ابن الجوزي وعنعناته

لطفية سعيد في الثلاثاء ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

ابن الجوزي، هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م

في عهد الخليفة الناصر عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة بعد أن سحب المنصب من عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه بسبب إتهامه بالزندقة وعبادة النجوم

خلف القصاب منصب ابن يونس الحنبلي ،فلاحق كل من له صلة به، فكان مصير ابن الجوزي النفي. أخرج ابن الجوزي من سجن واسط تلقاه الناس وبقي في المطمورة خمس سنين‏.‏

قال عنه ابن كثير : "أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا من ثلاثمائة مصنف

 قال عنه الذهبي :ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل

وبعد ..  لماذا كان تركيزالمقال على ابن الجوزي تحديد دون غيره من المحدثين  ؟ !  لسببين   :

أولهما أن إنتاجه كثير بشهادة  الجميع ، وبالتالي فالخطر أكبر في كل هذه الأكوام التي يعدها المسلمون دينا منزلا !!

الثاني أن ابن الجوزي  استخدم كل ما لديه من نبوغ  ومؤلفات وأعمال ,وحتى فيما تقلده من مناصب .. في تمكين مذهب الحنابلة الذي هو النواة للوهابية  وما نحن فيه اليوم من تطرف وتشدد وإرهاب  وجماعات جهادية إلا نتاج هذا التراث الحنبلي  فهو القدوة والمنبع والمعين للقتل وسفك الدماء باسم الإسلام ورسول الإسلام  والإسلام منهم براء !!!!

وللأسف نحن في زمن لا يفرق  فيه المسلمون بين  القرآن  ، والمرويات المنسوبة زورا إلى النبي والسير والأقاصيص التي تشبه لحد بعيد حكايات ألف ليلة وليلة  ... فابن الجوزي محدث أخذ عنه معظم المسلمين دينهم من خلال ما رواه من روايات ،قد تكبد وحده تأليف عنعناتها بلا ملل .. فياحبذا لو  استغل موهبته هذه في الكتابة الدرامية ،لكانت الاستفادة  منه  في تلك المجالات أكثرمنفعة ، بل كنا سنرفع له القبعة إعجابا بألمعيته في التأليف ،!!! ولوفر علينا وعلى نفسه كثرة العناء ،  ووفرة العنعنات ..

ولو وضعنا ابن الجوزي في الميزان لنرى عينة فقط من مؤلفاته، فقد كتب مجلدا كاملا في    (مناقب الإمام أحمد بن حنبل ) : فقد كان منحازا كمؤرخ ، فلم يكن منصفا في تأريخه لخصوم الحنابلة، على النقيض في تأريخه للحنابلة ، فقد كان مبالغا في مدحهم وإظهار كراماتهم بصورة لا توسط فيها ولا خجل !!  ، فقد قال عن ابن حنبل  ما لا يصدقه عقل ، ثم يجعل من الأبواب الآتى ( الباب الخامس عشر : فى ذكر إنفاذ الياس اليه السلام ) فالنبي إلياس بعث السلام لابن حنبل !! ( الباب السادس عشر : فيما يذكر من ثناء الخضر عليه ) والخضر قد أثنى عليه ! وهذا يدل على استخفافه بعقلية المتلقي  !! كما خصص بابا كاملا في ذكر المنامات التي رأها أحمد بن حنبل  ، وباب آخر في ذكر المنامات التي رؤي فيها أحمد بن حنبل !! وفيها زعموا أنه في الجنة...

أما عن مالديه من موهبة في التأليف ، فيقول الدكتور أحمد صبحي عن ذلك في مقال (الاعرابى وزوجته  الحسناء بين معاوية وابن أخته ):

( قصة خيالية صنعها المؤرخ ابن الجوزي نفسه حيث نقل عن الطبري أحداث نفس العام 58هـ :  

(هذه قصة خيالية جميلة صنعها المؤرخ ابن الجوزى بنفسه ، هو الذى صنع سلسلة العنعنة بمهارة ، حيث نقل عن تاريخ الطبرى أحداث نفس العام ( 58 هجرية ) فى الجزء الخامس من تاريخ الطبرى ص 312 عن طرد أهل الكوفة للوالى عبد الرحمن بن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية ، فرجع الى خاله معاوية فأرسله معاوية واليا على مصر فرفض معاوية بن حديج ولايته ورده.

