إن حركة
داعــش ؟؟؟ إنه فينا ، بداخلنا ، أفلا نبصر ؟؟؟

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم  الله  الرحمن  الرحيم

**************** 

"  داعــش  " ؟

إنه  فينا  وفي  أنفسنا ...  أفلا  نبصــر ؟؟

 

        عندما يولي المرء وجهه شطر تلك الأراضي المترامية الأطراف،  ويتأملها  بالخريطة، من  الخليج  الفارسي  إلى  المحيط  الأطلسي، سيصاب  حتما  بدهشة ممزوجة بخيبة، ومرارة، وأسف، عندما يتذكر أن بها شعوبا شتى وقبائل، لاسيما، عندما يتذكر ما يعلمه يقينا، بأنها  شعوب وقبائل، لا تفتقر إلى  شئ، مثل افتقارها إلى فهم  وهضم  معنى ومعزى وروح " التعارف " الذي أراده الله  الذي  نبهنا أنه خلق الإنسان من ذكر وأنثى، وجعل الناس،  جميع  الناس، شعوبا  وقبائل.  وبشئ  يسير من الجهد  تقول الذاكرة لهذا  المتأمل إن وراء كل مصيبة، وكل أزمة،  وكل  فتنة، مصيبة  أخرى ، وأزمة  تقفز إلى الأمام  لتنسينا  سابقاتها بما  تتفنن  فيه  من  ويلات جديدة  أدهى  وأمـرّ.

        وإنّ آخر أزمة حلـّـت بنا هي تلك التي ترتع وتصول وتجول بين العراق والشام  في الوقت الراهن،  تلك التي  تبدو أسود وأحلك من سابقاتها مجتمعة، لأنها لا تمتّ لا من  قريب ولا من بعيد  بأية  صلة  إلى  دين الله  القيم ، بل كل ما فيها  وبدون أدنى  استثناء  يصرح  ويصرخ بأنه مخالف ومضاد  لما أراده  الله الرحمن الرحيم  حين  قال كـن، فكان هذا الكــون الهائل العجيب، بل المدهش، بل الماضي  في  فعل  الإثارة  والدهشة  باستمرار، بفضل العلم  وأدواته  الحديثة ، حيث بلغت  تقديرات أغلبية العلماء في علوم الرياضيات  والفيزياء  إلى أن عمرهذا الكون  الذي أراده  الله وأعـده -  في  ستة  أيام -  خصيصا  للإنسان، بلغ عمره ،  انطلاقا  من لحظة  الإنفجار الكبير المعروف بـ : ( le  Big  Bang )حوالي 15 مليار سنة ، ويقول  العلماء  كانت  كلها  مراحل  متتالية، اكتملت في  الأخير  ليأتي دور بني ءادم  الذي  كرمه الله العليم الخبير.(ولقد كرمنا بني ءادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ).سورة الإسراء – الآية 70 – وأما عن  تلك القيمة  التي قررها الله العلي الكبير لمخلوقه الإنسان،   فلعل الآية  التالية تساهم  في رسم  صورتها  ووزنها ؟ وهي : ( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) سورة المائدة  رقم 32.

        نعم ، إن ما حدث  ويحدث  منذ  عشرات السنين  بالنسبة  لما نعرفه  ونسمع عنه، شئ  مهول  يُنسي  بعضُه  بعضًا، والشئ  الوحيد  الذي  لم  يُنسِـه  لنا،  ولم  نع  نحن منه  الدرس ، هو أننا  كنا ، وما  زلنا  في  كل  حلول أزمة،  كنا  في  كل  مرة ، نسارع  وبدون  ملل  ولا  ضجر ولا  خجل ، إلى  اختلاق  الشماعة ،  تلك الشماعة العجيبة - هي الأخرى- لأنها تتحمل، وبدون كلل ولا ملل ولا  ضجر،  تتحمل  كل ما  نعلقه عليها من  سخافات ، وافتراءات ،  وبلادات،  ولأننا  نعتقد  أن  هذه  الشماعة  تسعها  كلها ، ومنها  هذه  المعلقات :

