ق2 / ف2 : موقف شيوخ الوهابية من جهيمان

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

ق2 / ف2    : موقف شيوخ الوهابية من جهيمان

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثانى  : المعارضة السعودية فى عصر سعود وفيصل وخالد

 الفصل الثانى جهيمان العتيبى واحتلال الحرم المكى (10/11/1979 اول محرم سنة 1400 هـ )

موقف شيوخ الوهابية من جهيمان

  بين ناصر السعيد وجهيمان 

يلفت النظر في موضوع المقارنة بين ناصر السعيد وجهيمان العتيبي ان ناصر السعيد قد لا يحظي بالترحيب لدي الرأي العام السعودي بالمقارنة بجهيمان .مع ان ناصر السعيد كان مسالما في دعوته .صحيح انه كان حاد اللسان والقلم في نقد ال سعود الا انه لم يدع الي ثورة مسلحة عليهم ،في عصر كانت فيه الثورات والانقلابات اهم الانباء .اما جهيمان فقد اسفرت دعوته الدينية عن حركة مسلحة في اعظم الامكنة تقديسا لدي المسلمين وهي بيت الله تعالي الحرام الذي جعله الله تعالي مثابة للناس وامنا .والسبب في ذلك ان ناصر السعيد اعتمدت معارضته الدينية علي منهج ديني جديد يخالف الفكر الديني الوهابي السائد ،ولم يكن يخفي عداءه لرموز الفكر الوهابي ،بينما خرج جهيمان من عباءة ذلك الفكر نفسه وحاول باخوانه ان ينجح فيما فشل فيه الاخوان سابقا في عصر عبد العزيز.

وهكذا فانه اذا كان من السهل اتهام ناصر السعيد الذي كان يعيش مطاردا في المملكة ثم خارجها ، فلم يكن سهلا التشكيك في ايمان جهيمان العتيبي مع انتهاكه لحرمة البيت الحرام لانه يعتمد في كتاباته علي مؤلفات ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب ويستشهد بأحاديث نبوية سلفية وتفسيرات  مأثورة للوهابية يقيم عليها المذهب الوهابي دعائمه .

وبذلك اتضحت اهم معالم شخصية جهيمان انه ملتزم بالفكر الوهابي المجرد ويريد تطبيقه علي العصر ،او بمعني اخر حمل عصره علي تقبل الفكر الوهابي السلفي وفق مفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .وشأن أي داعية دينى متشدد فان جهيمان يعتقد انه علي الحق المطلق ومن يخالفه في الرأي يكون مستحقا للانكار ،حتي ولو كان من زملائه وشيوخه من علماء الدين .

وندخل بذلك علي العلاقة المعقدة بين جهيمان وعلماء الوهابية في وقته .

 موقف الشيوخ الوهابيين من جهيمان :

يلاحظ تثاقل علماء الوهابية في تأييد السلطات السعودية ضد حركة جهيمان العتيبي برغم فظاعتها ، وبرغم  حرص السلطات علي تعبئة علمائها لمواجهة تلك الكارثة التي احرجتها داخليا وخارجيا ..ولم تكن فتوي العلماء التي صدرت متأخرة اربعة ايام لترضي مطالب الحكم السعودي ،،مما دعا الامير نايف وفهد الي الاعتراف بوجود من يتعاطف مع جهيمان من الشيوخ .