نقل المؤرخ ابن الجوزى نفس ما قاله الطبرى بالحرف، ثم أضاف القصة السابقة وجعلها خبرا تاريخيا   تحت عنوان (قصة ابن أم الحكم مع الأعرابي) و صنع لها سلسلة من الرواة . وهذا ما لم يذكره أحد قبل ابن الجوزى.

 ولقد توفى الطبرى عام 310 ، ومات ابن الجوزى عام   597 ، أى بينه وبين ابن الجوزى ( 287 سنة) . وأبن سعد ثم الطبرى هما العمدة فى تاريخ الأمويين ، وما لم يذكراه عن التاريخ الأموى فهو مصنوع و مخترع بعدهما.

ولقد اشتهر المؤرخ ابن الجوزى بكونه أشهر القصاصين فى عهده ، وأشهر الوعاظ. وأشهر رواة الحديث ، وكان يخلط هذا كله جميعا فى مؤلفاته الكثيرة ، فيكتب أخبار الأذكياء وأخبار الحمقى و المغفلين ، و يملأ كتبه التاريخية من النوادرو القصص التى يحكيها ويخترعها عن السابقين وبقولها فى مجالس وعظه ـ وبعضها يجعلها أحاديث نبوية ، أو أخبارا عن الصحابة ، وفى كل ما يكتب ويحكى يصنع له اسنادا مثل  أسانيد الحديث. وينطبق هذا على هذه القصة الى لم يذكرها أحد من المؤرخين قبله ـ و التى إنفرد هو بروايتها و صنع لها إسنادا  وعنعنعة. 

ومن مهارته أنه نقل عن الطبرى خبر طرد أهل الكوفة للوالى عبد الرحمن بن أم الحكم ( وأم الحكم هى أخت معاوية )  ولم يذكر اسنادا لهذا الخبر مكتفيا بوجود الخبر فى تاريخ الطبرى . ولكنه عندما ذكر حكاية الاعرابى وزوجته تحت عنوان (قصة ابن أم الحكم مع الأعرابي) حرص على أن يصنع لقصته المصنوعة إسنادا ، فقال ( وجرت لعبد الرحمن ابن أم الحكم قصة عجيبة أخبرنا بها محمد بن ناصرالحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبةقالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرناأبو عمر بن حيوية قال‏:‏ حدًثنا محمد بن خلف قال‏:‏ حدَّثني محمد بن عبد الرحمنالقرشي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا أبو مخنف عن هشام بن عروة قال‏:‏... ).

 براعة ابن الجوزى فى الكذب و صناعة الاسناد تتجلى فى صناعته سند وعنعنة هذه القصة المزيفة ، إذ أنه نقل سلسلة السند الأساسية لدى الطبرى وهى التى تتحلى باثنين من كبار الرواة التاريخيين فى تاريخ الأمويين ، والذين نقل عنهم الطبرى تاريخ الأمويين ، وهما ( أبو مخنف عن هشام بن عروة). والمشهور أن أبا مخنف كتب ما كان يرويه هشام بن عروة بن الزبير شفهيا. ثم نقل ذلك الطبرى عن أبى مخنف ، وجعلها الطبرى سلسلته المفضلة بالاضافة الى آخرين .

