ماالذي تفعله داعش ولم يفعله محمد وأصحابه؟
استوقفتني هذه الجملة للشاب المصري أحمد حرقان في برنامج" الباب المفتوح " ! لن أورد كلما قيل من طرف هذا الشاب ، الذي أعلن إلحاده بعد سبع وعشرين سنة من التقوى والورع ، حج خلالها سبع مرات مشيا على الاقدام ، وتربى في كنف أب سلفي وأسرة ضاربة عروقها في التدين . وتتلمذ تسع سنين على يد ياسر برهامي . فما الذي جعل هذا الشاب والآلاف أمثاله إن لم نقل الملايين كماورد في قناة الجزيرة يلحدون ؟ هل أصبحت حجة الأديان ضعيفة إلى هذا الحد؟ ثم لماذا يخاف المتدينون من مقارعة الملاحدة محاولين الحجر على أفكارهم مع أنها تحمل الكثير من المنطق؟
لم أكن لأهتم بالموضوع لو كان هذا الشاب أي شاب! من الممكن جدا أن يلحد الشباب حينما لا يقتنعون بفكر ديني ما وقد يبدأ ذلك من سن المراهقة عندما يرفض الطفل كل الاغلال بما فيها الدين ! أما أن يلحد خريج شريعة حافظ للقرآن ، كل القرآن فهذا ممايجب أن يستوقفنا ! إذ لا يجب أن نعمه في غرورنا ونترك شبابنا ممزقين بين سندان التطرف ومطرقة اللادين! ثم نبرر عجزنا عن إقناعهم بأنهم مجانين لا يكادون يفقهون قولا !
هل يجب أن نخاف من الإلحاد؟ أو ليس الله معنا ؟ أو ليست حجتنا هي الأقوى ؟ إذن ماالذي يخيفنا من الأسئلة ؟ ألأن إيماننا ضعيف إلى درجة آن شابا أعلن إلحاده يخيفنا ويزلزل قناعاتنا عندما يلقي على عاتقنا ببعض الشبهات؟
السؤال الذي يجب أن نطرحه هو إما آن نكون آولانكون على رأي شكسبير ، وإذا اخترنا أن نكون، فهذا يعني أن نكون قادرين على الرد على الأسئلة ، لا الهروب منها ! فإن لم نستطع ، فمعنى هذا أن حجتنا ضعيفة وأن من حق من يلحد في الدين أن يفعل لأننا غير قادرين على إقناعه ! قد يقول قائل ، ليس علينا هداية أحد ، وهذا صحيح فلسنا ملزمين بإدخال الناس للدين ! فلسنا دعاة ولا شيوخا ! وحتى الرسول عليه السلام قال له المولى عز وجل " لست عليهم بمسيطر " ! ولكن ، كأناس وكأهل قرآن ! هل ينتهي دورنا هنا؟ وهل نترك الأسئلة تحرقنا حتى نستيقظ في يوم من الأيام لا نلوي على شيء ؟ لو كان الشاب احمد قد انتقد الأحاديث فقط لما كلفت نفسي عناء الكتابة ! ولكنه أثار تساؤلات لدي لمراجعة النفس ومراجعة الإنتماء أيضا ! كقرآنيين ، هل نحن فعلا في مستوى التحديات؟ وهل نستطيع الإجابة بعيدا عن الخيلاء والترف الفكري الزائف ؟ وهل أهل القرآن فعلا شرذمة لن ترى النور لأنهم مجرد عائلة تتدارس القرآن بينها كما جاء في الحلقة الخامسة والعشرين من برنامج سؤال جريء حول القرآنيين؟
التحديات خطيرة ، وركون أهل القرآن إلى تدبر بعض الآيات التي قد يتفق عليها المسالمون سواء اتفقوا أو لم يتفقوا على تدبرها ، لأنها في جميع الحالات ليست محل شبهة !
ماذا لو أن نفس القرآن " الذي نقول بأننا أهله " يستقي منه التطرف أسباب تطرفه والإرهاب كلماته؟
هي نفس الأسئلة التي طرحها الأخ رشيد على الدكتور منصور حول آية السيف والآية التاسعة والعشرين من سورة التوبة وغيرها ؟
هي ذي الاسئلة التي استفزت فضولي ! بين عدم إيماننا بصحة ما جاء في التراث ، وفي نفس الوقت في اعتبارنا له على أنه تاريخ يُستأنس به لفهم الماضي ! وهذا هو التناقض بعينه !
فإما أن نقبل على أن هذا ماضينا ونتبرأ منه وإما أن ننفيه تماما في هذه الحالة وحينها لن يكون لنا ماض ! فالقرآن كتاب دين وليس كتاب تاريخ !