واخطر مافي الفتوي قولهم (فان فعلوا قبل منهم وسجنوا حتي ينظر في امرهم شرعا )، وقد  سبق التعليق علي هذه الفقرة وغيرها ،ولكن نضيف هنا ما يؤكد علي تعاطف الشيوخ مع جهيمان وهو ان الفتوي جعلت مصير جهيمان واعوانه امرا داخليا ،أي ان الذي يحكم عليه هو الشرع وليس القوانين الوضعية او العقوبات السياسية العسكرية ،وطالما تعلق الامر بالشرع فاولئك الشيوخ انفسهم هم القضاة ،وعندها يكون صعبا او مستحيلا ادانة جهيمان بالردة ،و كل مؤلفاته سلفية وهابية يحتج فيها علي علماء الدولة عدم  التطبيق الحرفي والكامل للتقاليد السلفية كما قالها ابن تيميه وكما ارساها ابن عبد الوهاب .وحتي لو مارست السلطات ضغطا علي العلماء فان السوابق التاريخية في محاكمات العلماء هو العفو عن المتهم بحجة الجنون اذا كان زملاؤه من القضاة متعاطفين معه ،هذا بالاضافة الي ان محاكمة جهيمان وسماع اقواله من شأنها ان تتحول الي محاكمة للسلطات السعودية ذاتها .

وكان من الطبيعي ان تفوت السلطات السعودية علي العلماء هذه الفرصة ،فتم التحقيق  مع جهيمان واعوانه بسرعة بعيدا  عن  العلماء ،واقترن التحقيق بدلائل للتعذيب  واهانة المتهمين ،وظهر هذا علي شاشة التليفزيون السعودي نفسه ،وعكستها تعليقات بعض الصحف العربية والاجنبية ،ثم بعد التحقيق اعدمت السلطات (180 ) شخصا سرا وبدون اعلان  وبدون محاكمة ،ولكن بالامر المباشر ،وبدأ ذلك بأمر الملك خالد لوزير الداخلية في 9/1/1980 باعدام 63 في ثمان مدن في المملكة في الساحات العامة ، وذكرت جريدة الدستور الاردنية في 10/12/1979 ان وزير الدفاع سلطان بن عبد العزيز قال ( انه طبقا للقرآن الكريم سوف تقطع رؤوسهم جميعا بغض النظر عن جنسياتهم)، أى نصب نفسه قاضيا وجلادا فى نفس الوقت . وكان هذا قبل استكمال التحقيق ،وتم التنفيذ بدون محاكمة .

وقد قدم وزير الداخلية مقترحات بشأن عقوبة الاعدام وغيرها الي الملك ،فوافق عليها الملك واصدر امرا ملكيا بتنفيذها ،وذلك بتاريخ 9/1/1980 م ..ومما جاء في الامر :

( فقد اطلعنا علي ما رفعتموه لنا من الاعترافات التي ادلي بها المجرمون الذين اعتدوا علي الحرم ،وادخلوا فيه السلاح والذخيرة ،واغلقوا ابوابه علي المسلمين الذين ادوا فيه صلاة الفجر في اليوم الاول من شهر محرم المنصرم عام 1400 هـ ،وقد روعوا المسلمين الذين  في الحرم الذي جعله الله امنا للناس ،وسفكوا الدماء المحرمة ،وازهقوا الارواح البريئة بغير ذنب ،واجبروا الناس فى الحرم علي مبايعة احد افراد الفئة الضالة المفسدة زاعمين انه المهدي ،وهددوا من لم يستجيب بالسلاح ..

واستنادا الي فتوي من اصحاب الفضيلة العلماء ،ولأن هيئة كبار العلماء اصدرت في دورة مجلسهم الخامسة عشر بيانا استنكروا فيه هذه الجريمة الخطيرة. وهذا البيان يحتم علينا معاقبتهم عقوبة تزجر الفساد ،ونرضي بها الله سبحانه وتعالي ،ولأننا تلقينا الفتاوي التي تبين جزاء هؤلاء ،منها ما هو مشافهة من افواه العلماء ،ومنها ماهو محرر من عدد اخر من كبار العلماء ،وفيها قولهم عن هؤلاء المفسدين ما نصه :(نفيدكم سلمكم الله ان هؤلاء لهم حكم المحاربين الذي قال الله فيهم (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك  لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم )،ثم امر الملك ووزير داخليته (وعلي هذا فاعتمدوا قتل الاشخاص الموضحة اسماؤهم بالبيان المرفق ..اما الذين لم يكن  جرمهم كجرم هؤلاء ،وانما كان لهم مشاركة في مساعدتهم المجرمين بتمويلهم وتوزيع الذخيرة والاسلحة عليهم او حراسة الابواب لهم ،هؤلاء لن يكون جزاءهم القتل ،وانما سيكون جزاءهم السجن ،وسنبلغكم بالتحديد مدة السجن لكل واحد منهم في وقت لاحق بعد تقرير العقوبة علي كل واحد حسب جرمه ،اما النساء اللاتي شاركن في مساعدة هذه الفئة الفاسدة بالخدمة وتقديم الماء والطعام وتوزيع الاسلحة والذخيرة ،فستسجن كل واحدة منهن سنتين ..واما الصبيان الذين شاركوا في الجريمة ولم يبلغوا الحلم ،فيدخلوا في دار للرعاية لاستصلاحهم وتعليمهم حتي يكونوا اعضاء صالحين في مجتمعهم الاسلامي ).

