1 ــ حسبما أتـذكر فقد إذيعت لى أربع حلقات فى برنامج ( سؤال جرىء ) الذى يقدمه الأستاذ رشيد فى قناة الحياة المسيحية التبشيرية . والاستاذ رشيد إرتد عن الاسلام بعد دراسة له وهو متخصص فى الهجوم عليه . وبسبب التعتيم المفروض علىّ فقد قبلت دعوته وسجلت معه الحلقات الأربع ، حلقتان منذ سنوات ، وحلقتان فى يوم 5 سبتمبر ، وأذيعتا الأسبوع الماضى على الترتيب . كان رد الفعل فى الحلقتين الأوليين فظيعا من المتطرفين الوهابيين . يحمل فتاوى التكفير وسفك دمى . أما رد فعل المسيحيين فقد كان فى أغلبه غضبا لأن البرنامج أتاح لى الفرصة للدفاع عن الاسلام ، حتى لو كان كلامى هجوما على من يضطهد المسيحيين . بعد تسجيل الحلقتين الأخيرتين توقعت نفس الهجوم من الوهابيين ، ولم يحدث ــ حتى الآن . ولكن قام المعلقون المسيحيون بالواجب . وتنوع هجومهم ــ كالعادة ــ الى طريقين : هجوم شخصى علىّ بالتحقير والتكفير ، وهذا واضح من تعليقاتهم على البرنامج زفى رسائلهم التى تصل الى عبر موقعنا ( أهل القرآن ) . الطريق الآخر ، هو مدحى شخصيا والهجوم على الاسلام وعلى النبى محمد عليه السلام ، ثم دعوتى للردة عن الاسلام ودخول المسيحية .
2 ـ أكتفى هنا بالاستشهاد بمقال نشره فى الحوار المتمدن الاستاذ محمود عبد القادر طه ، بعنوان : ( احمد صبحى منصور والمسيحية ) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=435688. يقول فى مقدمته : ( أستاذنا العزيز د. أحمد صبحى منصور: رأيت لك مؤخرا حلقة تليفزيونية مسجلة فى قناة الحياة المسيحية (برنامج سؤال جرىء)
https://www.youtube.com/watch?v=c-2UYr3TbcUــ ظهرت فيها شخصا قويا بليغا وقورا يتدفق العلم من صوته وهيئته وحضوره المتوهج .. وكنت سعيدا أن أرى بعينى انسانا يقضى ما تبقى له من سنوات العمر فى كفاح ((صامت)) ضد أعتى التيارات وأشرسها فى صبر ومثابرة لا نجدها الا عند عظماء الأعلام والفلاسفة الذين خلدهم التاريخ وخلدتهم أعمالهم. وهذه الكثرة القيمة من الكتب والأفكار التى قمت ولا زلت تقوم بانتاجها على مر السنين منذ أن تم طردك من جامعة الأزهر والى اليوم تكفى لتصنع منك لا أستاذا واحدا بل عشرة أساتذة فى أكبر جامعات العالم ومع ذلك فأنت لا تحصل من ورائها على منصب ولا حتى على أى مقابل مادى برغم أنها الشىء الوحيد الباقى الذى يمكن للاسلام أن يتعلق به وسط الأمواج العاتية التى سيغرق فيها آجلا أو عاجلا .... هى بطولة من طراز تاريخى نبيل رفيع ... أن ينكر انسان نفسه كل هذا الانكار ويقضى سنوات عمره فقيرا منفيا بعيدا فى أقاصى الأرض منكبا على قضيته يقاتل فى سبيلها دون غاية يحققها فى غده القريب أو حتى البعيد.. أنا أكتب لك الآن لكى أشكرك وأحييك وأشد على يديك بل وأقبلها وأقبل قلمك الثائر العبقرى الذى لا يهدأ . لكنى برغم موقفى هذا فأنا حزين على هذه البطولة وهذا السعى الجرىء الجسور .. فأنا قد فارقتُ الاسلام بعد أن امتلأتُ اقتناعا بأنه دين أرضى من اختراع انسان .. حدث هذا عبر سنين طويلة من البحث والدراسة الشاقة المتعمقة التى تخليتُ فيها عن الروح التبريرية التى تنتهجها فى مدرستك القرآنية والتزمتُ الحياد المطلق .. لقد ثبت لى بما لا يدع مجالا عندى لأى شك أن محمدا كان شخصا كاذبا مدعيا ) . ثم بعدها الى نهاية المقال هجوم على الاسلام والنبى محمد عليه السلام ودعوتى للدخول فى المسيحية .!
