ق 1 /4: مدخل عن ملامح البناء الايدولوجي فى سلوكيات الاخوان النجديين

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

الفصل الرابع : ملامح البناء الايدولوجي فى سلوكيات الاخوان النجديين  

مدخل : عن : ملامح البناء الايدولوجي فى سلوكيات الاخوان النجديين  

أولا : عقلية حافظ وهبة بين شيخه محمد عبده ومخدومه عبد العزيز آل سعود

1 ـ ــ كان حافظ وهبة هو المستشار المتميز لدي عبد العزيز، وقد تم التعارف بينهما في 1916 عندما جاء ابن سعود ليعزي في وفاة مبارك الصباح ،ثم فيما بعد التحق بالعمل معه مستشارا قبل ان تقترب ساعة الحسم مع الشريف حسين. كان حافظ وهبة من تلامذة الشيخ محمد عبده ،و لكن لم يكن مستقلا مثل شيخه ، فقد عمل حافظ وهبة فى خدمة السّلطات المصرية ، وباشر السفر و العمل السياسي بين مصر وتركيا والهند والكويت الي ان عمل مستشارا لعبد العزيز. ومع هذا يبدو بقايا من تأثره بشيخه محمد عبده ، فورث عنه كراهية الجمود في الازهر ،وكراهية الطغيان الشرقي المتخلف والانفتاح علي الغرب ،مع الرغبة فى التخلص من الاستعمار مع الرؤية الواقعية [1]،  فى التعامل مع المستبد الشرقى ومقاومة الاستعمار  ، كأى مشتغل بالعمل السياسى لدى الغير.

2 ــ وحين بدأ عمله مع عبد العزيز كان الاخوان النجديون في قمة توهجهم وبداية معارضتهم السياسية . وحافظ وهبة وان كان من مدرسة الشيخ محمد عبده التي تنفر من التشدد السني الوهابى الا ان خلفيته الفكرية لا تمكنه من اجتهاد يواصل به اجتهاد شيخه في تقديم مشروع اسلامي يواكب العصر ،علاوة  على أن هذا البديل الفكرى الاسلامى  الاصلاحى على أُسُس مدرسة الامام محمد عبده  مرفوض مقدما وأساسا من مخدومه عبد العزيز  آل سعود  الذى يريد الوهابية وسيلة لاسترداد ما يعتقده مُلكا لأسرته السعودية . لذا  إنحصرت من البداية امكانات الشيخ حافظ وهبة  في مجرد إنقاذ ما يمكن انقاذه لصالح عبد العزيز مع عدم المساس بالوهابية ، وإيجاد بديل للإخوان النجديين ( إخوان مصريين / وهابيين مصريين / سلفيين مصريين ) فى العُمق المصرى ، يقوم بنشر الوهابية فى مصر وخارجها ، ويجعل مصر ظهيرا حاميا لدولة عبد العزيز ، دون أن تتكلف شيئا دولة عبد العزيز. وهذا ما حدث فعلا ، ونشهد الآن تحقيقه بعد ثلاثة أرباع القرن .  

3 ــ وهذا التناقض فى عقلية حافظ وهبة ( تأثره بالامام محمد عبده المُعادى للوهابية ، وعمله مع عبد العزيز آل سعود الوهابى ) نلاحظ بعض مظاهره فى تعليقات حافظ وهبة ، وهو يؤرخ للإخوان النجديين وسيدهم عبد العزيز ، كما يلاحظ تأثير حافظ وهبة فى بعض قرارات عبد العزيز المتعلقة بالاخوان .

ثانيا : بعض مما قاله حافظ وهبة

 1 ــ وننقل عن حافظ وهبة هذه اللوحة التاريخية عن الاخوان، يقول :  ( وقد غالى فريق كبير من عتيبة في كره الجاهلية او حياة البادية ،فرأوا ان من آية الاخلاص لله ودينه وآية الايمان الصحيح :التخلص من كل ما يشتم منه رائحة الجاهلية ،فأخذوا يبيعون ابلهم واغنامهم وينقطعون في الهجر للعبادة وسماع السيرة النبوية وغزوات الرسول ص- وتاريخ انتشار الاسلام في جزيرة العرب ،فوجدوا ان حياتهم الاولي تشبه في كثير من الوجوه حياة الجاهلية .كما ان حياتهم الاخيرة تشبه حالة الاسلام في ايامه الاولي ،فعكف اكثرهم علي تعلم مبادئ القراءة وحفظ شئ من القرآن والحديث .) ( تعليق سريع : لاحظ أثر التعليم الفاسد هنا )