ويلاحظ ان فتوي العلماء الصادرة في اليوم السادس للاحداث (25/11/1979 ) لا يمكن الاستناد اليها في اطلاق حكم الاعدام ،لأنها لم تصدر عن محكمة ،وتخلو من أي امر بالاعدام ،بل ورد فيها مسألة المحاكمة الشرعية ،كما انها صدرت لاعطاء رأي في موضوع القتال داخل الحرم ،وليس لاعطاء حكم وبيان هيئة كبار العلماء صدر قبل اسبوع من اطلاق الحكم ،وليس فيه اشارة الي اعدام المعتصمين ،لأن الموقعين ليسوا الجهة التي تولت المحاكمة والتحقيق ..وقد نشرت الصحف السعودية هذا البيان في 3/1/ 1980 ووقع عليه 16 من الشيوخ، وتضم سبع تهم لجهيمان واخوانه،ولكن ليس فيه اشارة لاعدامهم ،ويقول الملك انه تلقي فتاوي تبين جزاء المعتصمين مشافهة من بعض العلماء ،فكيف يأخذ برأي هؤلاء في موضوع حساس كهذا بالتليفون ودون محاكمة ؟! ثم من هم هؤلاء العلماء الذين زعم الملك بأنهم اعطوه حكم الاعدام مشافهة ،او مراسلة ؟!! ،ثم لماذا لم يدع الحكم السعودي الامر لرجال الدين حتي يقرروا من يعدم ومن يسجن ،فهذه مهمة القضاة الشرعيين ،وليست مهمة الملوك .

ولا شك ان بعض الامراء كانوا يعلمون مقدار تعاطف العلماء مع الاخوان ،ولا ادل علي ذلك تصريحاتهم فوزير الداخلية ضاق ذرعا بدفاع رجال الدين الذين كانوا يطالبون في فترات سابقة باطلاق سراح افراد الجماعة ،فقال في ندوة مع طلبة جامعة الرياض (الملك سعود ) :ان المعتدين كانوا معروفين لدي اجهزة الامن ،وقد سبق ان اوقفوا وقبض عليهم ،ولكن المشكلة انهم كانوا يستترون وراء الدين ،ويتصرفون باسم الاجتهاد والارشاد وخدعوا الكثير من الناس ..اننا كمسئولين كنا عندما نوقف احدا منهم ،نجد من يقول ان ليس وراءهم أي شئ .. ان تحركات المجموعة لم تكن خافية علي رجال الامن ابدا ،والدليل ان من بين المهاجمين من كان مقبوضا عليه قبل الحادث وافرج عنه نتيجة تعهدات اعطاها من كفله ).

بيد ان ولي العهدآنذاك (فهد ) اجاب بصراحة نفس اليوم ،فقال (وللامانة اذكر اننا اتخذنا في بعض الاحيان اجراءات ضدهم في السابق ،لكن رجال الدين وهم كثيرون عندنا كانوا يتدخلون للافراج عنهم ) وسأل سليم اللوزي ،نايف (يروي انكم حاولتم القبض علي السيد جهيمان العتيبي فلم تستطيعوا الامساك به ؟؟) اجاب : ( قبضنا عليه من قبل ،وتدخل بعض رجال الدين فافرجنا عنه  وعن رفاقه )..