3 ـ هذا الاتجاه عايشته فى مصر كثيرا . أتذكر أن الحزب الوطنى فى منتصف التسعينيات تقريبا ـ فى سعيه ( المسرحى ) لعلاج ما أسموه بالفتنة الطائفية ، أقنع أرباب كنيسة العذراء فى حدائق شبرا ، بإقامة إحتفال دينى فى الكنيسة يحضره بعض شيوخ الأزهر لترسيخ الوحدة الوطنية . وتحدد الاحتفال ، وتمت الدعوة اليه ، ولكن رفض الشيوخ الأزاهرة الحضور ، فاضطر زعماء الحزب الوطنى لدعوتى للحضور الى الكنيسة بدلا منهم . ورحبت . وأخذت معى زوجتى وبعض أولادى ، ونزلت من الاتوبيس فى شارع شبرا . وسألت عن الشارع المتفرع منه والذى فيه الكنيسة ، فوجدت شارعا مزدحما بالناس ، وكان الوقت قبيل العشاء . واستمررت فى طريقى وسط الجموع الى أن دخلت الكنيسة ، وعرفت أن هذه الجماهير التى ملأت الكنيسة والشارع المؤدى لها جاءت لتسمع الاحتفال . إستقبلنى القس لمعى ( آسف إذا كنت قد نسيت إسمه الكامل ) وهو إنسان غاية فى التهذيب والأدب . وأجلست زوجتى وأولادى . ثم صعدت للحديث عن المسيح عليه السلام فى القرآن الكريم . أذكر أننى ضمن الحديث كنت أقرأ سورة ( مريم ) وأخذتنى تلاوتها الى الدموع تأثرا بما أقرأ . وكان التأثر واضحا على الحضور فى الكنيسة . وبدأ النقاش . وكان واضحا أنهم يعرفون بدفاعى المستميت عن الأقباط ضد المتطرفين ، لذا إنتهى النقاش بعد الشكر والامتنان الى نفس النقطة : لماذا لا تؤمن بيسوع ؟ لماذا لا تتحول الى المسيحية ؟ قلت لهم : إننا خصوم فى العقيدة . أنتم تؤمنون بالمسيح إبنا لله جل وعلا ، وأنا اومن بالله جل وعلا وحده الاها بلا شريك ولا ابن ولا زوجة ولا شفيع معه ولا ولى معه . والحكم فى هذه الخصومة بيننا مؤجل الى يوم القيامة ؛ يوم الدين ، حيث يفصل الله جل وعلا بيننا . ولكن الى أن يأتى يوم الحساب علينا ونحن فى هذه الحياة الدنيا أن نعيش معا فى حُب ومودة وأن يحترم بعضنا البعض فى مجال حرية العقيدة والدين لأن الدين شأن شخصى مؤسس على حرية الاختيار لكل فرد . وإستشهدت لهم بقوله جل وعلا : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة ) . قلت علينا أن نتسابق فى الخير وليس فى التعصب ، وأن نتعاون على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان . وقلت أنا أفهم التسابق فى الخيرات بيننا أن يقيم المسلمون كنائس للمسيحيين وأن يقيم المسيحيون مساجد للمسلمين .
4 ـ خرجت من هذا اللقاء وقتها بنتيجة مؤسفة ، هى أننى مهما دافعت ــ مجانا ومتطوعا ـ عن المسيحيين المضطهدين فإن هذا لن يُرضيهم مطلقا ، طالما يأتى دفاعى عنهم من داخل الاسلام ومن القرآن الكريم . لكى يرضوا عنى لا بد أن أتبع ملتهم ، أو حتى على الأقل أكون علمانيا ملحدا يهاجم الاسلام ويعتبره والمسلمين كيانا واحدا . إذا فعلت هذا فستأتينى أموالهم وسيأتينى ثناؤهم . بدون ذلك فالمتعصبون منهم يجعلوننى أسوأ من الشعراوى وابن لادن ، والمعتدلون منهم لا يمكن أن يثقوا بى إلّا إذا إتبعت ملتهم .