عندما ننتقد ماقاله بعض الصحابة أو بعض تصرفاتهم ، فنحن نفعل انطلاقا من توقعنا على أن هذا ماقالوه وما فعلوه فعلا ، ومع ذلك ننفي عنه الصحة حين يتعلق الأمر بانتقاد التراث .
حين ننتقد أحاديث البخاري أو غيره من الرواة ، فلأننا نضعها على محك القرآن ! ولكننا ننسى شيئا مهما جدا ، هو أنه ، إذا كانت هذه الروايات موضوعة ( ونحن نؤمن بأنها فعلا كذلك ) ، فمن أين نستقي معلوماتنا التاريخية ؟
والسؤال الملح جدا هو ؟ إن البخاري الذي جاء بعد قرنين من الزمن قد وضع أحاديث تناقض جلها القرآن الكريم وتتناقض حتى فيما بينها ، وكأناس نعتمد على القرآن وحده كمصدر للتشريع ، نزعم على أن السبب في عدم تصديقنا لما جاء به البخاري هو بعده الزمني عن الفترة التي عاش فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبأن الخلفاء الراشدين قبله ومن جاؤوا بعدهم لم يكونوا في حاجة إلى أحاديث بل مارسوا شعائرهم وعقائدهم استنادا على القرآن الكريم فقط . وهذا رأينا !
لكن ، هل كان تاريخ هؤلاء - قبل البخاري - مثاليا كما أراد له الله أن يكون ، أم أن القرآن الكريم استغل استغلالا من طرف هؤلاء وأولائك لخدمة مصالح معينة ؟ إذ لا يمكن أن نزعم بآن أصل الشر كله هو الأحاديث الموضوعة من قبيل لا يباح القتل إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة ووو...الخ .
ألن يأتي يوم على أهل القرآن يختلفون فيه في تدبرهم مع بعضهم فيرتكبوا ما ارتكبه أسلافهم من مجازر ؟ ماالذي يضمن إذن أن لا يقترف القرآنيون نفس المجازر التي ترتكبها داعش باسم كتاب الله ؟ لأن داعش في نهاية المطاف تطبق آيات قرآنية من قبيل آية السيف ؟
أو لم ترتكب مجازر في حق الخوارج باسم الدين ؟ أو لم ينقلبوا هم أنفسهم على علي تطبيقا لقوله عز وجل " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " إذ بالنسبة للخوارج ، كان معاوية وقبيله هم الفئة الباغية ! فهل نحاكم هؤلاء بمنطق الدين الذي أرادوا أن يطبقوه حسب فهمهم أم حسب فهم علي أم حسب فهم القرآنيين ؟ وهل القرآنيون هم الأولى بالفهم من غيرهم ؟ أم أنهم يُجِمِّلون الإسلام كما جاء في سؤال جريء عن القرآنيين ؟
لقد نشرت ردا على المستشار احمد عبده ماهر دفاعا عن القرآنيين ولكنني وجدت نفسي متحيزة بالرغم من الأسئلة الكثيرة العالقة ! وبالرغم من أنني أجد أن المستشار قد أخطأ إلى حد بعيد في حق القرآنيين ، إلا أن انتقاده للمنهج في حد ذاته لا يخلو من الصحة .
فالتحدي صعب وكبير ولا يمكن لنا نهج سياسة النعامة ودك الرأس في الرمال ونحن نرى أن القرآن الذي محن متشبثون به ، هو نفس القرآن الذي يستقي منه الارهاب أسباب وجوده !
دعنا مما يسمى بالسنة القولية التراثية ، نحن لانعيرها اهتماما لأننا لا نظن بأنها أقوال الرسول الكريم ولسنا ملزمين بتصديقها ! ولكن التحدي هوكيف نبرؤ الإسلام بالقرآن وغيرنا يرتكب مجازر باسمه ؟ من المحق ومن ومناالخاطئ ؟
قبل بضعة أسابيع ، احتججت على رأي إحداهن في تدبرها لآية " ضرب النساء " في القرآن . لأنني لم أقتنع برأيها ، الذي كان تجميلا للآية وليا لعنقها ! فاحتججت ، وكان من بين الإخوان من لم يعر المسألة اهتماما ، قائلين بأن هذا رأيها ويجب أن يُحترم ، لأنها قد تدبرت القرآن وقد تصيب أو تُخطئ . ( وبغض النظر عن أن هذا يعيدنا إلى قضية (من اجتهد فأصاب فهذا جيد ، ومن اجتهد فأخطأ وتناقل عنه القراء خطأه ، فلا شيء عليه فقط لأنه يزعم أنه من أهل القرآن ! وأتساءل هنا لماذا نرفض تفسير الجلالين وابن كثيروغيرهم مادامت المسألة مسألة آراء.