*) إن هذه الأزمة ، وهذه  الحركة هي من اختلاق وصنع أمريكا، العدو،  بل  وقد  افترينا وبدون أدنى ورع  أو حرج أن السيدة  "هيلاري كلينتون" نفسها  صرحت   في  مناسبة ما  قائلة إن أمريكا هي  التي اختلقت هذه  الحركة "الداعشية"، إلى غير ذلك مما يحلو لنا أن نتخلص منه، ما دامت شماعتنا المباركة الكريمة  المصابة بذلك النهم  العجيب،  ما دامت  ترحب  وبشهية منقطعة  النظير بكل شئ.

*) ويبدو أن الصحي: ك- سليم – (K. Selim)الذي نشر تعليقا له ( بيومية  وهران -  (le  quotidien  d’Oran، يوم 20 أوت 2014 ، تحت عنوان ( إن داعش  فينا نحن – ( le Daech  en  nous، يبدو أن هذا الصحفي وفق أيما  توفيق، عندما لفت الإنتباه إلى أن المفتي  الكبير -  بالعربية  السعودية -  السيد عبد العزيز  الشيخ ، وكأنه اكتشف حقيقة، عندما صرح بأن هذه الحركة " الداعشية "  متطرفة، إرهابية ، مجرمة، غير متسامحة ، متعصبة ، ومفرقة، وبالتالي عندما قرر أن  يصدر عليها  الحكم  بأنها  لا تمت إلى  الدين  الإسلامي  بأية  صلة وأنها ليست منا، ولسنا منها في شئ، وأنها حركة بمثابة العدو  رقم  01 للإسلام  السمح.

*) وأما عن الذي  يبعث الإحباط  والقنوط  في النفس، فهو أن هذا  المفتي  الكبير، ونحن جميعا معه، لم تتعلق  بالثريا لا همته هو ولا  همتنا، بل بقيت الهمة  المسكينة  ترزح  متعلقة  بتلك الشماعة المشهورة، التي تحولت إلى وسواس خناس  وهي  تراودنا، وكأن غرضها هو أن تنسينا ، وقد  فعلت ووفلقت ، حيث أصبحنا   ناسين أو متناسين الحقيقة، تلك الحقيقة التي تكاد تنطبق عليها تلك الآية الملفتة ، لاسيما وهي من الله العلي العزيز حبن  قال: ( وفي  أنفسكم  أفــلا  تبصرون )  الآية 21 – الذاريات..

نعم، لأن " داعش" وأخواتها السابقات، ولا  بارك  الله  في  أية  لاحقة -  ءامين –

هي فينا نحن، كما أشار إلى  ذلك  الصحفي ك – سليم – وصاحب  الرأي  السليم،  الذي قال إن أفكار "داعش" الحالكة السواد لم تأت  من  أي  خارج  كان، ولم  تكن بإيعاز من مركز الإستخبارات الأمريكية، ولا "الموصاد" الإسرائيلية ، بل  إن هذه الأفكارالرديئة، الخبيثة، الرجعية، المتزمتة، العدوانية، الشيطانية، هي أفكارمدسوسة بذكاء وصبر، لا يضاهيه إلا عزم  وذكاء وصبر وجلد  الشيطان  نفسه وإخلاصه في تنفيذ رهانه ، حيث :(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين َإِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ...) سورة الحجر -36- 40-  إنها أفكار وآراء ومعتقدات  ومقررات  وافتراءات ، مـذاعة  بتــأنّ وباستمرار وبلا  انقطاع  من  طرف  أولئك  الذين يحلو لهم أن  ينسبوا أنفسهم  إلى  المتدينين  أو إلى رجال الدين، أو أهل  الذكر، لاسيما بتلك البلاد التي  تزخر بذلك  الذهب الأسود، الذي سود  أيامنا  أولئك الذين  تحولوا من حيث  يدرون أو لا يدرون إلى شخصيات  نفاثات في العقد، وفي المعتقدات، بفضل الأموال والفضائيات وما  إلى  ذلك  من وسائل تكاد أن لا تعد ولا  تحصى.

