عشرة أدلة تثبت اختلاق قصة رجم الغامدية

سامح عسكر في السبت ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

قصة الغامدية الشهيرة التي زنت وزعموا أن الرسول رجمها بعد اعترافها، تعددت رواياتها وتنوعت جوانبها ، حتى حار في أمرها الفقهاء والمحدثين، ولكن تبعاً لمناهج أهل الحديث - التي تهتم بالنقل دون النظر للمتون- قبلوا بها رغم عوارها الشائن.

في السطور القادمة سنبحث في هذه القصة تاريخياً وحسب مناهج المحدثين، وسنظهر هذا العوار الشائن بعشرة أدلة كما يلي:

1-القصة لم يعرفها أحد من المسلمين قبل 150 عام بعد وفاة الرسول، وكان أول من دونها إشارة هو.."مالك ابن أنس"..في موطأه(ت179هـ) وتصريحاً بالإسم .."عبدالله بن أبي شيبة"..في مصنفه(ت235هـ) ومنه ابن حنبل توفى عام(241هـ) ومسلم(261هـ).

وقد تطورت القصة منذ عصر مالك إلى عصر ابن أبي شيبة، فمالك يتحدث عنها بقوله.."جاءت امرأة"..وابن أبي شيبة أضاف.."الغامدية"..وهذا يعني أن القصة تطورت من العزو إلى مجهول في عصر مالك، إلى تعيين الإسم في عصر التدوين، وبينهما قرابة 60 عاماً على الأقل، ولو كان معروفاً بالضبط من هي لعُرف في زمن مالك، ولكن ذكر قصتها بهذا التطور يعني حسب المنهج التاريخي تطور من الأدنى إلى الأقصى، وهو ما يعني أن القصة في أصلها كانت لا شئ.

أما دوافع التطور فهذا ما سنبحثه لاحقاً

2-البخاري لم يذكر قصة الغامدية مطلقاً ويبدو أنه لم يكن يعلم عنها شيئاً، والبخاري متوفي عام (256هـ) وهذا يعني أن قصة الغامدية كانت محل جدل بين المحدثين في هذا العصر.

3-القصة عن سليمان بن بريده عن أبيه الصحابي.."بريدة الأسلمي"..أي أنها موقوفة على راوٍ واحد، بينما قالوا أن الرجم عقوبة يحضرها العامة وتشهدها الجماعة، فكيف لعقوبة مشهورة أن تُهمل ولا يذكرها سوى رجل واحد؟!.. هذا يدل على التساهل في قبول الأخبار إبان عصر التدوين خصوصاً في القرن الثالث الهجري وهو الزمن المعتبر لظهور قصة الغامدية.

4-القصة بالكامل موقوفة على راويين اثنين، الأول هو.."بشير بن المهاجر"..وهو منكر الحديث عند ابن حنبل والساجي، ومدلس عند ابن حبان، والثاني هو.."علقمة بن مرثد"..وهو ثقة حسب قواعد المحدثين، وحديثه عن سليمان عن أبيه بريده مُعنعن، يعني عن فلان عن علان، والحديث المُعنعن في حكم المحدثين مقطوع.

قالوا أن الانقطاع في العنعنة لا يتحقق إذا ثبت لقاء الرواة ببعضهم وإذا كان الراوي غير متهم بالتدليس، وأنا أتحدى في إثبات لقاء علقمة بغيلان بن جامع -راوي هذه القصة عن علقمة- فحتى بشهادة ابن أبي حاتم الرازي(ت327هـ) في الجرح والتعديل أن غيلان كان يروى الحديث مرسلاً..(الجرح والتعديل7/53)، فلو قيل أنهما كانا كوفيين فليس دليلاً حيث لا يمتنع الكذب والوهم عن أبناء البيت الواحد، ولو قيل أنه اشتهرت رواية غيلان عن علقمة قلت ومنذ متى كان المشهور حجة؟ ..فالشهرة لم تأتِ سوى في عصر التدوين أي بعد وفاة علقمة وغيلان ب100 عام على الأقل، أي لم تبلغ شرط التواتر.

5-يوجد اضطراب في تعيين .."من هي الغامدية"..قيل أنها امرأة من جهينة، وقيل أنها من غامد، وقيل أنها من بارق ، وقيل أنها من الأزد، وعلماء الأنساب يختلفون في علاقة هذه البطون ببعضهم، حتى من قال أن غامد بطن من جهينة لم يحل إشكال كفالة أحد الأنصار بها وجهينة من قبائل المدينة، إذا لو كانت جهنية فلماذا كفّلها غريب؟!

6-يوجد اضطراب آخر في زمن الرجم ، فأخبار تقول أنه بعد الولادة، وأخرى تقول بعد الفطام، ولا يخفى على عاقل أن تعدد الاضطرابات في القصص يعني هشاشة الأصل.

7- يحتج البعض أن القصة غير موقوفة على الصحابي بريدة الأسلمي، بل رواها صحابي آخر وهو.."عمران بن حصين"..قلت هذا باطل من وجهين: الأول: أن قصة عمران شأنها كشأن قصة بريدة لم تظهر سوى في زمن متأخر، الثاني: أنه من شدة اضطراب القصة اضطر معها فقهاء كابن حجر العسقلاني إلى الاعتراف بأن القصتان مختلفتان، وأنهما امرأتان مختلفتان، امرأة عمران الجهنية وامرأة بريدة الغامدية..(فتح الباري 12/146).