المسألة عندي أكبر وأهم من زعم إحداهن تدبر القرآن ، فلا أحد يمتلك الحقيقة ! ولكن ، والحالة هاته ، لماذا لا نوافق على آراء داعش في تدبر القرآن ؟ لأنهم في آخر المطاف يقولون بأنهم يأخذون منهاجهم من القرآن ! وهذا ماحاول الأخ رشيد أن يوصله للقرآنيين الذين هاجمه بعضهم ولم يحاولوا أن يطرحوا على أنفسهم نفس الأسئلة وكأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة !
نعم يجب أن نواجه أنفسنا ! نعم ! داعش انطلقت من القرآن كما انطلق منه الخوارج والعلويون وعمر ابن الخطاب وأبوبكر وعثمان ! لماذا نصب جام غضبنا على التراث المابعد القرن الثاني الهجري ولا نجيب على التحديات التي ستقف حجرة عثرة في طريق أي محاولة للإصلاح عبر تدبرالقرآن؟
كيف ولماذا ارتكب المسلمون المجازر في حق بعضهم باسم الدين واعتمادا على نصوص القرآن؟ أو ليست المقولة الشهيرة العلي بن أبي طالب ( إذا صحت عنه فعلا ) ، " القرآن حمال وجوه " هي الحقيقة الوحيدة التي تجاهلناها منذ غابر الأزمان ؟ ففي آخر المطاف ، الجميع يجد في القرآن تبريرا لتصرفاته. ، حيث يجد المسالم ما يناسب سلميته كما يجد الإرهابي اسباب ومبررات إرهابه !
هب أن المسلمين كلهم رفضوا التراث واقتنعوا بالقرآن كمصدر وحيد أوحد للتشريع ، هل نكون هكذا أجبنا على كل الأسئلة العالقة ؟ وهل نضمن فعلا أن لن يكون هناك من سيستعمل آية السيف وغيرها كمصدر للحث على القتل والإرهاب؟
ثم هب أن الجميع لم يعد يعتقد بمسألة الناسخ والمنسوخ، ولن يقول أحد أن آية السيف ناسخة للآيات السابقة ؟ ألا تبقى مع ذلك أسئلة محيرة أخرى من قبيل : القرآن صالح لكل زمان ومكان ! وكنتيجة لذلك سيأخذ بآية السيف من يريد أن يأخذ بها ويأخذ بباقي الآيات آخرون ! فهل من حقنا حينها أن نحاكم من أخذ بآية السيف التي هي في نهاية المطاف آية قرآنية ؟
ألن يعتبر ذلك تركا لبعض الآيات وأخذا ببعضها ؟
فيأتي إذاك من يحتج بآيات مثل " أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟"
للأسف ، أصبح القرآن مستخدما ككتاب حكم وأقوال ، على غرار أقوال الحكماء ( تعالى قوله سبحانه عن النظير) ! حيث أصبح المسلمون يجتثون آياته اجتثاثا لما يلائم أهواءهم ونزواتهم !
لقد اعتبر أحمد حرقان أن القرآن يحتوي على الشيء ونقيضه . وحينما تأتي هذه الانتقادات من مسلم سابق دارس للقرآن ، فلايجب الانتقاص من أهميتها ، بل أخذها بجدية أكبر من لو أنها جاءت من شخص لا يعرف الكثير عن الدين ! ولنا في ماسمي غزوات النبي وسراياه ومذابح اليهود وقطع رؤوسهم في غزوة مثل بني قريضة أو بني النضير ما يجعلنا نهتم بجدية بقول حرقان ، ماالذي فعلته داعش ولم يفعله محمد وأصحابه؟ أو لم يقطع خالد بن الوليد رأس غريمه ووضعه تحت قدر ونام مع امرأته ليلتها؟ أو لم يأمر عمر بن الخطاب برأس أحد المصريين بالمنجانيق حتى يعيدوا له رأس أحد جنود عمر بن العاص ؟ أو لم يأمر أبو بكر بقتل المرتدين عن دفع الزكاة ، والزكاة فقط بالرغم من أنه لا أصل في القرآن لشيء اسمه حد الردة ؟ أو لم يطأ عثمان على خصيتي عمار بن ياسر الذي لم يعد يطهر من بوله منذ ذلك الحين ؟ أولم يشعل " معاوية " نار الفتنة التي لم تبق من المسلمين ولم تذر حتى جاءت على حفدة رسول الله عليه السلام؟ أو لا يحق لأبناء المسلمين أن يتساءلوا عن كل هذا البغي والفساد في الأرض؟ ثم يأتي المستشار عبده ماهر على موقعه في الفايس بوك وهو المؤمن على حد قوله ب " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" بصور كل هؤلاء الشباب الذين أعلنوا إلحادهم لينتقد حرية التعبير في عهد السيسي؟