف الخارق, والفتح المضاعف في معنى المشاهدات , وهو أحد من أظهره الله عز و جل إلى الوجود ، وأبرزه رحمة إلى الخلق وصرفه في العالم , ومكنه في أحكام الولاية , وقلب له الأعيان , وخرق له العادات , وانطقه بالمغيبات , واظهر على يديه العجائب )[8].

4 –أ) والملاحظ أن صفات الولي تتزايد بعد موته إذ تزايد أتباعه وشاع الاعتقاد في ولايته وألوهيته وكتبت المناقب في مآثره ومحامده.. فقد ألف البتنوني في شيخه شمس الحنفي كتاب (السر الصفي في مناقب الحنفي ), وكان المؤلف من أصحاب الحنفي وقد وصفه بأنه ( كنز الراغبين , عمدة الطالبين ، قرة عين العابدين ..كهف الفقراء والمساكين، ذو العطاء والجود ، عين الوجود، قطب دائرة الكون)[9].

وقد توفى الحنفي 874هـ " وجاء الشعراني فترجم له في القرن العاشر معتمداً على كتاب مناقبه،  إلا أنه أفاض في وصفه تبعاً لزيادة الاعتقاد في الحنفي في القرن العاشر، يقول في ترجمته ( كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر وسادات العارفين، صاحب الكرامات الظاهرة والأفعال الفاخرة ،  والأحوال الخارقة ، والمقامات السنية ، والهمم العلية، صاحب الفتح المؤنق، والكشف المحترق ، والتصدر في مواطن القدس، والرقي في معارج المعارف، والتعالي في مراقي الحقائق ، كان له الباع الطويل في التصريف النافذ، واليد البيضاء في أحكام الولاية،  والقدم الراسخ في درجات النهاية، والطود السامي في الثبات والتمكين، وهو أحد من ملك أسراره، وقهر أحواله وغلب على أمره ...، وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود، وصرفه في الكون ، ومكنه في الأحوال ، وأنطقه بالمغيبات ، وخرق له العوائد، وقلب له الأعيان ، وأظهر على يديه العجائب، وأجرى على لسانه الفوائد، ونصبه قدوة للطالبين ..)[10]. ونرى الشعرانى يكرر بعض ما قاله سابقا فى مناقب ابراهيم الدسوقى .

 ب) وقد وصف ابن عطاء شيخه الشاذلي بأنه ( علم المهتدين ، زين العارفين ، أستاذ الأكابر ، المنفرد في زمنه بالمعارف السنية والمفاخر، والعالم بالله والدال على الله ، زمزم الأسرار ، ومعدن الأنوار ،القطب ، الغوث، الجامع) [11]. وانتشرت الطريقة الشاذلية وفروعها ونشرت الاعتقاد في الشاذلي فتضخمت صفاته فقيل عنه في كتاب (المفاخر المآثر العلية والمآثر الشاذلية) في العصر العثماني ( السيد، الأجل الكبير ، القطب الرباني ، العارف، الوارث، المحقق بالعلم، الحمداني، صاحب الإشارات العليا، والحقائق القدسية ، والأنوار المحمدية، والأسرار الربانية ، والمنازلات العرشية، الحامل في زمانه لواء العارفين ، والمقيم فيه دولة علوم المحققين، كهف الواصلين، وجلاء قلوب الغافلين، منشئ معالم الطريقة ، ومظهر أسرارها ، ومبدئ علوم الحقيقة بعد خفاء أنوارها، ومظهر عوارف المعارف بعد خفائها، الدال على الله ، أوحد أهل زمانه علماً وحالاً ومعرفة ومقالاً، الشريف ، الحسيب النسيب ، ذو النسبتين الطاهرتين الروحية والجسمية،  والسلالتين الطيبتين الغيبية والشاهدية، والوارثتين الكريميتين الملكية والملكوتية، المحمدي العلوي الحسني، الكريم العنصرين، فحل الفحول ، أدام السالكين، ومعراج الوارثين الذي تغنيك سمعته عن مدح أو قول منتحل، الأستاذ، المربي ، الكامل أبو الحسن الشاذلي)[12].