8- إذا كان حال المرأة مجهولاً فكيف بسيرتها وتاريخ ميلادها وموتها، إن غموض حال هذه المرأة يعني استحالة التحقق من قصتها سواء بشواهد أو قرائن أخرى، وهذا تاريخياً يُحكم عليه بالأسطرة، أي لا صحة مطلقا لهذه القصة نزولاً لاستحالة معرفة هويتها.

9- كذلك ينطبق الأمر على ماعز الذي روي أنه رجم توازياً مع الغامدية، فماعز لا يعرف عنه شئ غير اسمه.."ماعز بن مالك الأسلمي"..لا يُعرف بالضبط من هو وأين وكيف عاش، ومتى ولد ومات، فضلاً على أن قصة رجمه هي الأخرى لم تظهر سوى في القرن الثالث بعد وفاة الرسول.

10- يُخطئ البعض في الاعتقاد أن الأخبار جاءت بزنا ماعز مع الغامدية، بينما الأخبار لم تذكر أي إشارة للعلاقة بينهما، وقد روى أن سبب رجم ماعز هو وقوعه على جارية لنعيم بن هزال، أي لا علاقة للغامدية به، بينما ذكرت قصته بالتوازي مع قصة الغامدية، وهذا يعني أن ذكر القصتين في زمن واحد وفي سياق واحد دون وجود إشارة لأي علاقة بينهما..يعني تاريخياً كان في سياق التمثيل والاحتجاج لإثبات العقوبة، على ما يبدو أنه في زمن التدوين في القرن الثالث كَثُرت الاعتراضات على عقوبة الرجم من أهل الرأي، فرد أهل الحديث بتلك القصص مع ذكر الأسماء والأنساب، ونظراً لأن القصة في أصلها مكذوبة فاختلفوا وتعارضت رواياتهم كما سبق.

إن دوافع تطور قصة الغامدية لا تخلُ من.."التوظيف"..كعادة أهل الحديث، حيث كانت عندما تُعجزهم الحجة يلجأون للأخبار ويبحثون في اتصال السند أو الوقوف على ما كان شائعاً ومتداولاً في زمنهم، والرجم بالعموم كان محل جدل قديم بين أهل الرأي وأهل الحديث، ولكن بعد انتصار أهل الحديث في زمن المتوكل العباسي وخروج ابن حنبل من السجن انتشر التدوين..وأمر المتوكل بالتوسع في كتابة الحديث، حيث كانت الأخبار في السابق مجرد نصوص تراثية تبقى رهينة للمنطق الجدلي والحوار بين الفقهاء.

وهذا ما حمل أبي حنيفة على رفضها كما تقدم في دراسة.."صحيح البخاري كان رداً على الأحناف"..حيث وبرفض أبي حنيفة لتلك العقوبات سواء لعدم تضمينها في القرآن أو لعدم جوازها عقليا دفع بعض المحدثين كابن أبي شيبة للرد عليه بتلك الراويات.

وهذا يعني أن أخبار الرجم جميعها هي ثمرة صراع أزلي بين أهل الرأي وأهل الحديث منذ القِدم، حتى حمل بعض الأحناف قديماً وحديثاً على إنكارها ، علاوة على رفض طوائف بأكملها لتلك العقوبة منهم الخوارج والمعتزلة وإن تنوعت أسبابهم التي حملتهم على رفض هذا الإجراء..الذي يرونه في المحصلة تعدياً على الشرع الحنيف بعقوبة قالت بتحريف القرآن لزوماً، وتعدياً على الإنسان كونها عقوبة همجية وغاية في البشاعة والشناعة.

إن غموض أمر الغامدية هو في حقيقته حجة على مجتمع النبي، حيث لا مجتمع يخلُ من الزنا، فكيف لم تُسجل حالة رجم واحدة في مجتمع النبي لأىٍ من المشاهير أو حتى من عرفت أحوالهم وسيرتهم، فلو قيل أن ذلك من رحمة النبي أو من رحمة الشارع، قلت أن اعتراف الغامدية يعني إقرارها بالذنب والندم على الفعل، وكم من هم حول النبي لا يُقرون بذنبهم ولا يندمون على فعالهم، وهذا يعني في حقيقته انتقاص من مجتمع النبي برمته.

ولكن ولأن القصة مختلقة -في عصرٍ سادت فيه الحروب الفكرية والصراعات المذهبية- عجز الرواة عن نسب حالة الرجم هذه لأيٍ من المشاهير أو من عرفت سيرتهم على الأقل، وإلا فالسؤال المقابل كيف تجرؤ ؟..وهذا انتقاص من الصحابة وهذا ملف شائك بين المذاهب، وبالتالي لم يكن أمام الرواه إلا عزو هذه القصة لمجهول كما عند مالك، ولأن الصراع كان على أشده في زمن ما بعد مالك بين المؤيدين والمعارضين للرجم...لجأ الرواة للإعلان عن هذه الشخصية الغامضة، ولأن القصة في أصلها لا شئ تعارضوا وتناقضوا واحتاروا ولم يهدهم الله سبيلاً، وهذا جزاء الكذب.

اجمالي القراءات 29278