بعد الطبرى بحوالى ثلاثة قرون أتى ابن الجوزى فأضاف لهذه السلسلة أسماء أناس ماتوا من قبل ، فقال (أخبرنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة بنت أحمد الكاتبةقالت‏:‏ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرناأبو عمر بن حيوية قال‏:‏ حدًثنا محمد بن خلف قال‏:‏ حدَّثني محمد بن عبد الرحمنالقرشي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبيد قال‏:‏ حدثنا أبو مخنف عن هشام بن عروة قال‏:‏) ثم قص الحكاية التى ألّفها و صنعها من خياله الخصب الرائع. وأتى فى القصة بألفاظ وتعبيرات شاعت فى العصر العباسى الثانى ولم تكن مألوفة أو معروفة من قبل ، خصوصا عصر معاوية ، ومنها مصطلح ( الصوفية ) الذى لم يعرفه العصر الأموى .

ومن براعته أنه غلّف قصته المصنوعة بشعر يقوله أبطال الرواية ،أى صنع مسرحية شعرية كان يمكن أن نفرح بها لو جعلها مسرحية أو قال بصدق أنها قصة مصنوعة ، وليس خبرا حدث بالفعل تاريخيا . الشعر المذكور فى القصة هابط وضعيف المستوى ، قد يناسب عصر ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى ، ولا يمكن أن يتناسب مع فصاحة العرب فى أوائل العصر الأموى وفى القرن الهجرى الأول . ولكن لمناسبة ذلك الشعر لمستوى عصر ابن الجوزى فالمنتظر أن يتقبله الناس بقبول حسن ، وأن يشيع بينهم ويتداولوه لسهولته و بساطته و ضحالته .

وبنفس الطريقة فى صنع العنعنة والاسناد كانوا يصنعون الأحاديث فى العصر العباسى مع بداية التدوين ، فيخلو أحدهم بنفسه ويصنع أسانيدا ( حدثنا فلان عن فلان عن فلان ) الى أن يصل الى الصحابة ثم النبى ، أى يستشهد برواة ماتوا ولم يلقهم ولم يعرفونه ،بل قد يصنع أسماء رواة ليس لهم وجود فى الحقيقة ، ثم  بعد صناعة الاسناد يؤلف له حديثا يزعم ان النبى محمدا عليه السلام قاله ورواه أولئك الرواة الموتى ووصل اليه العلم بهذا الحديث ورواته وسنده وعنعنته فقام بتسجيله .!!

وأبن الجوزى ملأ كتبه بالأحاديث فى الفقه و السيرة و التاريخ للصحابة و التابعين ، وفى الوعظ ، وحتى فى كتب وضعها فى نقد الأحاديث و الأحاديث الموضوعة ، وفى نقد شخصيات عصره مثل كتابه المشهور ( تلبيس ابليس ). ومنها أحاديث نقلها عن السابقين وأحاديث لم يقلها أحد قبله ،أى إنه اخترعها وصنعها و جعل لها اسنادا وعنعنة .

جرأة فظيعة على الكذب لا نتمناها لأحد ، عبد الرحمن بن الجوزى صاحب عشرات المؤلفات فى الفقه والوعظ والحديث هو أهم صانعى دين السّنة ..)

الى هنا انتهى الدكتور أحمد من كلامه .. وبعد .. فابن الجوزي هو نفسه أحد مشرعي الدين الأرضي السني عن طريق صناعة الحديث ونسبته زورا إلى النبي الكريم  وبصناعة الكذب وتمريره عن طريق العنعنة تكون المهارة ويكون الإتقان وهذا من باب إلقاء الضوء وتتبع لبعض رواة الأحاديث وكتابه الذين كان يأخذ كلامهم  مأخذ الدين المنزل ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه !!!

وتنزيها للرسول الكريم الذي بلغ  الرسالة كاملة ، وأدى  الأمانة التي كلف بها ، بدون تغيير ولا تبديل ، ولم يقل كلاما قط خلاف الرسالة المكلف بتوصيلها ، وعلى أساس هذه الرسالة ( القرآن ) سمي رسولا يقول الله تعالى  دفاعا عنه  :

 (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ( 17يونس

 (قدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الأنعام

ودائما صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 13407