عبد الهادي القصبي: حوار أمريكا مع الصوفية مصلحة للإسلام والمسلمين

في الجمعة ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

عبد الهادي  القصبي: حوار أمريكا مع الصوفية مصلحة للإسلام والمسلمين

 

السيد زايد

 

 تربع الشيخ عبد الهادي القصبي على عرش الطرق الصوفية بعد قرار الرئيس مبارك بتعيينه شيخا لمشايخ الطرق الصوفية في شهر ابريل 2010، وجاء القرار الجمهوري حينها ليحسم الجدل والصراع الذي أشتعل على المنصب منذ رحيل الشيخ أحمد كامل ياسين في نوفمبر 2008 بين كل من الشيخ عبد الهادي القصبي والشيخ علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية الذي اعتبر نفسه الوريث الشرعي للمنصب بحكم كبر سنه؛ حيث تعارفت الطرق الصوفية على أن يخلف الشيخ الراحل أكبر مشايخ الطرق الصوفية سنا.

 

لكن هذه الأزمة والخلافات التي نشبت داخل البيت الصوفي جعلت الكثير من المراقبين يقولون أن الهدوء ودع البيت الصوفي، وأننا بصدد مرحلة جديدة من الحراك الداخلي تدخلها الصوفية على استحياء، وهو ما يحاول الشيخ القصبي نفيه في هذا الحوار مؤكدا على أن السمة الغالبة عل الصوفية هي الهدوء والبعد عن الأزمات وأنه الصوفية "ليسوا أهل صدام بل إنهم أهل الزهد والورع".

 

ويتطرق الحوار لقضايا أخرى تتعلق بخطة الشيخ القصبي لاحتواء الطرق الصوفية ورؤيته لما بات يسمى بالاختراق الشيعي للطرق الصوفية، هذا بجانب موقفه من الطلب الغربي والأمريكي على التصوف، ومن مشاركة زعماء الطرق الصوفية في مؤتمرات الحوار التي تنعقد في أمريكا لدعم ما يسمى بـ"الإسلام المعتدل" في مواجهة ما يسمى بـ"الإسلام المتطرف"، وذلك في إطار إستراتيجية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية لتجفيف منابع "الإرهاب".

 

جدير بالذكر أن الشيخ القصبي وبجانب منصبه كشيخ لمشايخ الطرق الصوفية فإنه عضو في مجلس الشورى "الغرفة الثانية في البرلمان المصري" عن دائرة طنطا بمحافظ الغربية، وهو أيضا عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية وعضو مجلس نقابة الأشراف، وشيخ الطريقة القصبية، وهو نجل شيخ مشايخ الطرق الصوفية الأسبق "أحمد عبد الهادي القصبي"، وهذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها شيخا ونجله مشيخة الطرق الصوفية..فإلى نص الحوار.

 

ظروف مضطربة

 

* توليتم مشيخة الطرق الصوفية في ظروف مضطربة ومنافسة على منصب المشيخة من قبل الشيخ محمد علاء أبو العزائم، وكما رفضت مجموعة طرق أخرى القرار ..فما هو شكل العلاقة مع الشيخ العزمي وموقفه من تعيينكم رئيسا للمشيخة؟

 

- حقيقة لا توجد خلافات بيني وبين السيد علاء ماضي أبو العزائم، وللأسف فقد كان للإعلام والصحافة دور كبير في تأجيج الصراع على منصب المشيخة، وهي صراعات بعيدة عن واقع التصوف وسماحته، فمثلا نشرت الصحف حينها أن هناك مجموعة من قادة الطرق الصوفية بجاب الشيخ أبو العزائم يعترضون على تعييني وأنهم يشكلون جبهة معارضة ويرفضون الاعتراف بشرعية منصبي الجديد، وهذا غير صحيح على المستوى العملي؛ حيث كان الشيخ أبو العزايم هو أول المهنئين لي بتولي المنصب، وكان يجلس بجواري في أول اجتماع للمجلس الأعلى للطرق الصوفية.

 

وإذا كانت هناك من خلافات فإنها سطحية وقد تم تصفيتها في إطار جمعية عمومية للمجلس الأعلى للطرق الصوفية للم الشمل ومنع فيروسات الخلافات والصراعات من اختراقها، وأنا الآن لا أريد أن أفتح صفحات للخلاف مع أحد، وأفتح مكتبي وقلبي للجميع وأرحب بالحوار مع المخالفين قبل الموافقين لي، عملا بمبدأ الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، وعفا الله عما سلف.