2 ـ ( غير ان هذا الانقلاب كان خطيرا وعنيفا جدا ،فلقد تشرب هؤلاء كثيرا من المبادئ والتعاليم الناقصة ،حتي اعتقدوا انها هي الدين وما سواها ضلال ،كما اساءوا الظن بغيرهم من حضر نجد ( الوهابيين ) ، بل وولي امرهم الامام عبد العزيز .اصبحوا يعتقدون ان لبس العمامة هي السنة ،وان العقال من البدع المنكرة ،بل غالى بعضهم فجعله من لباس الكفار ،ويجب مقاطعة لابسيه ،وكان كثير منهم يعتقد ان لا اسلام لمن لم يسكن الهجر مهما كان عليه من الاسلام ،وترك شرور البادية وعوائدها ،فلا يبدأون غيرهم من هؤلاء بالسلام ،ولا يردون عليهم السلام ولا يأكلون ذبائحهم ،و ذنب هؤلاء عندهم هو عدم سكنى الهجر.وكان فريق منهم يعتقد ان المشايخ مقصرون مداهنون لابن سعود ،وقد كتموا الحق عنه ،وكانوا يعتقدون ان الحضر ضالون ،وان غزو المجاورين واجب ،وانه القي عليهم هذا الواجب من قبل الله ،فلا يسمعون كلام احد في منع الغزو ,) ( تعليق سريع : لاحظ أثر التعليم الفاسد هنا )

3 ــ  ( وقد نال بعضهم الامام عبد العزيز فرموه بموالاة الكفار والتساهل في الدين، وانكروا عليه تطويل الثياب والشارب ولبس العقال ، الي غير ذلك من دروب الجهالة ،واصبحوا يحرمون كل ما لا يتفق وهواهم ،وان سريان هذه الروح المتمردة يرجع الي هؤلاء الجهلة انصاف المتعلمين الذين انتشروا في قري الاخوان باسم العلم ولقنوهم هذه التعاليم ،وحببوا اليهم التعصب الذميم . ) ( تعليق سريع : لاحظ أثر التعليم الفاسد هنا )

4 ــ ( وربما كانت سنة 1345 من اشد السنين في نجد ،اذ كادت تقع فيها فتنة اهلية بين الاخوان من جهة ومن الحكومة والحضر ( الوهابيين ) من جهة اخري .ولقد جرد الامام ( يقصد عبد العزيز ) جيشا من طلبة العلم المتفقهين في دينهم وارسلهم الي الاخوان كي يصلحوا ما افسده الاولون ،كما انتزع اولئك الذين بذروا بذور الجهالة والغواية ،ومنعهم من السكني في الهجر، علي ان الملك عبد العزبز وان نجح في ذلك كثيرا فانه لم يتمكن تماما من استئصال تلك الجذور التي تمكنت من نفوسهم ،ولولا انهم يخافون سيفه ويهابون سلطانه لعمت الفوضي جزيرة العرب. ) .[2].( تعليق سريع : لا يمكن إصلاح التعليم الفاسد بنفس التعليم الفاسد ، وبالتالى فالقوة هى الحل الحاسم ، حيث فساد التعليم هو السائد )

ثالثا :   ــ ونتوقف بالتحليل مع هذه اللوحة التاريخية :

1 ـــ  انه يتحدث عن كراهية قبيلة عتيبة ( وزعيمها الوهابى سلطان بن بجاد ) للجاهلية او البادية وتخلصهم من الابل والغنائم لينقطعوا في الهجر والعبادة و سماع السيرة النبوية ويري في ذلك انقلابا خطيرا جدا .ولم يكن حافظ وهبة موجودا مع عبد العزيز سنة 1910 وما بعدها حين انشأ الاخوان ،واقام الهجر ،وقال للبدوي :بع دارك وابلك واتبعني .أي انها مسئولية عبد العزيز، وهو الذي نظم الاخوان من قبائل عتيبة ومطير وحرب وغيرها وقام بتعليمهم الوهابية فى الهجر .لأن حافظ وهبة جاء متأخرا فلم يعرف الاسس الفكرية التي قامت عليها  أيديولوجية الاخوان ،وانها من وضع العلماء الكبار ،ولذلك نراه انه يحمل المسئولية هنا لعلماء سابقين مجهولين بثوا فيهم التمرد ،ويصفهم بقوله (هؤلاء الجهلة انصاف المتعلمين الذين انتشروا في قري الاخوان باسم العلم ولقنوهم هذه التعاليم وحببوا اليهم التعصب الديني ).

