بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا نشمئز ، ونخاف من بعض الكلمات ؟؟
مثل: إلحاد، وملحــد و...؟؟
******
إنّ موضوع المحترمة، الأستاذة " نهاد حداد"، الذي جاء تحت عنوان :
( ماذا تفعله داعش ولم يفعله محمد وأصحابه ) ؟
إن الموضوع، جاء صريحا، وجريئا، وبعبارة أخرى جاء ليعبّر جهرا عما يكون حتما صــال وجال في النفوس سرا، ولذلك فإن هناك مواضيع شتى تستوقف المرء، عندما يقرأ المقال، ومنها مثلا :
أ) ما جاء في الموضوع الذي نشرته الأستاذة نهاد: ( ... نحن نرى أن القرآن الذي نحن متشبثون به هو نفس القرآن الذي يستقي منه الإرهاب أسباب وجوده !!).
ب) وما جاء أيضا في نفس الموضوع: (...لكن التحدي هو كيف نبرئ الإسلام بالقرآن، وغيرنا يرتكب مجازر باسمه؟ من المحق ومن المخطئ ؟ .
ج) إن كل ما ذكرته الأستاذة نهاد مما يرويه التاريخ عن أفعال خالد بن الوليد -مثلا- وعمر بن الخطاب، وأبي بكر، وعثمان، ومعاوية، نعم إن كل ذلك، وغيره، مدهش حقا، ولكـــن :
01) ألا يكون أكثر صواباً، أن يأتي عنوان موضوع الأستاذة نهاد - وأنا متوقع جدا أنها لا تعارض هذا الإقتراح مشكورة – أن يأتي عنوان المقال هكذا: ماذا تفعله داعش، ولم يفعله أصحاب محمد(عليه الصلاة والتسليم ) ؟.
02) ألا يكون الصواب في أن نعتقد جازمين ومطمنين وواثقين، بأن الحديث المنزل على عبد الله لا تشوبه شائبة ؟ وغير مصاب بأي عوج أو تناقض ؟ مصداقا للآية الكريمة: ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) الكهف 1.
03) ألا يكون الصواب في أن نعتقد جازمين، مطمئنين، وواثقين وغير حانثين، في أن السيد محمد بن عبد الله، الذي اصطفاه خالقه وحمّله الرسالة، هو إنسان، بشر، ذو خلق عظيم، وبالتالي في أن نعتقد وغير حانثين دائما، في أنه (عليه الصلاة والتسليم) يستحيل أن يحيد عن تعليمات وأوامر الخالق قيد أنملة، ويستحيل أن يكون تقوّل عليه بعض الأقاويل، أو بعض الأفعال أو بعض المواقف أو بعض التصرفات ؟ وأن يزداد اعتقادنا قوة وثباتا في كل مــا أتيحت لنـا فرصة تدبرالآيات44/49 في سورة الحاقة: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين).
*والأهم هو: ما دام الله عز وجل، لم ينفذ تهديده على عبده ورسوله، ألا تكون هذه الحالة هي أعظم وأجلّ شهادة من الله العلي العظيم، بأن عبده ورسوله لم يضعف ولم يركن إلى أحد، ولم يجتث آية لما يلائم هواه أو هوى ونزوات أصحابه ومعاصريه ؟ وأنه كان حقا في المستوى ؟
04) ألا يكون الفهم السليم الصحيح المصيب، هو في أن نعتقد جازمين مطمئنين بأن النبئ محمد بن عبد الله (عليه الصلاة والتسليم) عندما كان على قيد الحياة، عندما ينطق، أن نعتقد جازمين غير حانثين ، بأنه لا يمكن أن يكون صدر عنه ذلك النطق عن الهوى، إنما هو وحي يوحي، ليس إلا، وبالتالي أن نعتقد جازمين غير حانثين أن ما نطق به طول حياته يكون محصورا فقط في ذلك الحديث الذي يتميز بذلك القسم العظيم، أو بعبارة أخرى أن نعتقد جازمين غير حانثين بأن ما نطق به رسول الله إبان حياته هو فقط ذلك القرآن الكريم الذي خرج من بين شفتيه، وهو متكون من114 سورة التي نعرف، أو6666 آية حسب إحصاء وضبط العادّين. وأن نعتقد جازمين غير حانثين أن هذا ما تــعنيه الآيات التــالية: (والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) .
