نبي الله داود قد تسور محرابه خصمان، طلبا إليه أن يحكم بينهما في قضية قد بغى بعضعهم على بعض فيها ، وعند حكمه ظن أنما فتنه الله سبحانه ، فاستغفر ربه وأناب فغفر له ربه ، لكن هل أخطأ داوود في حكمه ، فكان استغفاره ، أم أنه استغفر ربه ، وأناب لمجرد أنه علم أن هذا الحكم اختبار ..علم ذلك عند ربي :
(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ص سيكون تعليقي على القصة عن طريق تحليل بعض النقاط فقط ، دون الفصل التام :
أولا القصة جاءت ملخصة جدا وسنحاول معا أن نستجمع ما أوجز منها ، ولا أدري أهي رمزية باستخدام النعجة كناية عن موصوف آخر مثلا.. أم انها قصة حقيقية فعلا ..؟
ثانيا الفزع الذي أصاب داوود ( عليه السلام ) كان سببه المفاجأة ، لأن الخصم لم يدخلوا من الباب ولم يتبعوا قواعد الاستئذان المعروفة ، أم لأنهم ليسوا بشرا ..؟
ثالثا : الملاحظ بداية أن أحد الخصوم هو فقط من يقص القصة ، ويحكي عن الخلاف ، فأين الخصم الثاني من القصة ومن الخلاف ؟ ، وهل ينفع أن نستمع لأحد الخصمين يحكي من وجهة نظر واحدة ، ونأخذ كلامه مصدقا به ، مع العلم أن الآخر كان موجودا ... فقد تسورا المحراب معا ، وهذا مفهوم من الاية (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ،إِذْ دَخَلُوا)
رابعا : بداية الدعوة .. جاء فيها محاولة لإزالة الروع من نفس داوود ، بانهما مجرد خصان قد بغى بعضهما على بعض ، وقد طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ولا يشطط ، وأن يهديهما إلى سواء الصراط
خامسا : جاءت الاية( 23 ) بمضمون القضية ، أو موضوع الخصومة من المتحدث ؟ أحد الخصوم أم الاثنين ؟ طبعا أحد الخصوم ، وهو الذي يملك نعجة واحدة..مع الصمت التام لأخيه .. ؟
سادسا : أكفلنيها تاتي لتدل على : حمل المسئولية، جاءت في سورة آل عمران :
(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)أل عمران
ونفس المعنى في : (44)آل عمران
ومع موسى على لسان أخته وبنفس المعنى :
(إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى( 40 طه)
وأما(في سورة النساء 85 ) تحدث مقارنة واضحة بين( نصيب) وبين (كفل ) ونلاحظ التضاد بين نصيب : قسم جزء حظ ،وبين كفل: مسئولية أو ذنب .. ، لكن كفل بنفس المعنى :
(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85)النساء
سابعا : عزني في الخطاب : أفهمه في ضوء قوة الخطاب وقوة البيان والإقناع لحسن بلاغته حكمة ) مع العلم أن داوود كان يتصف بـ فصل الخطاب ، :
( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (الأنبياء 20
هناك بعض النقاط تركتها معلقة .. لم أفصل فيها عن قصد ، لأني انتظر ، وأحتاج مشاركاتكم فيها ، نسأل الله التوفيق ..
وأخيرا ... من داوود لمن لا يعرفه .. ؟ داوود عليه السلام كما قال عنه القرآن هو :
(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)ص
(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) الأنبياء
ودائما صدق الله العظيم