 5- أ) وقبل العصر المملوكي وضع الصوفية مفاهيم للولي العارف نابعة من عقيدة الاتحاد .. فقيل عنه أنه (داخل معهم ، بائن منهم ) أو ( عبد كان فبان)[13]. أي كان معهم بشراً ثم انقطع عن بشريته بالاتحاد بالله . أو ( هو الذي لا يكدره شئ، ويصفو به كل شئ)[14] أو ( الذي لا تقله الأرض ولا تظله السماء)[15]وهو بالنسبة لله تعالى( لون الماء لون إنائه إن صببته في إناء أبيض خلته أبيض، وإن صببته في إناء أسود خلته أسود .. وولي الأحوال وليه)[16]. وقال الجنيد عن العارفين ( ذهبوا عن وصف الواصفين )[17]. فهي صفات إلهية..

ب) وورد في الإحياء  أن ( من شرب كأس الرياسة فقد خرج عن إخلاص العبودية )[18] . وإن بعضهم – لم يحدد الغزالي اسمه – قال ( إني أقول يا رب يا الله فأجد ذلك على قلبي أثقل من الجبال، لأن النداء يكون من وراء حجاب وهل رأيت جليساً ينادي جليسه )[19] . وذلك تصريح بالألوهية .

وتلك الصفات الإلهية التي خلعوها على الولي الصوفي جعلت بعضهم يترفع عن بعض مصطلحات الصوفية ويتطرف فى إدعاء الألوهية الكامل يفضل نفسه عن بقية الصوفية ، فورد في الإحياء أنه ( قيل لبعض العارفين : إنك محب فقال : لست محباً ، إنما أنا محبوب والمحب متعوب، وقيل له أيضاً : الناس يقولون أنك واحد من السبعة فقال : أنا كل السبعة ، وقال بعضهم يعني نفسه : ليس العجب ممن يرى الخضر ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه)[20]. والغزالي لم يعرفنا بأصحاب هذه الأقوال ، والمهم أنه يعبر بها عن رأيه في ألوهية الولي الصوفي ، بل أكد ذلك شعراً يقول [21]. ( قيل في وصف العارف ) : -

                   قريب الوجـد  ذو مرمى بـعيد           عن الأحرار منهم والعبـيد

                  غريب الوجـد ذو عـلم غريب              كأن فؤاده زبر الحديــد

                  لقد عـزت معـانيه وجلــت                عن الأبصار إلا للشهيــد

                  يرى الأعياد في الأوقات تجري             له في كل يوم ألف عيــد 

 وهى أوصاف فوق البشرية . وأعتقد أن الغزالي كان يتخفى وراء كلمات ( قيل لبعض العارفين) أو ( قيل في وصف العارف ) .

6- وتلك الصفات الإلهية للولي الصوفي – وقد جاءت في كتب صوفية معتدلة كاللمع والإحياء – من شأنها أن تؤثر عملياً في وصف أشياخ التصوف في العصر المملوكي ، وتظهر في مفاهيمهم عن الولي .. يقول الشاذلي ( لكل ولي ستر أو أستار نظير السبعين حجاباً التي وردت في حق الحق تعالى حيث أنه لم يعرف إلا من ورائها، فكذلك الولى )[22] .  وقال على وفا ( زيارة العارف ( الولى الصوفى )  تُذكّر بالحي الذي لا يموت )[23]. فقد زاوجوا بين صفات الله والولي الصوفي وأثبتوا المساواة بينهما ، حتى لقد قال المرسي ( لو كُشِف عن حقيقة الولي لعُبِد (أي عبده الناس) لأن أوصافه (أي الولي ) من أوصافه (أي الله) ونعوته من نعوته)[24]. والمرسي متأثر بشيخه الشاذلي الذي جعل من الولي اسم الله الأعظم[25].. ثم كان التصريح بألوهيته للولي في قول كاتب مناقب الوفائية ( الفاحشة لا تصدر إلا  ممن هو في الصور البشرية . وأما سادتنا رضي الله عنا بهم فهم مقدسون عن صفات الأبشار (جمع بشر) ولم يرهم في صورة البشر إلا من هو بشر )[26]. وقال ( الوجود وما حوى ملك لسيدي)[27]. ونتمعن معنى التأليه فى قوله ( رضى الله عنا بهم ) ، وهى عبارة تتكرر فى كتب المناقب .