05) ألا يكون الفهم السليم، الصحيح ، والمصيب، هو في أن نعتقد جازمين مطمئنين غير حانثين بأن الوحي المنزل هو الدين القيم، وهو كل ما في مفاهيم البشرى، والنور، والحرية والعدل والإنصاف من معان، وأن الدين القيم هو الذي يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة ، ولا يجادل إلا بالتي هي أحسن. والحرص على عدم الإعتداء ، والحرص على عدم تجاوز مواقف الدفاع، والإعتقاد - غير حانثين - بأنه لا محل ولا مجال للتعسف أو لإكراه الناس، والإعتقاد جازمين غير حانثين بأن الرسول لا علاقة له ابدا بأولئك الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) الأنعام 15.
06) ألا يكون الفهم السليم والصحيح ، والمصيب، هو في أن نعتقد جازمين مطمئنين بأن تعاليم الله عز وجل الواردة في القرآن لا تفسرها ولا توضحها ولا تجليها ولا تضبطها إلا تعاليمه الواردة في القرآن نفسه؟ أن نطمئن أن القرآن يفسر بعضه بعضاً – لا غير - ويستحيل أن يبقى هناك الشئ ونقيضه.
07) وعندما نلاحظ أن هناك من يقع في حيرة لأنه فهم أن هناك الشئ ونقيضه في القرآن، أي أن هناك من يجتث آيات لتلائم أهواءه ونزواته، وقد يذهب به الأمر، وينزلق إلى الإستشهاد بما يرويه التاريخ من أفاعيل أصحاب النبي محمد ( عليه الصلاة والتسليم ) ومعاصروه، تلك الأفاعيل التي أثارت وما زالت تثير غبارا كثيفا ورهيبا من الظلم ، فإن كل ذلك، كان ، وما زال ، مندرجا في خانة المشبوه ، والمشكوك فيه.
فما دامت تلك المجلدات الضخمة ، المعتبرة من الصحاح تعجّ بكل ما يمكن تصوره أو حتى عدم تصوره من ذلك الظلم الهائل الذي يمثله الكذب والإفتراء على عبد الله ورسوله، بل الكذب على الله ، ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ).الزمر 32.
* نعم، ما دام هناك كل ذلك الظلم الذي لا مثيل له، فمن منع أولئك الظالمين من أن يكذبوا ويفتروا على عبد الله ورسوله ، وعلى أصحابه ومعاصريه ؟ وربما حتى على غير أصحابه وغير معاصريه أصلا ؟
* فإن كان أصحاب محمد ومعاصروه فعلوا ما نسب إليهم من تجاوزات ومنكرات عن جهل أو تجاهل أو عن قصد أو غير قصد ، فذلك يجب أن لا ينسينا أنهم بشر، ضعفوا هنا وهناك ، واستكانوا وحادوا عن الصراط السوي . ثم إذا كان عبد الله ورسوله ( عليه الصلاة والتسليم) هو مجرد بشر يوحى إليه ، ولا ينبغي أن نجرده ونحرمه من حقوقه كإنسان ، فمن بال أولى ، أن لا يبقى هناك أي مجال لحرمان أصحابه ومعاصريه وغير معاصريه من بشريتهم وإنسانيتهم التي تصيب وتخطئ. فإن كانوا اقترفوا شيئا مما يرويه التاريخ فذلك يبقى شأنهم ، ولا علاقة لنا به ، وأمرهم إلى الله الرحمن الرحيم .
* وأما عن محمد بن عبد الله النبئ والرسول ، فينبغي أن لا يفوت علينا أنه إنسان معصوم من أي شئ من ذلك العصيان، وذلك بموجب تعاليم الله وتأكيداته وشهاداته.( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناسإن الله لا يهدي القوم الكافرين 67 )- المائدة )
* وأما عن تلك الظاهرة التي تشير إلى أن هناك بعض شباب ، وفي مجال تلك الآية الكريمة (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَــاءَتْ مُرْتَفَقًا) 29 – الكهف .- وتقول الظاهرة إن بعضهم وصل به الأمر، أو اليأس إلى أن أعلن تراجعه (واعتناقه) الإلحاد ، فإن ما قد يستوقف المهتم كلمة أو صفة الإلحاد ، والملحد ، هو ما يلي :
إذا كان معنى الإلحاد هو الكفر، ومعنى الملحد هو: الكافر بالله ، وقد جاء في إحدى المناجد باللغة الفرنسية ما يلي :
Athée : qui ne croit pas en DIEU, qui en nie l’éxistence ( dictionnaire QUILLET ).