5 ــ جريمتى الكبرى عندهم أننى مسلم أعتزّ باسلامى ، وبالاسلام أدافع عنهم وعن غيرهم ضد الارهابيين المتطرفين المنتسبين زورا الى الاسلام . المتعصبون من المسيحيين يرون أن تبرئة الاسلام هى الأخطر ، وأن إظهار حقائقه هى الأشنع . وأن القاعدة وداعش أفضل لهم منى لأنها تقوم بتشويه الاسلام ، وهذا هو غاية ما يريدون .
6 ــ ينسون أننى المفكر الاسلامى الوحيد المتبحّر فى علمه والذى يٌصيب المتطرفين الارهابيين فى مقتل ( فكريا ) . وينسون أننى المفكر الاسلامى الوحيد المتبحّر فى علمه الذى يتطوع بالدفاع عنهم مجّانا ، بل إننى فى إنهماكى فى الدفاع عنهم ــ أحيانا ــ أنسى أننى وأهل القرآن وأسرتى نعانى من إضطهاد أكبر وصل الى موجات من الاعتقال والتعذيب والمنع من الصلاة فى البيوت. ينسون أنه فى كل ما تعرضنا له من سجن وتعذيب لم يقف أحد منهم الى جانبنا مدافعا ولو بكلمة واحدة . وينسون أننى أحترم حريتهم فى إختيارهم الدينى ، ولم أدخل مطلقا فى الهجوم على المسيحية وأناجيلها ( مع مقدرتى على ذلك لو شئت ) بل أذكر أنه طٌلب منى أن اكتب مقارنة بين قصص الأنبياء فى القرآن وفى العهد القديم والجديد ، وشرعت فى هذا ثم رفضت إكمال البحث لأنه سيكون طعنا فى كتابهم المقدس ، وليست مهمتى التعرض للمسيحية بل إن مهمتى هى إصلاح المسلمين سلميا بالقرآن الكريم . وحتى فى حوارى مع رشيد فقد أتهم القرآن الكريم بأنه دعوته للعنف . إكتفيت فى الرد من داخل القرآن ، ولم أدخل فى الهجوم على الكتاب المقدس وما جاء فيه من دعوة لإستئصال الطرف الآخر فى حروب الاسرائيليين ضد سكان فلسطين . ينسون أننى لم أطلب من أى مسيحى الدخول فى الاسلام ، بل على العكس فإننى فى مقال ( كل هذا الهلع من التنصير ) طالبت بأن يكون للمسيحيين فى الداخل والبعثات المسيحية من الخارج حرية التبشير بالمسيحية بين المسلمين ، أسوة بما يُتيحه الغرب للمسلمين بالدعوة الى الاسلام بين الغربيين ، فهذا هو العدل فى الاسلام ، وتلك هى الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام .
7 ــ الأكثر من هذا .. ينسون أنه فى الوقت الذى يتعرض فيه المسيحيون فى مصر والعراق وغيرهما الى إضطهاد يصل الى القتل والسبى والاغتصاب فإن الواقع السياسى والانسانى يفرض أن نتعاون جميعا ضد هذا العدو . ونحن نجاهد ضد هذا العدو بسواعدنا العارية ونتلقى الضربات منه ، وننجح كل يوم فى تحييد أنصاره ، فالأفضل أن نتعاون سويا ضد هذا العدو رحمة بالضحايا الأبرياء . أما تجاهل أولئك الضحايا والهجوم على الاسلام كدين وإعتبار داعش والوهابية هى الاسلام فهذا يصبّ فى مصلحة داعش والاخوان و الوهابية ، ويؤكد مزاعمهم بأنهم هم الاسلام ، ومن ينتقدهم فهو عدو للإسلام ، حتى لو كان أحمد صبحى منصور . ليس هذا عدلا وليس كياسة ولا سياسة .