وبغض النظر عن صحة قول نايف بانه قبض علي  جهيمان ام لا ،فأن من الواضح من اقوال ال سعود انهم متذمرون من رجال الدين الذين يدافعون عن الجماعة ..وقد قال اللوزي صراحة (الذي استطعت ان التقطه من افواه الناس في مكة  ،ان حركة جهيمان ليست جديدة ،بل كانت معروفة وترجع الي ما قبل خمس سنوات ،لقد كان جيهمان يتردد علي الجامعة الاسلامية ،وكانت له اتصالات ومناقشات وصولات مع الشيخ عبد العزيز بن باز ،وهو احد  اشهر علماء الدين في السعودية ،كفيف البصر ،يشغل منصب الافتاء في المملكة [9].

 اذن تعاطف بعض الشيوخ مع جهيمان واخوانه قبل حركته وبعدها ،وهذا يستدعي تفسيرا اكبر من مجرد الاتفاق في الايدولوجية الوهابية ،لأن هذا التعاطف مع جهيمان كان يعني خذلانا للدولة وقت المحنة ،والمحنة هنا لا تقتصر علي الدولة السعودية حامية الحرم ،ولكن تصل الي كل مسلم يؤمن بقدسية البيت الحرام .

وتفسير هذا التعاطف يمكن فهمه من خلال عاملين متناقضين هما (علو ) المد السلفي منذ السبعينيات مع (خلو) هذا المد السلفي من التجديد الذي يواكب العصر ،والعاملان معا يفسران ازمة النظام السعودي مع ايدولوجيته الوهابية .

لقد سبقت الاشارة الي علو المد السلفي بسياسة الملك فيصل التي اتبعها خليفته خالد ،فالدولة السعودية كانت مع التحديث التكنولوجى دون التحديث الفكرى الدينى . ومع كثرة المؤسسات التعليمية والدينية العاملة في حقل الوهابية والمعتمدة على أجهزة العصر التكنولوجية ( بعكس عصر إخوان عبد العزيز منشىء الدولة ) الا انها لم تفرز عقلية مجتهدة ،وبالتالي فان هذا المد الهائل في التيار السلفي بعلمائه وشيوخه وانتاجه الثقافي ومؤسساته ونفوذه كان يعيش علي التقليد دون تجديد ،مما عمق الفجوة بين الدولة (التي تريد التحديث ولا تستغني عنه والتي لابد ان تعيش العصر وعلاقاته السياسية المعقدة ) وبين هذا التيار التقليدي صاحب النفوذ والذي لايزال ينظر للعصر من خلال اجتهادات الائمة السابقين في العصور السابقة .ومن هنا يضمر الانتقاد للدولة علي سياستها ،ولأنهم جميعا يعملون في اطار الدولة ولا يستطيعون معارضتها علنا فان المنتظر منهم ان يتعاطفوا  مع من يتصدي لمواجهة الدولة راغبا عن التوظيف لديها ،بل يخرج عليها حاملا نفس النصوص والفتاوي التي يؤمن بها العلماء ومعلنا نفس الانتقادات التي يضمرها العلماء ،ويضحي بحياته في سبيلها .

وثمة ناحية اخري ،فالعادة في التوظيف السياسي للدين ان يكون الاكثر تشددا هو الاعلي صوتا وقد يحظي بتأييد القاعدين واحترامهم ، ومع خلو الساحة الدينية من الاجتهاد الديني الذي يساير العصر فان الاكثر تشددا يحظي بالاعجاب اذا وقف في خندق المعارضة ..وهكذا كان جهيمان بالنسبة لعلماء عصره ،فكيف نظر جهيمان لعلماء عصره ..؟

اجمالي القراءات 12094