2 ــ والواضح ان حافظ وهبة تلميذ الامام المصلح محمد عبده قد ادرك خطورة هذا المنهج الفكري الذي اسماه (المبادئ والتعاليم الناقصة ). والواضح انه ايضا ادرك اهمية استبدال الفقهاء المطوعة المحليين بآخرين ليسوا اكثر تنويرا ،ولكن اكثر ولاء للملك عبد العزيز ،ولذلك يقول ان الملك عبد العزيز ارسل اخرين ليصلح ما افسده السابقون ،ومنع اولئك السابقين من السكن في الهجر ..ويعبر حافظ وهبة عن تشاؤمه من اكتمال النجاح وتوقفه علي قوة عبد العزيز وسلطته .

3 ــ ويشير حافظ وهبة الي ملامح ذلك البناء الايدولوجي الذي يراه مبادئ وتعاليم ناقصة .واهم ما فيها تكفير الاخر وقتاله والتعصب والتزمت أو التشدد. وقد وصل تكفيرهم الي الوهابببن الاخرين من سكان نجد من اهل الحضر وممن لم يهاجروا الي الهجر ،وحكموا ايضا بكفر من لا يلبس الزي الذي يلبسونه ،واستتبع التكفير الرغبة في قتال الكفرة المجاورين لهم ،واعتقدوا ان الله اختارهم لهذه المهمة ،ولذلك لا يسمعون كلام احد في منع الغزو . وهذا يدخل بنا علي اهم ملامح البناء الأيدلوجي فى سلوكيات الاخوان : التطرف والتعصب والتزمت أو التشدد.

4 ــ والتطرف هو اكراه  الآخر في دينه وعقيدته ومذهبه، وإرغامه علي ترك ما هو عليه وان يتبع ما انت عليه.  وهذا الآخر قد يكون خارج الوطن ،وهنا يكون الجهاد المقدس حربا شعواء لاكراهه في الدين .وقد يكون داخل الوطن او الدولة ، وهنا يظهر التطرف في شكل ازالة المنكر علي اعتبار ان هذا الاخر وما يفعله هو منكر يجب ازالته .

وقد سبق فتوي العلماء في مؤتمر الرياض 1927 بشأن شيعة الاحساء وازالة شعائرهم ومساجدهم علي انها منكر ،وارغامهم علي اتباع الوهابية .وحافظ وهبة يعطي مثالا حيا لتطرف الاخوان مع عبد العزيز نفسه ،يقول انهم (انكروا عليه تطويل الثياب والشارب ولبس العقال ) ، فاذا كانوا يفعلون هذا معه في هذه الامور الفرعية الشكلية والتافهة فكيف بهم مع الاخرين .

5 ــ  والتعصب هو كراهية الاخر المختلف في الدين والعقيدة والمذهب ومقاطعته ،ويشير حافظ وهبة الي مقاطعة الاخوان لمن يلبس العقال ،ومقاطعتهم لمن يخالفهم في الرأي من الوهابيين (فلا يبدأون غيرهم من هؤلاء بالسلام ،ولا يردون عليهم السلام ،ولا يأكلون ذبائحهم ،وذنب هؤلاء عندهم هو عدم سكنى الهجر ). وسبق أن ( كراهية الآخر ) من أُسُس الوهابية كما جاء فى تعليمات محمد بن عبد الوهاب .

والتزمت او التشدد هو تحريم الحلال ،يقول (واصبحوا يحرمون كل ما لا يتفق وهواهم ).

6 ـــ وارتبطت معارضتهم لعبد العزيز بهذا البناء الأيدلوجي وملامحه . وتردد ذلك في سطور حافظ وهبة ،فهو يقول انهم اساءوا الظن بولي امرهم الامام عبد العزيز، وانهم نالوا الامام عبد العزيز بتهم منها موالاة الكفار والتساهل في الدين (أي الوهابية ؛ دينهم الخاص ) وانكروا عليه تطويل الثياب والشارب ولبس العقال .وحين انضم كبار العلماء الي عبد العزيز نالهم ما نال عبد العزيز ،فاصبح اولئك الاخوان يعتقدون ان اولئك المشايخ مقصرون مداهنون لابن سعود ،وقد كتموا الحق عنه .

ثالثا

وما اوجزه هنا حافظ وهبة .هو ما سنتعرض له بالتفصيل في هذا الفصل عن ملامح البناء الايدولوجي للمعارضة الاخوانية وهي :التطرف والتعصب والتشدد او التزمت ،والمزايدة في التدين علي الحاكم في الدولة الدينية.

الهوامش

1-جلال كشك :السعوديون والحل الاسلامي 722:721.

2- وهبة :جزيرة العرب في القرن العشرين 287:285.

اجمالي القراءات 9504