 

* لكن الصراع على منصب المشيخة أكد حقيقة مفادها أن الهدوء ودع البيت الصوفي إلى الأبد، خاصة مع ظهور نوع من المعارضة الصوفية غير المسبوقة لقرارات الحكومة بمنع حلقات الذكر والاحتفالات والموالد ..فما هي خطتكم لاحتواء الصوفية وعلاج هذه المشاكل؟

 

- ليس من عادة الطرق الصوفية أن تقحم نفسها في صراعات وصدامات سواء فيما بين بعضها البعض أو بينها وبين الحكومة، ونحن كمؤسسة دينية رسمية لسنا أهل صدام بل إن الصوفية هم أهل الزهد والورع؛ وما حدث هو عدم تفهم بعض قادة الطرق الصوفية لسياسة الحكومة في حماية الناس، لكننا سنسعى إلى حل هذه الخلافات.

 

وعلى مستوى آخر فإننا سوف نتعاون مع الهيئات الدينية أو الرسمية في الدولة كمشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف والإعلام، ودار الإفتاء من أجل تقديم رؤية الصوفية لكافة الأحداث الدائرة، كما سنسعى إلى تقديم صورة نقية عن التصوف للعالم، خاصة أن التصوف تعرض خلال العقود الماضية لحملة شرسة من التشويه لأسسه ومبادئه والطعن في رموزه ومشايخه من قبل تيارات دينية متشددة.

 

ونسعى في سبيل ذلك لتدشين حملة للإصلاح الداخلي لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة عن التصوف، وتنقية الساحات

 

الصوفية والموالد والاحتفالات الصوفية مما علق بها من شوائب وخزعبلات وخرافات وتجاوزات ونجعلها لقاءات دينية لنشر بحوث العلم والذكر واستعادة سيرة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم

 

الصوفية والموالد والاحتفالات الصوفية مما علق بها من شوائب وخزعبلات وخرافات وتجاوزات ونجعلها لقاءات دينية لنشر بحوث العلم والذكر واستعادة سيرة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واسترجاع سيرة أولياء الله الصالحين، وذلك بهدف عام هو إعادة التصوف إلى نقاءه ودعمه للأخلاق الحميدة.

 

صوفية نيولوك

 

*ما هي الخطوات العملية التي تنوون اتخاذها في ملف الإصلاح الداخلي للطرق الصوفية؟

 

- نسعى إلى إنشاء صرح جديد للتصوف يكون مناسب من النواحي الإدارية للارتقاء بالتصوف، بحيث يحتوى هذا الصرح على معمل للغات الأجنبية تتيح للمتصوفة الإلمام بمهارات التحدث باللغات الأجنبية من أجل الانفتاح على العالم بشخصية منفتحة ومتطورة.

 

وقد شكلنا هيئة علمية عليا من علماء الأزهر ومن هيئات دينية أخرى ومن أهل التصوف للتباحث في كيفية إنجاز نهضة صوفية تخدم الدعوة الإسلامية، وللبحث في المسائل الدينية الخاصة بالتصوف، ولوضح أسس للخطاب الصوفي مع الآخر خاصة الدول المهتمة بالتصوف والهيئات الدولية المتخصصة في التصوف والتي لنا أصبح لنا علاقات معها في السنوات الأخيرة.

 

* في إطار النهوض بالصوفية ..ما مدى صحة الأنباء عن إنشاء قناة صوفية مصرية؟

 

- حقيقة فقد ناقشت موضوع الفضائية الصوفية من قبل في إحدى اجتماعات المجلس الأعلى لطرق الصوفية، وقد اقترح المجلس وقتها تقديم مجموعة برامج دينية في بعض القنوات مؤقتا لحين إنشاء قناة تليفزيونيه مستقلة وسيتم الترتيب لذلك في المرحلة المقبلة، على أن يتم الإعداد لإطلاق قناة صوفية متخصصة في المرحلة القادمة تدافع عن الصوفية وتعرض صورتها الصحيحة.