*) وبشئ  من الشجاعة  والتحديق،  تظهر الصورة  وتتضح  أكثر فأكثر، وتقول  قولتها البليغة،  بأن تلك الطوائف التي  تؤلف حركة " داعش" ليست في أية حاجة إلى اختراع أو اختلاق أو تصور أو استيراد أية فكرة مهما بلغت من الإنحطاط والنذالة  والجبن، والخبث ، -  ما  عدا  استيراد  أدوات  زرع  الموت والدمار والرعب - لأن مثل تلك الأفكار الهدامة  لــلإسلام هي منشورة منذ عشرات السنين من طرف من ؟ من طرف أغنى  دولة  في  العالم. وهذا هو أيضا  ما يراه  الكاتب العراقي " علي  الصراف" الذي  قال،  وبسخرية  وتهكم  حانق : إن  " داعش"  لم  تخترع  شيئا  من عنديتها، ولم  تأت  بجديد، إن  حركة " داعش"  تمارس  جهارا  نهارا  ما اعتاد  فعله وممارسته شتى الأنظمة والحكومات  لكن  خفية وكتمانا  وسرية ،  لأننا :

*  عندمــا :نحارب  باستمرار وبلا  هوادة  وبكل  عنف  الحريات ...

*  وعندما :نرفض حقوق المواطنة ...

*  وعندما :نكره  ونمقت  العلم ...

*  وعندما : نزرع  ونرعى  وننمي  كراهية الأنثى  منذ الطفولة  الأولى...

*  وعندما :نذيع ونشيع ونبث (بمنهجية) وبترتيب وبدقة ، مـن خلال الفضائيات

كراهية  ومقت  " الشيعة "  وغيرها ... ألا  نكون  حاملين  لبذور  داعشية ؟

وختم الكاتب العراقي تعليقه قائلا  قولا ،  نستأذنه  وأن  نتصرف ونحوله  إلى ما يلي معناه تقريبا : كلــكم " داعش" وكلكم  مسؤول عن "داعشيته"  إن تقتيل الأبرياء، وإهانة النساء وسحقهن، واضطهاد الأقليات، إن هذه  الممارسات كلها  ليست غريبة عـنا أبدا، مقارنة لما  يحدث  عندنا  تحت كلكل الحكومات الإستبدادية  لأن الفرق  الوحيد هو:  إن " داعش"  تفعل ذلك وما تشاء  من المنكر النكير، لأنها لا تستحي، بل  هي  حريصة  كل  الحرص على إظهاره وإشهاره  و(التمتع) بكل ما يصوره  لها  شيطان  ساديتها.

*) وإن هذه الحركات الهدامة الحالكة المسيلة لدموع  الشعوب المقهورة، إنها وفي  نفس الوقت لمسيلة للعاب مختلف الحكومات التي تستفيد منها لبلوغ وتحقيق طموحاتها المشبوهة، بل هي قادرة على اختلاق هذه  الظروف  الحالكة، اختلاقها حتى من العدم ، في سبيل ذلك ، وبدون أن تهتم  ولا  تخاف  ولا  تحزن عن الثمن الباهظ  المسلط  والمفروض على الشعوب. وعندما يكون الأمـر كذلك، وهو  - مع  شديد  الأسف  فعلا  كذلك -  فمن غير المنتظر، بل ومن السذاجة أن  نتوقع من نظام له نفس تفكير ونفس اقتناع حركة " داعش " أن يرجم هذه الحركة بأية  حجرة، وحتى لو فرضنا بأنه سيتجرأ هذا أو  ذلك النظام  على فعل  ذلك،  فسيكون حتما انزلق أولا  وقبل  كل  شئ  إلى  أخفض أو  أسفل  دركات  النفاق ، وهذا  ما  قاله  الكاتب العراقي، الذي  أضاف : بل إنه من السهل التظاهر بعدم الرضا وبنقد باهت، يصدره الملك ، أو المفتي، لتبرئة العربية السعودية، ولتمكينها من أن تتنصل من ورطتها التي لها فيها  نصيب الأسد  في السلبية، وفي دورإنشاء  أجيال كاملة حاقدة متعصبة .