 وكان شيخه على وفا يقول عن مريديه ( لم أجد إلى الآن مريداً صادقاً يتقرب إلى حقيقة حقه عندي بالنوافل حتى أحبه، ولو وجدته لوافيته بحقه فأحببته فكنت هو )[28]. ويقول (لسان حال كل أستاذنا ناطق بالحق المبين ، يقول لكل مريد صادق تقرب إلىّ حتى أحبك ، فإذا أحببتك رأيتك أهلاً لي، فظهرت فيك بما أنت مستعد له . فافهم. ) فلم يكتف بإدعاء الألوهية الكاملة بل ودعا المريدين إلى حبه وعبادته حتى يمن عليهم بالاتحاد بهم شأن تصويرهم لله في عقيدة الصوفية..

7 –ومعلوم أن الأسماء الحسنى حق لله وحده لا يشاركه فيها أحد من خلقه.. وأسماء الله الحسنى ، وصفاته الإلهية يتعبد المسلم بترديدها في تسبيحه لربه: ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)الأعراف 180 ) ،  (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى )الإسراء 110) . ذلك شأن المسلم الذي يرفض أن تطلق صفة مقدسة أو اسم من أسماء الله الحسنى على غير الله تعالى .

 وبعد .. فقد توسع الصوفية في إسناد الفعل بعد الاسم والوصف، أي أنهم بعد أن أطلقوا على أنفسهم الأسماء والصفات الإلهية قاموا بإسناد أساطير لأوليائهم ليشاركوا الله تعالى في ملكه وتصريفه في ملكوته.

تعالى الله جل وعلا عما يقولون علواً كبيراً .



[1]
إحياء جـ4/176.

[2] تحفة الأحباب 465.

[3] - الطبقات الكبرى على الترتيب جـ1/ 15. 16 . جـ2 / 156 . 164 .

[4] - الطبقات الكبرى على الترتيب جـ1/ 15 . 16 جـ2 / 156 . 164 .

[5] -  الطبقات الكبرى على الترتيب جـ1 / 15 . 16 جـ2 / 156. 164.

[6] - الطبقات الكبرى  على الترتيب جـ1/ 15 . 16 جـ2 / 156 . 164.

[7] - نفس المرجع جـ 1 /135.

[8] -الطبقات الكبرىجـ1/143

[9] - مناقب الحنفي مخطوط3.

[10] - الطبقات الكبرى جـ 2/ 81.

[11] - لطائف المنن لأبن عطاء71.

[12] - المفاخر العلية 3 :4 .

[13] - اللمع 58.

[14] -اللمع  على الترتيب 56 ، 48 ، 57.

[15] - اللمع  على الترتيب 56 ، 48 ، 57.

[16] - اللمع على الترتيب56، 48 ، 57 .

[17] - اللمع  على الترتيب 56 ، 48 ، 57 .

[18] - إحياء جـ 4 / 306 ، 267 .

[19] - إحياء جـ 4 / 306 ، 267 .

[20] - إحياء جـ 4 / 304 .

[21] - إحياء جـ 4 / 288 .

[22] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ1 / 7 .

[23] - مناقب الوفائية مخطوط 33 .

[24] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2/ 12 ، تعطير الأنفاس 308 .

[25] - تعطير الأنفاس 28 . ولطائف المنن لابن عطاء 88.

[26] - مناقب الوفائية 55 .

[27] - مناقب الوفائية 70 .

[28] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ 2 / 55 .

اجمالي القراءات 15616