 

الاختراق الشيعي

 

* ثمة اتهامات كثيرة للطرق الصوفية بأنها أصبحت في السنوات الأخيرة قنطرة للاختراق الشيعي وأن الشيعة يستغلون حب الصوفية لأهل البيت للتبشير بالمذهب الشيعي .. فهل سيكون لكم جهود لوقف هذه الاختراقات؟

 

- الكلام عن الاختراق الشيعي للطرق الصوفية مبالغ فيه جدا، وينطوي على معلومات كثيرة مغلوطة، وأقول أن أحدا من الشيعة لا يستطيع أن يخترق الطرق الصوفية، وليس معنى أن أهل مصر عامة والصوفية بشكل خاصة يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك اختراق شيعي للصوفية، فنحن متمسكون بحب النبي وآل بيته وعترته الطاهرين الطيبين، وفي ذات الوقت نرفض التشيع، وأود أن أعلن أننا في مشيخة الطرق الصوفية سنتبنى دعوة لتوحيد الأمة الإسلامية خاصة السنة والشيعة وإنهاء الخلاف فيما بينها .

 

* لكن قبل هذه الدعوة هناك كثير من القضايا الخلافية بين السنة والشيعة التي تقف عقبة في طريق أي حوار سني شيعي ..فكيف ستتعاملون مع هذه الخلافات والتي تعود بالأساس إلى تجاوزات شيعية في حق السنة؟

 

- هناك اتفاق بين السنة والشيعة على القواعد الأصولية في العقيدة، أما الخلاف فهو في القضايا الفرعية، وهذه الفرعيات يمكن الحوار فيها، فشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، والصلوات الخمس لا خلاف عليها، أما قضية حب أهل البيت والأولياء الصالحين، فإن لها حدود ولا تفسد العقيدة. وهناك أيضا قضية إساءة بعض الشيعة للصحابة وتعمد سبهم وشتمهم، وهذه جريمة نرفضها نحن الصوفية ونستنكر الإساءة إليهم. وما أريد أن أقوله أن هناك قضايا فرعية كثيرة يمكن النقاش حولها ويمكن أن نتفق أو نختلف فيها، ولا يجب أن تكون سبب في تفتيت الأمة الإسلامية إلى سني وشيعي، فهناك حملة غربية ضد العالم الإسلامي تستفيد من حالة التناحر بين السنة والشيعة ومهمتنا توحيد صف الفريقين لمواجهة العدوان الغربي على المسلمين.

 

التقريب بين المذاهب

 

*هناك جهود كثيرة للتقريب بين السنة والشيعة تمت عبر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالأزهر الشريف .. فهل تنوون التنسيق مع هذه الدار لتدشين دعوتكم للحوار وتوحيد الأمة الإسلامية؟ وهل أنتم عضو فيه دار التقريب أم لا؟

 

- نحن سنساهم في أي جهود يكون من شأنها لم شمل الأمة الإسلامية والحفاظ على وحدتها ومنع انفراط عقدها، أما رسميا فإنني لست عضوا في دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، ولا مانع من أن يكون هناك تنسيق بين مشيخة الطرق الصوفية ودار التقريب التي يشرف عليها الأزهر الشريف طالما أنه من شأن هذا أن يسهم في تحقيق مزيد من التعاون للحفاظ على وحدة الأمة وهويتها. ومحاربة التعصب الديني، والافتراق العقدي، والبحث عن السبل الكفيلة بجمع كلمة الأمة وإقامة وحدتها.

 

* الخلاف العقدي بين السنة والشيعة له جذور تاريخية وجروح غائرة يصعب القفز عليها ..فكيف ستتعاملون معها؟

 

- التقريب والحوار بين السنة والشيعة لا يعني القفز فوق الخلافات المذهبية، والحقيقة أن هناك تيار شيعي كبير ينكر سب الصحابة والخوض في الإساءة إليهم، هؤلاء نحن نتفق معهم أما من يسب الصحابة ويسيء إلى سيدنا أبو بكر وعمر والسيدة عائشة رضي الله عنهما جميعا فإننا نختلف معهم ونرفض أي إساءة لهؤلاء الخلفاء الراشدين. فنحن نحب كل صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".. فلا يصح أن نشكك في قيمة من كانوا جلساء للحبيب صلى الله عليه وسلم واقتبسوا من نوره.