إذا اتفق على المعنى ، يعني أن الإلحاد هو الكفر بالآلهة، وتجاهلها ، وإذا وقع الإتفاق بأن الدنيا تعج بالآلهة، بشتى الآلهة، المادية منها والنفسية والمعنوية، ألا يفهم بالتبع أن الله سبحانه وتعالى عندما كلف عبده ورسوله بتبليغ الرسالة ، ألا يعني من ذلك أولا وأخيرا الدعوة إلى الكفر بها والإلحاد بكل الآلهة جملة وتفصيلا ، بدون تمييز، وبدون مراعاة أو محاباة مهما كانت صفة الإله ، ثم بعد ذلك يأتي دور الإستثناء الوحيد المخلص الحقيقي والمنقذ ؟، وكل ذلك مركز ومختزل في ( لا إلـــه ........ إلا الله ).
وعليه، فإن المرء عندما يصرح قائلا ومقرا بأن لا إلــه ،،،،،،،،،، ألا يكون أعلن إلحاده بالنسبة لتلك الآلهة ومقرا بأنه كافر بها مهما كانت ومهما كان نوعها أو طبيعتها ؟ وبعدها، عندما يستثني معتقدا ومصرحا ومقرا بــ: إلا الله، ألا يكون على صواب؟ وفي عين الصواب ؟ وصوابه هذا ! ألا يكون مبنيا وناتجا وحصيلة كفره بكل إلــه آخر، ما عدا الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحدٌ ؟ وألا يكون أولئك الذين أعلنوا إلحادهم، ألا يكونون، من حيث يدرون ، ولا يدرون، في الطريق المؤدية إلى الإبتعاد عن ذلك الظلم العظيم، أي عن الشرك ؟، وكأنهم آخذون بوصية لقمان عليه السلام لابنه : ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾سورة لقمان 13 - ولو يعلم أولئك الذين أعلنوا إلحادهم، لو بعلمون ، أنهم بإلحادهم ذلك، قد حققوا أو قد بلغوا نصف الدين القيم الذي أمر به الله، وأن نصف الدين القيم الكامل موكول باعتقادهم أن هناك ذلك الإستثناء المنقذ، المخلص وهو ( أن لا إله إلا الله )، لو علموا ذلك، ولو اقتنعوا به، ولو قدروه حق قدره، لأصبحوا هم – وحدهم، لا غيرهم- ، المسلمين الحقيقيين، ولاندرجوا في زمرة أولي العلم ، المشار إليهم في تلك الآية العظيمة( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلمقائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) آل عمران رقم 18 –
ولنجوا من تلك الصفة التي يطلقها الله على إيمان السواد الأعظم، ذلك الإيمان المهزوز، المشبوه ، غير النزيه .(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) يوسف 106- ولسلمت قلوبهم من ذلك المرض الدفين في بعض الصدور، صدور أولئك الذين ترسمهم هذه الآية :( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) الزمر 45..
* وباختصار شديد ، فإن الذين يكفرون ( يلحدون) بكل الآلهة، بكل شجاعة وبكل جرأة وبكل تحد ّ، ثم بعد ذلك يهتدون إلى الإستثناء المنقذ من الضلال ، بأن يعلنوها صريحة عن اقتناع وبدون ريب ولا شك وبكل اطمئنان وهم معتقدون في قرارة أنفسهم أنهم غير حانثين، فإن أولئك الذين يستثنون ويقرون بأن : لا إلــه إلا الله وحده لا شريك له ، سيكونون حتما من تلكم الزمرة الناجية ، زمرة أولئك الذين تسلم قلوبهم من ذلك الوعد الحطير العظيم الصادر عن الله العلي العظيم نفسه في الآية رقم:(151).آل عمران.(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) .وإن الذين يفسدون في الأرض، مهما كانت انتماءاتهم أو أسماؤهم ، فإن الذي لا شك فيه هو أن وعد الله ووعيده تحقق فيهم ، تحقق في قلوبهم المفعمة بذلك الرعب ، إلى درجة حرصهم على تصديره وتحويله إلى قلوب العزل الأبرياء. وأما عن السبب الذي جعل الرعب يـُصَبّ صبا في قــلوبهم ويمــلأها، - ولعــل هــذا هــو مربط الفرس - فـــإن الســبب هــو ( ... بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ...).
* وأخيرا، إذا رجعنا إلى عنوان الموضوع الجرئ الذي تفضلت الأستاذة نهاد بنشره ، وإذا وافقت على اقتراحنا - حسب وجهة نظرنا – طبعا سيكون كما يلي :
01) ماذا تفعله داعش ولم يفعله أصحاب محمد رسول الله ؟
أو
02) إن محمد ا رسول الله عليه الصلاة والتسليم ، يستحيل أن يكون في شئ من أولئك الذين ينتمون إلى داعش .