*) وعليه ،  فإن "داعش" ساكن عندنا ومقيم  معنا، إنه  مزروع  ومُبـَـث من طرف الأفكار المضادة  المعرقلة  لأي  تطور.

*) إن " داعش" قضيتنا جميعا  ومسألتنا ،  وإن  إرساء  دعائم  الحكم  بالسعودية  وإرساء  الغلو في الدين، كل ذلك  يعتبر طرفا  في  المسألة، وهذا  ما يراه  الكاتب  العراقي.

*) وأخيرا، عندما يسمع  المرء هذا ويشاهذه ، بل وعندما يكتوي بناره،  ألا  تثور فيه تساؤلات  وتزدحم ؟  ولنتأمل  على سبيل  المثال، لا الحصر، هذه التعليمة  الربانية الواردة  في  الآيات ( 77+78+79)  في سورة  المائدة : ( قل يا  أهل الكتاب لا  تغلــوا  في  دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد  ضلوا  من قبل  وأضلوا  كثيرا وضلوا عن سواء  السبيل  لعن  الذين  كفروا  من بني  إسرائيل على لسان داوود  وعيسى  ابن  مريم  ذلك  بما  عصوا  وكانوا  يعتدون  كانوا  لا  يتناهون  عن منكر  فعلوه  لبيس  ما  كانوا  يفعلون ).

*) وهل  فعل  الإعتداء  مقتصر  فقط على  أهل  الكتاب  السابقين؟

*) وهل الغلــو الممقوت  في  الدين، وتجنب الحق واتباع  أهواء  القوم  الضالين  المضلين عن سواء  السبيل  مقتصر  فقط  على  غيرنا، نحن  أحياء  هذا  العصر؟

*) وهل  اللعنة  مقتصرة  فقط على  غيرنا  من  بني  إسرائيل  أو غير إسرائيل؟

*) ونحن؟ أحياء هذا العصر،  ألم  نتصف  كذلك  بصفة  أولئك  الذين  ضلوا  عن سواء  السبيل، وبصفة  أولئك  الذين عصوا  وكانوا  يعتدون ؟

*) ونحن ؟ هل نجونا ؟  ولم  نتصف  بصفة  أولئك  الذين  لا  يتناهون  عن  منكر  فعلوه  وعن  بئس  فعل  يفعل ؟

*) وإن  كل  ما  حدث  ويحدث  من  الخليج الفارسي إلى  المحيط  الأطلسي،  ألا  تقرأ فيه لغة اللعنة الموجهة للذين  كفروا،  الذين  عصوا  وكانوا  يعتدون  وكانوا  لا  يتناهون  عن  منكر  فعلوه؟

*) ونحن  جميعا، عندما  نمارس  أسلوب  الهروب  إلى  الأمام  أو  إلى أي  اتجاه  آخر، أو حتى أسلوب " النعامة " ألا  نكون بمثابة أولئك الذين ذمهم الخالق  سبحانه  وتعالى ؟ أولئك  الذين  كلنوا لا  يتناهون عن منكر ؟ ألا  يكون  موقفنا  السلبي  الباهت ،  بالذات هو منكر نفعله ؟، عندما  يكون  لسان  حالنا  يقول إن آخر ما يتبادر  إلى  الذهن  هو  أن  نتناهى  عنه ؟

*)  و" داعش " هـذا ؟  ألا  يكون هو نفسه  ( ... وفي  أنفسكم  أفلا  تبصرون ؟)

 

 

اجمالي القراءات 9558