 

الصوفية وأمريكا

 

*فيما يتعلق بالعلاقة بين الطرق الصوفية وأمريكا لوحظ زيادة معدلات الطلب الأمريكي والغربي على الطرق الصوفية باعتبارها تمثل الإسلام المعتدل لمواجهة التطرف الإسلامي.. وهناك طرق صوفية تشارك في مؤتمرا للصوفية في أمريكا وأوروبا ..فما هو موقفكم من هذا الحوار؟

 

- أهل التصوف هم أهل السماحة والوسطية، وهم يعكسون في تدينهم سماحة الدين الإسلامي، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أول من أسس لحقوق الإنسان في العالم، فقد ساوت رسالته بين السادة والعبيد، "فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح" كما قال صلى الله عليه وسلم، كما أنه أسس صلى الله عليه وسلم للتعايش بين الأديان، وحينما مرت عليه جنازة يهودي قام واقفا، وقال إنها نفس بشرية تستحق الاحترام، هذا رغم الأذى الذي تسبب فيه اليهود للنبي والوقفة التي وقفوها ضد دعوته الإسلامية. كما أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار وأمن يهود المدينة حينما دخلها على أنفسهم وأموالهم وبيعهم ولم ينكل بهم، رافعا لواء "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". ونحن إذ نقبل بالحوار والدعم الأمريكي للتصوف فإننا نتحاور معهم بهذه الرؤية.

 

* لكن المشكلة أن أمريكا لا تتقرب من المتصوفة وتدعمهم هباء، فالمحرك لكل ذلك هو المصلحة الأمريكية فقط، ولولا تلك المصلحة ما سعت أمريكا للحوار مع الصوفية.. فما الذي ستجنيه الصوفية من مثل هذه الحوارات؟

 

- التصوف هو دعوة عالمية إلى الاعتدال والسعي إلى تحقيق مصلحة الإنسان في كافة أصقاع الأرض، وبما أن الإسلام دين عالمي فإن خطاب الصوفية المعتدل هو أحد أوجه الإسلام السمحة، وهو خطاب يعلى من شأن القيم الإيجابية التي تبعث في الإنسان القرب الروحي من الله تعالي في أي مكان، ومن ثم فإننا لا نرفض الدعوة الأمريكية للحوار مع الصوفية لأن فيها مصلحة الصوفية حيث تسهم في انتشارها والتعريف بها، وحتى إن كانت هناك منفعة أمريكية فإن منفعة الصوفية أكثر، وليس معنى قبولنا بالحوار أن تذوب الصوفية في الآخر الأمريكي، فنحن بالأساس مسلمون نقدس تراب هذا الوطن ونرفض أن نكون سببا في اختراقه أو النيل منه، بل إننا بالأساس حائط صد ضمن الحوائط الكثيرة التي تقف في وجه الاختراق والهيمنة الأمريكية على مصر والعالم الإسلامي.

 

* معنى ذلك أن إذا قدمت لكم دعوات لحضور مؤتمرات للصوفية في أمريكا أو الدول الأوروبية فإنكم ستقبلونها؟

 

- بالطبع سأقبلها ..فلا مانع من أن تنفتح الصوفية وتناقش الأمريكيين، فلإسلام هو دعوة اعتدال بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالسيف والبارود، ونحن نستمد هذه الرؤية من كتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم ومن سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لخص رسالته في كلمات قليلة "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وأحب أن أوضح أن حملة التشويه التي لحقت بالإسلام والمسلمين في شتى دول العالم كان السبب فيها هو التطرف والتشدد في فهم الإسلام، وعلينا أن نبذل كافة جهودنا في إزالة آثار هذا التطرف وإعادة رسم الصورة من جديد سواء بالحوار مع الغرب أو التواصل مع المسلمين فيه، فالغرب كله ليس على شاكلة بوش صاحب الهجمة العسكرية على الدول الإسلامية، ولكن هناك قطاعات كبيرة في المجتمعات الأمريكية تتعطش إلى الحوار وإلى معرفة الدين الإسلامي بشكل صحيح وهذا جزء من مهمة الصوفية والتي سنسعى إلى دعمها في المستقبل.

 

--------------------------------------

 

* صحفي مصري

اجمالي القراءات 4816